Discoverرفقاً بأرضنا
رفقاً بأرضنا
Claim Ownership

رفقاً بأرضنا

Author: مونت كارلو الدولية / MCD

Subscribed: 36Played: 587
Share

Description

موعد يومي يبرز المبادرات الفردية والجماعية لحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة.

309 Episodes
Reverse
استطاعت جمعية "طبق شهي صديق للبية" التي أطلقت في فرنسا في عام 2014 القيام بدور نشط في توعية المستفيدين من خدماتها بأهمية التغذية السليمة في الحفاظ على الصحة وعلى الموارد الطبيعية والبيئة في الوقت ذاتها. وساهمت هذه الجمعية بحق في التأسيس لعلاقة جديدة بين المستهلك والغذاء في فرنسا. ومن الأنشطة التي تقوم بها ويقبل عليها الناس كثيرا الندوات السنوية الرامية إلى تغيير هذه العلاقة على نحو يستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة. وقد ركزت في السنوات الأخيرة على مواضيع ما سمته "الأراضي والمطابخ الحية" وفنون الطبخ النباتي والزراعة العضوية. وحملت إحدى الندوات عنوانا صيغ على الشكل التالي: المناخ والنباتات والمياه في صحوننا.  ويقول الناشطون في هذه الجمعية ومنهم طباخون وأطباء ومتخصصون في الإعلام البيئي ووزراء سابقون إن هناك كثيرة قادرة على جعل ما يوضع في الصحون من أطعمة وسيلة ناجعة للحد من الغازات المتسببة في ظاهرة الاحترار المناخي.   ويشكل طهاة المطاعم في فرنسا غالبية المنخرطين في هذه الجمعية. ومنهم طهاة تجاوز صيتهم حدود البلاد. وهم يلحون كثيرا على مقاربة مفادها أن الأطباق الصديقة للبيئة ينبغي أن تكون شهية في الوقت ذاته حتى تنجح عملية الترويج لها على نطاق واسع يتجاوز حدود مطابخ المطاعم والفنادق.  ويذكر هؤلاء الطهاة بأنهم تعلموا كثيرا من خطأ يرتكب عادة في مطابخ المستشفيات ويتمثل في تقديم أطعمة   للمرضى   تستجيب لمتطلبات الصحة دون أن تكون شهية والحال أنه يفترض أن تكون شهية حتى يتناولها نزلاء المستشفيات باعتبارها طعاما لا بوصفها جزءا   من الدواء. ومن عناصر الطبق الصديق للبيئة حسب المنخرطين في هذه الجمعية، إعطاء الخضر الحيز الأفضل في الصحن وجعل اللحوم ترافقها لا العكس والحرص على أن تُزرع الخضراوات المعدة لطبق هذا الصحن في أماكن قريبة من الأماكن التي توجد فيها المطاعم حيث تعد الأطباق. والفائدة من وراء علاقة القرابة هذه بين أماكن إنتاج الغذاء وأماكن إعداده أن المنتجات الغذائية تصل إلى المطابخ طازجة وتكون لها بالتالي نكهة خاصة علما أن كلفة نقلها من مكان الإنتاج –وهو مثلا حال الخضراوات-أقل من عملية نقلها من أماكن بعيدة، زد على ذلك أن إعداد أطعمة من مواد محلية يساهم كثيرا في الحد من غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن نقل المواد التي تأتي من أماكن بعيدة. ويعمل طهاة   فرنسا   المنخرطون   في جمعية" طبق شهي صديق للبيئة" على إثارة شهية زبائن المطاعم التي يعملون فيها عبر استخدام لحوم تفيد الصحة وتكون في الوقت ذاته شهية. أما عملية إنتاجها، فهي غير مسرفة في استهلاك الموارد الطبيعية. ولذلك فإنهم لا يفسحون مجالا كبيرا في قائمة الأطباق أمام اللحوم الحمراء لأن إنتاجها   يتطلب كميات كبيرة من المياه، على عكس ما هي عليه الحال مثلا بالنسبة إلى لحوم الدجاج ناهيك أن الإكثار من أكل اللحوم الحمراء يضر بالصحة. الملاحظ أن كثيرا من العاملين في مطابخ المطاعم والفنادق الكبرى لا يستخدمون أجزاء كثيرة من المنتجات التي تصنع منها أغذية، ويرمون بها في سلة النفايات بالرغم من أنها تصلح لصنع أطعمة. ومن ثم، فإن المنخرطين في الجمعية الفرنسية التي تروج لفن الطبخ كوسيلة للحد من الغازات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري يحرصون على تجنب هذا السلوك ويخلصون إلى أنه بالإمكان خفض الغازات الناتجة عن كيفية إعداد الأطعمة إلى النصف إذا غُيِّرت طرق إعداد الأكل الحالية.  وهذا أمر يمكن تحقيقه.
يشكل الحضور العربي في المعارض الزراعية الدولية اختبارا جيدا للتعرف إلى الجهود التي تم القيام بها أو تلك التي لاتزال دون المستويات المطوبة لفتح أبواب الأسواق العالمية أمام المنتجات الزراعية العربية القابلة للتصدير. والحقيقة أن معرض باريس الدولي يشكل إحدى هذه التظاهرات التي يمكن من خلالها تلمس مدى استعداد المنتجين والمسوقين العرب لاقتحام هذه الأسواق في ظل احتداد المنافسة في الأسواق على بعض المنتجات التي تصدرها على سبيل المثال بلدان الجنوب والشمال المتوسطية. وهو حال زيت الزيتون.  مونت كارلو الدولية جالت عبر أجنحة البلدان المغاربية المشاركة في المعرض الزراعي الدولي الباريسي في دورته السابعة والخمسين التي التأمت من 22 شهر فبراير-شباط إلى بداية آذار عام 2020 علما أن السلطات الفرنسية قررت إنهاء هذه الدورة قبل موعد إغلاقها بيوم واحد بسبب المخاوف من فيروس كورنا المستجد.  ولا بأس أن نشير هنا إلى أن البلدان العربية التي شاركت في هذا المعرض خلال دورة عام 2020 هي الجزائر وتونس والمغرب والسودان. وسنكتفي اليوم بالتوقف عند بعض المنتجات المغاربية التي كانت حاضرة في المعرض الزراعي الدولي الباريسي في دورته السابعة والخمسين. أما المشاركة السودانية في هذه التظاهرة، فسنتطرق إليها في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج الأسبوعي المخصص لقضايا البيئة والتنمية. وحرصنا على ذلك لعدة أسباب منها أن هذه المشاركة تأتي في وقت يسعى خلاله سودان ما بعد الحَراك إلى تنزيل القطاع الزراعي منزلة خاصة في الدورة الاقتصادية وفي الجهود الرامية إلى تحسين أوضاع كثير من الأسر المتواضعة الدخل والتي تعيش بشكل مباشر أو غير مباشر على القطاع الزراعي وقطاع الصناعات الغذائية.     أفق واعد أمام منتجات الصحراء الجزائرية جولتنا عبر الأجنحة المغاربية في المعرض الزراعي الدولي الباريسي في دورته السابعة والخمسين بدأناها من الجناح الجزائري الذي أصبح يتسع أكثر فأكثر منذ عام 2018. وإذا كانت الجزائر قد فرضت نفسها بقوة في معرض باريس الزراعي الدولي عام 2019 عبر منتجات شجرة الخروب، فإن من أهم منتجاتها التي عرضتها في دورتي عام 2019 و2020 تلك التي يتم إنتاجها في المناطق الصحراوية ومنها خضروات أصبحت الجزائر تصدرها بكميات متزايدة   كالبطاطا   مثلا. ويقول   السيد قويدر مُولُوَّة الأمين العام للغرفة الفلاحية الجزائرية إن منتجات البطاطا التي يتم الحصول عليها في ولاية غرداية أصبحت اليوم من أهم المنتجات التي يقبل عليها المستهلك لا في الجزائر فحسب بل أيضا في عدد من الأسواق العالمية. ويُقر قويدر مُولوَّة بأن المنتجين الجزائريين أصبحوا يدركون جيدا أهمية السيطرة على كل العمليات المتصلة بإنتاج بطاطا ذات جودة عالية ومواصفات عالمية حتى يتسنى تسويقها خارج الحدود الجزائرية ولاسيما في الأسواق الأوروبية. وما ينطبق على منتج البطاطا يخص أيضا منتجات أخرى يتم الحصول عليها اليوم في المناطق الصحراوية الجزائرية على غرار ثوم واد سوف الذي بدأ يفرض نفسه خارج حدود هذه الولاية الجزائرية الصحراوية وخارج الحدود الجزائرية.    البطاطا وبعض منتجات الجناح الجزائري الأخرى في المعرض تمور " دقلة نور" وزيوت الزيتون الجزائرية والتونسية  ويظل صنف " دقلة النور" من أصناف التمور الجزائرية التي تُعد بالمئات واجهةَ المعارض الزراعية الدولية التي تشارك فيها الجزائر. وقد حرص عدد من منتجي هذا الصنف من أصناف التمور في الجنوب التونسي على تجاوز المرحلة التي كان هذا المنتج يتم الحصول عليه تقريبا بواسطة الزراعة شبه العضوية واقتحام عالم نمط الزراعة العضوية الكلي. وهو مثلا حال مُجمَّع قلعة الخير للإنتاج البيولوجي والذي شارك في معرض باريس الدولي الزراعي في دورة عام 2020 بمنتجات "دقلة النور" التي تم إنتاجها بواسطة الطريقة البيولوجية عبر المواصفات العالمية. وتلقى هذه التمور اليوم إقبالا متزايدا من قبل مستهلكي المواد العضوية في البلدان الأوروبية ولاسيما في فرنسا. ولوحظ خلال دورة عام 2020 من المعرض الزراعي الدولي الباريسي أن زيت الزيتون الجزائري قد بدأ يفرض نفسه في المعرض من خلال خصوصيات المناطق التي تزرع فيها شجرة الزيتون ومنها منطقة القبائل. وهذا المنتج أساسي بالنسبة إلى لاقتصاد الزراعي التونسي نظرا لأن تونس من كبار منتجي زيت الزيتون في العالم.      وقد أصبح منتجو زيت الزيتون التونسيون يدركون أكثر فأكثر أن التنافس على هذا المنتج في الأسواق العالمية يحتد يوما بعد آخر على أكثر من صعيد. وهو ما أكده لمونت كارلو الدولية رؤوف مغديش أحد عارضي الجناح التونسي في المعرض الزراعي الدولي الباريسي. وتجدر الإشارة إلى أن مغديش مزارع تونسي متخصص في زراعة أشجار الزيتون وعاصر زيتون ومصدر له. وحصلت زيوت من أشجار الزيتون المزروعة في شمال تونس الغربي وحملها رؤوف مغديش معه إلى معرض باريس الدولي على بعض جوائز المعرض في دورة عام 2020.وليست هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها زيوت تونسية مزروعة في منطقة الشمال الغربي التونسي على جزائز في المعارض الدولية.   ويؤكد السيد مغديش بأن معارك زيت الزيتون قد احتدت فعلا في العالم لعدة أسباب منها تزايد الإقبال عليه في البلدان التي كانت سوقه التقليدية وأسواق جديدة أهمها السوق الصينية بالإضافة إلى تزايد عدد البلدان المتخصصة في زراعة أشجار الزيتون وهو مثلا حال المملكة العربية السعودية ومصر بالنسبة إلى المنطقة العربية وبعض البلدان غير العربية التي تقع مثلا في أمريكا اللاتينية.    ومن خاصيات الجناح التونسي في الدورة السابعة للمعرض الزراعي الدولي الباريسي مشاركة مؤسسة " سوريميكس" الأسرية للعام الثاني على التوالي في هذه التظاهرة. وتُعنى المؤسسة بتصنيع منتجات الكمأة التونسية وهي عدة أصناف. وهناك قناعة لدى المشرفين على هذه المؤسسة بأن هذه المنتوجات ستلقى إقبالا متزايدا في المعارض الدولية لعدة اعتبارات منها أنها منتجات تونسية جديدة في المعارض الدولية أنه ثمة حرص شديد لديهم على بذل جهود كبيرة لجعل منتجات الكمء التونسي تستجيب لخصوصيات مذاق مستهلكي الأسواق العالمية.   الكمء والتمور في الجناح التونسي منتجات التعاونيات الزراعية النسوية في المغرب  أما الجناح المغربي في هذا المعرض، فإنه ركز في هذه الدورة على غرار الدورات التي سبقته على منتجات التعاونيات المحلية التي تضطلع فيها النساء الريفيات بدور مهم.   ومن بين نساء التعاونيات الفلاحية المغربية اللواتي حضرن بمنتجاتهن إلى معرض باريس الدولي في دورته السابعة والخمسين فاطمة أمهري وحفيظة عروب اللتان لا تجدان أي صعوبة في تقديم شروح مفصلة عن جدوى الاهتمام بإنتاج زيوت نباتية أخرى غير زيت الزيتون في هذه التعاونيات منها زين الأركان وزيت الصبار وزيت اللوز وفتحِ أسواق جديدة لها في العالم. وتقر كلتاهما بأهمية الدور الذي قامت ولاتزال تقوم به الدولة المغربية لمساعدة التعاونيات الزراعية النسوية في عدة مجالات من أهمها تنويع مصادر الدخل عبر تنويع المنتجات واكتساب المهارات اللازمة التي تحتاج إليها عميات الإنتاج والتسويق على نحو يستجيب لمواصفات الجودة العالمية ومقاييسها على أكثر من صعيد. حفيظة العَرُّوب رئيسة إحدى التعاونيات الزراعية النسوية المغربية فاطمة أمهري رئيسة إحدى التعاونيات الزراعية النسوية المغربية
