الودود" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومِن معانيه أنه يحب ويَوَدُّ عِبادَه الصَّالِحين، وهو المحبوب لهم، بل لا شيء أحبَّ إليهم منه، وفي اسم الله عز وجل "الودود" حَث لِلْمُذْنِبين على أنْ يتوبوا، قال الطبري: "فَإِنَّ الله ذُو محَبَّةٍ لِمَنْ أَنَاب وَتَاب إِليه، يُوِدُّه وَيُحِبُّه".. وقال السَّعْدِيّ: "فَهُو الْمُتَوَدِّد إلى خَلْقه بِنُعُوتِه الجميلة، وآلَائِه الوَاسِعة، وأَلْطَافِه وَنِعَمِه الْخَفِيَّة والْجَلِيَّة، فهو الْوَدُود يُحِبُّ أَوْلِيَاءَه وأَصْفِيَاءَه وَيُحِبُّونه، فهو الذي أَحَبَّهُم، وَجَعَلَ في قُلُوبِهُمُ الْمَحَبَّة، فَلَمَّا أَحَبُّوه أَحَبَّهُمْ حُبًّا آخَرَ جَزَاءً لهم على حُبِّهِمْ. فَالْفَضْلُ كُلُّه رَاجِعٌ إليْه، فهو الذي وَضْع كُلَّ سَبَبٍ يَتَوَدَّدُهُمْ بِه، وَيَجْذِب قُلُوبَهُم إلى وُدِّه، تَوَدَّدَ إِلْيْهِم بِذِكْر ما له مِن النُّعُوت الواسعة العظيمة الجميلة الْجَاذِبَة للقُلوب السَّلِيمة، والأَفْئِدة الْمُسْتَقِيمة، فَإِنَّ الْقَلُوب وَالأرواح الصَّحيحة مَجْبُولَةٌ على مَحَبَّة الْكَمال، واللهُ تعالى له الْكَمَال التَّامُّ الْمُطْلَق". وفي "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى": "وقال الْقُرْطبِيّ: فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلم أَنَّ الله سبحانه هو "الْوَدُود" على الإِطْلَاق، الْمُحِبُّ لِخَلْقه، وَالْمُثْنِي علَيْهِم، والْمُحْسِن إليهِم، ثُمَّ يجِب عليه (كل إنسان مُكَلَّف) أَنْ يَتَوَدَّدَ إلى رَبِّه بامْتِثَال أَمْرِه وَنَهْيِه، كَمَا تَوَدَّدَ إِليه (ربه سبحانه) بِإِدْرَارِ نِعَمِه وَفَضْلِه، وَيُحِبّه كما أَحَبَّه، وَمِنْ حُبِّ الْعَبْد لله: رضاه بما قَضاه وقَدَّرَه، وَحُبّ الْقُرْآن والْقيام به، وَحُبّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وَحُبّ سَنَّتِه والْقِيام بها".
هذا الاسم من أقرب الأسماء إلى المؤمن، لأن العبد من شأنه أن يذنب، وأن الله تعالى من شأنه أن يغفر، شأن العبد أنه يذنب، وشأن الرب أنه يغفر، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تستغفره إلا لأنه علم ضعفك وغفلتك أحياناً، في ضعف أمام بعض الشهوات، وفي غفلة، فالمغفرة علاج الضعف البشري، أو الغفلة، لولا أن الله جلّ جلاله غفور رحيم ماذا حلّ بنا؟ وماذا نفعل بذنوبنا؟ وكيف نواجه ربنا؟ لكن الله سبحانه وتعالى غفور، يستر ذنبك عن الخلق، ويعفو عنك، ويحول بينك وبين العقاب.
