Discover
رفقاً بأرضنا
25 Episodes
Reverse
لا يختلف البيان الصادر عن المؤتمر المناخي الإقليمي الذي استضافته دولة الإمارات المتحدة يوم الرابع من شهر أبريل - نيسان عام 2021 عما دأبت عليه بيانات المؤتمرات الإقليمية أو الدولية المماثلة في ما يتعلق بسقف الطموحات والتذكير بأهمية العمل الجماعي للحد من الانبعاثات الحرارية والانخراط في منظومة الاقتصاد الأخضر. وهذا أمر محمود في المبدأ انطلاقا من أن كل مؤتمر يسلط الضوء على إشكالية التحدي المناخي هو مسعى مهم لإرساء قواعد وضوابط جديدة للعمل التنموي. ورغم ذلك، فإن من يتابع مسار غالبية المؤتمرات الدولية والإقليمية التي عقدت بعد عام 2015 أي السنة التي تم التوصل خلال أيامها الأخيرة إلى اتفاق تاريخي وهو اتفاق باريس حول المناخ، يلاحظ أن بياناتها الختامية تحولت شيئا فشيئا إلى مشكلة حقيقية بدل أن تكون أداة من الأدوات التي تسمح بشحذ العزائم وتوحيد الجهود للمرور من مرحلة النوايا الحسنة إلى مرحلة الفعل في ما يتعلق بمعالجة القضايا المتصلة بالتغير المناخي وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والجيوسياسية.من يتابع مثل هذه المؤتمرات والقمم يلاحظ أن المشاركين فيها يظلون يرددون في بياناتها الختامية ويلفتون الانتباه إلى أن ملف المناخ مهم جدا وأن الضرورة تدعو لخفض بصمة الإنسان الكربونية على الكرة الأرضية والانخراط في جهود جماعية للحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع هذه الانعكاسات.ويقول عدد من خبراء التنمية المستدامة من جهة إن المنهجية الأسلم والأكثر جدوى في صياغة بيانات قمم المناخ الإقليمية تتطلب الإجابة بشكل دقيق على بعض الأسئلة المحورية منها التالية: ما الذي تحقق على أرض الواقع بين مؤتمر وآخر أو قمة وأخرى لجعل سلوكيات الإنتاج والاستهلاك تُدرج بحق في منظومة الاستدامة؟ ما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء نجاح المساعي العملية المندرجة في هذا الإطار أو المساعي الفاشلة ؟ ما الذي تقدمه البلدان الصناعية والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة لمساعدة البلدان النامية الفقيرة على ترسيخ سلوكيات الاستدامة والتكيف مع أضرار التغير المناخي على اقتصاداتها وأوضاعها الاجتماعية والبيئية؟ويقر كثير من هؤلاء الخبراء من جهة أخرى بأنه لا يمكن الحكم مسبقا على كل المؤتمرات والقمم المخصصة لقضايا التغير المناخي بأنها لا تقدم ولا تؤخر لأنها على علاتها تتضمن جوانبَ إيجابية.ومن إيجابيات المؤتمر المناخي الإقليمي الذي عُقد في دولة الإمارات العربية في الرابع من شهر أبريل - نيسان عام 2021 أنه جمع ممثلي عدة دول عربية مشرقية وخليجية ومغاربية تحدثوا في ما بينهم عن مشاريع عدة يمكن إنجازها بواسطة التعاون الثنائي أو الإقليمي.ومن إيجابيات المؤتمر أيضا أن جون كيري مبعوث الرئيس الأمريكي جوب بايدن للتغير المناخي حرص على المشاركة فيه لأن دور الولايات المتحدة في تفعيل اتفاق باريس حول المناخ أساسي.ومن أهم العوامل الإيجابية في هذا المؤتمر أنه يتزامن وطرحا جديدا أصبح لدى عدد من بلدان منطقة الخليج المنتجة للنفط والغاز. فقد كان أصحاب القرارات السياسية في هذه البلدان يتعاملون مع مَن يشدد على أهمية التخلص التدريجي من الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري كما لو كان خصما. ولكنهم اهتدوا شيئا فشيئا إلى أن الاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة ولاسيما الطاقة الشمسية نعمة وليس نقمة لأسباب كثيرة منها أن هذا التوجه يسمح لبلدانهم بإيجاد بديل عن النفط والغاز عند نضوب آبار النفط والغاز بالإضافة إلى أن الاعتماد على الطاقة الشمسية لاستخراج النفط والغاز يحد من كلفة الإنتاج ومن الانبعاثات الحرارية.
إذا كان كثير من خبراء التنمية في العالم العربي يشاطرون رأي أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي ينزل التغير المناخي منزلة أهم تحد مطروح أمام الأسرة الدولية، فإنهم يقولون بشأن التحدي ذاته بالنسبة إلى المنطقة العربية إن أخطر ما فيه على الإنسان العربي وعلى بيئته الأرضية والبحرية هو ما يسمى " الكائنات الدخيلة" أو " الغازية". ومن خاصيات هذه الكائنات أنها تهاجر من مواطنها الأصلية عبر طرق متعددة إلى مواطن جديدة بحثا عن الغذاء وهربا من انعكاسات التغير المناخي ولا يخلو اليوم أي بلد من البلدان العربية من هذه الكائنات الغازية التي أصبحت تُمَكن لنفسها يوما بعد آخر في هذه البلدان وبلدان الكرة الأرضية بكليتها. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال خلصت دراسة جماعية نشرت في سبتمبر 2019 في مجلة العلوم الزراعية والبيئية والبيطرية إلى أن ستة عشر نوعا من النباتات الدخيلة اجتاحت المنطقة الغربية في هذا البلد. وقسمت هذه النباتات الغازية إلى ست فئات من أشكال الحياة النباتية هي التالية: أشكال تحت شجرية وشجيريه وأعشاب حولية ونجيليات حولية واعشاب معمرة وأشجار. وفي العام ذاته أي عام 2019 خلص تقرير عن هيئة البيئة في إمارة أبو ظبي إلى أن عدد الكائنات الغازية في الإمارة ارتفع إلى قرابة مائة وخمسين نوعا منها في ما يخص الكائنات الحيوانية الحمام الصخري والجرذ الأسود.ومن أنواع الأسماك الغازية التي اجتاحت بيئات بحرية عربية خلال العقدين الماضيين " السمكة الأرنب" أو " النفيحة" التي كانت تعيش في المحيط الهندي ودخلت إلى المياه البحرية العربية عبر البحر الأحمر. وأخطار هذه السمكة متعددة. فهي تحتوي على مواد سامة في بعض أجزائها تتسبب أحيانا كثيرة في هلاك من يتناولها إذا لم يتخلص من هذا الجزء أو إذا لم يتم إسعافه بسرعة بعد ظهور أعراض التسمم عنده . وهي بالإضافة إلى ذلك تتربص دوما بشباك الصيادين التقليديين فتقطعها بأسنانها الحادة وتُفرغها من حمولتها فتحرم الصيادين من رزقهم ورزق أسرهم.ومن أهم الكائنات النباتية الغازية التي انتشرت في السنوات الأخيرة في عدة بلدان تشقها أنهار كبيرة، نبتة " ياسنت النيل" أو " ورد النيل". وقد انتقلت من مواطنها الأصلية في أمريكا اللاتينية إلى بلدان كثيرة أخرى خارج القارة الأمريكية منها البلدان الإفريقية. فقد نمت في بلدان أعالي نهر النيل في إفريقيا. وأصبحت اليوم تُعيق الملاحة النهرية في النهر لاسيما في بلدي المصب أي السودان ومصر. كما لوحظ نموها بشكل لافت خلال السنوات العشرين الأخيرة في العراق وبالتحديد في نهري دجلة والفرات. وعندما يُسأل صيادو السمك والمزارعون من حول هذه الأنهار الثلاثة أي النيل ودجلة والفرات عن مساوئها يقولون إنها لا تكاد تحصى ومنها سد قنوات الري وامتصاص كميات كبيرة من الماء والأوكسيجين على حساب الكائنات النباتية والحيوانية التي تنمو في هذه الأنهار ومن حولها.والحقيقة أن خبراء التنمية الذين يعون أهمية التصدي للكائنات الغازية في المنطقة العربية يقرون بأن هناك اليوم مزيدا من الأبحاث العلمية بشأن طرق انتشارها. ولكنهم يرون أن المنهجية الأكثر نجاعة في مجال التصدي لهذه الكائنات والمساعدة على التكيف معها هي تلك التي تتمثل في تحالف عربي لشن الحرب على هذه الكائنات على مستوى الأبحاث وعلى مستويات كثيرة أخرى مشتركة انطلاقا من مبدأ أن أي بلد غير قادر اليوم على كسب رهان التحدي المناخي بمفرده وانطلاقا أيضا من حقيقية مفادها أن الكائنات الغازية لا تعترف بالحدود.