أعرب فرع منظمة السلام الأخضر الفرنسي عن استيائه الكبير بعد أن رفضت الشركة المشرفة على تنظيم الحملات الدعائية عبر وسائل النقل العام في منطقة باريس تمرير حملة شرعت فيها هذه المنظمة الأهلية التي تعنى بالبيئة والتنمية المستدامة. ويركز مطلقو الحملة على التنبيه إلى أن الخطابات السياسية لا تكفي لمواجهة حالة الطوارئ المناخية. من بين وسائل هذه الحملة فيديو مدته دقيقة وفيه مقتطفات للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والرئيس السابق فرانسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. وقد حرصت منظمة غرينبيس على إرفاق هذه المقاطع الثلاثة من خطابات لرؤساء فرنسا الثلاثة بصور حية عن بعض الظواهر المناخية القصوى. وتبدأ المقاطع المستمدة من خطابات الرؤساء الفرنسيين الثلاثة الذين تعاقبوا على السلطة منذ عام 2007 بمقطع من خطاب لنيكولا ساركوزي يقول فيه إن الطريقة التي أصبح يتعامل من خلالها سكان العالم ولاسيما في البلدان الصناعية مع عمليتي الإنتاج والاستهلاك إنما تشكل بحق وسيلة ناجعة للقضاء على الإنسان نفسه. ويخلص ساركوزي في هذا المقطع إلى القول إن كل القرارات السياسية ينبغي أن تأخذ في الحسبان الاعتبارات البيئية. أما فرانسوا هولاند الذي خلف ساركوزي في تولي مهام رئيس الجمهورية الفرنسية من عام 2012 إلى عام 2017 فإنه يشدد هو الآخر في مقطع من أحد خطاباته على ضرورة إيلاء مسألة العدالة المناخية أهمية خاصة، بينما يقول خلفه الرئيس إيمانويل ماكرون إن التصدي للتغير المناخي وانعكاساته السلبية ولاسيما تلك التي تطال التنوع الحيوي يمر حتما عبر أفعال ملموسة وعبر تغيير نمطَي الإنتاج والاستهلاك. وما يشد الانتباه في صور هذا الفيديو أن الصور الحية التي تُرافَق بمقتطفات من خطب الرؤساء الثلاثة مركبة على نحو يجعل ذوبان الجليد المتجمد في القطبين الشمالي والجنوبي وتسارع الأعاصير وتزايد حدة الفيضانات والحرائق الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معهود  تُجَسَّد عبر كلمات تعني أن ما يقال على ألسنة الرؤساء الفرنسيين الثلاثة إنما هو مجرد ثرثرة ليس إلا. والملاحظ أن ذوبان كتل الجليد المتجمد من حول القطبين الشمالي والجنوبي والزوابع والفيضانات وفترات الجفاف الطويلة أكثر من اللزوم هي اليوم بعض أشكال الظواهر المناخية القصوى التي تهدد حياة مئات الملايين من الناس. وما لم ترتح إليه منظمة غرينبيس أن الشركة التي منعتها من القيام بحملتها لتوعية الناس بأهمية حالة الطوارئ المناخية بررت قرار المنع بالتأكيد على أن خطاب الحملة سياسي أكثر من اللزوم وأن كراس الشروط الذي يحدد أنشطة شركات النقل العام وهو مثلا حال المترو الباريسي يمنعها من الترويج عبر الإعلانات الدعائية لمضامين سياسية.  وما يثير حفيظة المشرفين على فرع منظمة غرينبيس الفرنسي بشكل خاص أن شركات أخرى تُعنى بالإشراف على الحملات الدعائية في مدن فرنسية أخرى غير باريس وفي الأماكن التابعة لقطاع النقل العام قبلت بتمرير حملتها التوعوية على عكس ما فعلت الشركة الباريسية. زد على ذلك أن هذه الشركة دأبت من قبل على السماح لمنظمات أهلية تُعنى بالشأن العام بالقيام بحملات توعية ذات مضامين سياسية منها مثلا تلك التي تدعو أصحاب القرارات السياسية للتحرك بشكل أفضل لإيجاد لقاح يقي من الإصابة بوباء الإيدز.
إذا كان فيروس كورونا المستجد يُنظر إليه بوصفه شرا مستطيرا في العالم كله، فإن منظمة الأمم المتحدة تعول عليه كثيرا لبلورة استراتيجية أفضل من تلك التي استخدمت حتى الآن للتصدي لظاهرة الاتجار بالحيوانات المهددة بالانقراض ومنها تلك التي أصبحت جزءا من وجبات كثير من سكان جنوب شرقي آسيا والتي يشتبه في بعضها اليوم باعتبارها مصدر فيروس كورونا المستجد. ومن هذه الحيوانات " البنغول " أو " أم قرفة" وهو حيوان يتغذى على النمل. وقد أفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقرير صدر عام 2019 أن الإقبال على استهلاك هذا الحيوان البري المتوحش في كل من الصين الشعبية وفيتنام جعل منه في بضع سنوات الحيوان الذي يحتل المرتبة الأولى في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض بسبب الصيد المحظور. وأضاف واضعو التقرير فقالوا إن قرابة مليون بنغول تم قتلها خلال العقد الأخير بهدف الاتجار بها بشكل غير مشروع وإن تزايد الإقبال على استهلاك هذا الحيوان لاسيما في الصين وفيتنام وبعض بلدان جنوب شرقي آسيا الأخرى جعل مهربيه يبحثون عنه في كل القارات ولاسيما في إفريقيا. بل إن 50 في المائة من كميات لحوم هذا الحيوان ومنتجاته الأخرى والتي يتم استيرادها من الصين تمر اليوم عبر تايلاند. والواقع أن الاتجار بالحيوانات المهددة بالانقراض يدر على أصحابه كل عام أكثر من 23 مليار دولار حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ومع ذلك فإن غالبية تقارير المنظمات الأهلية التي تعنى بالموضوع تخلص إلى أن أرباح هذا النشاط غير المشروع تقدر بضعف هذا المبلغ كل سنة وأنه يشكل رابع نشاط محظور يدر على متعاطيه أموالا طائلة بعد الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر والاتجار بالأسلحة. وتؤكد هذه التقارير أن البلدان الأوروبية تُستخدم اليوم ممرا أساسيا لتوزيع منتجات هذا " البزنس" عبر مناطق العالم الأخرى ولاسيما القارة الآسيوية وشمال القارة الأمريكية. وتأتي الأسواق الصينية والأمريكية تباعا في المرتبتين الأولى والثانية في مجال اقتناء هذه المنتجات. ومن أهم المواد المتأتية من الحيوانات المهددة بالانقراض والتي تباع عبر مسالك هذا " البزنس" في السوق الصينية، زعانف القروش وعاج الفيلة وقرون حيوان الكركدن. أما الزعانف، فهي تقطع من القروش ويصنع منها حساء يقبل عليه الموسرون الذين يقولون إنهم يسعون عبره إلى الحفاظ على بعض التقاليد الصينية القديمة. الملاحظ أن غالبية القروش التي تقطع منها زعانفها وهي حية يلقى بها مجددا في البحر، فتتألم كثيرا وتصبح عاجزة عن التنقل والبحث عن غذاء مما يتسبب في هلاكها بسرعة. وأما عاج الفيلة، فتصنع منه قطع الحلي النادرة. وقد بدأت نساء صينيات كثيرات موسرات يفاخرن باستبدال هذه القطع بأخرى مصنوعة من قرون الكركدن والتي يباع الكيلوغرام الواحد منها بسعر يتراوح بين 50 ألف و55 ألف دولار. وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد كما ذكرنا سابقا ثاني سوق في العالم لمنتجات الحيوانات المهددة بالانقراض، ثمة إقبال متزايد على أكل بيض السلاحف البحرية ولحومها وعلى لحوم الثعابين والنمور والأسود. وتوضع هذه اللحوم في " ساندويتشات" أو تقدم إلى الزبائن مشوية وعلى أساس أنها متأتية من أسود ونمور تربى خصيصا لهذا الغرض. ولكن غالبية هذه اللحوم تأتي في الواقع من محميات طبيعية في إفريقيا أو آسيا. وثمة اليوم أمل لدى مختلف الأجهزة التابعة للأمم المتحدة من تلك التي تُعنى بالتصدي بشكل أو بآخر للاتجار بالحيوانات المهددة بالانقراض في أن تشكل المخاوف من تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم-انطلاقا من الصين وبالتحديد من منطقة معروفة باستهلاك كميات كبيرة من لحوم الحيوانات المتوحشة-عاملا مهما يساعد في الحد من " بزنس" الحيوانات المهددة بالانقراض. وقد قيل أكثر من مرة بعد تفشي هذا الفيروس إن الرئيس الصيني شي جي بينغ أصبح يعي بنفسه أن عدم اتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذا النشاط قادر على شل الاستراتيجية الصينية الرامية إلى السماح لهذا البلد بأن يكون قاطرة العالم في مختلف المجالات.
لم تنجح المنظمات الأهلية التي تعنى بالتنمية والصحة والمعترضة على تعزيز منظومة المنتجات الزراعية المعدلة وراثيا في كسب معركتها منذ سنوات عديدة أمام الشركات العملاقة المتخصصة في مثل هذه المنتجات. وأهم حجة كانت هذه الشركات ولاتزال تستخدمها تتمثل في تكرار المقولة التي يرى أصحابها بموجبها أن الزراعات المعدلة وراثيا ساهمت إلى حد كبير في إنقاذ عشرات الملايين من البشر من الجوع لأنها قادرة على الثبات أمام الحشرات والآفات الطبيعية التي تفتك بالمزروعات.وتسعى هذه المنظمات الأهلية منذ سنوات إلى محاولة كسب معركة أخرى هي تلك التي تتم فيها الدعوة لتحديد المواد الغذائية المتأتية من منتجات معدلة وراثيا. ولكنها لم تحقق أيضا اختراقا كبيرا في هذا الاتجاه. بل إنه يلاحظ يوما بعد آخر أن شركات تصنيع مثل هذه المواد وفرضها في الأسواق العالمية لاتزال تراوغ بطرق متعددة لتقديم منتجات تبدو خالية مبدئيا من المنتجات المعدلة وراثيا وهي غير ذلك.هذا ما اهتدت إليه مثلا جمعيات فرنسية بشأن أصناف من الهدباء التي تسوقها شركة فرنسية في فرنسا وفي بلدان كثيرة أخرى. وهذا ما ينطبق أيضا على مواد كثيرة من مواد الصناعات الغذائية في البلدان الصناعية وغير الصناعية التي تروج في الأسواق العالمية. فهي تقدم على أنها منتجات طبيعية والحال أن بعض أجزائها من المنتجات المعدلة وراثيا. ونذكر هنا أن من أسباب الاعتراض على الزراعات المعدلة وراثيا أنها تسيء إلى الزراعات المحلية الأسرية وإلى التنوع الحيوي وربما إلى الصحة البشرية. ولكن الشركات الكبرى المتخصصة في هذه الزراعات لاتزال تكرر ليل نهار أنها تساهم في الحد من استخدام الأسمدة الكيميائية من جهة وفي تلبية حاجات سكان البلدان النامية الغذائية المتزايدة من جهة أخرى.الملاحظ أن المنظمة العالمية للأغذية والزراعة كانت قد تحمست كثيرا قبل عقدين للابتكارات والمعارف التي تم الحصول عليها في إطار التكنولوجيا الحيوية الزراعية والتي أتاحت استنباط عدة أصناف معدلة وراثيا من المنتجات الزراعية التي تساهم في إنتاج الغذاء. وكانت المنظمة ترى أن تعديل مورثات هذه المزروعات من شأنه المساعدة على تحقيق غرضين اثنين هما المساهمة في ضمان الأمن الغذائي والمساعدة على إنتاج الوقود الحيوي.ولكنها خففت منذ سنوات إلى حد ما هذا الحماس بعد أن أصبحت مقتنعة بأن الآمال الكثيرة التي عقدت على الزراعات المعدلة وراثيا لتحقيق هذين الغرضين لم تكن في المستوى المطلوب، ولأن التوجه إلى تنمية الزراعات المعدلة وراثيا بإمكانه أن يقوض أسس الزراعة الأسرية في كثير من البلدان النامية.
