أحبّ جدًّا زيارة المتاحف، وخاصة المتاحف الفنية التي تعرض لوحات رُسمت في القرن السابع عشر والثامن عشر. تبهرني الألوان والإتقان في رسم الوجوه والملابس والطبيعة. لو كنت أتمنى أن أكون شيئًا آخر غير كوني صحفية وكاتبة لتمنيت أن أكون رسامة. عندما زرت باريس كان أجمل يوم هو اليوم الذي قضيته في متحف أورسي، زرته مع الكاتب المعروف علي المقري. قضينا ساعات طويلة هناك ولولا التعب لكنت قضيت اليوم كله وأنا أتأمل اللوحات والجدران وكلّ ما حولي. في استوكهولم هناك أيضًا متحف بنفس درجة أورسي من الجمال، واسمه المتحف الوطني. استغربت أننا عندما درسنا السويدية زرنا مع المدرسة عدة متاحف ولكننا لم نزر هذا المتحف ولا أدري لماذا. ربما اعتقدوا أن الأمر سيكون معقّدًا أو ربما لن يكون ممتعًا بالنسبة لنا، لا أدري. ولكن أجد أن زيارة هذا المتحف مهمة لمن يريد أن يتعرف على الفنّ في السويد، وبشكل أوسع الفن في أوروبا. سأذكر لكم بعض التفاصيل عن هذا المتحف؛ يوجد في المتحف 16,000 قطعة من اللوحات والمنحوتات، والرسوم، والمطبوعات، تمتدّ من العصور الوسطى المتأخرة حتى أوائل القرن العشرين. تُركّز المجموعة بشكل خاص على الفن السويدي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتضم أعمالًا لفنانين سويديين بارزين مثل كارل لارشون، أندرس زورين، إرنست جوزيفسون، وكارل فريدريك هيل. كما تحتوي على أعمال لفنانين عالميين مثل رامبرانت، روبنز، غويا، رينوار، ديغا، وغوغان. المتحف يطلّ على بحر البلطيق، عندما تنظر من الشبّاك تجد البحر أمامك، ومن حولك جدران منقوشة ولوحات مذهلة، فتشعر وكأنك بداخل لوحة أكبر. يُعدّ هذا المتحف واحدًا من أقدم المتاحف الفنية في أوروبا، حيث تأسس عام 1792، واستمتعت كثيرًا وأنا اتأمّل صورة استوكهولم وكيف كانت قبل قرون. كثر الحديث مؤخّرًا في السويد عن أهمية أن يعرف من يعيش فيها عن تاريخها وفنها، وبرأيي أن هذا مهمّ فعلًا. عندما تتعرّف على بلد لا يكون ذلك فقط من خلال الأماكن السياحية والشوارع الحديثة، وإنما بالغوص في تاريخه. هنا ستشعر فعلًا بأنّك عرفت هذا البلد، وستشعر بأنك تراه بشكل مختلف. إنّه شعور من يقع في حبّ شخص بعد أن يسمع منه عن تاريخه هنا سيراه بمنظار مختلف، وسيكبر الحب أكثر كما كبر حبي لاستوكهولم.
"رزق الله ع هيديك الإيام" أو "يلعن هيديك الساعة": جملتان يرددهما كثر من حولي، بمناسبة وبلا مناسبة. جملتان أفهمهما بالطبع، وأفهم الدوافع وراء قولهما، لكنهما تشعلان فيّ نار التوتر. شخصياً، لا شيء يرهقني أكثر من الالتفات إلى الوراء. النوستالجيا؟ كلمة رومانسية لهوس عقيم. والندم؟ عبودية من نوع آخر، لا تختلف كثيراً عن النوستالجيا سوى في النبرة. كلاهما فعل اجترار لا فائدة منه. الأول يلوك اللحظات الجميلة الماضية، والثاني يضعنا باستمرار أمام أخطائنا كمرآة مشوِّهة لا خلاص منها. في الحالين، نحن مسجونون في زمن لم يعد ملكنا. طبعاً أفهم إغراء التمسّك بالماضي عندما يكون الراهن قاسياً، وأهمية التعلّم من الزلات كي لا نكرّرها. ولكن ثمة من يصل به الأمر الى حدّ نسيان الحاضر تماماً، والعيش حصراً في الأمس. أنا ضد الاثنين. ضد النوستالجيا وضد الندم. ضد تمجيد الأمس وكأنه جنّة قد ضاعت، وضد جلد الذات على ما فات ولا يمكننا تغييره. لأن الماضي قد مضى. نعم مضى. انتهى. تلاشى. فما نفع إعادة عرضه داخل ذاكرتنا كفيلم قديم؟ جلّ ما يؤدي اليه ذلك هو الى إلهائنا عن الحاضر، وعمّا قد يختبىء فيه من حلاوة، ولقاءات، وفرص، لا تنتظر سوى اغتنامنا لها. أما الأخطاء، فقد ارتكبناها وانتهى الأمر. تعلمنا الدرس، ولن يغير الندم فيها شيئاً، بل هو فقط يضاعفها بخطأ أسوأ، هو خطأ عجزنا عن تجاوزها. فلنسامح أنفسنا: هذا أوّل دروس التسامح وأهمها على الإطلاق. الحياة ليست أرشيف صور نتصفحها كلما فقدنا الشهية للغد. وليست كتاب محاضر قضائية نراجع فيه بنود إداناتنا السابقة. الحياة نهر يجري. لا ينتظر. من يتوقف عند النوستالجيا يتكلّس على ضفافه. ومن يغرق في الندم، يبتلعه التيار. أؤمن بأن النظر إلى الوراء، سواء بعين الحنين أو بعين الحسرة، هو غدر باللحظة الراهنة. هو إعلان ضمني أن الحاضر لا يكفيني، وأن المستقبل لا يغويني. وأنا أرفض هذا الغدر. أريد أن أعيش الآن وهنا، وأريد أن أعيش من أجل الغد واحتمالاته المفتوحة. وحده الحاضر يبرّر وجودنا. وحده الغد يستحق انتباهنا. أما الباقي، مهما كان جميلاً أو بشعاً، فإلى سلة النسيان.
بين السياسة ورأس المال. في زمن ما شكّلت الدراما العربية مرآةً للمجتمع وأزماته الاجتماعية والسياسية، حيث كانت تعكس التوترات والتحولات السياسية التي يعيشها العالم العربي كمجتمعات مناضلة تواقة للتحرر من الاستعمار. منذ القضاء على الثورات العربية وخلال العامين الماضيين بالتحديد، مع اشتداد الأزمات في السودان وسوريا وفلسطين، بدا واضحاً أن علاقة الدراما بالسياسة والمجتمع تمرّ بمرحلة مهنية وأخلاقية معقدة، حيث يتداخل فيها البُعد الفني مع حسابات رأس المال، وتتأرجح بين الرغبة في التعبير الحر وبين قيود الإنتاج والبث. تأثير رأس المال وتعريب الدراما • الممولون وشبكات البث: رأس المال الخليجي أصبح المتحكم الأساسي في السوق الدرامية انتاجا وعرضاً، ما جعل المواضيع تخضع لمعادلات سياسية وتجارية تناسب توجهاته. • تعريب المسلسلات التركية: ظاهرة مقلقة أسهمت في تهميش القضايا الحقيقية التي تعيشها المنطقة، حيث يجد المشاهد نفسه أمام دراما سطحية منسوخة لا تعبّر عن واقعه. الدراما رمضانية (بما يليق بحرمة الشهر الفضيل) بدل أن تكون موسماً فنياً خاصاً يعزز قيم التسامح، والتكافل، والعطاء، والروحانيات. باتت الغالبية منها تنغمس في قصص القتل والخيانة الزوجية والمكائد العائلية، أو كوميديا سطحية تعتمد على التهريج والإسفاف. بين الأمس واليوم في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينات كان الجزء الأكبر من الفن العربي أكثر التحاماً بالحالة السياسية وقيم المجتمعات سواء بتعزيزها او نقدها، وكانت معظم الأعمال مأخوذة عن نصوص أدبية مهمة فطرح بجرأة قضايا مثل التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية لأن تمويله كان وطنياً وجزء من المشروع القومي. أما اليوم فلقد تراجعت الجرأة السياسية بحسب ما تفصله أو تقبله المقصات الرقابية، وحلّت مكانها أعمال اجتماعية سطحية أو مقتبسة، بينما تُستغل مواسم رمضان في إنتاجات ضخمة لمحتوى استهلاكي بالدرجة الأولى. الاستثناءات تأتي من إنتاجات مستقلة أو خارج الإطار التجاري، وغالباً تجد جمهورها عبر المهرجانات أو المنصات الرقمية الصغيرة، لا عبر الشاشات الكبرى. الدراما العربية اليوم محاصرة بين واقع سياسي مأزوم وبين منطق سوقي يفرض على الفن حدوداً تضع الإعلان والاستهلاك هدفاُ أول. في ظل ما نمر به من ارتهان مهين لكرامتنا ووجودنا، كيف للدراما العربية أن تستعيد دورها التاريخي كصوت ناقد وحر يواجه القهر والاحتلال والاستبداد، ويعيد الاعتبار للقيم الإنسانية والوطنية؟ إذا كان الماضي قد قدّم فنّاً مشتبكاً مع السياسة والوعي الجمعي، فإن الحاضر يكشف عن فجوة بين الشارع والدراما، فجوة لا تملأها إلا محاولات فردية مستقلة تُعيد لبعض الفن معناه كجزء من حياة الناس وصراعهم.