متعددة هي العناصر التي تدعم المقولة التي يرى أصحابها بموجبها أن هناك عناصر إيجابية كثيرة تتعلق بالقمة الافتراضية التي دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عقدها حول سبل التصدي لانعكاسات التغير المناخي السلبية بشكل أفضل مما هي عليه الحال اليوم. وموعد هذه القمة مبدئيا هو يوم الثاني والعشرين من شهر أبريل-نيسان عام 2021 ويتمثل أهم عنصر من هذه العناصر في رمزية القمة المرتقبة أيا تكن نتائجها. فلم يكن كثير من الذين يولون ملف التغير المناخي أولية خاصة ويتعاملون معه بوصفه أهم تحد مطروح اليوم أمام الأسرة الدولية يحلمون بأن تعقد مثل هذه القمة قبل وصول وباء كورونا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكانوا شبه واثقين أن نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في تنشيط الدورة الاقتصادية وفي التصدي لظاهرة البطالة كفيلان -أيا تكن المآخذ عليه- بالإبقاء عليه في البيت الأبيض لولاية ثانية وبالسماح له بمواصلة سياسته تجاه القضايا البيئية التي يعتبرها غير أساسية. بل إنه كان ينظر إليها بوصفها عائقا كبيرا يحول دون إنعاش الدورة الاقتصادية. ومن ثم فإن عقد قمة افتراضية بسبب الإجراءات الوقائية من وباء كورونا من قبل جو بايدن يُعد انتصارا كبيرا لأن الولايات المتحدة هي البلد الثاني بعد الصين الشعبية في ما يتعلق بحجم الانبعاثات الحرارية التي تنتجها.من العناصر الأخرى التي تفتح أفقا أمام التصدي لانعكاسات التغير المناخي بشكل أفضل، أن الرئيس الأمريكي جو بادين دعا نظيريه الصيني والروسي للمشاركة في قمة المناخ الافتراضية التي ستعقد الثاني والعشرين من شهر أبريل -نيسان عام 2021 برغم الخلافات القائمة بينه وبينهما في مجالات متعددة. وهذا أمر إيجابي في حد ذاته لأن النجاعة في الجهود الرامية إلى الحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع انعكاساتها السلبية تمر عبر طرق عدة منها تكاتف الجهود الثنائية والإقليمية والدولية.ومن أهم هذه العناصر الإيجابية الأخرى المتصلة بعقد مثل هذه القمة أن كثيرا من البلدان المتقدمة وذات الاقتصادات الناشئة أو النامية من التي تمت دعوتها للمشاركة فيها كانت ولا تزال من كبار البلدان التي تنتج مصادر الوقود الأحفوري وتصدره. ولكنها تعي اليوم أكثر فأكثر أن الوقت قد حان لإعداد العدة التي تسمح بالمرور بشكل متدرج وثابت من مرحلة الاقتصاد الكربوني إلى مرحلة الاقتصاد الأخضر. وهو مثلا حال المملكة العربية السعودية التي أطلقت مبادرتين في هذا الإطار هما مبادرة " السعودية الخضراء " ومبادرة " الشرق الأوسط الأخضر".رغم هذا التفاؤل المبرر بقمة المناخ التي دعا الرئيس الأمريكي إلى عقدها في الثاني والعشرين من شهر أبريل عام 2021 بشأن التغير المناخي، فإن عوامل "التشاؤل" حتى لا نقول التشاؤم بشأن جدوى مثل هذه القمة متعددة هي الأخرى ومن أهمها أن كثيرا من قادة العالم الذين يشاركون في قمم المناخ من بلدان الشمال والجنوب على حد سواء يصرون على استغلالها لإطلاق التزامات ووعود طموحة تظل في كثير منها حبرا على ورق.
في 20 شهر مارس – آذار عام 2017 أصدرت المحكمة العليا في ولاية أوتارخُند الهندية الواقعة في شمال البلاد حكما يقضي بمنح نهر الغانج صفة " الشخصية المعنوية" ويتيح بالتالي لهذا النهر ورافده الأساسي المسمى "يامُونا " باكتساب الحقوق ذاتها التي تُمنحُ الناسَ عادة. ومن ثم فإنه بالإمكان الدفاع عن حقوق النهر في الحفاظ على صحته ومعاقبة كل من يسيء إليه. وقد ارتاحت منظمات الدفاع كثيرا لهذا الحكم. كما ارتاح له كثيرا الهندوس الذين يتعاملون مع نهر الغانج باعتباره نهرا مقدسا لديه روح. فهم يقصدونه كل يوم بعشرات الملايين ليطهروا أجسادهم بمياهه التي يتبركون بها لأنها قادرة حسب معتقداتهم على تحرير أرواح الموتى. ولكن المحكمة الهندية العليا سرعان ما نقضت هذا الحكم بحجة أن محكمة هندية محلية لا يمكن لها أن تتفرد بإصدار حكم على نهر الغانج الذي يشق كل البلاد. وبصرف النظر عن هذه الانتكاسة القضائية التي مني بها نهر الغانج، فإن كثيرا من المدافعين عن البيئة كانوا يعولون إلى حد كبير على رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي لبلورة خطة طموحة تهدف إلى إنقاذ النهر من التلوث أو إلى الحد على الأقل من هذه الظاهرة.وفعلا قرر رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي منذ وصوله إلى الحكم عام 2014 العمل على إطلاق خطة جديدة لمحاولة تخليص النهر من الشوائب التي علقت به وأصبحت تهدده بالاختناق لاسيما وأن تلويث النهر بشكل غير مسبوق بدأ منذ أكثر من قرن. ويتمثل أحد مصادر تلويث مياه الغانج في إلقاء مياه الصرف الصحي فيه دون معالجتها كلها. بل إن التقارير الأخيرة حول الموضوع تؤكد أن مياه الصرف الصحي التي تخضع لعملية علاج قبل ضخها في مياه الغانج لا تتجاوز الثلث حتى الآن. وتفيد التقارير ذاتها أيضا أن معدل مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي يُلقى بها في مياه نهر الغانج تقارب مليارا وثلاث مائة مليون لتر كل يوم في مدينة بيناريس إحدى المدن التي يشقها النهر. ومن أهم مصادر تلويث النهر الأخرى أيضا المصانع الصغيرة التي تقام على حافتيه طوال رحلته وقبل أن يصب النهر في خليج البنغال. وأكثر هذه المصانع خطرا على بيئة النهر كلُّ المواد الكيميائية التي تُستخدم في صناعة الجلود بالطرق التقليدية والحديثة. وفي مدينة كامبور التي يشقها النهر، يوجد اليوم أكثر من أربع مائة مصنع من مصانع الدباغة التي ترمي في النهر نفاياتها الخطرة كل يوم على امتداد فصول السنة. وهناك رأي متفش لدى عدد هام من الهنود يقول أصحابه بموجبه إن كل المبادرات السابقة لتطهير النهر الطاهر من هذه الشوائب فشلت فشلا ذريعا لعدة أسباب من أهمها البيروقراطية والفساد. وبرغم الجهود التي بذلتها حكومة رئيس الوزراء الهندي الحالي في للحد من تلوث مياه نهر الغانج، فإن البيروقراطية والفساد لايزالان عائقين يحولان دون إنقاذ النهر والمستفيدين منه ماديا وروحيا من الاختناق.