تقدر أموال الأغذية التي يتم إهدارها في السنة في فرنسا بمبلغ يتراوح بين  مليار و20 مليار يورو حسب آخر التقارير التي أعدت حول الموضوع. بل إن أليكيس كوهين مدير الفرع الفرنسي لشركة سويدية تُعنى بالتصدي لإهدار الأغذية يستشهد بكثير من الدراسات التي تخلص إلى أن تكلِفة كميات الأطعمة التي يتم إهدارها في العالم كل عام تقدر بـ 1200 مليار يورو. ومن مشاريع هذه الشركة السويدية عبر فرعها الفرنسي خلال عام 2020 الترويج لتطبيق يُستخدم اليوم في عدة بلدان أوروبية أخرى ويعرف باسم تطبيق " Karma".  ويسمح هذا التطبيق لمستخدميه عبر هواتفهم الذكية باقتناء أطعمة بنصف السعر في المحلات القريبة من مكان وجودهم عند إرسال طلبياتهم إلى هذه المحلات التي يمكن أن تكون مطاعم أو مخابز أو محلات تجارية كبرى متخصصة في بيع مختلف مواد الاستهلاك بما في ذلك المواد الغذائية.وأهم شرط من شروط الاستفادة من شبكة المحلات التي توفر أطعمة بنصف السعر لطالبيها أن يتم إعداد الأطباق المطلوبة من مخزون الأغذية المتوفرة على نحو يتيح تسويق غالبية المنتجات الموجودة لإعداد مثل هذه الأطباق أيا تكن كمياتها وخفض كميات الغذاء غير المستخدم إلى حدود دنيا تقارب الصفر.وقد لقي هذا التطبيق رواجا كبيرا في العاصمة الفرنسية. ويسعى الفرع الفرنسي التابع للشركة السويدية التي كانت وراء ابتكاره إلى وضعه في متناول سكان مدينة فرنسية أخرى هي تولوز انطلاقا من نهاية فبراير-شباط عام 2020.وليس هذا التطبيق الوسيلة الوحيدة التي تُستخدم في فرنسا للحد من إهدار الطعام. فقد تعددت التجارب في السنوات الأخيرة في الاتجاه ذاته. وقد أطلقت فنادق فرنسية عديدة في السنوات الأخيرة على سبيل المثال   تجارب واعدة تندرج في إطار الاستجابة إلى هذا الطلب منها مثلا إقامة بساتين صغيرة على أسطح الفنادق أو قربها تُزرع فيها نباتات عطرية ويُربى فيها النحل وتَذهب منتجاتها مباشرة إلى مطابخ هذه الفنادق.من هذه التجارب أيضا إصدار دليل موجه لأصحاب الفنادق الفاخرة يراد من ورائه حث أصحاب هذه الفنادق والعاملين فيها ومرتاديها على تغيير سلوكياتهم بهدف الحفاظ على البيئة وعلى الموارد الطبيعية.وقد شارك في وضع مادة هذا الدليل قرابة مائتي متخصص في شؤون الفندقة والخدمات السياحية وكبار الطهاة والمتخصصين في سلامة الأغذية ومواد الاستهلاك الأخرى. وحظي الدليل بتزكية من قبل الوكالة الفرنسية التي تعنى بالبيئة والتحكم في الطاقة. ومن أهم الإجراءات التي يطالب واضعو هذا الدليل بإعادة النظر فيها رأسا على عقب تقليد " البوفيه " الذي يترك لنزلاء الفنادق الفاخرة وحتى المتوسطة الحرية في اختيار ما يريدون أكله في الوجبات الرئيسة وبخاصة خلال وجبة الفطور.ويرى واضعو الدليل أن هذا التقليد بمواصفاته الكلاسيكية يساهم في إهدار الموارد الطبيعية وإهدار الطعام وفي تنمية العوامل المؤدية إلى البدانة المفرطة وفي إهدار الوقت أيضا. فكثير من زبائن هذه الفنادق يستغلون تقليد "البوفيه" لتناول كميات من الأطعمة تزيد كثيرا عن حاجاتهم من الغذاء. وكثيرون هم الذين يهتدون بأنفسهم إلى أن وزنهم يرتفع بسرعة بسبب الأكل في الفنادق عبر البوفيه.بل إنه لوحظ أن جانبا كبيرا مما يضعه زبائن الفنادق التي لديها هذا التقليد ينتهي في سلة النفايات لأنهم يعزفون عن أكله لسبب أو لآخر. وبالتالي فإن هذه السلوكيات تساهم في إهدار الطاقة وفي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري انطلاقا من الانبعاثات الغازية المتولدة عن نفايات ما يعزف عن أكله الزبائن ويُرمى به في سلة النفايات.ويدعو واضعو الدليل أصحاب الفنادق والأطعمة الفرنسية إلى إعادة استخدام الخبز الذي يبقى على طاولات الزبائن بطرق متعددة منها صنع وجبات جديدة وعلى نحو يضع حدا لوضع بقايا الخبز في سلة المهملات إلا إذا كانت الاعتبارات الصحية تستوجب إتلاف هذه البقايا.ويحث واضعو الدليل السياحي الفرنسي الجديد أيضا أصحاب الفنادق والمطاعم الفاخرة على توفير وجبات لزوارها تُستخدم فيها قبل كل شيء منتجات محلية لأن ذلك يسمح بتوفير نفقات نقل منتجات على بعد مئات الكيلومترات وأحيانا على بعد آلاف الكيلومترات ويحد من تلويث الجو.ولأن زبائن فنادق فرنسا ومطاعمها الفاخرة من الذين يأتون من أستراليا أو من الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يرغبون في التعرف إلى منتجات محلية فرنسية ولا يريدون بشكل عام العثور في صحونهم على منتجات مستوردة من هذين البلدين.ولا بأس من التذكير هنا بأن الرغبة في تشجيع استهلاك المواد الغذائية المصنوعة من منتجات تم الحصول عليها غير بعيد عن مواطن استهلاكها، تشكل محورا أساسيا من محاور قانون جديد صدر في فرنسا وأصبح نافذ المفعول في 11 فبراير-شباط 2020.وينص القانون على عدة إجراءات من شأنها الحد من هدر المواد الغذائية ومواد الاستهلاك الأخرى. ومن هذه الإجراءات مثلا واحد يمنع على محلات توزيع مواد الاستهلاك غير الغذائية تقليدا كان يتمثل في إتلاف كميات من هذه المواد كل عام لأغراض تجارية بالرغم من أنها مواد جديدة. وتقدر قيمة المنتجات التي كان يتم إتلافها في هذا السياق كل عام بـ 650 مليون يورو.
خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي يومي 12 و13 فبراير-شباط عام 2020 إلى بعض الأماكن القريبة من الجبل الأبيض التابع لسلسلة جبال الألب والذي هو أعلى قمة جبلية في أوروبا، شدد إيمانويل ماكرون على ضرورة أن تسارع فرنسا إلى البدء في ما وصفه معركة " القرن " في إشارة إلى أمرين اثنين هما انعكاسات التغير المناخي السلبية على العالم كله بشكل عام وانعكاسات ذوبان ثلوج سلسلة جبال الألب المتجمدة على سكانها بشكل خاص.  لقد حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على شرح أبعاد هذه المعركة فقال بعد أن قام بجولة داخل كهف أقيم داخل أحد الأنهار المتجمدة الواقعة غير بعيد عن الجبل الأبيض:"كنا نمشي فوقَ الجليد المتجمد ونحن نخشى من أن يختفيَ تحت أقدامِنا. كنا نمشي فوقَه ولدينا إحساس بأن وضعَنا الخاصَّ هش لاسيما وأننا كنا نظن قبل عقود خلت أن هذه المناظرَ في سلسلة جبال الألب لا تَمَّحي. ومع ذلك فإني أخلُص اليوم إلى استنتاج فيه تفاؤل بالمستقبَل بعد أن استمعتُ إل باحثينا وإلى الذين يغامرون بحياتهم لبلوغ أماكنَ يَصعبُ الوصولُ إليها في هذه السلسلة الجبلية".ومضى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول وهو يشرح أهمية المشاركة في المعركة العالمية لمواجهة انعكاسات التغير المناخي لاسيما على المناطق التي تؤوي كتلا وأنهارا جليدية متجمدة: "لم يقل لي أحد إِن معركَتنا معركة خاسرة للتكيف مع انعكاسات التغير المُناخي في سلسلة جبال الألب. صحيح أننا تأخرنا أكثرَ من اللزوم في التحرك وأنه علينا إقناعُ البعض الذي لم يقتنعْ بَعْدُ بصوابِ هذه المعركة. إني سأذهب أبعدَ من ذلك وأقولُ إن هذه المعركة َمعركة مصيرية بالنسبة إلى الإنسانيةِ جمعاء. إنها معركة تُقاد عبر الابتكارات. إنها معركتُنا الداخلية في ضمائرنا تدلنا على هشاشتِنا وتجعلنا نهتدي إلى أنها معركةُ القرن التي سنؤكد عبرَها على قدرتنا على صياغة طرق جديدة في التعاملِ مع الحياة بشكل مُستدام. أظن أننا قادرون على كسب معركة القرن هذه. وقد قررنا كسبَها في بلادنا رغم أنها تجعلنا نَفقِد صبْرَنا وتفرض علينا أن نكونَ حازمين وأن نتحركَ بسرعة."وبصرف النظر عما إذا كان الرئيس الفرنسي جادا في إبراز أهمية البدء في هذه المعركة أو عما إذا كان الإعلان عنها وهو موجود قرب الجبل الأبيض يندرج في إطار الترويج لصورته باعتباره رئيسا يُعنى بقضية ذوبان جليد الجبال المتجمد بفعل التغير المناخي، فإن هذه المعركة أصبحت تفرض نفسها اليوم أكثر فأكثر على كل البلدان الأوروبية الثمانية التي تشقها سلسلة جبال الألب وهي إيطاليا وليشتنشتاين وإمارة موناكو وسلوفينيا وفرنسا وسويسرا والنمسا وألمانيا.ذوبان الثلج المتجمد في جبال الألب بسبب التغير المناخي بدأ منذ عقود  ومن أهم الأسئلة التي تُطرح اليوم في سويسرا والنمسا وإيطاليا وفرنسا السؤال التالي: كيف يمكن التكيف اقتصاديا مع ذوبان جليد سلسلة جبال الألب بسبب التغير المناخي لاسيما وأن جزء ا كبيرا من الأنشطة الاقتصادية التي تمت تنميتها في مناطق هذه السلسلة الجبلية تُركز منذ أكثر من نصف قرن على قطاع سياحة التزلج على الثلوج وتسلق الجبال الشاهقة؟ الحقيقة أن كل الدراسات التي أجراها الباحثون المتخصصون في المسائل المتصلة بالتغير المناخي دعا وضعوها لإعداد استراتيجيات تنموية جديدة تتعلق بسلسلة جبال الألب ورأوا أن ذلك أمر عاجل بعد أن تسارعت وتيرة ذوبان الجليد المتجمد في قمم هذه السلسلة. وهذا ما تلح عليه مثلا الدكتورة فلورانس ماغنان الباحثة في علم الجليد بجامعة الجبل الأبيض الواقعة في مدينة شامبيري الفرنسية. بل إنها تقول بشأن علاقة التغير المناخي بسلسلة جبال الألب:" سنسجل ارتفاعا محتملا في المستقبل في ما يخص انعدامَ توازن النُّظم البيئية في مرتفعات سلسلة جبال الألب وذلك بسبب ذوبان كُثبان الثلوج المتجمدة. بل إن وتيرةَ الذوبان أصبحت أسرعَ في الصيف مما كانت عليه من قبلُ. وعندما ترتفع درجاتُ الحرارة أكثرَ من اللزوم في الصيف في حالات القيظ، نجد أنفسَنا أمام ظاهرتين اثنتين متزامنتين: ارتفاعِ وتيرة ذوبان كُثبان الثلوج المتجمدة وارتفاعِ حجم كميات المياه التي تذوب". وترى الباحثة الفرنسية المتخصصة في علم الجليد فلورانس ماغنان أنه من الصعب جدا على فرنسا بمفردها أو على أي بلد آخر من تلك التي تشقها سلسلة جبال الألب وضع برامج بحثية أو علمية على المستوى الوطني تهدف إلى التعرف بشكل أفضل إلى الطريقة التي أصبح الجليد المتجمد يذوب عبرها في هذه السلسة الجبلية بفعل التغير المناخي. بل تُذَكِّر هذه الباحثة بأن التغير المناخي ظاهرة عالمية وبأن المنهجية العلمية الأفضل بالنسبة إلى قياس أثر التغير المناخي في سلسلة جبال الألب وأثره الاقتصادي والاجتماعي عملية ينبغي أن تشارك فيها كل هذه الدول مجتمعة بالإضافة إلى الجهود المحلية. وتضرب مثل رجال الدين الذين يقيمون في أديرة قُدَّت في أعالي جبال الألب ومنهم مثلا الأب فريدريك الذي يتولى مثلا مراقبة السحب التي تمر في سماء الدير الذي يقيم فيه ويتعبد. يقول الأب فريدريك: "إني أرى الآن سحبا من فئة السحب الطبقية وأقدر ارتفاعها عن الأرض بمسافة تمتد بين ألفين وثماني مائة متر وألفين وتسع مائة متر. أنا هنا محظوظ لأني في مكان يسمح لي بمعرفة علو الضباب الذي أرصده ثلاث مرات في اليوم منذ أكثر من عشرين عاما. واليوم أهتدي بدون عناء إلى تحديد نوعية فئة السحب المقسمة عادة إلى ثلاثة أقسام هي السحب المنخفضة والسحب المتوسطة الارتفاع والسحب العالية. ومن ثم فإني لا أخطئ في تصنيف هذه السحابة أو تلك من السحب التي تمر فوق هذا المكان. ولا بأس من التذكير هنا بأن كاهنا آخر كان يقول في منتصف القرن التاسع عشر وبالتحديد في عام 1852 إن البحيرة التي تقع في سفح الجبل كانت تتجمد من منتصف أكتوبر إلى بداية شهر نوفمبر. أما اليوم فإنها تتجمد من بداية نوفمبر ونراها أحيانا وقد تجمدت في نهاية شهر يونيو".