قال ابن كثير: (إنَّ ربِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) كما قال تعالى: (وإذا سَألك عَبَادي عنِّي فإني قَريبٌ أجيبُ دعوة الداَّعِ إذا دَعَان) (البقرة: 186). وقال البغوي: (إنَّ ربّي قريبٌ) مِنَ المؤمنين، (مُجيبٌ) لدُعَائهم. وقال السعدي: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) أي: قريبٌ ممنْ دَعَاه؛ دعاءَ مسْألة، أو دعاءَ عبادة، يُجيبه بإعْطائه سُؤْله، وقَبُول عبادته، وإثَابته عليها، أجلّ الثواب.. قال: وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وهذا النوع، قربٌ يَقْتضي إلطَافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمُرادَاتهم، ولهذا يَقْرن باسمه”القريب” اسمه”المجيب”. وقال في قوله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عني…) : هذا جوابُ سُؤال، سَأل النبيَّ ﷺ بعضُ أصْحابه؛ فقالوا: يا رسولَ الله ، أقريبٌ ربُّنا فَنُنَاجيه؟ أم بعيدٌ فنناديه؟ فنزل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) لأنه تعالى ، الرقيب الشهيد ، المطَّلع على السِّر وأخْفى ، يَعْلم خَائنةَ الأعْين وما تُخْفي الصُّدُّور ، فهو قريبٌ أيضا من داعيه، بالإجَابة، ولهذا قال: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
هو -سبحانه- قريب.. وسِع سمعُه الأصوات، لم تشْتبه عليه اللغات، ولن تختلط عليه اللهجات. هو -جلَّ في عُلاه- قريبٌ.. أقرب للعبد من حبْل الوريد، ولا شيء في ملْكِه عنه بعيد، يسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصَّمَّاء في اللَّيلة الظَّلْماء. هذا هو القُرب العام، قُرْب العلْم والمشاهَدة، والمراقبة والإحاطة، هذا القُرْب عامٌّ لكلِّ خلْق ومخلوق، من أنس وجان، ومسلمٍ وكافر. وقربٌ آخر خاص، خصَّه الله لأوليائه وأصفيائه، هذا القُرْب الخاص، يقْتضي اللطْف والحِفْظ والتوفيق، والعناية والنُّصْرة والتسديد. فالله تعالى قريبٌ من عبادِه المؤمنين، يسْمع شَكْوَاهم، ويجيب دعْواهم، يحفظهم بعنايتِه، ويكلؤهم برعايتِه.
الصَّمَدُ -سبحانه- هو الغني بذاته والكل مفتقر إليه، وما من حي ولا ميت إلا وهم مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويشكونه فاقتهم؛ لأنه الكامل في أوصافه، وهو السيد الذي كمل سؤدده، العليم الذي كمل في علمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء
من أسماء الله -عز وجل- "الأحد"؛ قال -تعالى-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الصمد:1]، ومعنى الأحدية الانفراد ونفي المثلية؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11]. فهو -سبحانه وتعالى- له الانفراد عن كل شيء من أوصاف المخلوقين، وفي الحديث الصحيح الذي تقدم: "اللهمَّ إني أسالكَ يا اللهَ الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلدْ ولم يولدْ، ولم يكنْ له كفوًا أحدٌ، أنْ تغفرَ لي ذنوبي، إنك أنت الغفورُ الرحيمُ"؛ نسأل الله الواحد الأحد الصمد أن يغفر ذنوبنا، وييسر أمورنا، وأن يوفقنا لكل خير ويجنبنا كل شر؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اسم الله الكريم من الأسماء التي سمى بها نفسه وسماه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما أنه يبث السعادة في قلوب المؤمنين، فهم متقلبون في نعيمه ليل نهار، فلا كرم يسمو على كرمه، ولا إنعام يرقى إلى إنعامه، ولا عطاء يوازي عطاؤه، له علو الشأن في كرمه، يعطي ما يشاء لمن يشاء، كيف يشاء، بسؤال وغير سؤال، يعفو عن الذنوب ويستر العيوب، ويجازي المؤمنين بفضله، ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله.. فما أكرمه! وما أرحمه! وما أعظمه!. وقد رد اسم الله -تعالى- الكريم في ثلاثة مواضع في كتاب الله العزيز، فقال تعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:116]