بحيرة "إيرييه" هي إحدى البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية. تبلغ مساحتها قرابة 26 ألف كلم مربع. وقد كسب الناشطون في منظمات المجتمع المدني التي تسعى إلى الحفاظ على بيئة هذه البحيرات الاستفتاء المحلي الذي جرى يوم السادس والعشرين 26 من شهر فبراير- شباط عام 2019. وهذه البحيرة يعيش من حولها قرابة 13 مليونا وخمس مائة ألف شخص من الأمريكيين والكنديين. شارك في الاستفتاءقرابة ست مائة ألف شخص هم سكان مدينة توليدو الأمريكية ومحيطها. وتقع المدينة المنتمية إلى ولاية أوهايو في شمال غرب البلاد على تخوم هذه البحرية. أما السؤال الذي طرح عليهم في الاستفتاء فهو التالي: " هل ترغبون في أن تكون لبحيرة "إيرييه" الحقوقُ ذاتها التي اكتسبها المواطنون في الولايات المتحدة الأمريكية؟". لقد رد سكان مدينة توليدو ومحيطها بالإيجاب على السؤال الذي طرح عليهم بنسبة 61 فاصل 37 في المائة. وفتح ذلك أفقا واعدا أمام البحيرة وبيئتها والسكان الذين تمدهم بالماء الصالح للشرب في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وبداية هذا الأفق إمكانية مقاضاة ملوثي البحيرة والذين تزايدت أعدادهم في العقود الماضية. وقد أعدت منظمات المجتمع المدني التي نجحت في حمل السلطات المحلية على تنظيم هذا الاستفتاء عدة دراسات وتقارير تخلص كلها إلى أن البحيرة أصبحت في العقود الأخيرة مكبا للأسمدة والمبيدات الكيميائية التي يستخدمها الصناعيون والمزارعون ومربو المواشي والذي يستخدمون طرق الإنتاج المكثف. وقد تسببت ممارساتهم هذه على سبيل المثال في حرمان قرابة أربع مائة ألف شخص عام 2014 من مياه الشرب لمدة أيام بسبب طحالب سامة نمت في البحرية جراء هذه النفايات غير المرغوب فيها والتي تحملها الرياح ومياه السيول إلى البحيرة. وقبل عام 2019، فشلت كل المساعي الرامية إلى ملاحقة ملوثي البحيرة أمام القضاء بسبب افتقارها لحقوق تشبه حقوق الأفراد والمجموعات البشرية. أما اليوم، فإن الملوثين يدركون تماما عواقب تصرفاتهم السيئة تجاه البحيرة انطلاقا من كونها كائنا حيا حسب القانون.
في سيبيريا، يسعى الباحثون المهتمون بانعكاسات التغير المناخي على الكائنات النباتية والحيوانية إلى تسقط أخبار الدببة التي تعيش فيها عبر طائرات بدون طيار. ومن أهداف هذه الطريقة تحديد أعداد هذه الدببة التي يضعها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في قائمة الحيوانات الهشة المهددة بالانقراض. من أهداف الباحثين الروس الأخرى في هذا السياق العمل على إنقاذ صغار الدببة البيضاء من الغرق بسبب ذوبان الجليد المتجمد بشكل غير معهود جراء ظاهرة الاحترار المناخي. وفي كندا، أصبحت السلطات تخصص أموالا أكثر لتطوير الأبحاث المتعلقة بالدببة الهجينة التي هي نتاج تزاوج يحصل أكثر فأكثر بين الدببة البيضاء والدببة البنية. ويتم ذلك بعد أن وجدت الدببة البيضاء نفسها مضطرة إلى الفرار من مناطق الجليد المتجمد حيث كانت تعيش حتى الآن باتجاه الغابات حيث تعيش الدببة السمراء اللون. ولايزال المهتمون ببيئة القطب الشمالي يتناقلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورة دب أبيض من دببة القطب الشمالي والمناطق المجاورة له. ويبدو هذا الدب فوق بقية كثيب من الجليد المتجمد وهو هزيل جدا. وتقول المصورة الفوتوغرافية الألمانية كيرستين لنغربرغر التي التقطت هذه الصورة ووزعتها في أواخر شهر أغسطس -آب عام 2015 على شبكات التواصل الاجتماعي إن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في منطقة القطب الشمالي ومن حوله في السنوات الأخيرة عامل مهم من عوامل تدهور أوضاع الدببة التي تعيش فيها ولاسيما تلك المتصلة بالغذاء والتغذية. فقد كانت هذه الدببة تقطع من قبلُ مئات الكيلومترات مشيا فوق المياه المتجمدة. وكانت تجد فيها بسهولة الحيوانات التي تتغذى عليها والأماكن التي تأوي إليها لترتاح أو تتكاثر. ولكن هذه البيئة تغيرت رأسا على عقب خلال السنوات العشرين الأخيرة. لقد ارتفعت درجات الكرة الأرضية بوتيرة غير معهودة وعلى نحو أدى إلى ذوبان أجزاء كثيرة مما كانت دببة القطب الشمالي تعتبره مرتعها. وانعكس الأمر سلبا على الثروة النباتية والحيوانية الأساسية التي كانت تسمح حتى الآن للدببة بالعيش في أمان. وكثيرا ما تقطع الدببة اليوم عشرات الكيلومترات دون العثور على أي شيء تقتات منه. بل إن التنقل في مراتع الأمس أصبح أمرا شاقا لأن الدببة تجد نفسها مضطرة أكثر فأكثر إلى السباحة في المياه على امتداد مسافات طويلة للتنقل من مكان إلى آخر يمكن العثور فيه على طريدة. ولكن الإعياء من جهة والجوع من جهة أخرى أصبحا عاملين مهمين من العوامل المتسببة في تدهور أوضاع دب القطب الشمالي المعيشية وبلوغه حدا يهدد بانقراضه عما قريب. وما يزيد من قلق المهتمين ببيئة القطب الشمالي، أن هناك سباقا محموما يتصاعد وقعه يوما بعد آخر بين البلدان الواقعة من حول القطب الشمالي وأن هذا السباق تتسارع خطى المشاركين فيه على حساب الاعتبارات البيئية لأنه يتركز فقط على سبل استغلال كميات النفط والغاز الهائلة التي تحويها هذه المناطق واستخدامها ممرا بحريا جديدا بين أوروبا وآسيا وأمريكا لنقل البضائع. وما يحز في أنفسهم هو أن صورة الدب الهزيل الذي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لأشهر خلال عام 2015 قد التقطت في أرخبيل سفالبارد النرويجي حيث قررت الأسرة الدولية عام 2008 استخدام إحدى جزره مخزنا عالميا لعينات من كل الأنواع والأصناف النباتية التي تستخدم في التغذية البشرية والتي يمكن العودة إليها وقت الشدة أي بعد حصول كوارث طبيعية هائلة تقضي على المزروعات في العالم. ويدل موت الدببة جوعا في هذه الجزر حسب المهتمين بالبيئة على أن الإنسان لم يدرك بعد المخاطر المحدقة به جراء التغيرات المناخية القصوى. ولابد من التذكير هنا بأن دببة القطب الشمالي تقدر أعدادها اليوم بين 22 ألفا وواحد وثلاثين ألفا. وهي تعيش أساسا في ولاية ألاسكا الأمريكية وفي كندا وجزيرة غرينلاند الدانماركية وجزرِ سفالبارد النرويجية وسيبيريا.
تتعالى منذ أشهر أصوات المنظمات البيئية التي تدعو منذ سنوات إلى ضرورة تحرك الأسرة الدولية لحماية غابة الأمازون من الأخطار التي تهددها لاسيما البرازيل. وتشعر هذه المنظمات بقلق كبير إزاء ظاهرة ما انفكت تتفاقم على حساب غابة الأمازون وتتمثل في إقدام أشخاص على التوغل في الشق من غابة الأمازون التابع لولاية روندونيا الواقعة في شمال البرازيل وقطع أشجارها في عدة أماكن وعرضها للبيع عبر منصات البيع والشراء التابعة لـ"فيسبوك". كانت الضغوط الدولية قد حملت السلطات البرازيلية قبل قرابة خمس عشرة سنة على اتخاذ تدابير وسن قوانين من شأنها حماية غابة الأمازون عبر عدة مبادرات منها إقامة محميات طبيعية كثيرة فيها وتقنين عملية بيع بعض الأجزاء من هذه الغابة من خلال الالتزام بشروط يراد من ورائها حماية التنوع الحيوي والحيلولة دون استغلال غابة الأمازون استغلالا جائرا. وهذا ما حصل مثلا في ولاية روندونيا. ومن هذه الشروط التزام مالكي قطع أرضية مكسوة بالأشجار بعدم توسيع المساحات المخصصة فيها للزراعة أو تربية المواشي أو مشاريع أخرى.ولكن ما يحصل اليوم في ولاية روندونيا يتنافى وكل هذه الشروط. فإذا كان بيع قطعة من الأرض - حتى ولو كانت صغيرة جدا- من الأراضي المكسوة بأشجار غابة الأمازون في البرازيل يتطلب استظهار البائع بشهادة ملكية، فإن الذين يعرضون اليوم بيع مثل هذه القطع عبر فيسبوك غير قادرين على الاستظهار بشهادة الملكية لأنه ليست لديهم أراض هي جزء من منظومة غابة الأمازون. ولكنهم يبيعون قطعا منها عبر الإنترنت لأن السلطات لا تتحرك لإيقاف هذه الصفقات غير المشروعة. وفي حال تحركها من حين لآخر باسم ضرورة الحفاظ على غابة الأمازون، فإن الإجراءات المتخذة ضد أشخاص يعملون لحسابهم أو لفائدة شركات أو شبكات لا تُفَعَّلُ إذا اتُّخذت بسبب الفساد. وكثير منها لا يُتَّخذ للسبب ذاته. الملاحظ أن الأراضي التي تغطيها غابة الأمازون فقدت خلال عام 2020 حسب إحصائيات الأمم المتحدة مليونا و840 ألف هكتار بسبب الحرائق المتعمدة أو الناتجة عن انعكاسات التغير المناخي أو بسبب قطع الأشجار في سياق أغراض لا علاقة لها بالتنمية المستدامة. وفي البرازيل الذي يُؤوي لوحده 63 في المائة من أشجار غابة الأمازون، ساهم وصول الرئيس الحالي جايير بولسونارو إلى السلطة في يناير- كانون الثاني عام 2019 في تفاقم أوضاع هذه الغابة لأنه يشاطر كثيرا من الأفكار التي كانت ولا تزال عند الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يرى في التغير المناخي بدعة صينية للإساءة إلى الاقتصاد الأمريكي.ولا بد من التذكير عبر بعض الأرقام بأهمية الخدمات التي تقدمها غابة الأمازون إلى سكان البلدان التي تغطيها وفي مقدمتها البرازيل. بل إن الإنسانية كلها تستفيد من هذه الخدمات. فمساحتها تعادل خمسة ملايين وخمس مائة ألف كلم مربع. وهي الغابة الثانية من حيث اتساعُ رقعتها في العالم بعد غابة " التايغا" أو ما يُسمى " الغابة الثلجية " التي تغطي الأراضي المحيطة بالقطب الشمالي. وتشكل غابة الأمازون لوحدها نصف الغابات الاستوائية المعروفة بثراء تنوعها الحيوي وبقدرتها على امتصاص جزء مهم من الانبعاثات الحرارية.