لاحظنا من خلال الأفلام والمسلسلات ثم صفحات الحوادث، بقى معروف أن الجواز في مصر مش زي أي جواز في أي دولة عربية تانية. وبالتحديد من ناحية الشق المادي. إذ إن الرجالة المصريين عن طريق قدرتهم المشهورة على الإقناع والتثبيت اقنعوا الستات المصريات أن الجواز مشاركة والقفة أم ودنين يشيلوها اتنين. وعلى العكس من بقية الدول، الست فيها بتروح بيت جوزها بشنطة هدومها، فالست المصرية بتشيل نص العفش ونص تكاليف الفرح. وحاليا في مناقشات يا ترى تشيل كمان نص تكاليف شهر العسل؟ ولا العريس هييجي على نفسه ويشيله لوحده؟ وعلى الرغم من كل ده فكل كام يوم نلاقي بوست منتشر على الفيس بوك، بيكون فيه راجل بيتهم أهل عروسته أنهم خدعوه عشان ما بعتوا معاها هدوم سنتين، أو ما عملوش حساب هدوم ابنهم اللي لسه في علم الغيب. أو عشان حماه ضحك عليه وجاب تكييف اتنين بس للأوضه ونسي يجيب تكييف للحمام. وعلى الرغم من أن الرد على هذا الكلام المفروض يكون دعوة لأن الراجل يسترجل ويتحمل المسؤولية المادية كاملة. لكن معلش يعني عندي كلام تاني ممكن يزعل كل الأطراف. أنت راجل ملو هدومك وإنت ست بالغة وعاقلة اتعلمتي وبتشتغلي، لما تتجوزوا إيه دخل أهاليكم أصلا في الموضوع. فكرة إن عشان أتجوز لازم نجيب أشياء تبهر اللي حوالينا، ولفت الناس في الشقة أول ما يزورونا، وانبهارهم بالفلوس اللي أهالينا صرفوها علينا بقت أهم من الجوازة نفسها. ولازم الصيني التشيكي والفرنساوي والقرف رايح عشان مش هنقدر نعيش من غيره. كل ده بيحول فكرة الجواز لإجراء تجاري بحت، ووضع الأمور في إطار القوامة. عشان بصرف والدهب اللي جبته ده قصده إيه؟ وتسمعي كلامي عشان أنا صرفت على الجوازة دي كتير بيحول الجوازة برضه لشكل من أشكال تجارة الرقيق. اتنين بني آدمين قرروا يرتبطوا ويعيشوا على قد إمكانياتهم ويصرفوا على قد دخلهم. وما يخلفو غير لما يبقوا قادرين يربوا ويصرفوا على الكائن الجاي. ربط الجواز بمين جاب إيه والناس هتقول علينا إيه عشان مش مجهزين قصر القبة. وإنت ما طعتنيش طاعة عمياء قصاد اللي بصرفه في البيت، مخلي الموضوع كله واخد شكل خناقة. ما تتجوزوا زي ما أهالينا اتجوزوا حرفيا نعيش عيشة أهالينا، نشتري بوتجاز بعينين على ما نقدر، على ما نجيب سجادة محترمة بالتقسيط وجمعية من عندك على جمعية من عندي تقوم الجوازة وخلاص، حتى يبقى فيها طبع المشاركة كده وتقعدوا تفتكروا كل حاجة في البيت جت إزاي وامتى وضحيته عشانها بإيه؟ عارفة إنه صعب الوقوف في وش التقاليد اللي خلاص المجتمع بقى مقدسها أكتر من الدين. وصعب تقنعي إمك انك تتجوزي بطريقة غير اللي اتجوزت بيها بنت خالتك. وصعب تقنع أبوك إن الطريقة دي من الجواز مش هتخلي الناس تآكل وشه. بس أعرف ناس كتير اتجوزوا بالطريقة دي وكبروا سوا وتطوروا سوا. وبحسها بتبقى جوازات مستقرة أكتر من الجوازات التقليدية بتاعة إيه على أهل العروسة وإيه على أهل العريس، وجو الناس اللي ماسكين على بعضهم كمبيالات ده.