حفظ ذاكرة جبال الألب في القارة القطبية الجنوبية من الأمثلة الأخرى التي تدل على أهمية إقامة شراكات علمية إقليمية ودولية للاستفادة بشكل أو بآخر من المناطق المكسوة بالجليد المتجمد في سلسلة جبال الألب والتي يهددها ارتفاع درجات الحرارة أكثر من اللزوم بسبب التغير المناخي تجربة علمية رائدة كانت هذه السلسلة الجبلية مختبرا طبيعيا لها وأنجزها باحثون في علم الجليد من فرنسا وروسيا وإيطاليا ويمكن تلخيصها على النحو التالي: إنها تجربة تهدف إلى حفظ ذاكرة سلسلة جبال الألب في القارة القطبية الجنوبية. وتولى هؤلاء الباحثون اقتطاع   ثلاث عينات من الجليد المتجمد قرب " الجبل الأبيض" تزن أطنانا من الجليد المتجمد. واقتُلعت إحدى العينات الثلاث من باطن جليد " الجبل الأبيض " على عمق 140 مترا ووُضعت في مخبر علمي في مدينة غرونوبل الفرنسية يُعنى بالدراسات الجيوفيزيائية والجليد والبيئة. وبإمكان مختلف الباحثين اللجوء إليها لدراستها بشأن ذاكرة الجليد المتجمد في سلسلة جبال الألب. وأما العينتان الأخريان فإنهما وُضعتا في براد طبيعي يقع في أعماق جليد القارة القطبية الجنوبية للعودة إليهما وقت الحاجة بعد عشرات السنين أو بعد قرون. ويوجد هذا البراد في قاعدة علمية فرنسية إيطالية تقع في هذه القارة المتجمدة.  والحقيقة أن الحرص على القيام بهذا العمل يعزى إلى عدة عوامل وأسباب أهمها اثنان وهما احتداد ظاهرة التغيرات المناخية من جهة وقيمة الجليد المتجمد الذي يوجد في أعماق الجبال التي يغطيها من جهة أخرى. فذوبان هذا الجليد المتجمد يحصل اليوم بوتيرة متسارعة وغير معهودة بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وفي حال إنقاذه عبر المحافظة على الأقل بشكل طبيعي على عينات منه في أعماق القطب الجنوبي، فإن ذلك سيسمح بمواصلة الدراسات عن مكونات الجو القريب من الأرض في زمن بعيدتجربة جبال الهيملايا في التكيف مع التغير المناخي  وثمة اليوم قناعة لدى المختصين في علم الجليد الفرنسيين أن منظمات المجتمع الفرنسية التي ساعدت أو تساعد اليوم في الحفاظ على بيئة سلسلة جبال الهيملايا قادرة على المساهمة بنجاعة في مساعدة سلسلة جبال الألب وسكانها على التكيف مع انعكاسات التغير المناخي. ومن هذه المنظمات الأهلية الفرنسية مثلا واحدة تسمى " جبل ومشاركة". وقد شاركت خلال ربيع عام 2017 في تنظيف بعض المواقع القريبة من مرتفع إفرست الذي يشكل أعلى قمة في سلسلة جبال الهيملايا. وينتمي إلى هذه المنظمة أفضل المتخصصين الفرنسيين في تسلق الجبال. وقد ساعد أفراد من هذه المنظمة الأهلية سلطات نيبال على جمع ما يقارب خمسة أطنان من النفايات التي يتركها متسلقو مرتفعات جبال الهيملايا قرب قمة إفرست لإعادة تدوير ما يمكن تدويره من هذه النفايات. وهو مثلا حال القوارير المصنوعة من البلاستيك والمعدات الأخرى المصنوعة من الفولاذ والتي يتركها عادة المتسلقون في أعالي مرتفعات جبال الهيملايا خلال عودتهم منها.والواقع أن السلطات النيبالية اهتدت خلال السنوات الأخيرة إلى أن تكدس نفايات متسلقي جبال الهيملايا باتجاه قمة إفرست أصبح مشكلة كبرى بالنسبة إلى مستقبل قطاع السياحة الطبيعية في هذا البلد والذي يساهم في تشغيل 7,5   في المائة من اليد العاملة وفي ضمان قرابة عُشر ثروات البلاد. ومن ثم فإنها بدأت تحرص على اتخاذ إجراءات صارمة لردع مخالفي للقوانين المتصلة ببيئة جبال الهيملايا وعلى تنظيم حملات سنوية خلال فصل الربيع لتنظيف الأماكن التي يسعى بعض المتسلقين إلى تلويثها عبر الرمي فيها بنفاياتهم.وقد لوحظ أن السلطات الصينية بدأت هي الأخرى تحذو حذو نيبال في إطار المساعي ذاتها تجاه الراغبين في الوصول إلى قمة افرست انطلاقا من هضبة التبت. وهذا ما جعلها تشارك مثلا خلال الشطر الأول من شهر مايو-أيار عام 2017 في حملة تنظيف سمحت بجمع قرابة أربعة أطنان من النفايات من المرتفعات القريبة من قمة إفرست، علما أن قرابة ستين ألف متسلق يصلون إلى هذه المرتفعات كل عام انطلاقا من هضبة التبت.ومن أهم مطالب المنظمات الأهلية التي تُعنى بالتنمية المستدامة من حول سلسلة جبال الهيملايا إنشاءُ مجمع كبير مهمته تنسيق التعاون بين مختلف الدول التي تتقاسم ملكية هذه السلسة الجبلية في مجال الحفاظ عليها وتوظيفها لفائدة التنمية المحلية المستدامة.والملاحظ أن سلسلة جبال الهيملايا تمتد على مسافة 600 ألف كلم مربع. ويبلغ طولها 2400 كلم بينما يتراوح عرضها بين 250 و4 مائة كلم. أما البلدان التي تتقاسم ملكيتها فهي الصين ونيبال وبورما والهند ومملكة بوتان وباكستان وأفغانستان.  بعض المقترحات الإيطالية لجعل اقتصاد جبال الألب يتكيف مع التغير المناخي يدرك سكان قرية "بيو" الواقعة شمال إيطاليا الشرقي اليوم -شأنهم في ذلك شأن سكان عشرات القرى الإيطالية الأخرى التي كان اقتصادها قائما أساسا حتى الآن على التزلج على الثلوج-أن هذا النشاط ينحسر يوما بعد آخر بسبب عدم نزول الثلوج بشكل منتظم في فصلي الشتاء والربيع وتفاقم ظاهرة ذوبان الجليد المتجمد في مختلف أعالي جبال سلسلة جبال الألب التي تتقاسمها عدة بلدان منها إيطاليا كما ذكرنا من قبل. ولذلك فإن عددا من السكان يدعون اليوم لتحويل القرية إلى متحف تاريخي متخصص في ما يسمى " الحرب البيضاء ". وهذه الحرب جزء من معارك الحرب العالمية الأولى. وقد دارت رحاها على قمة أحد الجبال المحيطة بهذه البلدة الإيطالية بين القوت الإيطالية من جهة وقوات الإمبراطورية النمساوية المجرية. والغريب أن كثيرا من جنود هذه الحرب لم يُقتلوا بالسلاح بل بواسطة انهيارات ثلجية. وظلت أجسادهم محفوظة تحت الجليد المتجمد. ولكن تزايد ارتفاع درجات الحرارة ساهم في ذوبان هذا الجليد وفي الكشف حتى الآن عن قرابة أربعين جثة من جثث جنود " الحرب البيضاء". بل إن فرقا من المؤرخين أصبحت تزور البلدة بانتظام لفتح ذاكرة هذه الحرب من جديد عبر انعكاسات التغير المناخي.وفي التشيلي أو الشيلي، كشف ذوبان الجليد المتجمد في عدة جبال كانت مكسوة من قَبلُ بالثلوج طوال فصول السنة تقريبا عن جثث أطفال غمرتهم الثلوج بدورهم قبل أكثر من خمسة قرون أي خلال فترة حضارة "الإنكا" التي كان الهنود الحمر قد أقاموها في عدد من مناطق ما يُعرف اليوم بأمريكا اللاتينية. وتطالب منظمات المجتمع المد
إذا كانت الطائرات بدون طيار قد أثبتت جدواها في الحروب الجديدة، فإنه بالإمكان استخدامها مبدئيا لإلحاق أضرار كبيرة بالبيئة لاسيما من قِبل أشخاص أو مجموعات ترغب في الإساءة إلى البيئة لتحقيق أغراض كثيرة. العصابات المتخصصة  في الجريمة المنظمة تستخدم اليوم هذه الطائرات لتهريب المخدرات وإضرام النار في بعض أجزاء هذه الغابة أو تلك لتحويل أنظار الأجهزة الأمنية عنها وعن أنشطتها في أجزاء أخرى.ومع ذلك، فإن الخدمات التي تقدمها الطائرة بدون طيار  إلى البيئة وتلك التي يمكن أن تقدمها إليها في المستقبل متعددة ومنها مثلا استخدامها للوقاية من حرائق الغابات والمساهمة في إطفائها بشكل ناجع.ومن أحدث استخدامات الطائرات بدون طيار في مجال التنوع الحيوي الخاص بالغابات تكليفها مثلا بإعادة تشجير مواضع في غابات يصعب الوصول إليها لعدة أسباب وهو حال غابة الأمازون. فهذه الطائرات تلقي من السماء على المواضع التي يُراد تشجيرها على نحو يجعلها تنغرس في الأرض دون حاجة إلى إنسان يعمل على تثبيتها في التربة.   وفي انتظار استخدام نحل صناعي يتولى عملية تلقيح المزروعات والنباتات، ازداد في السنوات الأخيرة عدد الشركات الصغيرة المتخصصة في صنع طائرات بدون طيار تتولى القيام بهذه المهمة في الليل والنهار.وتُستخدم الطائرات بدون طيار لمراقبة السدود والوقاية من الفيضانات التي قد تتسبب فيها عند هطول الأمطار بشكل غزير ومفاجئ. كما تُستخدم لجمع معلومات دقيقة من السماء عن المزارع لتحديد الأماكن التي تحتاج فيها إلى الري أكثر من غيرها أو لتحديد أماكن انتشار الأعشاب الطفيلية أو الأماكن التي تنتشر فيها بعض الأمراض. ويتم اللجوء أيضا إلى الطائرة بدون طيار للمشاركة في رش هذه الأماكن بمبيدات وأسمدة كيمائية بكميات أقل بكثير من تلك التي تُنثر عادة عبر الآلات والمعدات التقليدية المخصصة لذلك. واتضح أن كلفة استخدامها في هذه الأغراض أقل بكثير مما هي عليه الحال كلفة استخدام معدات أخرى منها الطائرات العمودية. وهناك آفاق واعدة أخرى لتطوير استخدام الطائرة بدون طيار في   العملية التنموية المستدامة على أكثر من صعيد. ومن هذه الاستخدامات التي ستتعزز في المستقبل تزويد سكان المناطق النائية بالأدوية. بل إن بلدانا إفريقية منها رواندا ومالاوي وغانا أصبحت اليوم رائدة في هذا المجال.