تؤكد الدراسات والأبحاث التي يجريها الباحثون في علوم الاجتماع أن الأزمات التي تطول أكثر من اللزوم تساهم بشكل او بآخر في عودة الحيوية إلى نظام المبادلات التجارية عبر المقايضة والذي تم التخلي عنه في السابق لعدة أسباب واعتبارات. ومن الأسباب التي أدت إلى عودة نظام المقايضة مثلا صعوبة تجزئة بعض البضائع وصعوبة التوفيق في كل الصفقات التي تمر عبر المقايضة بين رغبات البائع والمشتري. فعارض ملابس يريد مقايضتها على سبيل المثال بمادة غذائية يحتاج إليها ليس متأكدا من التوصل إلى إبرام صفقة بشكل سريع إذا لم يتوفر الغذاء في السلع المعروضة عليه في إطار المقايضة.وكان كثير من الناس يظنون أن أزمة كورونا عابرة، فأكد الفيروس المتسبب فيها أن الأمر غير ذلك. واضطر كثير من المستهلكين حتى في البلدان المتقدمة إلى اللجوء من جديد إلى نظام المقايضة على غرار ما حصل في ظل أزمات سابقة منها مثلا الأزمة المالية والاقتصادية التي انطلقت من الولايات المتحدة في سنة 1929 واجتاحت أوروبا خلال السنوات التي تلتها.ولابد من الإشارة هنا إلى أن العوامل التي استوجبت العودة - على خلفية أزمة كورونا- إلى نظام المقايضة في عدد من المبادلات التجارية لا كلها في البلدان المتقدمة والنامية متعددة ومنها تسبب فترات الحجر الجزئي أو الكلي في شل عدة أنشطة دون أن يستفيد متعاطوها من مساعدات حكومية.أضف إلى ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تسهل كثيرا على سكان المدينة الواحدة أو الحي الواحد تبادل البضائع من خلال عرضها مباشرة على المشترين أو شرح الخدمات التي يمكن تبادلها بواسطة الإنترنت.ومن أهم العوامل الأخرى التي ساهمت في إعادة الاعتبار إلى نظام المقايضة في البلدان المتقدمة منذ انطلاق أزمة كورونا وفرة السلع المعروضة لدى السكان من جهة، والوعي من جهة أخرى بأن العودة إلى نظام المبادلات التجارية هذا يخدم مبدأ الاستهلاك المستدام الذي يتم الحرص عبره على تجنب إهدار الموارد الأولية والطبيعية.ففي فرنسا على سبيل المثال، خلصت عملية استطلاع للرأي واسعة النطاق أجرتها شركة " إيبسوس " المتخصصة في سبر الآراء إلى أن خمسة وسبعين في المائة من الملابس والمعدات والأثاث المنزلي لا يتم استخدام جزء منها إلا في الحالات النادرة. وترتفع هذه النسبة إلى 120 في المائة بالنسبة إلى من يسكنون في منازل لا في شقق.وتأمل منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بشكل أو بآخر بالتنمية المستدامة في أن يظل لنظام المقايضة حيز مهم في المبادلات التجارية بين سكان أحياء المدن أو بين المقيمين في المدن المتوسطة والصغيرة بعد معالجة أزمة كورونا، لأن اعتماد هذا النظام في إطار المستقبل التضامني يمكنه فعلا أن يساعد على الحفاظ على كوكبنا الجميل.
صحيح أن الأشخاص الذين لعبوا دورا مهما في استحداث ما يسمى "لحم المختبرات" أو "اللحم المزروع" أو "المُستزرَع" ينتمون عادة إلى الباحثين في مجال هندسة الأنسجة أو الزراعة الخلوية أو إلى الشركات الصغيرة التي أطلقت منذ تسعينات القرن العشرين والتي تعتمد كثيرا في أنشطتها ومنتجاتها على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة وتعمل على إنتاج لحوم لا تمر بالضرورة عبر تربية الحيوانات. مع ذلك فإننا نجد ضمن هذه الأسماء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ويلسن تشرشل الذي تُنسب إليه مقولة شهيرة وردت عل لسانه أو قلمه في ثلاثينات القرن العشرين. وقد جاء فيها ما يلي: "سنهرب من عبث تربية دجاجة كاملة من أجل أكل الصدر أو الجناح، من خلال زراعة هذه الأجزاء بشكل منفصل باستخدام وسيط مناسب."والحقيقة أن تشرشل لم يكن باحثا ولا متخصصا في هندسة الأنسجة ولا في الزراعة الخلوية. ولكن الذين يميلون إلى الظن أن هذه المقولة صادرة عنه يرون أن سنوات الثلاثينات كانت أفضل فترة تحول فيها هذا السياسي المخضرم إلى كاتب بعد أن وجد نفسه خارج اللعبة السياسية لبضع سنوات استغلها في الكتابة عن السياسة والأدب وعن بعض التحديات التي كانت مطروحة آنذاك أمام الإنسانية ومنها التحدي المتمثل في الأمن الغذائي. وإذا كانت اللحوم التقليدية تتطلب تربية الماشية بشكل تقليدي أو عبر النظام المكثف أو الزراعة العضوية، فإن لحوم الزراعة الخلوية يتم الحصول عليها بواسطة عينات تُؤخذ من خلايا البقر أو الغنم أو الدواجن وتُستزرع في المختبرات من خلال اللجوء إلى تطبيقات التكنولوجيا الحيوية وهندسة الأنسجة والبيولوجيا الجزيئية والبيولوجيا التركيبية لإنشاء طرق جديدة لإنتاج البروتينات والدهون والأنسجة التي تنتجها عادة تربية الحيوانات في المراعي التقليدية.مطبخ اللحم الاصطناعي في سنغافورةالملاحظ أن سنغافورة هي أول بلد سمح في شهر ديسمبر –كانون الأول عام 2020 باستهلاك لحم الدجاج الاصطناعي الذي انتجته شركة أمريكية ناشئة تسمى " إيت جاست". وثمة حرص لدى الشركات الناشئة التي تُجري اليوم تجارب ترمي إلى تصنيع لحوم المختبرات أو اللحوم الاصطناعية على ربط الموضوع بمسار العملية التنموية المستدامة انطلاقا مما يسمى "الاستهلاك المستدام".وفي هذا الشأن يقول نيكولا مورين فوريست أحد مؤسسي شركة " سوبرام " الفرنسية الناشئة المتخصصة في إجراء تجارب لإنتاج اللحوم الاصطناعية " نظن أن اللحمَ المُستزْرَعَ في المختبرات يُشكل طريقةً ثالثة من أشكال الإنتاج ستسمح بتوفير البروتينات واللحوم التي تحتاج إليها الإنسانية على نحو ينعكس بشكل أفضلَ على البيئة. بل إن اللحمَ المُسْتزِرَعَ سيفتح بكل بساطة الطريق أمام نمط استهلاكي يقوم على الاستدامة على المدى الطويل".اللحوم الاصطناعية غير مسرفة في استخدام الموارد الطبيعيةومن أهم الحجج الأخرى التي يلجأ إليها المروجون فكرة استبدال اللحوم التقليدية التي يتم الحصول عليها عبر تربية الماشية بلحوم يتم إنتاجها في المختبرات أن الحصول على هذه اللحوم لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد المائية ولا إلى مساحات كبيرة بالإضافة إلى كون العملية تحد من بصمة الإنسان الكربونية عبر الانبعاثات الحرارية التي تتسبب في إنتاجها تربية الحيوانات التي نحتاج إلى لحومها.هذا ما يلح عليه الناشط الأمريكي بول شابيرو المدافع عن حقوق الحيوانات ومؤلف كتاب " اللحم النظيف" في إشارة إلى لحوم المختبرات. فهو يرى" أن كوكبَ الأرض لا تتسعُ رقعتُه. ولكنَّ نطاقَ بصمةِ الإنسان الكربونية على الكوكبِ هي اليوم بصدد الاِتساعِ. ومن العوامل التي يتسع نطاقها عبر هذه البصمة الكربونية تزايدُ استهلاك اللحوم. بل إن ما نستهلكه اليومَ من لحوم يتجاوز في حجمه كلَّ ما استهلكناه من قبلُ. ويقود كل ذلك إلى استغلال الموارد الطبيعية بشكل مُكثَّف. ولذلك فإنه أمامنا اليوم إمكانيةٌ لإنتاج لحوم تسمح بخفض كميات الانبعاثات الحرارية إلى حد كبير وباستغلال كميات أقلَّ من الطاقةِ والمياه وعلى نحو يُتيح أيضا الِاعتمادَ على مساحات ترابية أقلَّ وتجنبَ مزيد من القسوة تُجاه الحيوانات. علينا أن نكون منفتحين على هذا الشكل من أشكال الحلول المطروحة لمشاكل التغذية حتى نستطيعَ الصمودَ أمام مرحلة التغير المُناخي والتي نحن بصدد الانخراط فيها اليوم".