فتاة تنجب ستة أطفال... من والدها! الواقعة حدثت في إحدى المناطق القروية في المغرب، وهي الآن مطروحة أمام أنظار القضاء. هذه القضية تكشف لنا عن واقع أوسع وأخطر بكثير. بعد انتشار الخبر، توالت شهادات متعددة لفتيات ونساء من مناطق وأعمار مختلفة، يحكين عن اعتداءات جنسية تعرضن لها في طفولتهن أو مراهقتهن، غالبا من أقرب الناس إليهن: الأب أو الأخ. الأفظع أن هذه الاعتداءات لا تحدث في الخفاء فقط، بل كثيرا ما تعرف بها الأسرة وتتستر عليها. تتم حماية المعتدي باسم “الستر” أو “الخوف من الفضيحة”، بينما تبقى الضحية وحيدة تواجه جروحا نفسية عميقة قد ترافقها مدى الحياة. في حالات كثيرة، يكبر المعتدي داخل أسرته ومجتمعه كـ“شخص محترم”، بينما تكبر الضحية مثقلة بالصمت والعار والآلام التي لا يراها أحد. لا توجد إحصائيات دقيقة حول هذه الجرائم سواء في المغرب أو في العالم. لكن، من خلال الشهادات التي نشرت على مواقع التواصل، يتضح أنها ليست مجرد حوادث معزولة. هناك منظومة صمت تحمي المجرم وتخنق صوت الضحية. الأسوأ أن بعض الأمهات يساهمن بأنفسهن في إخفاء الجريمة، خوفا أو ضعفا أو حماية للرجل في الحكاية: الأب أو الأخ الذي يعتدي جنسيا على ابنته أو أخته. والنتيجة واحدة: تمكين المعتدي من تكرار جرائمه. ومن الإفلات منها بسلام. حين نصمت عن هذه الجرائم البشعة، فنحن لا نحمي الأسرة كما نعتقد، بل نُطَبع مع العنف. حماية الضحايا تستلزم الاعتراف بوجود الجريمة أولا، ثم بناءَ آليات دعم حقيقية: نفسية، اجتماعية، وقانونية. الأهم هو كسر الصمت. فالسكوت ليس سترا، بل ظلم مضاعف للضحايا وتواطؤ مع الجناة. القضية اليوم أمام القضاء، لكن ما هو مطروح في العمق أكبر من حكم قضائي. إنه سؤال مجتمع بأكمله: هل نملك الشجاعة لمواجهة حقيقة موجعة، أم نستمر في التواطؤ مع العنف باسم الشرف والسمعة؟
الترويج للجماعات المجرمة يكون عن طريق أن تجعلها "كول"، أن تجعل تقبّل الشباب والفتيات لها يصل إلى حد أن يسمعوا أغاني تحرض على القتل وهم يرقصون بكل "عباطة" معتقدين أنها مجرد أغنية لطيفة. هذا ما فعله الملحن حسن الشافعي الذي اعتذر بعد انتقادنا له وقال بإنه لم يقصد ولم يكن يعرف، ومسح الفيديو من جميع منصاته. ولكن هذا جعلني أعرف أن هناك مشكلة كبيرة، فالعرب لا يعرفون ماذا يفعل الحوثي في اليمن. كلّ يوم أشاهد تغريدات لزوجة أو ابنة تطالب الحوثيين بإطلاق سراح زوجها أو ابنها، وخاصة من الموظفين الذين عملوا مع الأمم المتحدة. لا توجد تهم ضدّهم، ولكن كما يبدو أن الحوثي يستخدمهم للضغط على الأمم المتحدة، يحتجز أناسًا أبرياء لا علاقة لهم بشيء، يدخل بيوتهم ويخفيهم، وفي أحيان كثيرة كانت عائلاتهم لا تعرف لثلاثة أيام أو أكثر أين ذهب هذا الشخص، فتخيّل معي العذاب الذي عاشوه. لا أدري هل يعرف العرب هذا؟ أو ربما لا يهتمّون. لا يهتمّون أن الحوثي يسطو على أراضي الناس، وينهبها بحجة أنها وقف. لا يعرفون أنّ في كل بيت هناك شخص تعرّض للظلم.. الجميع بلا استثناء. عندما نشر حسن الشافعي أغنية تتعلق بجماعة احتلت اليمن منذ 2015، ومشكلتهم مع اليمنيين تعود لأيام حكم الإمامة وليست وليدة اليوم، وحاضرهم مليء بجرائم ارتكبوها ضد اليمنيين منذ أن حكموا أغلب شمالها، فهذا دليل أنّ العرب لا يتابعون ماذا يحدث في اليمن، وليس لديهم حتّى أبسط المعلومات عن موضوع لم يؤثّر فقط على اليمن، ولكن على بلده هو شخصيًّا، مصر. هناك مشكلة حقيقية أنّ مظلومية اليمنيين ليست معروفة لعامّة العرب، وهذه مصيبة كبيرة، فقد يحدث الترويج لهم -بدون قصد- كما قال الشافعي، وهذه مسؤوليتنا جميعا كيمنيين أن نشرح ماذا فعل الحوثي باليمن، ومسؤولية العرب أن يعرفوا أكثر عن اليمن وتاريخه، وننتظر عملًا فنيًّا جميلًا للشافعي يكون فيه من تراث اليمن الجميل، ويدعو للسلام لا للحرب كما وعد.
في العراق طبيبة نفسية تقرر الانتحار.. تعطل الكاميرات، ثم تقرر أن تشق يدها الى العظم بشكل طولي يصل الى 9 سم بعدها وبيدها المشقوقة تشق يدها الثانية بشكل متماثل طوليا الى العظم (بأداة غير موجودة)! بعدها أو قبلها تضرب نفسها فتصاب بكدمات على جسمها وتحز رقبتها بحبل أو ما شابه لم يعثر عليه وتكتب بخط عريض على حمام غرفتها (أريد الله)!!!! مقتل الدكتورة بان في العراق بالطريقة المفجعة التي تداولتها الاخبار وصورتها على مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا مرآة دامية لواقعٍ يُصرّ على خنق النساء، ليس في البيوت فقط، بل في الفضاء العام والسياسي أيضًا. الإحصاءات تكشف حجم الكارثة: في 2021 سجّلت وزارة الداخلية العراقية أكثر من 14 ألف حالة عنف أسري، وفي 2022 ارتفع الرقم إلى ما يقارب 20 ألف حالة مسجلة. منظمات المجتمع المدني وثّقت مقتل أكثر من 125 امرأة بين 2020 و2023 في ظروف مرتبطة بالعنف الأسري أو بدوافع تُصنّف "شرفية". وفي إقليم كردستان وحده قُتلت أكثر من 30 امرأة في عام 2023، كثير منها بلا محاسبة حقيقية. لكن الخطر أبعد من "العنف المنزلي". هناك عنف سياسي منظم يستهدف النساء حين يرفعن أصواتهن. الناشطات اللواتي شاركن في احتجاجات 2019 في بغداد ومدن الجنوب واجهن تهديدات علنية، اختطاف، وحتى اغتيال. والرسالة واضحة: كل امرأة نزيهة ومستقلة تحاول أن تكون فاعلة في المجال العام يجب إسكاتها. (وهذا أمرٌ ليس حكراً على العراق وحدها بالطبع) من هنا يصبح مقتل الدكتورة بان ليس حادثة معزولة، بل جزءًا من سياق سياسي يخاف من حضور النزاهة بصوت المرأة. طبيبة شابة، صاحبة صوت ووجود مستقل، كان لا بد من كسره. أن تُسجَّل الجريمة في مجلس القضاء الأعلى على أنها "انتحار" يعني أن النظام متواطئ مع من قتلها. المجتمع بدوره لم يبرّئ نفسه؛ بعض الأصوات سارعت لتصوير ما جرى كخلاف أسري، أو محاولة لتجريد الضحية من رمزيتها. أما عائلة الدكتورة بان فقد اختارت أن تدعم رواية الانتحار، هذا الصمت، وهذا التبرير، هما ما يحوّلان الجرائم إلى روتين يومي. الدكتورة بان وقبلها الأستاذة الجامعية سارة العبودة هي صورة لنساء كثيرات في العراق، يُقتلن مرتين: مرة بالسلاح، ومرة بالخوف، والصمت، والإنكار. مواجهة هذه الجريمة تكون بتسمية الأشياء بأسمائها: جريمة قتل لها أبعاد سياسية واجتماعية، ودولة متواطئة، ومجتمع يحتاج أن يقرر في أي صف يقف. غضب الرأي العام إن وجد والخروج في وقفات لعدة أيام والكتابة على مواقع التواصل لن تعطي الدكتورة بان وكل الضحايا حقوقهن. هذه جريمة مكتملة الأركان والتحرك في مواجهتها يجب أن يكون حقيقي وبأدوات تشريعية فعالة.