ثمة اليوم رغبة لدى شبكات المنظمات الأهلية الوطنية والإقليمية والعالمية التي تُعنى باستخدامات المياه العذبة في الترويج لسبل الاستفادة من الطبيعة للمساهمة في معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في أغراض كثيرة تخدم العملية التنموية. وتحرص هذه المنظمات على المشروع لحث البلدان التي ستشكو في المستقبل من مشاكل شح المياه على استلهام مبادرات منه لترشيد استخدام المياه العذبة. والحقيقة أن هذه الشبكات لديها رغبة في الاستشهاد كثيرا بالمثل السنغافوري في هذا المجال لتجاوز حاجز نفسي كبير استطاع باحثو هذا البلد إقناع السكان بتجاوزه. وتتمثل المبادرة السنغافورية في معالجة مياه الصرف الصحي الرمادية لاستخدامها لمياه الشرب.فقد حرصت السلطات السنغافورية بالتعاون مع الباحثين على إعادة إطلاق المياه الرمادية التي تُنَقى من شوائبها في أنهار طبيعية أو اصطناعية. وهذه العملية تسمح فعلا للطبيعة بتنقية المياه الرمادية المعالجة بشكل أفضل وبكسر الحاجز النفسي الذي يجعل الناس لا يتصورون لحظة واحدة أنهم قادرون على الحصول بشكل مجاني أو بثمن على قوارير من الماء العذب هي في الأصل مستمدة من مياه الصرف الصحي.لقد انطلق السنغافوريون في إنجاز هذه المبادرة الرامية إلى الاستفادة من المياه الرمادية وتحويلها بعد معالجتها إلى مياه للشرب من التجارب العالمية الرامية إلى إعادة استخدام المياه الرمادية لسقي بعض المزروعات لا كلها بعد معالجتها. ومن هذه التجارب على سبيل المثال تجربة هندية أطلقت في ثلاثينات القرن العشرين. فقد دأب عدد من المزارعين وصيادي السمك في الهند على كسب رزقهم انطلاقا من جزء من مياه الصرف الصحي التي تنقلها قنوات خاصة وتُلقي بها على بعد عشرة كيلومترات من تخوم مدينة كالكوتا. وكانت هذه المياه ولا تزال تصل إلى برك هُيئت خصيصا لاستقبالها وتخليصها عبر الطبيعة من الشوائب العالقة بها  وتحويلها إلى مياه لسقي المزروعات المحيطة بالبرك أو إلى مادة تغذي في الوقت ذاته الأسماك التي تُربى في هذه البرك.شيئا فشيئا، أصبح أفراد الأسر التي تصيد السمك أو تتعاطى الأنشطة الزراعية في المستنقعات الواقعة شرق مدينة كالكوتا خبراء في اختيار الأعشاب والطحالب والكائنات الحية الحيوانية والنباتية القادرة على القيام بكل هذه العمليات بدون اللجوء إلى مصانع لمعالجة مياه الصرف الصحي قبل إعادة استخدامها أو بدون استخدام الطاقة لتشغيل هذه المصانع.الملاحظ أن عددا من المهندسين الهنود ساهموا منذ تسعينات القرن الماضي في تطوير هذا النظام الذي يجعل من الطبيعة العامل الأساسي المتحكم في عملية تنقية جانب من مياه الصرف الصحي في مدينة كالكوتا لاستخدامه في مجال التنمية المحلية.وهو اليوم يسمح بمعالجة ثلث مياه الصرف الصحي التي تأتي من المدينة وفي تلبية ثلث حاجات سكانها من الأسماك وفي جعل قرابة مائة ألف شخص يعيشون على المنتجات الزراعية والأسماك التي يتم الحصول عليها عبر هذه المياه.ويُذَكِّر المشرفون على التجربة بأن ما يتبقى من مياه هذه المستنقعات المربوطة ببعضها البعض يصل إلى البحر دون أن يكون مُحمَّلا بالنفايات والشوائب التي نعثر عليها عادة في مياه الصرف الصحي التي يُلقى بها في المناطق الساحلية الهندية وغير الهندية والتي لا تخضع لأي معالجة.
ثمة أسباب عديدة تقف وراء توقع الموجة الخضراء التي يُنتظر أن تجتاح فرنسا ولاسيما المدن الكبرى بعد الانتخابات التي ستجري يومي 15 و22 مارس –آذار عام  2020 من أهمها تلك التي تتعلق بزيادة الوعي لدى السكان ولاسيما الشباب بما يتهدد الكرة الأرضية بسبب سلوكيات الإنتاج والاستهلاك السيئين وانعكاس ذلك على حياتهم اليومية. كما يعزى الأمر إلى الحملة العالمية غير المسبوقة التي بدأت منذ سنوات والتي تقودها الأمم المتحدة حول انعكاسات ظاهرة الاحترار المناخي على كوكب الأرض وعلى السكان وبخاصة أولئك الذين يقيمون في المدن.كما وتشكل المبادرات الفردية والجماعية للحد من هذه الانعكاسات عاملا مهما من العوامل التي تقف وراء رغبة كثير من الناخبين في التصويت لفائدة أشخاص يدافعون عن البيئة.والملاحظ أن الخضر الفرنسيين عززوا موقعهم في الخارطة السياسية الأوروبية، شأنهم في ذلك شأن الأحزاب والحركات البيئية الأوروبية الأخرى في الانتخابات الأوروبية التي جرت في شهر مايو-أيار عام 2019.بل إن جزءا مهما من الذين تتراوح أعمارهم بين ال18 و24 صوتوا لصالح لهذه الأحزاب بعد أن نجحت الشابة السويدية غريتا ثامبرغ في إقناعهم بضرورة أن يكونوا قاطرة الحراك العالمي ضد تقاعس أصحاب القرارات السياسية في إدراج الاعتبارات البيئية في كل المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ولاحظ سكان المدن الفرنسية، على غرار ما هو عليه الأمر في المدن الأوروبية الأخرى، أنهم أصبحوا في مقدمة ضحايا تلوث هواء المدن والذي يتسبب في فرنسا وحدها في وفِيَّات مبكرة يقدر عددها بخمسين ألف شخص في العام الواحد بسبب هذا التلوث. كما عاينوا بشكل ملموس واقع انعكاسات تلوث المنتجات الزراعية على صحتهم.وأصبحوا بالتالي مقتنعين أكثر فأكثر بأن تعزيز حضور المدافعين عن البيئة في المجالس البلدية إنما هو أفضل السبل لمواجهة هذه المشاكل من جهة وللضغط بشكل فاعل من جهة أخرى على أصحاب القرارات السياسية والاقتصادية المقصرين في حق الاعتبارات البيئية.وصحيح أن سكان المدن الأوروبية ومدن الشمال الأمريكي أصبحوا مقتنعين أكثر فأكثر بإيجابيات عدد من المبادرات الفردية أو الجماعية التي يقومون بها للحد من انعكاسات تدهور الأوضاع البيئية المحلية على حياتهم ومنها على سبيل المثال الضِّياع الحضرية أو شبه الحضرية التي يُربي فيها النحل وتُغرس فيها الخضراوات والأشجار المثمرة.وبالرغم من أن عددا من أصحاب السيارات في المدن الفرنسية يصفون ناشطي الحركات والأحزاب البيئية " بالخمير الحمر"، فإن شل قطاع النقل العام في فرنسا خلال المظاهرات الاحتجاجية على نظام إصلاح التقاعد، أظهر أن هناك تعاطفا متزايدا مع العمد الذين يريدون تعزيز مكان الدراجات الهوائية في المدن الكبرى والتي اهتدى الكثيرون إلى أنها تُفيد في وقتِ الشدة أي وقتَ تَعطُّلِ وسائل النقل العام.