الْعَالَمُ أَجْمَعُ؛ جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ، وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَكَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ، وَأَمِيرُهُمْ وَحَقِيرُهُمْ، وَقَوِيُّهُمْ وَضَعِيفُهُمْ؛ فُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ، مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. وَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَرَنَ اسْمَهُ: "الْغَنِيَّ" بِاسْمِهِ "الرَّحْمَنِ" فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)[الْأَنْعَامِ: 133]، وَذَلِكَ لِإِخْبَارِ الْعِبَادِ أَنَّهُ: غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ قَدْ رَحِمَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ حَتَّى فِي الْعِبَادَاتِ وَالتَّكَالِيفِ، بَلْ مِنْ رَحْمَتِهِ: أَنَّهُ يَقْبَلُ الْقَلِيلَ فَيُكَثِّرُهُ. تَبَرَّأْتُ مِنْ حَوْلِي وَطَوْلِي وَقُوَّتِي *** وَإِنِّي إِلَى مَوْلَايَ فِي غَايَةِ الْفَقْرِ غِنَى الْمَرْءِ بِالرَّحْمَنِ أَغْنَى مِنَ الْغِنَى *** بِهِ يُكْتَسَى ثَوْبَ الْمَهَابَةِ وَالْقَدْرِ لَهُ الْفَضْلُ كُلُّ الْفَضْلِ أَسْلَمْتُ مُهْجَتِي *** إِلَيْهِ فَمَا لِي حِينَ أَنْسَاهُ مِنْ عُذْرِ
اسم الحكيم، اسمٌ ساقه الله في القرآن في واحد وتسعين موضعًا، وفي جميع المواضع يقرنه باسم آخَر من أسماء الله تعالى، فتارة مع العزيز، وتارة مع العليم، وتارة مع الخبير، أو مع غيرها من أسماء الله الحسنى. والحكيم: الذي يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها مواقعها، ولا يأمر إلا بما فيه الخير، ولا ينهى إلا عما فيه الشر، ولا يعذب إلا من استحق، ولا يقدر إلا ما فيه حكمة وهدف، فأفعاله سديدة، وصنعه متقن، فلا يقدِّر شيئاً عبثاً، ولا يفعل لغير حكمة؛ بل كل ذلك بحكمة وعلم، وإن غاب عن الخلائق. خلق الخلق لحكمة، وقدّر الموت والحياة، والجنة والنار، لحكمة شريفة وهي العبادة، فيتبين في الميدان المطيعُ من العاصي، والشكورُ من الكفور، ومَن ظن الله يخلق بلا حكمة ويُقدِّر بلا هدف ويأمر بلا مصلحة فقد ضل وما هدى، وأخطأ وأساء
الله عزَّ وجل هو التَّوَّابُ الذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عَبادِه، فَمَا مِنْ عَبْدٍ وقع في الذنوب صغيرها وكبيرها ثُمَّ رجع وتاب إليهِ سبحانه، إلَّا قبِل توبته وتاب عليه وفَتَحَ له أبْوَابَ رحمته، ما لمْ يُدْرِكْه الموتُ ولم تبلغ روحُه الحُلْقُوم. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرغِرْ) رواه الترمذي وحسنه الألباني. قال ابن بطال: " وقد ثبت بالكتاب والسنة أن التوبة مقبولة ما لم يغرغر ابن آدم، ويعاين قبْض روحه". ومِن المعلوم والمُجْمَع عليه عند أهل السُنَّة أن أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء .به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص
ورد اسمه”العليم” في مائةٍ وسبعةٍ وخمسين موضعاً من الكتاب؛ منها: قوله تعالى: (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة: 32). قال عبدالرحمن السّعدي: وهو الذي أحَاطَ علمُه بالظَّواهر والبَواطن؛ والإسْرار والإعْلان، وبالواجِبات والمُسْتحيلات والمُمْكنات، وبالعَالم العلوي والسُّفلي، وبالمَاضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيءٌ مِنَ الأشْياء.