سنسميه طارق. تقول الحكاية، وهي حقيقية بالمناسبة، إنه كان يحب فتاة؛ لكن عادات وتقاليد أسرته تمنعه من الزواج بفتاة كانت له علاقة بها. امرأة فاسدة لا تصلح للزواج. غريب كيف أن المجتمع يرى في امرأة كانت على علاقة برجل "امرأة فاسدة"، ولا يلقي نفس اللوم على الرجل الذي كان معها في علاقة. وحدهن النساء يحملن صفة الفساد والعار، أما الرجل فلا يعيبه شيء. رضخ الشاب لقرار العائلة ولقرار أمه تحديدا. مباشرة بعد زواجه، اكتشف أن حبيبته السابقة حامل. ساعدها ماديا خلال فترة الحمل، لكنه لم يستطع الاعتراف بالطفل ولا تحمل مسؤولية الأبوة. أنجبت طفلها كأم عازبة وتخلت عنه واختفت. مرت الآن أكثر من عشر سنوات على هذا الحكاية. لا يعرف طارق شيئا عن حبيبته السابقة ولا عن ابنه. وأبشع من ذلك، يعيش حياة زوجية تعيسة مع امرأة لم ينسجم يوما معها. أصبح شخصا منطفئا. حزينا. منعزلا. جزء أساسي من المشكل أننا في مجتمع يعتمد على معايير في اختيار الشريك والشريكة، ليس من ضمنها الحب ولا الاختيار الشخصي للآخر. القبيلة هي التي تختار بمعايير السمعة والجمال والعذرية للنساء، والمركز والإمكانيات المادية للرجال. والحب ضمن كل هذا؟ والاختيار الحر لشخص سنعيش معه الحزن والفرح والحب والخصام وإكراهات الحياة؟ ليس ضروريا... ليست كل قصص الحب تضمن السعادة الزوجية. هذا أكيد. الحياة الزوجية لها تعقيداتها وإكراهاتها، خصوصا في مجتمعاتنا حيث لا يزال دور العائلة حاضرا وبقوة. لكن الأرجح أن طارق والكثيرين أمثاله، لو اختار العيش مع الإنسانة التي أحبها، لكان اليوم أكثر سعادة. معايير المجتمع صنعت على الأقل ثلاثة أشخاص تعساء: طارق، حبيبته السابقة والطفل مجهول المصير. ومن يدري، لعل زوجته نفسَها، والتي اختارتها الأم بمعاييرها، هي أيضا امرأة تعيسة لأنه تم إجبارها على الزواج بشخص ربما أحبت غيره وربما، على الأقل، لم تحبه يوما. فإلى متى سنتدخل في أكثر قرارات الأفراد خصوصية وحميمية وتأثيرا على الحياة اليومية بكل تفاصيلها؟ ومتى سنقتنع أن معايير القبيلة في اختيار الزوج والزوجة ليست أبدا ما يصنع السعادة الزوجية ولا أسرا متوازنة؟
تم إطلاق حساب للبيت الأبيض على تيك توك، المنصة التي كان يهدد ترامب بإغلاقها، وما زالت تواجه خطر الحظر إذا لم يتم بيعها لشركة أميركية بحلول 17 سبتمبر. هل إطلاق صفحة للبيت الأبيض مؤشر إيجابي بحدوث اتفاق، لا أعلم. ولكن الأكيد أن هذا التطبيق أصبح لديه تأثير كبير على جيل الشباب. لست من هواة تيك توك واضطررت لفتح صفحة فيه بسبب الحسابات المزورة التي كانت تنتحل اسمي، وحتى بعد أن فتحت حسابي حاولت أن أبلغ عنها ولكن لم أجد استجابة، ولولا مساعدة منظمة speak up لمسح هذه الحسابات لما استطعت مسحها، ولاستمرّت في خداع الناس. هذا كان أول انطباع لاحظته أن هذه المنصة ليست آمنة. ولكن يبدو أن تيك توك أصبح مصدر رزق للكثيرين، وبالتأكيد سمعتم عن أخبار مصر، والقبض على المؤثرين والمؤثرات في تيك توك بتهمة غسيل الأموال أو بتهمة الاعتداء على قيم ومبادئ المجتمع المصري. لا أدري صحة هذه الاتهامات، ولكن أزعجتني فكرة الفتيات اللواتي يُظهرن أن حياتهن تنحصر حول المال وإيجاد العريس الثري، ولاحظت تأثير هذا على المراهقات والشابات، وأصبح موضوع الزواج كأنه صفقة تجارية وليس علاقة حب بين اثنين متفاهمين، وهذا مؤسف ومخيف على الأقل بالنسبة لي. اُستخدم التيك توك أيضًا سياسيًّا، حتى الحوثيين استطاعوا أن يحوزوا على إعجاب الشباب الأمريكي بفيديوهات الحوثي الشاب الوسيم الذي كان يتحدث من السفينة المختطفة، ونحن -مَن ليس لدينا وجود في تيك توك- لم نستطع أن نفعل شيئًا، ولم نستطع أن نرفع أصواتنا ضد هذه المصيبة، وأن نشرح الحقيقة. بالتأكيد أن تيك توك مثل أي منصة فيها الخبيث والطيب، وبالتأكيد أنه أصبح يستحوذ على عقول الملايين من الشباب والشابات، وبالتأكيد أنه سلاح خطير بيد من سيتحكم بنا من خلاله.
في زمن "الترند"، صارت السخافة هي العملة الصعبة. لم يعد يهم أن تكون موهوباً أو مثقفاً أو حتى مثيراً للجدل بذكاء. السخافة اليوم وباء. يكفي أن تفتح تيك توك أو إنستاغرام لتكتشف أن ملايين البشر صاروا يتسابقون على لقب "المهرّج العصري" أو "مهرّجة الأسبوع". لا أحد يخجل من أن يبيع نفسه بالابتذال، أو أن يضحك الآخرين على حساب كرامته. على العكس، صار الأمر بطولة: كلما زادت قدرتك على إذلال نفسك أمام الكاميرا، كلما ارتفعت أسهمك وصرت "مؤثراً" يُحسب له حساب. لم تعد الشهرة مرتبطة بالمواهب، أو حتى بالأفكار. الشهرة اليوم تُقاس بعدد المشاهدات، وهذه المشاهدات تُترجم مباشرة إلى مال. المال السهل، المال السريع، المال الذي لا يحتاج سوى إلى قليل من الجرأة على هدم آخر الحواجز بين الخصوصي والعام، وبين الجد والمهزلة. أشاهد هذه العروض اليومية وأشعر بالشفقة. ليس لأنني أنتمي إلى زمن مختلف أو لأنني أنظر من علٍ، بل لأنني أرى إنساناً يسلخ نفسه من إنسانيته ليصير منتجاً قابلاً للتسويق. أرى شباناً وشابات يحوّلون أنفسهم إلى دمى، دمى يحركها الخوارزم ويرميها متى انتهت صلاحيتها. المأساة أن هذه "الثقافة" لم تعد هامشية. لقد أصبحت هي النموذج، وهي المثال الذي يُحتذى. أجيال كاملة تكبر اليوم على فكرة أن السبيل الأسرع إلى النجاح هو أن تسخر من نفسك قبل أن يسخر الآخرون منك، أن تعرض حياتك كلّها في بث مباشر، وأن تختصر وجودك في بضع ثوانٍ قابلة للمشاركة. تخيلوا عالماً مكافأته الكبرى تُمنح لا لمن يبدع أو يبتكر، بل لمن يتقن حركات مذلّة على الملأ. عالماً يصفّق فيه الملايين لرقصة سخيفة أو مقلب مبتذل، فيما يمرّ صامتاً أمام قصيدة، أو كتاب، أو لوحة. هذا هو عالمنا اليوم. لست غاضبة بقدر ما أنا حزينة. حزينة على إنسان اختزل ذاته إلى "محتوى" وعلى قيمة اختُزلت إلى "ترند"، وعلى كرامة اختُزلت إلى زرّ إعجاب. في هذا العصر، البطل الحقيقي ليس من يشتهر، بل من ينجو من لعنة الشهرة.