تزايدت في السنوات الأخيرة بعض الابتكارات التي يقف وراءها أشخاص أو تسعى مؤسسات ناشئة صغيرة إلى استخدامها لجعل الاقتصاد والبيئة يسيران في طريق واحدة لا في خطين متوازيين لا يلتقيان. وتندرج تظاهرة «تشانج ناو" في هذا الإطار. وهذه العبارة التي تعني التغيير الآن هي اسم مؤسسة فرنسية ناشئة همها الأساسي الاستثمار المعرفي في الاقتصاد الأخضر وتنظيم تظاهرة   سنوية تجمع المبتكرين والمستثمرين ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب القرارات السياسية. وقد نظمت آخر تظاهرة في هذا السياق في مبنى القصر الكبير في العاصمة الفرنسية من 30 يناير-كانون الثاني إلى بداية فبراير-شباط عام 2020.القصر الكبير شاهد على التحولات التكنولوجية عن الأسباب التي تقف وراء اختيار مبنى القصر الكبير في العاصمة الفرنسية لإيواء فعاليات تظاهرة " تشانج ناو" يقول سانتياغو لوفيفر أحد المشرفين على تنظيم هذه التظاهرة المخصصة لابتكارات الاقتصاد الأخضر: " مبنى القصر الكبير في باريس مكان طبعه التاريخ وطبعته الثورة الصناعية. إنه مكان ساهم في تحولات كبيرة. فهو الذي آوى معارض السيارات الأولى ومعارض الطيران الأولى قبل نقلها إلى ضاحية البورجيه الباريسية. وكان من الطبيعي بالنسبة إلينا أن نختار مبنى القصر الكبير لإقامة هذه التظاهرة المخصصة لمنتجات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والرقمية الحالية والمخصصة أساسا لابتكارات لديها علاقة بالاقتصاد الأخضر.وتقوم فلسفتنا على العمل الملموس انطلاقا من ملاحظة ميدانية مقادها أن هناك اليوم حلولا في العالم بدأت تتبلور لتخضير الاقتصاد. ونحن نرغب من خلال هذه التظاهرة في التركيز على عين المكان على اللقاءات المباشرة بين المبتكرين والمستثمرين ومستخدمي هذه الابتكارات الجديدة". البلاستيك النعمة من المشاركين في تظاهرة تشانج ناو الباريسية السنوية المخصصة لابتكارات الاقتصاد الأخضر شاب يدعى سيمون برنار. أما ابتكاره فهو نظام لإشراك سكان المناطق الساحلية في تدوير النفايات البلاستيكية والاستفادة منها اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.  وتُعَدُّ مياه المحيط الهادئ من أهم مناطق المياه البحرية التي تتجمع فيها أجزاء النفايات البلاستيكية التي يُرمى بها في البحار والمحيطات أو تصل إليها عبر الأنهار أو الرياح أو الأمطار. ففيها تكدست حتى الآن كميات من النفايات البلاستيكية يقدر حجمها بـ80 ألف طن تطفو فوق مياه المحيط الهادئ وتحت مياهه السطحية. وتبلغ مساحة هذه المنطقة المائية الواقعة في المحيط الهادئ والتي فيها كثافة عالية جدا من المواد البلاستيكية مليونا وست مائة ألف كلم مربع.  تأكد من خلال دراسات ميدانية حول الموضوع أن قرابة 94 في المائة من هذه النفايات البلاستيكية تتحول بفعل أشعة الشمس والعواصف والتيارات البحرية إلى قطع صغيرة لا يتجاوز حجم الواحدة منها أربعة ميليمترات مما يجعلها سهلة الابتلاع من قِبل الأسماك وثروات البحر الأخرى. ومن هنا جاءت تسمية " الحساء البلاستيكي" الذي يشكل فعلا مشكلة حقيقية. وإذا كان الإنسان يساهم بقسط كبير في هذه المشكلة منذ بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن التاسع عشر عبر أنماط الاستهلاك والإنتاج، فإنه في مقدمة ضحاياها لأن هذا "الحساء البلاستيكي" يصل إلى معدته من خلال استهلاك ثورات البحر الطبيعية. ومن المشاركين في تظاهرة "تشانج ناو" الباريسية السنوية المخصصة لابتكارات الاقتصاد الأخضر شاب يدعى سيمون برنار. أما ابتكاره فهو نظام لإشراك سكان المناطق الساحلية في تدوير النفايات البلاستيكية والاستفادة منها اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.  الشاب الفرنسي سيمون برنار مطلق مشروع سفينة تجوب سواحل العالم بهدف التعامل بشكل جديد مع النفايات البلاستكية يتحدث عن بعض خصائص هذا المشروع: " لدينا سفينة طولها أربعون مترا كانت تُستخدم من قبل لإجراء تجارب علمية في المحيطات. ونحن بصدد تحويلها إلى مركز متنقل متخصص في تدوير النفايات البلاستيكية. وسنقوم برحلة عالمية تستمر ثلاث سنوات. وسترسى السفينة في عدة بلدان تعاني من النفايات البلاستيكية. ومهمة السفينة تنظيم دورات تدريبة مجانية يستفيد منها الناس للحيلولة دون وصول المواد البلاستيكية إلى البحار والمحيطات من خلال إعادة استخدامها لتحقيق عدة أغراض بعد تدويرها. ونحن نقوم بهذه المهمة بعد ان لاحظنا أن غالبية النفايات البلاستيكية الموجودة في مياه البحار والمحيطات تأتي من اليابسة. وفي حال التوصل إلى تدوير نصف هذه النفايات البلاستيكية في البلدان العشرين التي تلوث عبرها مياه البحار والمحيطات أكثر من غيرها، فإننا سنكون قادرين على خفض نسبة تلوث البحار والمحيطات كلها بهذه المواد بنسبة أربعين في المائة".  والحقيقة أن الأنهار والوديان تساهم في تلويث البحار بهذه المواد بنسبة تتراوح بين 10 وعشرين في المائة. أما الجزء الأكبر من مصادر التلويث في هذا الشأن فهي المناطق الساحلية. ونحن نسعى إلى فتح أفق أمام سكان هذه المناطق من خلال تحويل النفايات البلاستيكية إلى ثروات تتم الاستفادة منها للحيلولة دون الإلقاء بها على الأرض للتخلص منها".الابتكار وتحقيق الأمن الغذائي عبر الحشرات    كان يُنظر إلى الاستزراع السمكي من قَبل بوصفه عاملا يساعد على التخفيف من الضغوط المتزايدة على ثروات البحار والمحيطات السمكية ويساهم في الحفاظ عليها وعلى تجددها بشكل مستدام.لكنه اتضح بشكل متدرج أن الشركات المتخصصة في الصناعات الغذائية التي تُستخدم منتجاتها في التغذية البشرية والحيوانية نمَّت قطاع الاستزراع السمكي لاسيما في البلدان الصناعية على نحو جعلت منه مصدرا من مصادر استغلال ثروات البحر استغلالا مفرطا ونشاطا يزدهر على حساب الأسر الفقيرة التي تعيش على الصيد البحري بالطرق التقليدية أو الأسر الفقيرة التي تسعى بقدر الإمكان إلى إدراج السمك في وجباتها الغذائية بأسعار معقولة.من جهة أخرى اتضح انطلاقا من عدة دراسات ميدانية أن الاستزراع السمكي يمكن أن يسيء إلى نمط الصيد البحري التقليدي لعدة أسباب منها على سبيل المثال أن إنتاج كيلو غرام واحد من سمك أحواض الاستزراع الضخمة يحتاج إلى أربعة كيلوغرامات من السمك الطبيعي المُستخرج من البحار والمحيطات. الملاحظ أن مؤسسة ناكستبروتيين الناشئة التي شاركت في فعاليات تظاهرة " تشانج ناو" في القصر الكبير في العاصمة الفرنسية في دورة عام 2020 تعمل على الانخراط في المساعي الجديدة الرامية إلى الحفاظ على الثروات الطبيعية ومنها المياه والأراضي الزراعية وثروات البحار والمحيطات وذلك من خلال تربية الحشرات. كيف يتم ذلك؟ هذه بعض الشروح التي قدمتها سيرين شعلانة التي أطلقت مع زوجها محمد قصدلي هذه المؤسسة عام 2014: " ناكستبرتيون هي مؤسسة فرنسية تونسية تتخذ من باريس مقرا لها وتستخدمه لإجراء أبحاثها وتنمية نشاطها وتسويق منتجاتها. ولدينا مصنع في تونس مخصص لتربية حشرات بهدف الحصول على بروتينات وزيوت يتم استخدامها في تغذية الحيوانات. وننتج أيضا أسمدة عضوية لتخصيب الأراضي الزراعية. ونحن نسعى إلى الحد من إهدار الأغذية وإلى المساهمة في تلبية حاجات السكان المتزايدة من الغذاء. كما نسعى إلى الحد من انعكاسات الصناعات الغذائية السلبية على البيئة. ونحن بالتالي نقدم على سبيل المثال أعلافا تكون بديلا للأعلاف التقليدية المسرفة في استخدام الموارد الطبيعية. والملاحظ أن كميات من البروتينات المتأتية من الحشرات التي نربيها في رقعة لا تتجاوز مساحتها مائة متر مربع تعادل كميات البروتينات ذاتها المتأتية من زراعة الصويا في رقعة تبلغ مساحتها مائة هكتار. ونحن نسعى أيضا إلى إنتاج أعلاف تستخدم في عملية الاستزراع السمكي وتعوض الأعلاف المستمدة حاليا من أسماك البحار والمحيطات. وأُذَكر بأننا بحاجة في غضون عام 2030 إلى مضاعفة كميات من الأسماك الطبيعية المستخدمة لتغذية الأسماك التي تتم تربيتها. ولكن المحيطات والبحار غير قادرة على توفير هذه الكميات. نحن في نهاية المطاف نوفر فرصة للاستثمار في حلول بديلة مستدامة وواقعية".ما يشد الانتباه في تظاهرة " تشانج ناو" التي تُعنى بابتكارات الاقتصاد الأخضر أن عددا مهما من المبتكرين المشاركين فيها من أصول غير أوروبية. فقد ولد كثير منهم في البلدان النامية وتلقوا جزءا مهما من معارفهم النظرية على الأقل في بلدانهم الأصلية واضطُروا إلى الهجرة إلى الشمال لأن بلدان الشمال أصبحت تهتم أكثر من قبل بالثروات البشرية التي لديها قدرة على الابتكار والمساهمة بشكل فاعل في إنعاش الدورة الاقتصادية وتعزيز مفهوم التنمية المستدامة والاستفادة من إنجازاتها اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. ولاتزال البلدان النامية غير قادرة حتى الآن بما فيه الكفاية على الحفاظ على مواردها البشرية المتخصصة في هذا المجال على غرار عجزها السابق في الحد من هجرة أدمغتها قبل بداية الثورة الرقمية والتكنولوجية الجديدة.
تسعى اليوم منظمات غير حكومية منها الصندوق العالمي لحماية الحياة الطبيعية منذ سنوات عديدة إلى إنشاء شبكات تُعنى بما يسمى " مسالك الذهب الأخلاقي " أي ذلك الذي يتم إنتاجه وتسويقه والحصول عليه في إطار منهجية تحترم حقوق الإنسان وحقوق الطبيعة والأجيال المقبلة. ويقول الذين يحرصون على إرساء هذه الشبكات إنها ستجعل كل شخص راغب في شراء أي قطعة مصنوعة جزئيا أو كليا من الذهب يسأل نفسه قبل أن يشتري ساعة أو سوارا أو قلادة عما إذا كان بريق الساعة أو السوار أو القلادة لا يخفي وراءه آلاما وأوجاعا يعاني منها ملايين الناس وتتضرر منها الطبيعة بسبب المواد التي تُستخدم في عملية فرز حبيبات الذهب قبل صهرها في سبائك. بل إن هذه المنظمات تحرص منذ سنوات على إقناع أبطال الألعاب الرياضية بألا يقبلوا ميداليات أو كؤوسا ذهبية لا تمر عملية إنتاج ذهبها عبر شبكات "الذهب الأخلاقي" وأن يتأكدوا بأنفسهم بأن كؤوسهم وميدالياتهم الذهبية لم تتسبب في تلويث الطبيعية وفي أمراض تطال العاملين في مناجم الذهب أو في سكان المناطق المجاورة لها.وثمة منذ سنوات رغبة لدى عدة منظمات أهلية عديدة تُعنى بالبيئة في   الذهاب أبعد من الطرح الداعي إلى وضع ضوابط صارمة لجعل عملية التنقيب عن الذهب وتحويله من حبيبات إلى سبائك. فهي تحاول إقناع نجوم الفن والسينما والمشاهير بشكل عام بضرورة مساعدتها على الترويج لفكرة ملخصها أن استبدال ساعات أو أقراط أو سلاسل وخواتم ذهبية بساعات وأقراط وسلاسل وخواتم مصنوعة مثلا من معادن أو أحجار غير ثمينة أو حتى من الطين أو الخشب إنما هو سلوك يخدم مفهوم الأناقة ويخدم البيئة والإنسان في الوقت ذاته.وكان الساعون إلى تعزيز هذا الطرح يأملون في أن تتوصل جهودهم إلى جعل النساء مثلا يُرغِين ويُزبِدْن إذا أهداهن عشاقهن أو أزواجهن خواتم أو سلاسل أو أقراطا من الذهب ويطالبن بتعويضها بخواتم وسلاسل وأقراط من المعادن غير الكريمة أو من حجارة الوديان.ولكن غالبية هذه المساعي لم تكلل بالنجاح لعدة أسباب منها أن العولمة كانت وراء إثراء عدد كبير من الأشخاص في القارات الخمس وأن كثيرا من هؤلاء الأثرياء حريصون على المفاخرة أمام الأصدقاء والأعداء بقدرتهم على امتلاك أمتعة ذهبية تتجاوز حدود المجوهرات بصرف النظر عن ظروف الحصول على حبيبات الذهب التي استُخدمت لصنع هذه الأمتعة. وهذا ما يفسر إلى حد كبير تزايد أعداد البحث عن الذهب بطرق تقليدية يتم اعتمادها في كثير من الأحيان خارج مناجم الذهب الرسمية أو شبه الرسمية. وتؤكد تقارير أنجزتها منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة والتنمية الاقتصادية أن هذه الطرق لم تضع حدا للأضرار الصحية التي تطال العمال والأطفال والشيوخ وتلك التي تصيب البيئة.  بل إنها ساهمت في توسيع نطاقها. وتخلص إلى أن أثر بريق الذهب في النفوس لايزال أقوى بكثير من مسالك " الذهب الأخلاقي".