جاء في القرآن تسع مرات منها: قوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 115). وقوله:(وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 247) معنى “الواسع” في حق الله تبارك وتعالى: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: (إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أي : جواد يسع لما يُسأل. قال ابن جرير: (إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ): يعني جل ثناؤه بقوله”واسع” يَسَعُ خَلقه كلهم بالكفاية والإفضال والجود والتدبير. وقال: (وَاللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ): واللهُ واسعٌ بفضله فينعم به على مَن أحب، ويريد به من يشاء،”عليم” بمن هو أهلٌ لمُلكه، الذي يؤتيه وفضله الذي يعطيه، فيُعطيه ذلك لعلمه به؛ وبأنه لما أعطاه أهل، إما للإصلاح به، وإما لأنْ ينتفع هو به
قال ابن جرير رحمه الله:”حليم” يعني أنه ذُو أناة، لا يَعْجل على عباده بعقُوبتهم على ذُنوبهم. وقال في موضع: حَليماً عمَّن أشْرك وكفرَ به مِنْ خَلْقه، في تركه تعجيلُ عذابه له. قال الخطّابي: هو ذُو الصَّفح والأناة، الذي لا يستفزُّه غَضبٌ، ولا يَستخِفُّه الصَّافح – مع العجز – اسم الحِلْم، إنّما الحليمُ هو الصَّفُوحُ مع القُدْرة، والمتأنّي الذي لا يَعجلُ بالعقوبة. قال ابن الحصّار: فإنْ قيل: فكيف يتضمّن الحِلْم الأناة، وقد قال رسول الله ﷺ لأشجّ عبد القيس:” إنَّ فيك لخَصْلتين؛ يُحبُّهما الله: الحِلْمُ والأناة”. فعدّدهما؟ فاعلم أنَّ الأناة قد تكون مع عدمِ الحلم، ولا يصحّ الحلمُ أبداً إلا مع الأنَاة، والأناة تركُ العَجلة، فقد تكون لعارضٍ يعرض، ولا يكون الحلمُ أبداً إلا مُشتملاً على الأناة، فتأمّله ! وكذلك لا يكون الحليم إلا حكيماً، واضعاً للأُمور مواضيعها، عالماً قادراً، إنْ لم يكنْ قادراً كان حِلْمه متلبّساً بالعجز والوهن والضعف، وإنْ لم يكن عالماً (كان) تركه الانْتقام للجَهل، وإنْ لم يكنْ حِكيماً؛ ربّما كان حِلْمه مِنَ السَّفه؛ وتتبع أمثال هذا.
الشكور صيغة مبالغة من الشكر, وقد ذكر الجزري في النهاية أن الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء, فشكره لعباده مغفرته لهم, وقد نقله المباركفوري في شرح الترمذي مقرا له, وذكر في موضع آخر أن الشكور هو المثنى على عباده المطيعين.
قال ابن جرير:”اخْتَلفوا في معنى قوله”العظيم”: فقال بعضهم: معنى العظيم في هذا الموضع: الـمُعظَّم. فقوله العظيم معناه: الذي يُعظِّمه خَلْقه؛ ويهابونه ويتّقونه. وقال آخرون: بل تأويل قوله”العظيم”: هو أنَّ له عظمةً هي له صفة، وقالوا: لا نَصِف عظمته بكيفية، ولكنّا نُضيف ذلك إليه مِنْ جهة الإثْبات، ونَنَفي عنه أنْ يكونَ ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد، لأنّ ذلك تشبيهٌ له بخَلْقه وليس كذلك.
قال ابن جرير رحمه الله:”وأمّا تأويل قوله: (هو العليِ) فإنه يعني: والله العليّ، والعليّ الفعيل من قولك: علا يعلو علواً، إذا ارتفع فهو عالٍ وعلي، والعلي ذو العلوّ والارتفاع؛ على خَلْقه بقُدْرته. قال الخطابي:”العليُّ”: هو العالي القاهر، فعيل بمعنى فاعل، كالقدير والقادر والعليم والعالم، وقد يكون ذلك من العُلُوِّ الذي هو مصدر علا، يعلو، فهو عالٍ، كقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5). ويكون ذلك مِنْ علاءِ المجد والشرف، يقال منه: علَى يعلىَ علاءً، ويكون الذي علاَ وجلَّ أنْ تَلْحقه صفات الخَلْق؛ أو تُكيِّفهُ أوهامهم” اهـ. وقال البغوي في قوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ): العالي على كلِّ شيء . وقال ابن كثير:”وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ) (الحج: 62)،كما قال: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)، وقال: (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد:9)، فكلّ شيء تحت قَهْره وسُلطانه وعظمته، لا إله إلا هو؛ ولا ربَّ سواه، لأنه العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، العليّ الذي لا أعْلى منه، الكبيرُ الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدّس وتنزّه عزَّ وجلَّ؛ عما يقول الظَّالمون المُعتدون؛ عُلُواً كبيراً
قال الخطابي:”القيّوم” هو القائمُ الدائمُ بلا زوال. ووزنه: فيعول؛ مِنَ القِيَام، وهو نعتُ المبالغة في القِيامة على الشيء. ويقال: هو القيِّمُ على كلّ شيء؛ بالرعاية له، ويقال: قمتُ بالشيء، إذا وليته بالرعاية والمصلحة. وقال البيهقي:”القيوم” هو القائمُ الدائمُ بلا زوال. فيرجع إلى صفة البَقَاء، والبقاء صفةُ الذات. وهو على هذا المعنى مِنْ صِفات الفعل. وقال القرطبي:” القيوم” مِنْ قَام، أي: القائمُ بتدبير ما خَلق. وقال السعدي:” الحيُّ القيوم” كامل الحياة، والقائم بنفسه، القيوم لأهل السماوات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم؛ وجميع أحوالهم، فالحيُّ: الجامع لصفات الذات، والقيّوم: الجامع لصفات الأفعال.