تشكل تصريحات بنيامين نتنياهو المتكررة عن "إسرائيل الكبرى" تهديدًا مباشرًا للأردن، خصوصًا حين تُفهم في سياقها العقائدي المرتبط بالفكر التلمودي. وكما يشير الدكتور فوزي البدوي، فإن هذه التصريحات ليست مجرد دعاية انتخابية عابرة، بل انعكاس لعقيدة سياسية ترى في الأردن ودولاً عربية أخرى جزءًا من المجال الحيوي للمشروع الصهيوني، ما يجعل التعامل معها بجدية ضرورة وطنية وأمنية. الخطورة لا تكمن فقط في طبيعة الطموحات الإسرائيلية، بل في الغطاء الدولي الذي يحميها. فإسرائيل والولايات المتحدة لا تعترفان بقرارات المؤسسات الدولية ولا تخضعان لأي محاسبة، ما يجعل الرهان على الشرعية الدولية خيارًا ضعيفًا. كما لا يمكن الرهان على العمق العربي بحالته البائسة. هنا يظهر التحدي الكبير أمام الأردن: كيف يوازن بين تحالفاته الاستراتيجية مع واشنطن، التي تعد الداعم الأول لإسرائيل، وبين حاجته لحماية أمنه القومي من تهديدات حقيقية معلنة وصريحة؟ كيف يمكن استخدام التحالف الأميركي بذكاء لا بتبعية؟ • تحويل صفة "الحليف" إلى رافعة ضغط: حوار أمني–سياسي عالي المستوى يربط استمرار ترتيبات التعاون (الحدودية، الاستخبارية، الدعم الاقتصادي) بضمانات مكتوبة لسلامة الحدود الأردنية ومنع سيناريو (الوطن البديل) • توسيع شبكة الضمانات عبر شركاء أوروبيين وآسيويين، لتقليل اعتمادٍ أحادي يضعف هامش الحركة. إن الموقف الأردني يجب أن يكون واضحًا وصادرًا عن رأس الدولة لا عن وزراء أو مسؤولين من الصف الثاني. فالتصريحات العليا تحمل وزنًا سياسيًا ورسالة للعالم بأن الأردن جاد في حماية حدوده وسيادته. الأردن بحاجة اليوم إلى رؤية شاملة تبدأ بتوحيد الجبهة الداخلية، فوحدة الصف الوطني واستعادة الثقة بين الدولة والشعب يشكلان الأساس لموقف صلب وفاعل أمام كل تهديد. • وذلك قد يبدأ بالإفراج عن معتقلي الرأي وتشكيل مجلس أمن قومي مصغّر دائم الانعقاد يضم الحكومة والديوان والجيش والأجهزة الأمنية ومجلس النواب، مع غرفة قرار موحّدة للرسائل الداخلية والخارجية. • ميثاق وطني بين القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية يحدد أولويات الأمن القومي فوق التجاذبات، لمكافحة التضليل وبناء الثقة. أما على الصعيد الخارجي، فإن إعادة النظر والمراجعة المنضبطة لكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل تظهر كخطوة ملحة • وذلك بفتح مراجعة قانونية – سياسية شاملة لمعاهدة وادي عربة وملحقاتها والتفاهمات الثانوية (الطاقة، المياه، الحركة الجوية…)، وفق قواعد (اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (مفهوم الإخلال الجسيم وتبدّل الظروف. • سلّم أدوات متدرّج: من التفسير المقيِّد والتجميد الجزئي لبعض الترتيبات عند الاقتضاء، إلى التلويح بتعليق تعاونٍ محدد إذا مسّ الخطر سيادة الأردن أو أمنه القومي — مع قياس الكُلفة–المنفعة والبدائل العملية. • ربط أي تعاون اقتصادي أو أمني بوقف الإجراءات الأحادية التي تمسّ الأردن أو فلسطين. إن مواجهة هذه التهديدات تتطلب مزيجًا من الحزم السياسي، والتحرك الدبلوماسي، وتحصين الجبهة الداخلية. فأمن الأردن ليس ملفًا ثانويًا، بل قضية وجودية تستوجب خطابًا صريحًا وخطوات عملية قبل أن يتحول التهديد إلى واقع مفروض.
خلينا نبدأ بإننا نطرح سؤال بسيط: أين يمكن أن تشعر المرأة في الحيز العام بالأمان؟ المفروض إن الإنسان عموما يكون شعوره بالأمان ده هو الأساس. مش من المفروض إنه يفكر مرتين قبل ما يدخل أي حيز جغرافي. لكن لو الإنسان ده امرأة، فالموضوع مختلف. إنتي بتمشي في الشارع قلقانة من اللي ماشيين حواليكي ليمدوا إيد أو يسمعوكي كلمتين بايخين، تقرري تركبي مواصلات فتعاني من التلزيق، تصرفي قرشين زيادة وتركبي أوبر، لا تسلمي من التحرش ومحاولات الخطف، ولما تستعيني بالله وتلميلك قرشين أو حد من عيلتك يقرر يساعد ويجيبلك سيارة تغنيكي عن كل ده، مجرد وجودك خلف الدريكسيون ده دافع مبرر للبعض للتضييق والتزنيق عليكي ومحاصرتك على الطريق لحد ما تلبسي في أي تريللا قدامك. وده بالظبط اللي حصل الأسبوع ده بعد مطاردة على طريق سريع تم تسجيلها فيديو عن طريق ولاد الحلال، ل٣ شباب بيضايقوا بنتين في عربيتهم لحد ما بيتسبوا في إنهم يرتكبوا حادثة ويخرجوا منها بإصابات جسيمة. مشهد أقرب لفيلم أكشن رخيص: عربيات بتتزاحم، سرعات جنونية، صريخ وبنات مرعوبين بيموتوا رعب في لحظة المفروض تكون عادية جدًا من حياتهم، وطبعا بعد كل ده تخرج الصحافة بالعنوان المعتاد اللي بتقول فيه البنات: إحنا والله كنا لابسين كويس. وتخرج أصوات أخرى مجردة من أقل درجات الإنسانية تتساءل: طب هم البنات دول إزاي أهاليهم سايبينهم يقعدوات في كافيه ويشربوا قهوة الساعة ٧ الصبح، ماهو ده السبب في اللي حصل طبعا. ردود أفعال حقيرة معتادة، زهقنا حتى من تفنيدها أو التعليق عليها، لكن اللي ممكن نعلق عليه في الحادثة دي إن التلاتة المطاردين المرة دي مش مجرد "شباب ضايعين" زي ما اعتادنا. لا هم سرسجية ولا مبرشمين، ولا ممكن يلتمس ليهم العذر زي ما بيحصل في أحوال تانية بسبب خلفيتهم الاجتماعية البسيطة أو قلة التعليم. لأ، ده بسم الله ماشاء الله عليهم، واحد في كلية طب، والتاني في هندسة، والتالت في سياسة واقتصاد. يعني اختصارا ”نخبة“. دول وش القفص بتاع هذا الجيل. وهنا السؤال المخيف: بناءا على الحادثة دي والحوادث الشبيهة، اللي لسه بتحصل بنفس الوتيرة وبدأت تدخل كمان مجتمعات من المفترض انها ذات علم وتفوق، هل ده يعني ان مافيش ولا سنتي واحد تقدم في مسألة مكافحة التربص بالنساء؟ والا أصلا اللي حاصل ده بيدل على إن السيارة ترجع إلى الخلف واللي احنا مقبلين عليه أنيل من اللي كان؟ الحقيقة إن موضوع التربص بالستات ده بقى موضوع مؤلم قوي، والكلام فيه حقيقي ما منوش فايدة. لو مافيش إرادة سياسية لوضع حد وإرساء القوانين، وجعل كل شكل من الأشكال دي عبرة لمن يعتبر. مش هتكون دي آخر حادثة ولا أخطر حادثة وانتظروا بنات تانية هتسيل دماءها على الأسفلت في نفس الوقت اللي بنشوف فيه مستقبل جيل بحاله مرمي جنبهم عبرة لمن يعتبر. بس هو أصلا اللي بيعتبر مين؟
بعض الفتيات يرددن عبارة: " أريده أن يعاملني كأميرة". عبارة تبدو رومانسية، لكنها تفتح بابا للتساؤل: وماذا لو كان هو أيضا ينتظر أن يُعامل كأمير؟ في العلاقات السوية، يفترض أن نكون أمام شخصين اختارا معا أن يتقاسما حياتهما، أفراحهما، أحلامهما، وصعوباتهما. العلاقة ليست مسرحا لعرض الاهتمام بطرف واحد والاحتفاء المستمر به، بينما الآخر يؤدي دور "المُقدّم للخدمات العاطفية". هي مساحة مشتركة، يسعى فيها كل طرف لتحقيق سعادته وسعادة شريكه في الوقت نفسه. لكن حين تتحول الفكرة إلى أن المرأة، لمجرد كونها أنثى، تستحق معاملة خاصة أو امتيازات عاطفية غير متبادلة، فنحن نقع في فخ يشبه – ولو من زاوية مختلفة – التصورات الميزوجينية التي ننتقدها: تلك التي تمنح أو تحرم الحقوق... بناءً على الجنس! مفهوم "Princess treatment" قد يبدو بريئا إذا كان ضمن تبادل متوازن، لكنه يصبح مشكلة إذا تحول إلى حق مكتسب لطرف واحد فقط. لأن العلاقة المتكافئة لا تقوم على أن يقدم طرف كل الجهد، بينما ينتظر الآخر الامتيازات فقط. الحب الحقيقي لا يعرف "أميرة" و"خادما"؛ ولا "أميرا" و"خادمة" تتكفل باحتياجاته. الحب الحقيقي والعلاقات السوية تعرف الاحترام، والرغبة الصادقة في إسعاد الآخر، والاستعداد لبذل الجهد من الطرفين. الحب الحقيقي والعلاقات السوية تعرف أن العناية، والاهتمام، واللطف، هي حقوق وواجبات مشتركة، لا هبات يمنحها طرف لآخر بسبب صفته البيولوجية. إذا أردنا أن نعيش علاقات صحية، علينا أن نكسر هذه الثنائية. أن نعامل بعضنا بإنسانية، وكرم، ومودة، واحترام… حسب حاجات كل طرف في العلاقة واحتياجاته، وأيضا حسب طاقات الطرف الآخر في كل فترة من فترات العلاقة. نحتاج أيضا أن نتذكر دائما أن الاحترام المتبادل هو أفخم وأرقى معاملة يمكن أن نحصل عليها وأن نقدمها للآخر.