مشروع القانون الفرنسي الذي صوت عليه نواب مجلس النواب في 30 يناير – كانون الثاني عام 2020 يتعلق بما يُسمى " موروث الريف الفرنسي الصوتي والحسِّي " في إشارة إلى أصوات حيوانات أو آلات هي جزء من هوية الريف الفرنسي. وهو يخص أيضا روائح قد لا يتحملها سكان المدن ولكنها جزء هي الأخرى من هذا الموروث. الواقع أن قصة هذا الموروث قد بدأت تطرح مشاكل منذ سنوات عديدة بسبب نزوح كثير من سكان المناطق الحضرية أو شبه الحضرية إلى الأرياف الفرنسية لأسباب عدة منها طلب الراحة.وقد أصبح هؤلاء الحضريون الذين ليس لديهم إلمام كبير بخصوصية الأرياف الفرنسية يتضايقون من بعض الأصوات التي تنبعث من ضياع قرب مساكنهم ومنها مثلا صياح الديكة وضجيج الجرارات أو الآلات الحاصدة الدراسة.ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عددا من المتضايقين قدموا شكاوى أمام المحاكم الفرنسية لعل أبرزها واحدة بحق ديك يسمى "موريس" أصبح اليوم نجم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لأن المحكمة أنصفته وذكَّرت الشاكين به بأنه من حق ديكة الأرياف الفرنسية أن تصيح متى عَنَّ لها الصياحُ لأنها جزء من تراث هذه الأرياف.وكان هذا الجدل بين مؤيدي الديك " موريس" والذين يأخذون عليه إزعاج جيران مالكه وراء حملة قامت بها منظمات المجتمع المدني المدافعة عن هوية الأرياف الفرنسية، والتي دعت لاستصدار قانون يؤكد على أنه من حق ديكة الأرياف الفرنسية أن تصيح ومن حق المزارعين في الأرياف استخدام آلاتهم الزراعية في الصباح الباكر أو في ساعة متأخرة من الليل انطلاقا من خصوصيات الأرياف والأنشطة التي تُمارس فيها، ومنها مثلا وجود طحالب ذات روائح كريهة في بعض فصول السنة في المناطق الرطبة.الملاحظ أن أحد مزارعي جنوب فرنسا من الذين يدافعون اليوم عن هذه الأصوات والروائح التي لا يأنس إليها سكان الأرياف الآتين من المدن، سخِر من هؤلاء قائلا: "كنت مثلكم قبل ثلاثين عاما وتمنيت عندما انتقلت من المدينة إلى الريف أن أملك كُلَّ ما تملكه الدولة الفرنسية من قوة لأشن حربا شعواء على أصوات الصراصير التي كانت تزعجني، فأصبحت اليوم أشتاق إليها وأقلق عندما تتأخر عن النشيد ".
خلال الفترة الممتدة من نوفمبر عام 2018 إلى مايو عام 2019، استخدم باحثون فرنسيون من جامعة لا روشيل والمركزِ الوطني للأبحاث العلمية 196 قطرسا لمراقبة السفن والبواخر التي تجوب مناطق تقع على حدود ثلاث قارات هي أستراليا وإفريقيا والقارة القطبية الجنوبية والتي يعمد عدد من مُسيريها إلى هذه المناطق إلى صيد السمك بشكل محظور. ولدى العينة التي اختيرت من القطارس للقيام بهذه المهمة ميزتان اثنتان على الأقل هما التاليتان: أولا: أن طائر القطرس الذي يزن قرابة عشرة كيلوغرامات ويمتد جسمه إلى حدود ثلاثة أمتار ونصف معروف بقدرته الفعالة على الطيران والتحليق لمسافات طويلة. بل إنه قادر على قطع آلاف الكيلومترات في رحلة واحدة. ولديه القدرة على رصد سفن تبعد عنه قرابة ثلاثين كيلومترا وعلى متابعتها حتى في ظروف مناخية قاسية أملا في الحصول على ما قد يُلقي به الصيادون في البحر من أسماك أو بقايا أسماك بعد إفراغ شباكهم. ثانيا: أن عينة القطارس التي تم اختيارها لمراقبة نشاط بواخر الصيد غير المشروع غير بعيد عن القارة القطبية الجنوبية تعيش عادة في مجموعة من الجزر الفرنسية تقع في ما يُسمى "الأراضيَ الفرنسية الجنوبية والإنتاريكتية". وهي جزر " كروزيه " و"كير غيلان" و"أمستردام". والواقع أن فكرة تكليف طيور القطارس هذه بالقيام بهذه المهمة خامرت الباحثين الفرنسيين الذين كانوا يُجرُون أبحاثا منذ سنوات عديدة لمحاولة إيجاد طريقة لإنقاذ كثير من هذه الطيور التي تَعلق بشِص صنانير الصيد المستخدمة من قبل راكبي هذه البواخر والسفن فتموت. كما جاءت فكرة استخدام هذه القطارس للقيام بالمهمة ذاتها بعد أن لاحظ الباحثون الفرنسيون وغيرهم أن البواخر والسفن التي تجوب المناطق البحرية القريبة من القارة القطبية الجنوبية تُشَغِّل دوما أنظمة راداراتها حتى تتفادى الارتطام ببواخر وسفن أخرى لاسيما خلال فترات تَشكل الضباب الذي يحجب الرؤية أو الزوابع البحرية الشديدة ولكنها تتعمد إطفاء الأجهزة التي لديها والموصولة بنظام تحديد أماكن وجودها في البحار والمحيطات. وقد لوحظ منذ عقود أن كثيرا من السفن التي تلجأ إلى هذا الإجراء أي قطعَ نظام الاتصال بها لتحديد أماكنها إنما تفعل ذلك بهدف ممارسة نشاط الصيد غير المشروع. ووجد الباحثون الفرنسيون أن قطارس الجزر الفرنسية الموجودة غير بعيد عن القارة القطبية الجنوبية قادرة عبر أجهزة صغيرة الحجم تُجهز بها على ترصد رادارات البواخر والسفن التي تلجأ إلى الصيد المحظور. واتضح من خلال التجربة الأولى التي استمرت قرابة سبعة أشهر أن القطارس أفضل بكثير من الأقمار الاصطناعية للقيام بهذه المهمة لأن استخدامها في هذا المجال أقل كلفة، أضف إلى ذلك أنه يصعب على الأقمار الصناعية تقديم صور دقيقة عن الخروق الحاصلة إذا كانت البحار والمحيطات في حالة هيجان أو إذا كانت طبقات الضباب التي تغطي أماكن انتشار سفن الصيد وبواخره سميكة أكثر من اللزوم.  وإذا كانت الطائرات بدون طيار قادرة على اختراق هذه الطبقات والاقتراب كثيرا من السفن والبواخر المرصودة، فإن بطاريتها لا تسمح لها على عكس بطاريات القطارس الطبيعية بالتحليق لمدة طويلة وعلى امتداد مساحات تعادل مثلا 47 مليون كلم مربع وهي المساحات التي قطعتها القطارس خلال المهمة التي قامت بها طوال قرابة سبعة أشهر.
الفرنسي " ماتيو فيرسبيريان " كان دوما حريصا على أن يعيش في مناخ مهني يُذكره بالطبيعة والبيئة. وكان يظن أن العمل كبائع ومشرف على جناح الخضراوات والفواكه من شأنه أن يساعده على الإبقاء على هذه العلاقة مع الطبيعة. ولكن ماتيو اهتدى بعد سبع عشرة سنة قضَّاها في المحلات التجارية الضخمة إلى أن جزءا كبيرا من الفواكه والخضراوات التي يتم تسويقها عبر مثل هذه المحلات يتم الحصول عليها عبر نظام الزراعة المكثف الذي تُستخدم فيه كميات كبيرة أكثر من اللزوم من المواد الكيميائية المضرة بالبيئة وبالصحة.لكل ذلك قرر الفرنسي ماتيو التوقف عن نشاطه كبائع أو مشرف على بيع الخضروات والفواكه في المحلات التجارية الكبرى على خلفية مقولة لايزال يرددها حتى اليوم ومفادها أن المفارقة في هذه المحلات أنها تسعى إلى بيع منتجات غذائية بأسعار معقولة ولكن الطرق المعتمدة لتوفير مثل هذه المنتجات تجعلها مضرة في كثير من الأحيان بالبيئة والصحة البشرية والحيوانية.وقرر ماتيو إطلاق مؤسسة صغيرة متخصصة في مشاريع ما يسمى " الغابات الحضرية". وبين هذه الغابات الحضرية واحدة تقرر غرسها خلال الجزء الأول من عام 2020 في جزء من ساحة مدرسة ابتدائية قرب مدينة ليل الفرنسية الواقعة في شمال البلاد. وستحتوي هذه الغابة على 300  شجرة وشجيرة تنبت عادة في  غابات المناطق الريفية القريبة من هذه المدينة ومنها مثلا أشجار البلوط والزيزفون والبندق والجِلَّوز.ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الفرنسي ماتيو فرسبيريان تلقى دورات تدريبية في قواعد غرس " الغابات الحضرية" التي يُعَدُّ عالِم الطبيعيات الياباني "أكيرا مياواكي " المولود في عام 1928 مهندسها. ومن هذه القواعد العمل على استحداث منابت تُزرع فيها بذور أشجار هذه الغابة أو تلك وشجيراتها. ويتم نقل غراس هذه الشجيرات والأشجار إلى المكان الذي يُراد إنبات غابة حضرية فيه.والغابات الحضرية أو شبه الحضرية التي يفوق عددها اليوم الآلاف تعود بفوائد كثيرة على سكان المناطق الحضرية. فهي تنمو بشكل أسرع بكثير مما هي عليه الحالة بالنسبة إلى نمو الغابات الطبيعية في المناطق الريفية.وتتجاوز في ثرائها وتنوعها البيولوجي الغابات الريفية بمعدل ثلاثين مرة. وهي تساهم في تنقية هواء المدن والضواحي من التلوث وتهويته وفي تخزين الانبعاثات الحرارية. أضف إلى ذلك أنها تُروح عن نفوس ساكني الأوساط الحضرية وشبه الحضرية وتساعد الأولياء والمربين على تلقين النشء عن كثب مبادئَ التنمية المستدامة.
استطاعت الصين الشعبية أن تكتسح أسواق الأحذية الرخيصة الثمن في العالم كله. ولكن المأخذ الأساسي على هذه الأحذية هو أن المواد المصنوعة منها تضر بالبيئة وأن بعضها يسيء إلى الصحة لأنها تتسبب في إصابة أرجل واضعيها بفطريات جلدية. ولكن شابين فيتناميي الأصل يقيمان حاليا في فنلندا تمكنا بعد إنهاء دراستهما في هذا البلد من إطلاق مؤسسة ناشئة تسمى " رينس "، يرغبان اليوم في تحويلها إلى ماركة مرموقة من ماركات الأحذية انطلاقا من الصين الشعبية.أما الأسباب الثلاثة الأساسية التي جعلت " سون شو " و" جيسي تران" يطلقان هذه المؤسسة في الصين لا في فنلندا حيث أنهيا دراستهما العالية وحيث يقيمان، فهي التالية: - أولا: أن المادتين الخام اللتين تُصنع منهما أحذية الشركة متوفرتان بكثرة في الصين وهما مار القهوة أي بقايا البن المُحمَّص والمطحون لصنع مشروب القهوة بالإضافة إلى مادة البلاستيك المُدَوَّر.- ثانيا: أن في الصين الشعبية يدا عاملة ماهرة وغير مكلفة وقادرة على تصنيع كميات كبيرة من الأحذية المُعَدَّة من مار مشروب القهوة يتم بيعها في أسواق الصين والأسواق العالمية.- ثالثا: أن الصين الشعبية تهتم اليوم كثيرا بالشراكات القائمة مع مؤسسات أجنبية قادرة في الوقت ذاته على تعزيز الاعتماد على الابتكار والسماح لليد العاملة الصينية باكتساب مهارات جديدة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والسماح للصين بفرض نفسها في العالم باعتبارها قاطرة الاقتصاد العالمي. ومن خاصيات كل حذاء من الأحذية الرياضية التي تصنعها مؤسسة " رينس" أن وزنه لا يتجاوز 460 غراما وأن مادته تحتوي على 3 مائة غرام من مار مشروب القهوة وما يعادل ست قوارير بلاستيكية.الملاحظ أن الشابين " سون شو " و" جيسي تران" يدركان اليوم أن استبدال البلاستيك المستخدم مع مار القهوة لصنع أحذية ماركتهما بمادة أخرى قابلة للتحلل في البيئة دون الإضرار بها، أصبح اليوم ضرورة بسبب أضرار المواد البلاستيكية على البيئة حتى وإن كانت هذه المواد مُدوَّرة.وفي انتظار استنباط هذه المادة البديل، يرغب الشابان في تعزيز منظومة الاقتصاد التضامني في فيتنام بلدِهما الأصلي، وفي الحذو حَذو عدة مؤسسات تُعنى أساسا بالاقتصاد التضامني من خلال الاعتماد على بقايا بن مشروب القهوة لتوسيع أنشطتها في مجال إنتاج الفطر المُعَدِّ للاستهلاك، أو عبر إنتاج أسمدة مُخصِّبة تُستعمل في الأنشطة المتعلقة بالزراعات الحضرية وشبه الحضرية. وقد أصبحت لهذه المؤسسات الإمكانات اللوجستية التي تسمح لها باستيعاب كميات كبيرة من مار حبوب البن والتي يتم الحصول عليها في مقاهي المدن الكبرى.