اللحوم الاصطناعية والشفافية وآلام الحيواناتيتضح مما سبق أن المدافعين بشراسة عن هذه اللحوم يرون أنها صديقة للصحة باعتبار أن عملية تصنيعها تحتاج إلى مراقبة صارمة بدءا من أخذ الخلايا التي يراد تنميتها في المختبرات ومرورا بتغذيتها داخل المختبرات ووصولا إلى وضعها في صحون المستهلكين.وهم يقولون أيضا إن إنتاج اللحوم بالطرق التقليدية مسرف في استهلاك الموارد الطبيعية وفي صدارتها الموارد المائية نظرا لأن إنتاج كيلوغرام واحد من لحوم الأبقار التي تربى يتطلب استخدام 15 ألف لتر من الماء. أما اللحم الاصطناعي فإن الحصول عليه لا يحتاج إلى مراع وإلى كميات كبيرة من المياه ولا ينتج انبعاثات حرارية مصدرها الميثان أساسا على عكس ما هي عليه الحال في ما يتعلق بتربية الأبقار.أضف إلى ذلك أن مشكلة انعدام الشفافية على مستوى العملية الإنتاجية لا تُطرح في ما يخص لحوم المختبرات كما يقول دييديه توبيا أحد مؤسسي شركة " أليف فارمس" المتخصصة في إجراء تجارب لإنتاج هذه اللحوم. «إن مسألةَ الشفافية أمر مهم جدا في ما يتعلق باللحوم المُستزرَعة. فكلُّ مرحلة من مراحل الإنتاج تخضع للرقابة. وبالتالي فإن ذلك يسمح لنا بمعرفة خاصيات المُنتجات التي نُصَنِّعها بشكل شفاف كأحسنَ ما تكون الشفافيةُ بالنسبة إلى كل مرحلة من هذه المراحل". والحقيقة أن أحد العوامل الأخرى التي يركز عليها المدافعون عن فكرة استبدال اللحوم التقليدية المعدّة للاستهلاك بلحوم اصطناعية يتمثل في كون هذه اللحوم التي لاتزال عموما في طور التجارب حتى الآن توفر على الحيوانات كثيرا من الآلام عند الذبح لأنه لا حاجة بنا في المستقبل إلى ذبح الحيوانات للاستفادة من لحومها نظرا لأن المختبرات هي التي ستوفر هذه اللحوم.الوجه غير المضيء في اللحوم المزروعة ولكن من يطلع عن كثب على التجارب الحالية التي يُراد من ورائها إنتاج لحوم اصطناعية، يهتدي إلى أن جزءا من الأغذية التي تنمى بواسطتها هذه اللحوم متأت من أمصال جنينية لدى الأبقار التي يتم ذبحها خصيصا للحصول على هذه الأمصال.والواقع أن أصحاب الشركات الناشئة التي تُجري تجارب لإنتاج اللحوم المزروعة أو العاملين فيها يُقِرُّون فعلا بوجود هذه المشكلة، ولكنهم يلفِتون الانتباه إلى أنهم جادون اليوم في المساعي الرامية إلى استبدال هذه الأمصال الجنينية بمواد أخرى تجنب الحيوانات الألم.هذا ما تشدد عليه سارة لوكا المشرفة على العمليات في مؤسسة " موزا ميت " المتخصصة في البحث عن بدائل للحوم الحيوانات التقليدية. "نحن نلجأ إلى استخدام طريقة تحتوي على عناصِرَ مُكوَّنةٍ من السكر والفيتامينات والمعادنِ وتسمح لخلايا اللحم المُستزرَع بالنمو دون أن يتسبب ذلك في ألم شبيه بذلك الذي تُحس به الحيوانات عندما نرغب في الحصول على لحومها". وإذا كانت للمدافعين عن اللحوم الاصطناعية التي لاتزال في طور التجارب حجج متعددة يعتمدون عليها ليقولوا إن لهذه اللحوم مستقبلا في صحون المستهلكين، فإن المتحفظين عليها لديهم بدورهم حججهم ومنهم على سبيل المثال جان فرانسوا هوكيت مدير الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الزراعية.فهو يرى أن اللحوم الاصطناعية لا تستحق فعلا أن تسمى " لحوما". ويبرر ذلك فيقول: " ثمة مساران لا يتم أخذُهما بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمرُ باللحوم الاصطناعية. فعمليةُ نُضج هذه اللحوم لا تُؤخذ في الحُسبان قبل كل شيء. وأُذكِّر بأن هذه العملية هي مسارٌ طبيعي يسمح للعضَلة بأن تصبح ليِّنةً وبأن تتحولَ إلى لحم. زد على ذلك أن اللحم الحقيقي أو العضلة َ الحقيقية لا يتركبان من أليافٍ عَضلِيّة فحسب بل أيضا من أعصاب وأوعية دموية وخلايا ومادة دُهنية. وهذه العناصر هي التي تعطي اللحمَ مذاقَه. والواقع أن الباحثين في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث الزراعية ينظرون إلى اللحوم الاصطناعية باعتبارها أليافا عَضَلية أو بروتيناتٍ حيوانية أكثر مما يتعاملون معها باعتبارها لحوما حقيقية". على غرار جان فرانسوا هوكيت الباحث في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية، يرى المتحفظون عل فكرة الاستمرار في التجارب الرامية إلى استبدال اللحوم التقليدية التي يستهلكها الإنسان بلحوم اصطناعية يتم إنتاجها في المخابر أن هذه اللحوم ألياف عضلية أو بروتينات حيوانية ليس إلا.وهم يقولون أيضا في السياق ذاته إن الحجة التي يقول أصحابها بموجبها إن اللحوم الاصطناعية صديقة للبيئة مردودة على الذين يروجون لها لأن عدة أبحاث علمية أثبتت عكس ذلك.هذا مثلا حال بحث أجرته جامعة أوكسفورد البريطانية وخلص واضعوه إلى أن انعكاسات إنتاج اللحوم الاصطناعية على البيئة على المدى الطويل أكثر ضررا مما هي عليه عملية إنتاج لحوم عبر تربية الماشية. فصحيح أن غاز الميثان الذي يتسرب إلى الجو من خلال تربية الأبقار أشد وطأة على الجو بخمس وعشرين مرة ما هو عليه غاز ثاني أكسيد الكربون المتولد عن إنتاج اللحوم الاصطناعية. ومع ذلك، فالنماذج الرياضية التي وُضعت بشأن انبعاثات الميثان تخلص إلى أنها أقل ضررا من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لأنها تزول من الجو بشكل أسرع بكثير مما هي عليه انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ومن ثم فإن بقاء ثاني أوكسيد الكربون في الجو لمدة أطول يتسبب على المدى الطويل في أضرار أخف من تلك التي يتسبب فيها غاز ثاني أوكسيد الكربون.كل هذا يدعونا مجددا إلى طرح سؤال جوهري هو التالي: ما مستقبل اللحوم الاصطناعية في صحون المستهلكين؟مختصر الرد على هذا السؤال انطلاقا مما سبق هو أن المعركة لا تزال مستمرة على أَشُدِّها بين الذين يقولون إنه لا مستقبل لهذه اللحوم لأسباب كثيرة منها ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم رغبة المستهلكين في استبدال اللحوم الحالية والضبابية المستمرة حول طرق الحصول عليها من جهة وبين الذين يقولون من جهة أخرى إنه لا مفر للإنسان من لحوم المختبرات لاعتبارات كثيرة منها أن الإنسان غير قادر على الصمود أمام نتاج البحث العلمي والتكنولوجي والابتكار أيا تَكُن انعكاساته السلبية.