تحدّثت مؤثّرة يمنية ترتدي الحجاب ومحتواها يتحدّث عن تاريخ اليمن، عمّا أسمتها بـ"حملة ممنهجة" ضدّ النساء اليمنيات في السوشل ميديا، وقالت أنها تهدف لتشويه سمعتهنّ. لا أعلم إن كانت كلمة "ممنهجة" مناسبة أو أن الحملة عشوائية بالنسبة لهؤلاء المتنمّرين، ولكنّ الأكيد أن هدفهم واحد، وهو إخفاء وجود النساء اليمنيات من وسائل التواصل الاجتماعية. في كلّ مرة أشاهد مؤتمرًا يتحدّث عن تواجد المرأة في السوشل ميديا، وما تعانيه من تنمّر وغيره أستغرب جدًّا أنّ مَن يتمّ استدعاؤهنّ لمؤتمرات كهذه لم يتعرّضن لتنمر، وحساباتهنّ ليست مفتوحة للعامة، وبالتالي لا يمكن أن يفهمن ما الذي تمرّ به هؤلاء النساء. عندما أفتح الإنستغرام لأشاهد ما تضعه المؤثّرات اليمنيات اللواتي يظهرن بدون حجاب –وعددهنّ قليل جدًّا- أتفاجأ من كمّية التنمّر، وتشويه السمعة، وكلمات بذيئة تخالف العادات والتقاليد اليمنية التي -كانت- تحترم المرأة على الأقل من ناحية التعرّض لشرفها. ورغم وجود نساء في الماضي لم يكنّ محجبات وكان المجتمع يحترمهنّ إلا أنّ الوضع تغيّر منذ فترة طويلة لدرجة أنّ الشاب اليمني عندما نضع صور نساء من الماضي يقول بأنها فوتوشوب! الصادم أيضا أن هؤلاء الشباب لا يعرفون تاريخ بلدهم، فعندما وضعت صورًا لبنات جامعة صنعاء في فترة الثمانينيات والسبعينيات ومنهنّ كاشفات شعورهن ردّ شخص بأنّ هذا كان في فترة الاستعمار البريطاني. هذا الشاب لا يعرف تاريخ بلده وأنّ الاستعمار البريطاني كان في جنوب اليمن وليس الشمال، وأيضا لا يعرف في أيّ فترة. يحزنني جدًّا عندما أشاهد امرأة تحاول أن تُظهر تراث بلدها وفنّه وتاريخه. تحاول أن يكون لبلدها المعزول وجود في الساحة الإعلامية، وبدلًا من أن نشكرها على ذلك تواجه تنمّرًا، وفي كلّ يوم تصلها عشرات التعليقات التي تتهمها في شرفها وتؤذيها نفسيًّا. هذا الأسلوب الطارد جعل الكثير من اليمنيات يخفين هويتهنّ اليمنية لكي يستطعن أن يظهرن ويتحدّثن ويعشن حياة طبيعية مثل بقية نساء العالم.
بحسب هيرمان هسّّه، فإن النَّاس الذين يتحلُّون بالشجاعة وقوَّة الشَّخصيّة، يبدون دائماً أشراراً للآخرين. صدقاً، لا أعرف عبارة تختصر تجربة المرأة القوية في هذا العالم مثل هذه العبارة. فالمرأة الواثقة من نفسها، العارفة ماذا تريد، التي تملك شجاعة أن تقول «لا» في وجه ما لا يناسبها، وأن تصنع حياتها بيديها، وأن تحمي ذاتها من محاولات الترويض، تُصبح في نظر الكثيرين "شريرة" أو "سيئة". ليس لأنها شريرة أو سيئة حقاً، بل لأن وجودها يربك المعادلة المريحة التي اعتادوا عليها: أي المرأة الخاضعة، الطيّبة على الدوام، التي تضحي على الدوام، وتبتسم حتى وهي تنكسر. المفارقة أن الرجل الذي يتحلى بالقوة نفسها، أو حتى بالقسوة أحياناً، يُوصف بأنه «حازم»، «قيادي»، «صلب». تُصبح حدّته دليلاً على الكفاءة. أما المرأة، فحدّتها «نكد»، وصرامتها «تعجرف»، ووضوحها «وقاحة». معياران مختلفان يُطبّقان على الفعل نفسه، فقط لأن صاحبه امرأة. منذ الطفولة، يطلب من البنات أن يتكلمن بصوت منخفض، وأن يختصرن آراءهن حتى لا يزعجن أحداً، وأن يعتذرن حتى قبل أن يعبرن عن أنفسهن. يقال للفتاة إن قوتها عيب، بينما قوته هو وسام. فإن قررت هي أن تكسر القاعدة، وأن تمشي حياتها برأس مرفوعة وخطوات واثقة، تثير ريبة الناس. لكأنهم يسألون: من أين لها هذا الحق؟ المشكلة أن صورة «المرأة السيئة» هذه ليست وليدة الصدفة، بل هي مؤامرة قديمة لإخضاع النساء. جعل القوية تبدو مخيفة أو غير مرغوبة أو «غير أنثوية» هي طريقة فعّالة لعزلها ومحاولة إعادتها إلى الصف. لكن ما يغفلون عنه أن هذه المرأة غالباً ما تكون أكثر صدقاً مع نفسها ومع الآخرين، وأكثر شجاعة في مواجهة الظلم حتى لو كلّفها ذلك الكثير. لذلك، لا عجب أن يُساء فهم الشجاعة وقوة الشخصية عند النساء. فالمجتمع الذي لا يزال يقيس قيمة المرأة برضا الآخرين عنها، سيظل يرى استقلاليتها تهديداً. ما يُخيفهم في الحقيقة ليس «شرّها» المزعوم، بل حريتها. فليكن. لتكن «شريرة» في قاموسهم. لأن هذه «الشرور» هي ما يبني لها حياة على قياسها، لا على قياسهم. وبدلاً من ترويض قوتها لتناسب توقعاتهم، ستستخدمها لتفتح طريقاً جديداً لكل امرأة تأتي بعدها.