في 20 يناير– كانون الثاني عام 2020، انعقدت في مقر مجلس الشيوخ الفرنسي ندوة حول ما يسمى "دبلوماسية المياه " أو " الهيدوردبلوماسية. وكان ملف سد النهضة الأثيوبي من الملفات الأساسية التي تركزت حولها فعاليات هذه الندوة التي هي الخامسة من نوعها في مجال الاهتمام بمواضيع الأحواض المائية العابرة للحدود في مناطق الشرق الأوسط والمتوسط وإفريقيا. والحقيقة أن أهمية التطرق في هذه الندوة إلى ملف المفاوضات التي تجرى منذ سنوات عديدة بين مصر والسودان وأثيوبيا حول هذا السد تأتي على خلفية تفاؤل بإمكانية نجاح هذه المفاوضات في نهاية شهر يناير عام 2020 بعد أن قبلت الأطراف الثلاثة الوساطة الأمريكية وبعد أن سعت واشنطن إلى عدم الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك لإكساب وساطتها مزيدا من المصداقية والنجاعة.إلى أي حد يمكن لفرضية نجاح المفاوضات حول سد النهضة الأثيوبي أن تفتح أفقا أمام دول أخرى تقوم بينها خلافات حول تقاسم مياه مشتركة على غرار الخلافات حول تقاسم حوض النيل؟ كيف يمكن لمصطلح "الديبلوماسية المائية" أو الهيدرودبلوماسية من الاستفادة من احتمال نجاح المفاوضات المصرية السودانية الأثيوبية حول سد النيل؟  كيف يمكن للفلسطينيين توظيف هذا الاتفاق في حال حصوله بين مصر وأثيوبيا والسودان وتنفيذ بنوده بشكل إيجابي للحصول على ثلاثة عناصر هُم في أمس الحاجة إليها علما أن هذه العناصر تُعَدُّ ركيزة أساسية من ركائز دبلوماسية المياه في إطار علاقة عضوية وهي المياه والغذاء والطاقة؟ضيفا هذه الحلقة هما:  -الدكتور فادي قمير: رئيس المجلس الحكومي للبرنامج الدولي الهيدرولوجي في منظمة اليونيسكو ورئيس " المتوسط المستدام".-الدكتور شداد العَتيلي: الوزير الفلسطيني المكلف بشؤون المفاوضات المتصلة بالمياه
غدت كوستاريكا انطلاقا من شهر مايو– أيارعام 2019 أول بلد من البلدان المتفانية بحق في الاستجابة إلى متطلبات اتفاق باريس حول المناخ. فانطلاقا من هذا التاريخ أصبح هذا البلد يولد الكهرباء من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بنسبة مائة بالمائة.  ومن أهم المشاريع التي شارك معهد الكهرباء في كوستاريكا في إطلاقها في السنوات الأخيرة واحد يرمي إلى تحويل نفايات المسالخ إلى غاز حيوي يساهم في تلبية حاجات عاصمة كوستاريكا وضواحيها من الطاقة. وانطلاقا من دراسة الجدوى التي أعدها معهد الكهرباء الكوستاريكي بخصوص هذا المشروع، يتضح أن تشغيل الصهاريج المخصصة لهضم مخلفات المسالخ وتحويلها إلى غاز حيوي يساعد بسرعة على تحقيق عدة أهداف منها الأهداف التالية:  -أولا: خفض مخلفات المسالخ التي كان يتم التخلص منها من قبل بشكل لا يستجيب لمتطلبات البيئة النظيفة.-ثانيا: خفض الانبعاثات التي تتسبب في ظاهرة الاحترار المناخي    ثالثا: التخفيف إلى حد كبير من الروائح الكريهة التي كانت تنطلق من أماكن تجميع مخلفات المسلحين قبل التخلص منها.رابعا: خلق مواطن عمل جديدة عبر هذا المشروعخامسا: رفع نسبة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة.الملاحظ أن كوستاريكا جعلت من الاستثمار في مبدأ التنمية المستدامة قاطرة نموها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منذ عقود. فهذا البلد الصغير الذي ليست لديه قوات عسكرية بموجب دستور البلاد منذ عام 1949، استثمر إلى حد كبير في السياحية البيئية. بل إن ربع مساحته محميات طبيعية يقصدها السياح للاستمتاع بثراء تنوعها الحيوي. وبالرغم من أن مساحة هذا البلد لا تتجاوز 51 ألف كيلومتر مربع، فإنه يأوي لوحده 6 في المائة من مكونات الموروث النباتي والحيواني العالمي. بل إن قرابة 160 نوعا من الأنواع الحيوانية والنباتية التي لم تكن معروفة من قبل، تُكتشف كل عام في هذا البلد.
تأسست محكمة المياه في مدينة بلنسية الإسبانية عام 960. وكان وراء المشروع عبد الرحمن الناصر لدين الله ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس. وكان هذا الأخير- شأنه في ذلك شأن غالبية حكام الاندلس آنذاك- مهتما بالموارد المائية وحريصا على المحافظة عليها وعلى استغلالها استغلالا رشيدا. ودأبت هذه المحكمة على عقد جلساتها كل يوم خميس لفض الخلافات والنزاعات التي تنشأ لاسيما بين المزارعين حول هذا المورد.ومن ميزاتها أن أعضاءها ليسوا قضاة بمعنى الكلمة القانوني التقليدي. بل إنهم كانوا مزارعين يتم اختيارهم من قِبل رفاقهم في السهول الممتدة من حول مدينة بلنسية.وتحصل عملية الاختيار هذه حسب مقاييس عديدة من أهمها ضرورة أن يكون كل عضو من أعضاء المحكمة ملما بشكل دقيق بأنواع الزراعات الممارسة في هذه السهول وحاجاتها من الماء، وبكميات المياه السطحية والجوفية المتوافرة، وبأثر فترات الجفاف الطويلة على المزروعات وطرق الري ومواعيد استخدامها.ونظرا لأنه لم يكن بالإمكان الطعن في القرارات التي يتخذها أعضاء محكمة المياه في بلنسية، فإن هؤلاء تعودوا منذ بداية التجربة على إقناع أطراف النزاعات والخلافات مسبقا بصواب الأحكام التي كانوا يصدرونها. وكانوا يسعون بقدر الإمكان إلى تعديلها عند الضرورة قبل الإدلاء بها وبعد التشاور مع أطراف هذا النزاع أو ذاك الخلاف.وانطلاقا من خمسينات القرن العشرين، فقدت هذه المحكمة بشكل متدرج مكانتها كمؤسسة يتم الاحتكام إليها في مجال تقاسم مياه الري لعدة أسباب من أهمها: تغيير الأنظمة والقوانين الإسبانية المتعلقة بإدارة الموارد المائية المخصصة للري، وزحف المباني على جزء مهم من السهول التي كانت من قبل بساتينَ ومزارع.وقد حرصت "اليونسكو" على إدراجها ضمن التراث غير المادي في عام 2009 حتى تؤكد المنظمة الدولية أن هذه المحكمة تجسد نظاما تاريخيا من أنظمة إدارة المياه على نحو يقوم في الوقت ذاته على الحوار ومبدأ الإنصاف.وصحيح أن الضغوط الممارسة على الموارد المائية في مدينة بلنسية ومن حولها وانخفاض منسوبها الاحتياطي لأسباب لديها علاقة بالتغيرات المناخية، هما عاملان آخران ساهما في خفوت وهج هذه المحكمة وآلية عملها.ومع ذلك فإن مَثلها ظل دوما ولايزال مرجعا تعود إليه بانتظام جمعيات في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، يتم إشراكها بشكل أو بآخر في إدارة الموارد المائية على المستوى المحلي.بل إن كل الذين يرغبون اليوم في إرساء منظومة تشريعية دولية للبت في الخلافات والنزاعات حول تقاسم المياه المشتركة، يدعون للرجوع إلى هذا المثل لاستخلاص دروس عديدة ومفيدة منه.
إذا كانت عدة بلدان متوسطية لا تزال تشكو من تفاقم مشكلة الحرائق في المناطق المكسوة بالغابات، فإن المملكة المغربية توصلت في السنوات الأخيرة إلى تطويق هذه المشكلة عبر الاستراتيجية الاستباقية التي وضعتها مؤسسات وأجهزة وطنية منها أساسا المندوبية السامية للغابات والمياه ومحاربة التصحر. وميزة الجمع في هذه المؤسسة بين الموارد الحرجية والموارد المائية ومواجهة التصحر أن هذه المنهجية تسمح فعلا بإيجاد مقاربات تنموية مفيدة تختلف عن المقاربات التقليدية في وقت أصبح التصحر يهدد الجزء الأكبر من تراب المملكة مثلما هي عليه الحال في البلدان المغاربية الأخرى. حول بعض أوجه العلاقة الجديدة بين الغابة وساكنيها، نتوقف في هذه الحلقة من البرنامج الأسبوعي المخصص لقضايا البيئة والتنمية المستدامة عند المثلين المغربي والتونسي مع ضيفين اثنين هما:-الدكتور عبد العظيم الحافي، المندوب السامي للغابات والمياه ومحاربة التصحر في المملكة المغربية- الدكتور عبد الحميد خالدي الباحث والأستاذ الجامعي التونسي والرئيس الدوري للجمعية العالمية للغابات المتوسطية. الملاحظ أن المندوبية السامية للغابات والمياه ومحاربة التصحر في المملكة المغربية كانت قد أكدت في شهر مارس 2017 أن قطاع الغابات في المغرب كان يوفر ما بين 8 و10 ملايين يوم عمل سنويا، أي ما يعادل 50 ألف وظيفة دائمة، ويساهم بنسبة 30% من احتياجات الأخشاب والاحتياجات الصناعية (600 ألف م³/سنة)، و18% من ميزان الطاقة الوطني، و17% من احتياجات الماشية، أي ما يعادل 15 مليون قنطار من الشعير، بالإضافة إلى غابات البلوط التي توفر 4% من إمدادات الفلين في العالم.  وقدمت هذه الأرقام بمناسبة انعقاد الدورة الخامسة لأسبوع الغابات المتوسطية في مدينة أڭادير خلال الفترة الممتدة من 20 إلى 24 مارس-آذار عام 2017 تحت عنوان "إعادة تأهيل الغابات والمناطق الطبيعية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط". وتنظم هذه التظاهرة مرة كل عامين في أحد بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.     وفي تونس، قَدَّرت دراسة أعدها البنك الدولي قيمة الخدمات التي وفرتها غابات هذا البلد في عام 2012 بـ 208 ملايين دينار مما شكل 0،3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في تلك السنة. وتوصل واضعو الدراسة إلى تحديد هذه الخدمات حسب الترتيب التنازلي التالي: أعلاف طازجة وأخرى مجففة، امتصاص الغازات المتسببة في ظاهرة الاحترار المناخي، منتجات حرجية غير خشبية، حماية أتربة الأراضي من الانجراف، صناعة الخشب، صناعة الأدوية وخدمات ثقافية.وفي كلا البلدين، يدعو الخبراء المتخصصون في الثروات الحرجية منذ سنوات لإيحاد علاقة جديدة بين الغابة وسكانها والدولة والحرص على أشراك سكان الغابات في استراتيجيات تعزيز هذه الثروات واستغلالها استغلالا رشيدا. وإذا كانت عدة مبادرات مثمرة قد اتُّخِذت في المغرب من حول شجرة الأرز، على سبيل المثال، فإن منظمات المجتمع المدني في تونس أصبحت تدعو الدولة أكثر فأكثر لبلورة إطار قانوني يسمح بتعزيز منظومة الاقتصاد التضامني في المناطق المكسوة كليا أو جزئيا بالغابات. بل يذهب عدد من الناشطين في هذه المنظمات الأهلية لإشراك القطاع الخاص في تمويل الأبحاث المتصلة بالثروات الحرجية على غرار ما يتم في عدد من بلدان المتوسط الشمالية.
loading
Comments 
Download from Google Play
Download from App Store