خلال الفترة الفاصلة بين الرابع والثامن من شهر فبراير-شباط عام 2021، حملت الرياح الآتية من إفريقيا كميات كبيرة من حبيبات رمال الصحراء الإفريقية إلى عدة بلدان أوروبية جنوبية منها إسبانيا وفرنسا. ليست هذه الظاهرة جديدة باعتبار أنه تأكد عبر الدراسات والأبحاث العلمية أن غبار العواصف الرملية في القارة الإفريقية أو في قارات أخرى يمكن أن يشق البحار والمحيطات ويبلغ قارات أخرى. ولكن كميات حبيبات الغبار الرملية التي ذرتها الرياح من الصحراء الإفريقية إلى أوروبا الجنوبية خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير-شباط عام 2021 تجاوزت بمئات المرات ما كان عليه الأمر من قبل حسب الهيئة الأوروبية المكلفة بمراقبة هواء الجو.وإذا كانت زوابع رمال الصحراء الإفريقية تتسبب في عدة مشاكل صحية وبيئية وأخرى من شأنها تعطيل الحركة الاقتصادية في البلدان الإفريقية التي تنطلق منها أو تشقها وهي في الطريق إلى قارات أخرى ولاسيما القارتين الأوروبية والأمريكية، فإن حبيبات الرمال الكثيرة التي حملتها الرياح من الصحراء الإفريقية إلى جنوب أوروبا في بداية شهر فبراير –شباط عام 2021 قد فاقمت هذه المشاكل التي من بينها عسر التنفس وتسرب حبيبات الغبار إلى محركات الطائرات في السماء أو محركات وسائل النقل البري أو إلى الألواح التي تُوَلِّد الطاقة من الشمس.والواقع أن غالبية الطائرات مشلولة بسبب جائحة كورونا أثناء الفترة التي اجتاحت خلالها كميات كبيرة من رمال الصحراء الإفريقية أجواء أوروبا الجنوبية. ولكنه لوحظ أن لون حبيبات الرمال الأصفر والأحمر قد حجب الرؤية عن سائقي الشاحنات والسيارات التي كانت تجوب الطرقات في جنوب فرنسا الغربي مثلا.وقد يتساءل البعض عن سر اللون الأصفر والأحمر الذي تبدو عليه حبيبات رمال الصحراء الإفريقية والتي تجتاح بشكل منتظم أجواء أوروبا الجنوبية. ومرد ذلك أن تحرك العواصف الرملية القوية في الصحراء الإفريقية يتم عادة على ارتفاع يقدر بخمسة كيلومترات. وعبر انتقال حبيبات الرمل، تختلط بأتربة أراض داكنة اللون. وشيئا فشيئا، يميل مزيح لون الرمل المتحرك بهذه الأتربة إلى الاحمرار.وفي سياق الأضرار التي تتسبب فيها الزوابع الرملية التي تنشأ في إفريقيا وتصل إلى أوروبا الجنوبية، لوحظ أن كثيرا من الذين يملكون مسابح في حدائق منازلهم في بلدان أوروبا الجنوبية يفاجئهم في كثير من الأحيان نُموُّ الطحالب الخضراء في هذه المسابح بسبب تسرب حبيبات رمال الصحراء الإفريقية التي تحملها الرياح والعواصف إليها. ويحتاج التخلص من هذه الطحالب إلى وقت وأموال.ويقول خبراء الأرصاد الجوية والظواهر المناخية القصوى إن أفضل الطرق للحد من انعكاسات هذه الزوابع انطلاقا من التجربتين الآسيوية والأمريكية تتمثل في الحصول بانتظام على معلومات الأرصاد الجوية عن مواعيد حصول مثل هذه الزوابع والطرق التي تسلكها بعد انطلاقها. وهذا الأمر من شأنه السماح باتخاذ عدة إجراءات وقائية منها مثلا وضع أغطية على الألواح الشمسية أو المسابح أو ممتلكات أخرى قد تضرر من مثل هذه الزوابع وانعكاساتها. ويتطلب الأمر أيضا في كثير من الأحيان إيقاف حركة الملاحة الجوية والبرية لحين في المناطق التي تشقها هذه الزوابع إذا كانت عاتية.
تنفس كثير من الناشطين في المجال البيئي الصُّعداء عندما تأكدوا من خبر انتصار جو بايدن على دونالد ترامب في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في الثالث من شهر نوفمبر –تشرين الثاني عام 2020 لعدة أسباب أهمها أن بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة بلاده إلى اتفاق باريس حول المناخ والذي كان قد أبرم في نهاية عام 2015. وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد اتخذ في بداية يونيو –حزيران عام 2017 قرار إخراج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق لأنه كان يرى أن الاتفاق يُعيق تطور الاقتصاد الأمريكي وأن التغير المناخي بدعة اخترعها الصينيون لإحكام سيطرتهم على العالم كله. ولا بأس من التذكير هنا بأن اتفاق باريس يعد أول نص إطاري عالمي يطلب من كل البلدان المتقدمة وذات الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية بذل جهود للحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع انعكاسات التغير المناخي السلبية وهي كثيرة.وإذا كان القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس قد اتخذ في يونيو –حزيران عام 2017، فإن الخروج الفعلي لم يحصل إلا في الرابع من شهر نوفمبر-تشرين الثاني عام 2020 بموجب الإجراءات القانونية التي ينص عليها الاتفاق بالنسبة إلى البلدان المصادقة عليه والتي ترغب في الانسحاب منه. وخروج الولايات المتحدة الفعلي حصل إذن غداة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تنافس فيها ترامب وبايدن وانتصر الثاني في أعقابها على الأول.محاولات ترامب الرامية إلى إفشال اتفاق باريس ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان يدرك عام 2017 أن قرار انسحاب بلاده من اتفاق باريس لن يكون فاعلا إلا في شهر نوفمبر من عام 2020، فإنه حرص على إرسال وفد إلى مؤتمر بون العالمي حول المناخ والذي نظم في بون شهر نوفمبر عام 2017 عساه أن يفلح في إقناع دول كثيرة صادقت على اتفاق باريس بالعمل على تعطيل المفاوضات في الكواليس. ولكن أحد الدبلوماسيين المنتمين إلى الوفد الرسمي الأمريكي في قمة بون أكد أن هذه المهمة قد فشلت وأن اهتمام المشاركين في المؤتمر كان مُركزا على ممثلي الولايات الأمريكية الأربع عشرة التي حرصت مع قرابة مائة مدينة وعشرات الشركات الأمريكية الكبرى على المشاركة في مؤتمر بون لتؤكد أنها ملتزمة باتفاق باريس وأنها تعمل على تنفيذ ما جاء فيه عبر مبادرات وشراكات فعلية من شأنها المساهمة فعلا في الحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع انعكاساتها.وخلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت عدة بلدان متقدمة تعلن عن استيائها من حرص الوفد الأمريكي الرسمي في مؤتمرات المناخ لمحاولة الترويج لأطروحات دونالد ترامب المشكك في ظاهرة الاحترار المناخي. ومع ذلك فإنه فإن بلدانا متقدمة أخرى كانت لديها مصلحة في أن تحضر الولايات المتحدة مؤتمرات المناخ حتى وإن كانت لا تشارك في المفاوضات حول طرق تفعيل اتفاق باريس حول المناخ. ويعزى ذلك إلى رغبة هذه البلدان في أن تضغط الولايات المتحدة من وراء الكواليس على البلدان النامية في ما يخص عدة قضايا منها مثلا قضية التمويلات الخضراء التي تطالب بلدانُ الجنوب بلدانَ الشمال بتوفيرها لمساعدتها على التكيف مع انعكاسات التغير المناخي. وهذا فعلا ما حصل في اجتماع نُظِّم في شهر سبتمبر –أيلول عام 2018 للتمهيد للدروة الرابعة والعشرين من دورات مؤتمر المناخ العالمي السنوية. فقد عطلت الولايات المتحدة طلبا بإلزام البلدان الصناعية بهذه التمويلات لاسيما وأن البلدان المتقدمة هي التي تتسبب أكثر من غيرها منذ بداية الثورة الصناعية التي حصلت في منتصف القرن التاسع عشر في تلويث الأرض والبحار والسماء.