تقبع صخرة كبيرة على صدرها من جهة القلب، تعصره، تكاد تسمع صوت صكيك الاضلع تتهشم واحدة تلو الأخرى.. تجلس في فضاء السكون تلملم دمعاً غزيراً ينشف على حدود المآقي قبل أن ينهمر فيصبح سيلاً هادراً في أحشائها يغرق نفسها المطحونة بين رحى عوالم مجنونة ليس لها علاقة بما تعلمته عن الاخلاق والإنسانية والحق والخير وحتى أسوأ كوابيس الشر !!! تعترف أمام ورقتها البيضاء أن هذه مرحلة فاقت ما يمكن لحواسها أن تحتمل من تناقض وخيبة ولامنطق !!! ماذا تكتب وهي تعيش في مدينة وادعة بينما يدوي في عقلها صدى صراخ الصغار من هول القصف وفقدان أمهم التي ذهبت تبحث عن وجبة تسد بها رمقهم فعادت مقتولة برصاص قناص ومحمّلة على عربة حمار منهك؟؟؟ ماذا تكتب وهي تجلس بجانب بحيرة هادئة وادعة يتمشى على جنباتها الناس، يمسك المسنون أيدي بعضهم ليكملوا طريقاً طويلا قضوه يدفعون رهن بيتهم وبعض ما تيسر لشيخوختهم، وهي تراقب الأطفال يركضون حول أهلهم يتضاحكون بفرح ويلاحقون كلابهم المدللة! ثم تفتح هاتفها لتتابع تقريراً عن طفل في الحادية عشر خسر وزنه من التجويع، يجوب الطرقات المهدمة، يبيع أكياس مياه صغيرة ببعض العملة ليشتري بعض الطعام وفوط الأطفال لأخوته الصغار! ما هذا الذي يشغل بال الناس؟ عرس باذخ (لمؤثرة) على رجل غني؟؟ أغنية غبية لفاشينيستا تلهث لتبقى حديث الناس!! طلاق بسبب الخيانة !!! مغن متصابٍ يقبل معجباته !!! حفلات الساحل الشمالي !!! مهرجانات الغناء في الأردن والمغرب وتونس والسعودية!!!! بالأمس يقول خبر قصير لم ينتبه له أحد.. انقطاع الكهرباء التام في كامل أنحاء العراق بسبب ارتفاع أحمال المنظومة بكربلاء وبابل!! ثم جاء خبر .. إسرائيل تغتال ستة صحافيين بصاروخ مزّق (خيمة الصحافة) التي جلسوا فيها قرب (مستشفى الشفاء)... بعد التحريض والتهديد لأنس الشريف بالقتل مراراً ها هي إسرائيل تنفذ الجريمة دون أن يرف لها جفن، بل أنها تعلن سعادتها بنجاح الاغتيال!! وبهذا يعتبر محمد قريقع و إبراهيم الظاهر، مؤمن عليوة، محمد نوفل ومحمد الخالدي أضرار جانبية بالنسبة لبعض الإعلام الغربي الذي تبنى الرواية الإسرائيلية. ماذا تكتب؟ هل تكتب رسالة رثاء رقم 238 لزملاء الصحافة الذين قتلتهم إسرائيل ؟ ربما عليها أن تكتب قصيدة هجاء في كل من أعرب عن أسفه وتضامنه وإدانته لكنه لم يحرك ساكناً لوقف الاغتيال قبل أن يحدث.
ابتلينا مؤخرا وكأن بلاوينا كانت ناقصة بمنام في ليلة ليلاء، واستيقظ من النوم فتفتق ذهنه عن مصطلح ينكد علينا عيشتنا لسنين وسنين قدام. على الرغم من مطاطيته ومياعته وعدم الحسم الآتي معه، ألا وهو مصطلح "التعدي على قيم المجتمع". بمجرد أن خط أحدهم المصطلح ده أصبح سيف معلق على رقبة الجميع. إذ أن ولا حد معاه لسه بالقيم دي. ولا حد عنده فكره إيه بالضبط اللي يعنيه التعدي عليها، لكنها أصبحت تهمه كده متعلقة في الهواء كالسحابة السودا اللي ما حدش عارف هتروح إمتى وفوق نافوخ مين. قد يكون تعديك على قيم المجتمع سببه فيلم مثلته، أغنيه غنتها، لبس لبسته في حفلة عيد ميلادك، إيدك وهي ماسكة إيد خطيبتك في الشارع، أو رقصة عفوية رقصتها على حسابك على التيك توك اللي بيتابعوا آلاف. كلها حاجات تبدو بريئة أو مش مستاهلة أو ده تأثير محدود في حياة الآخرين. بس معذرة ده رأيك أنت، إنما للمجتمع رأي آخر. المفارقة الغريبة بل الموجعة أن ظواهر لها ضحايا حقيقيين زي ظاهرة العنف الأسري مثلا، يا سبحان الله، لا تخدش ولا تتعدى على قيم المجتمع، خالص بقى. يعني زوج يتنرفز على زوجته عشان الأكل ناقص ملح يقوم مولع فيها، ده عادي المجتمع بيقول عليها لحظة شيطان. أب بيضرب بنته بخرطوم الانبوبة يموتها عشان خرجت مع واحدة صاحبتها من وراه برضو عادي، أب بيربي بنته فيها إيه يعني؟ أم بتضرب ابنها سكينا في رقبته عشان نرفزها وهي بتذاكر له، عادي بردو في مادة الدراسات الاجتماعية والمجموع التراكمي، مش دي نوعية القضايا اللي تتصدر كقضايا مجتمع. ولا بيتم إدراجها تحت بند الانحطاط الأخلاقي. والانحطاط الأخلاقي ده له علاقة بالدلع والغناء والرقص والظهور. لكن العنف والتعذيب والقتل مش انحطاط أخلاقي ولا حاجة، يا ريت متكبرش الموضوع. وده لأن اللي صك مصطلح قيم المجتمع ما شاء الله عليه متشبع بالمجتمع اللي أهم حاجة عنده المظاهر مش مهم اللي بيستخبى تحت السجادة، ‘يه مجتمع بيقلب الأولويات، بيخاف من الفضيحة أكتر من الجريمة، ومن الصور والفيديوهات أكتر من الدم المسفوك ومن كسر الأعراف أكثر من كسر الضلوع. عشان كده صاحبنا عمل لنا مصطلح بيترفع في وشك كل لما حد يبقى عايز يوقفك عند حدك، أو يصادر على رأيك أو سلوكك، وكأنه هو وحده الحارس الأمين على الأخلاق. لكنه مصطلح لا يحرك ساكنا لحماية الأضعف من العنف. مصطلح لا يضع للسلامة النفسية والجسدية أي اعتبار. مصطلح لا يؤمن بالحوار بل بالقمع، ولا بالاعتذار بل بالانتقام، ولا بإنصاف المظلوم بل بالخوف من كلام الجيران. مصطلح يلتمس العذر للأب القاتل ويعلق المقصلة للبنت اللي بترقص على التيك توك. ويعتبر أن الحفاظ على السمعة أسمى من الحفاظ على الروح. المهم تكون قيمنا مستفزة وتبرق حتى لو كان بريقها مغطي على دم سايل على الأرض أو على اجسام ونفسيات متكسرة ومالية البيوت.