قال الطبري: وأما قوله:”الحيّ” فإنه يعني الذي له الحياة الدائمة، والبَقاء الذي لا أوَّلَ له يُحَدُّ، ولا آخرَ له يُؤْمد، إذْ كان كلُّ ما سواه؛ فإنه وإنْ كان حيّاً فلحياتِه أولٌ مَحدود، وآخر مَأْمود، ينقطع بانقطاع أمَدها، وينقضي بانْقضاء غايتها. وقال في آية آل عمران: وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ له الحياةَ الدائمة؛ التي لم تزلْ صفة؛ ولا تزال كذلك، وقالوا: إنما وَصَفَ نفسه بالحياة لأنّ له حياةً، كما وَصَفها بالعلم؛ لأنّ لها عِلْما، وبالقُدرة؛ لأنّ لها قُدرة. وقال الزجاج:” الحيُّ” يُفيدُ دوام الوجود، والله تعالى لم يَزلْ موجوداً، ولا يزال موجوداً. وقال الزجاجي:” الحيُّ” في كلام العرب: خِلافُ الميت، فالله عزّ وجل الحي الباقي، الذي لا يجوزُ عليه الموتُ ولا الفناء؛ عزّ وجل؛ وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
قال الفراء: وقرأ الناس”المتين” رفعٌ من صفة الله تبارك وتعالى. وقال ابن جرير بعد أن ذكر قول الفراء: والصواب من القراءة في ذلك عندنا (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعاً على أنّه مِنْ صفةِ الله جلّ ثناؤه، لإجْماع الحُجة مِنَ القُرَّاء عليه. وقال ابن قتيبة:”المتين”: الشّديد القوي. وقال الزجاج: وهو يُفيد في حقّ الله سبحانه: التَّناهي في القُوة والقدرة. وقال الخطابي: و”المتين”: الشّديد القويُّ الذي لا تَنْقطع قُوته، ولا تَلحقه في أفْعاله مشقةٌ، ولا يمسُّه لُغُوب.
قال ابن جرير في قوله: (إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ): إن الله قويٌّ لا يغلبه غَالِب، ولا يردّ قضاءه رادٌّ، ينفذ أمره، ويمضي قضاءه في خَلْقه، شديدٌ عِقابه لمن كفر بآياته، وجَحد حُجَجَه. وقال في قوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ): إنَّ رَبَّك هو القوي في بطشه، إذا بَطَش بشيء أهلكه، كما أهلك ثمود حين بطش بها. وقال الزجاج:”القوي” هو الكامل القدرة على الشيء، تقول: هو قادرٌ على حَمله، فإذا زدتَه وصفاً قلت: هو قوي على حمله، وقد وصف نفسه بالقوة، فقال عزَّ قائلاً: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات: 58). وقال الخطابي: القوي قد يكون بمعنى القادر، ومن قَويَ على شيء فقد قدر عليه، ويكون معناه: التامُّ القوة؛ الذي لا يَسْتولي عليه العَجزُ في حَالٍ من الأحْوال، والمخْلوق وإنْ وُصِفَ بالقوة، فإنَّ قوتَه مُتنَاهية، وعن بعضِ الأمور قَاصِرة.