فوائد كثيرةويرى نجيب صعب أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية أن اتفاق باريس حول المناخ حدث مهم جدا بالنسبة إلى الجهود الرامية إلى التصدي بشكل ناجع إلى ظاهرة الاحترار المناخي أيا تكن المآخذ التي تؤخذ على الاتفاق لاسيما تلك التي يقول أصحابها إن التزامات الدول بشأن خفض الانبعاثات الحرارية ليست إلزامية. ومن إيجابيات عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق أن هذه العودة تعزز مكانة الولايات المتحدة الأمريكية والصين البلدين اللذين ينتجان لوحدهما قرابة 42 في المائة من هذه الانبعاثات باعتبارهما قاطرة الجهود المبذولة على المستويات المالية والعلمية لمواجهة التغير المناخي وانعكاساته السلبية. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت وينتظر أن تصبح بعد عودتها إلى الاتفاق من أهم الأطراف المساهمة في تمويل الصندوق الأخضر من أجل المناخ. وكان هذا الصندوق قد أنشئ خلال مؤتمر كوبنهاجن المناخي الدولي في عام 2009 بهدف تقديم مساعدات مالية إلى البلدان النامية الفقيرة للمساهمة في الحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع انعكاسات التغير المناخي السلبية. زد على ذلك أن للولايات المتحدة عبر القطاع الخاص مهارات مميزة من شأنها المساعدة على الانتقال من الاقتصاد الكربوني إلى الاقتصاد الأخضر. أما الصين الشعبية التي تحتل اليوم المرتبة الأولى في إنتاج الانبعاثات الحرارية بنسبة 28 في المائة من مجمل الانبعاثات، فإنها تظل المستثمر الأول في مجال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.ولئن كان الدكتور إبراهيم عبد الجليل الخبير المتخصص في التغير المناخي يرى بدوره أن عودة الولايات المتحدة الأمريكية المرتقبة إلى اتفاق باريس حول المناخ أمر إيجابي على أكثر من صعيد، فإنه يشدد على ضرورة التزام الحذر تجاه الوعود التي التزم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته الانتخابية بشأن السياسة التي سيعتمدها في مجال البيئة والتنمية. ويلح الدكتور عبد الجليل على ضرورة تقويم سياسة بايدن وغيره من قادة العالم تجاه القضايا المتصلة بالمناخ والتنمية من خلال أفعالهم لا من خلال الوعود. وهذا ما يكرره بانتظام أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يقول إن التغير المناخي هو أهم تحد مطروح أمام الأسرة الدولية اليوم وغدا.
أُطلق مشروع الحزام الأخضر الإفريقي الكبير في عام 2005 تحت مسمى " المبادرة الإفريقية للجدار الأخضر الكبير". وأُقر بشكل رسمي من قبل الاتحاد الإفريقي في عام 2007وبدا تنفيذه في عام 2008. وهو يهدف إلى إقامة حزام أخضر طوله قرابة سبعة آلاف و5 مائة كلم وعرضه 15 كيلومترا. أما البلدان الإفريقية المعنية بالمشروع فيبلغ عددها أحد عشر بلدا. وتقع غالبيتها في منطقة الساحل أو على تُخومها ومنطقة القرن الإفريقي. وهذه البلدان هي السنغال، وموريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، ونيجيريا، وتشاد، والسودان، وإثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي. وتعزى الرغبة في بعث المشروع إلى اتساع رقعة التصحر في بلدان منطقة الساحل الإفريقي باتجاه الجنوب لعدة أسباب أهمها فترات الجفاف التي تطول أكثر من اللزوم وتزايد الضغوط على الأراضي الزراعية والمراعي في هذه البلدان مما جعل أتربها لا تصلح بالتدريج للرعي والزراعة. وكثيرا ما تتعرض هذه الأراضي إلى ظاهرتي الانجراف وانجراد أتربتها بسبب الرياح العاتية أو السيول الغزيرة التي تتحول بسرعة إلى فيضانات.وبعد مرور خمسة عشر عاما على إطلاق المبادرة، يبدو السنغال البلد الوحيد الذي قطع خطوات مهمة لإقامة هذا الحزام والاستفادة منه في مجال التنمية المستدامة. فقد التزم السنغاليون منذ البدء في تنفيذ المشروع بغرس أشجار من أهمها شجرة الطلح في أماكن كانت مهددة بالتصحر إلى حد كبير بمعدل مليوني شجرة كل عام. وأصبحت هذه الأشجار تشكل بعد نموها بيئات مصغرة في مواضع كثيرة تصلح لزرع الخضروات والأشجار المثمرة ولنمو كائنات نباتية وحيوانية كانت قد اختفت منها أو كادت أن تختفي.واتضح أن الأوضاع الأمنية في عدة بلدان كان يفترض أن تتمنطَق بالحزام الإفريقي الأخضر لم تتمكن من ذلك بسبب النزاعات والحروب. وهو مثلا حال مالي. التزامات مالية لم تُنفّذ ومن أهم العقبات الأخرى التي حالت دون المضي قدما في إنجاز الحزام الأخضر الإفريقي للحد من التصحر عدم ضخ أموال كافية لإنجازه والتعامل مع الحزام بمعزل عن أهدافه الأساسية أي غرس أشجار وشجيرات لديها علاقة وطيدة بالعميلة التنموية المحلية والمبادرات الرامية إلى مكافحة الفقر. هذا ما جعل الرئيسالموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أحد المشاركين في ندوة عن الجدار الأخضر أقيمت خلال قمة " كوكب واحد" الرابعة يوم الحادي عشر من شهر يناير 2021 يدعو البلدان المتقدمة لإلغاء جزء من ديون البلدان الإفريقية التي يشقها الجدار حتى يتسنى لهذه البلدان ضخه في مشاريع تنموية تعزز الجدار الأخضر الكبير.وقد اهتدى الخبراء والسياسيون الذين تابعوا عن كثب منذ عام 2007 مبادرة الحزام أو الجدار الأخضر الإفريقي الكبير إلى أن اختيار عينات من أشجار تتلاءم مع طبيعة المناطق التي تغرس فيها ومع التغيرات المناخية القصوى والعمل على تنشيط الدورة الاقتصادية من حول هذا الحزام بواسطة مزروعات غير مسرفة في استهلاك المياه ومراع تستخدم بشكل غير مكثف وعلى نحو يأخذ بعين الاعتبار واقع المناطق التي يشقها الحزام عوامل لم تُـؤخذ في الحسبان من قبلُ وأنه من الضروري أخذها بعين الاعتبار اليوم حتى يكون هذا الحزام وسيلة ناجعة من وسائل التنمية المستدامة.هذا ما أجمع عليه المشاركون في إحدى فعاليات قمة " كوكب واحد " في دورتها الرابعة التي نظمت يوم الحادي عشر من شهر يناير –كانون الثاني عام 2021 والتي خصصت لسبل تعزيز منظومة التنوع الحيوي. والملاحظ أن هذه القمة كانت دورتها الأولى قد أطلقت في ديسمبر عام 2017 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومنظمة الأمم المتحدة والبنك العالمي. بل إن المشاركين في قمة " كوكب واحد" الرابعة توصلوا إلى إقناع عدة شركاء تابعين للقطاعين العام والخاص بالالتزام بتخصيص أحد عشر مليار و8 مائة مليون يورو لتمويل مشاريع إنمائية لديها علاقة بتعزيز الجدار الأخضر العظيم خلال الفترة الفاصلة بين عام 2021 و2025. شراكة بين الصندوق الأخضر من أجل المناخ والصندوق العالمي للتنمية الزراعية وهذا المبلغ مهم في حال ضخه فعلا في المشاريع الرامية لتعزيز الجدار الأخضر لأن الأطراف التي التزمت في قمة المناخ العالمية التي نظمت في باريس في أواخر عام 2015 بتقديم مساعدات مالية إلى البلدان التي يشقها الجدار الأخضر الكبير لم توف بالتزاماتها. وإذا كانت هذه الأطراف قد تعهدت آنذاك بتخصيص قدره أربعة مليارات من الدولارات لفائدة المبادرة، فإن المبالغ التي جُمعت فعلا في إطار هذه الالتزامات كانت أقل من نصف مليار دولار.