في العالم المتقدم، حين تحدث جريمة اغتصاب أو تحرش أو اعتداء جنسي، أو حين تحدث جريمة قتل ضد امرأة من طرف زوجها أو خطيبها السابق أو غيرهم من الأقارب، يكون الموقف الشعبي في أغلب الحالات واضحا: إدانة المتهم، التعاطف مع الضحية، والمطالبة بالعدالة. هناك وعي بأن الجريمة لا تبرَّر، وبأن أي محاولة للبحث عن “أسباب” في سلوك الضحية هو تواطؤ مع المعتدي. أما في مجتمعاتنا، فغالبا ما يبدأ التحقيق الشعبي قبل أي تحقيق قضائي، وغالبا ما يكون هذا التحقيق... مع الضحية نفسها. ماذا كانت ترتدي؟ لماذا خرجت في ذلك الوقت؟ لماذا كانت معه؟ أليست هي من أغرته؟ ملابسها. شكلها. ماكياجها... وكأن القاتل أو المعتدي بلا إرادة، مجرد أداة مسيَّرة أمام “إغراء” أنثوي... حتى وهو معتدي، نتصوره ضحية لشرور المرأة! بينما الضحية الفعلية، فهي تصبح المتهمة الأولى. والأدهى، هو حين يكون المتهم شخصية مشهورة أو نافذة. فجأة، تتحول القضية في عيون كثيرين إلى “مؤامرة” لإسقاطه، أو “محاولة لتشويه سمعته”، أو “ابتزاز مالي”. تتغير الرواية، وتُمحى الضحية من الصورة، ليصبح كل النقاش حول سمعة الرجل، ومستقبله، وظلمه المزعوم والمؤامرة الكونية التي تحاك ضده. هذا ليس إنكارا لإمكانية وجود اتهامات كاذبة في أي مجتمع. لكن الفرق أن المجتمعات التي تحترم النساء، تتعامل مع هذه الحالات كاستثناء، لا كقاعدة لتكذيب كل النساء. أما نحن، فننطلق للأسف من الشك المسبق، ومن عقلية أن المرأة “تبحث عن المشاكل” وأن الرجل “ضحية الإغراء”. ربما آن الأوان لنعكس القاعدة: أن نصدّق النساء ضحايا العنف، أن نطالب بالتحقيق العادل، وأن نكفّ عن محاكمة ضحايا التحرش والعنف الجنسي وكل أشكال العنف ضد النساء. إدانة المعتدي ليست ظلما له، بل هي عدل للضحية، ورسالة واضحة بأن أجساد النساء ليست مباحة، مهما كان مركز الرجل أو مكانته.
لي صديقة تعيش في اليمن تصوّر لنا بهاتفها بين حين وآخر شوارع صنعاء وهي تتجوّل بسيارتها. وفي إحدى المرات صوّرت لنا مجموعة من الجِمال التي تقف في طريق السيارات، وهو شيء لم يكن موجودا في السابق، ومن المحزن أنّ اليمن تعود كل يوم للوراء. ولكن لم أشعر بالحزن على تدهور الشوارع بقدر حزني من نظرات الطفل الذي كان واقفًا وهي تسأله عن كيف بإمكان سيارتها أن تتجاوز الجِمال. نظراته كانت بالضبط مثل نظرات زين من فيلم كفر ناحوم. زين هذا الطفل الذي حملت عيناه الكثير من الأحزان والقهر. رأيت هذه النظرات أيضا في فيديو لطالبات يمنيات في عمر العشر سنوات ربّما مثل عمر زين وهنّ يبعن المياه في "الجولة"، ويرتدين ملابس المدرسة. فتيات يحاولن أن يجمعن مصروفًا يساعدهنّ على الحياة. في كثير من الأحيان أقرأ جدالًا في وسائل التواصل بخصوص من يجلبون أطفالًا إلى هذا العالم رغم الواقع السيّء. كثيرًا ما قرأت من يقول "أنت تعيش في حرب ودمار لماذا تنجب أطفالًا؟ أنت فقير لماذا تنجب أطفالًا؟ "… إلخ. وفي الجانب الآخر هناك من دافع عمّن ينجبون أطفالًا رغم ظروفهم السيئة، وقال أنّ من أنانية الأثرياء رغبتهم بحرمان الفقير حتى من متعة أن يحمل طفلًا يجعل حياته أكثر سعادة. والحقيقة أصابتني الحيرة. هل نلوم من يعاني بأنه يجلب المزيد من الأطفال الذين سيعانون بدورهم؟ أم من المفترض أن نتفّهم بأنّه إنسان يجد سعادته في أن يكون لديه أطفال أو ربّما يرى أنّ هؤلاء الاطفال سيكبرون ويعملون وسيساعدونه في تحسين حياته.. هل هذا استغلال وأنانية أم أنه حقّ أصيل لكل إنسان؟ خطر في بالي هذا السؤال وأنا أشاهد فيلم كفر ناحوم والطفل يشتكي على أهله في المحكمة أنّهم جاؤوا به إلى هذه الدنيا، وهناك من قال لوالديه "إن كنتم غير قادرين على تربيته لماذا جلبتموه إلى هذا العالم". الفيلم مؤلم جدًّا لأنّه ذكّرني بكلّ الأطفال الذين يعانون في هذا العالم سواء بسبب الفقر أو الحروب. ولكنني رغم ذلك أجد صعوبة في أن أجيب عن سؤال "هل من حقّهم في هذه الظروف أن يجلبوا مزيدًا من الأطفال أم لا؟". ربّما أنتم لديكم الجواب.
الشخصيّة هي القدر: قالها هيراقليطس منذ قرون، وكأنّه كان يشعل نارًا في فم الزمان. الشخصيّة هي القدر إذاً بحسب هيراقليطس. ليست الصدفة، ولا الجينات، ولا البيئة. ليست الحروب، ولا المنفى، ولا الغربة، ولا حتى الحب، بل هذه الكتلة الفوضوية من الانفعالات والعناد والتوق والجروح المكوّنة لما يسمّونه "شخصيّتي". هذه، إذاً، هي التي تقودني إلى الهاوية أو النّجاة. حسنًا، يا هيراقليطس، سأقبل لعبتك. لكن دعني أُعيد تعريف الشخصية قبل أن أسلّمها مفاتيح قدري. لأنّ الشخصية، في عرف المجتمعات، تعني أن تلبس القناع الذي صُنع لك منذ الطفولة: هذه هي "الفتاة الطيّبة"، هذا هو "الذكيّ الصموت"، هناك "الحساس الحالم"، هنا "الصبورة القوية"، وهلم. يسمونها "صفات"، لكنها في الحقيقة أقفاص. فإن صدّقناها وخضعنا لها، سوف نصير أسراها. وإذا ما أسرتنا، آنذاك يصير قدرنا سجناً. لكن ماذا لو مزّقنا القناع وتمرّدنا على الاتيكيتات التي تلصق علينا؟ ماذا لو تجرّأتِ يا سيدتي على أن تكوني امرأة تُبدّل جلدها كلّ صباح؟ ماذا لو رفضتَ يا سيدي أن تُختزل في سمة، أو تُعلَّب في تصنيف؟ ماذا لو كانت شخصيّتنا ورشة يوميّة متواصلة، لا شكلًا نهائيًّا جامداً؟ ألن يصبح قدرنا آنذاك من صنع أيدينا، لا من طباعنا الثابتة؟ للعلم أنا لا أرفض فكرة هيراقليطس. أنا فقط أرفض أن تُختزل "الشخصية" في قالبٍ اجتماعي، أو "القدر" في مصير مرسوم سلفاً. أؤمن بشخصيّة تأكل نفسها لتُعيد خلق نفسها. شخصيّة تُخطئ وتصحح أخطاءها بدل أن تخضع. شخصية تثور، وتتهوّر، وتنكسر، لكنها تنهض وتمشي من دون أن تنظر الى الوراء. فإذا كانت هذه هي ماهية الشخصيّة، آنذاك نعم، فلتكن هي قدري. فليكن قدري نارًا تضيء لا رمادًا يُطفئ. فليكن قدري ألا أكون "أنا" ساكنة، بل كلّ مرّة نسخةً مني أكثر جموحًا ممّا سبق. الشخصية هي القدر؟ لا بأس. لكن تذكّر، أيّها الفيلسوف هيراقليطيس، أن بعض الشخصيّات لا يُكتب لها قدرها، بل هي تكتبه بنفسها، وترفض أن يُروى إلا بصوتها. وأنا من هؤلاء.