والحقيقة أن ما يدعو للتفاؤل اليوم بشأن إمكانية تعزيز الحزام الأخضر الإفريقي الكبير هو الشراكة التي تقرر إرساؤها بين عدد من المؤسسات التي تُعنى بالتنمية المستدامة لاسيما في الأوساط الريفية وهو أساسا حال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والصندوق الأخضر من أجل المناخ. وتسمح الشراكة الجديدة التي أطلقت بين الصندوقين وشركاء آخرين بحشد ما يصل مجموعه إلى 1 مليار دولار أمريكي من الموارد المالية لصالح مبادرة الجدار الأخضر الكبير خلال عامي 2021 و2022. وهي تهدف إلى تنفيذ مشاريع ترمي إلى استعادة النظم الإيكولوجية في الأماكن التي يشقها الجدار الأخضر الإفريقي والتصدي للقضايا المترابطة والمتمثلة في تغيّر المناخ، وتهيئة فرص العمل، والتخفيف من وطأة الفقر، وتعزيز الأمن الغذائي وإحلال السلام.وخلال الندوة التي أقيمت في إطار فعاليات الدورة الرابعة من دورات قمة " كوكب واحد قال السيد يانيك غليماريك المدير التنفيذي للصندوق الأخضر للمناخ إن "الصندوق الأخضر للمناخ ملتزم بتوسيع نطاق جهود بلدان منطقة الساحل الرامية إلى بناء الجدار الأخضر العظيم وتطويره، ومكافحة آثار الجفاف وقطع الغابات وتغيّر المناخ. وسيدفع هذا البرنامج الابتكاري، مع تركيزه الموسع على تعزيز سلاسل القيمة الزراعية المستدامة في جميع أنحاء المنطقة وزيادة استثمار القطاع الخاص في أشكال الطاقة المتجددة اللامركزية، عجلة التكيف مع تغيّر المناخ وقدرة ملايين الأشخاص على الصمود، فضلا عن دعمه للنظم الإيكولوجية المحلية والتنوع البيولوجي".وحرصا على التزام الشفافية في مجال استخدام الموارد المالية المخصصة لتمويل مبادرة الجدار الأخضر الكبير، تقرر خلال قمة " كوكب واحد " في دورتها الرابعة أن تكون الأمانة العامة لاتفاقية مكافحة التصحر الدولية الطرف الذي سيتولى في المستقبل ضمان هذه الشفافية لاسيما في ما يخص المساعدات الدولية التي تقدم إلى البلدان التي يشقها الجدار بهدف تعزيزه. وقد سعى المدير التنفيذي للصندوق الأخضر من أجل المناخ إلى إعطاء فكرة عن المشاريع التي أُطلقت بشأنها شراكة جديدة بين هذا الصندوق والصندوق الدولي للتنمية الزراعية والأمانة العامة لاتفاقية مكافحة التصحر الدولية فقال:" يعمل الصندوق الأخضر من أجل المُناخ في إطار شراكة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على بلورة برنامج إطار من أجل تسريع التطور الذي حققته بلدان الساحل الإفريقي في ما يتعلق بالسور الأخضر الكبير منذ عام 2007. وهذا البرنامج الإطار يهدف إلى إنجاز مشاريع تنموية مركزة على خمسة محاور هي الاستثمار في المؤسسات المتوسطة والصغرى وتأهيل الأراضي المتضررة والقابلة للزراعة وإدارةُ الأنظمة البيئية المصغرة بشكل مستدام وإقامة بنى تحتية قادرة على التكيف مع مناخ المنطقة. أضف إلى ذلك السماح للمستفيدين من هذه المشاريع بالحصول على مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز قدراتهم وتعزيز الحكم الرشيد." أما بخصوص أجندة تفعيل هذه الشراكة، فقد قال المدير التنفيذي للصندوق الأخضر من أجل المناخ : " وسيعمد الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة التي تعنى بمكافحة التصحر والصندوق الأخضر إلى إجراء سلسلة من المشاورات المكثفة مع كل الطراف المعنية بالسور الأخضر الكبير لبلورة برنامج مفصل عن البرنامج الإطار الذي نعده طوال عام 2021 بهدف عرضه على مجلس إدارة الصندوق الأخضر في أكتوبر عام 2021 وعرضه لاحقا أيضا على مؤتمر المناخ الدولي السنوي المقبل الذي سيعقد في نوفمبر عام 2021".خلال قمة " كوكب واحد " في دورتها الرابعة التي عقدت يوم الحادي عشر من شهر يناير –كانون الثاني عام 2021 ، ألح جميع المشاركين على ضرورة تضافر جهود القطاعين العام والخاص لتمويل المشاريع الإنمائية المندرجة أساسا في إطار التكيف مع انعكاسات التغير المناخي السلبية والتصدي لها بشكل فاعل. ولكن هذه القمة أثبتت مرة أخرى أن هناك مشاكل عدة لاتزال قائمة في سياق الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة. هذا ما أكد عليه مثلا السيد فيليب الزواتي مدير مؤسسة " مينورا "المتخصصة في إدارة أموال الاستثمارات التي تضخ في التنمية المستدامة. فقد قال في كلمته أمام المشاركين في الندوة المخصصة لسبل إعادة الحياة إلى الجدار الأخضر الإفريقي الكبير: "إن التعاون بين مؤسسات التمويل العامة والخاصة موجود اليوم ولكنه بعيد حتى الآن عن التوصل إلى حشد الأموال الضرورية. فآجال الحصول على الأموال العامة تظل طويلة. بل إن مطالب المستثمرين التابعين للقطاع العام في ما يخص مردودها المالي وتحمل مخاطر الاستثمار في العملية التنموية تجاوزت أحيانا مطالب المستثمرين التابعين للقطاع الخاص. وفي المقابل، على أطراف الاستثمار الخاص في المشاريع المتعلقة بالتنمية المستدامة أن تكون في مستوى المقاييس المعتمدة التي لا تلحق ضررا بالاعتبارات البيئية والاجتماعية. وعلى القطاع الخاص ألا تشوبه شائبة في هذا الشأن. ويتطلب تنفيذ مثل هذه المشاريع أيضا اعتماد نموذج من التعاون يقوم على الثقة وسرعة الإنجاز وقابلية استنساخها".بارقة أمل في استكمال بناء الجدار الأخضرعندما أطلقت مبادرة الجدار أو السور الأخضر الإفريقي الكبير بشكل رسمي عام 2007، كانت رغبة مطلقيه ملحة في أن يتم التوصل في حدود ألفين وثلاثين إلى تأهيل قرابة مائة مليون هكتار من الأرضي التي يشقها الجدار وجعلها قادرة على تثبيت التربة وتثبيت سكان المناطق التي يقطعها الجدار أيضا ويقدر عددهم بمائة وثلاثين مليون شخص. ولكن المساحة التي أعيد تأهيلها للعمل الزراعي وتربية الماشية المستدامين أقل من 18 مليون هكتار لأسباب كثيرة أهمها قلة المساعدات المخصصة لتعزيز هذه الجدار لاسيما وأن غالبية البلدان التي يشقها الجدار ليست ثرية. وثمة اليوم أمل في أن يتم جمع الأموال التي تضمن نجاح المبادرة في غضون السنوات العشر المقبلة إذا تضافرت الجهود المحلية والإقليمية والدولية العامة والخاصة وإذا حولت الالتزامات المالية من قبل مؤسسات التمويل العامة في البلدان الغربية والصناديق الدولية المخصصة للتنمية المستدامة إلى أفعال.
في عام 1965 ولدت عند الفرنسي كلود لوريوس فكرة إعادة تخزين ذاكرة الجليد المتجمد منذ فترات طويلة في عدة مناطق في العالم باطن منطقة القطب الجنوبي المسماة أيضا " أنتاركتيكا". ويعد لوريوس الذي يبلغ اليوم الثامنة والثمانين من العمر من أفضل علماء الجليد المتجمد، وهذا العلم هو جزء من علوم الأرض ويعنى بدراسة الصفائح الجليدية المتجمدة في أعالي الجبال أو في بعض الأنهار والوهاد القائمة بينها وبالظواهر المناخية التي تتحكم فيها.لقد ولدت لدى هذا العالم الفرنسي فكرة تخزين ذاكرة الجليد المتجمد الذي بدأت ظاهرة التغير المناخي تساهم في عملية ذوبانه بوتيرة غير مسبوقة، عندما كان موجودا في المنطقة القطبية الجنوبية لإجراء مجموعة من الأبحاث الميدانية.رأى كلود لوريوس أن فقاعات من الجليد المتجمد الذي كان يضعه في كأس يشرب منه، كانت تخرج من الكأس بشكل لافت.ومن ثم أصبح عالم الجليد المتجمد الفرنسي يدعو لدراسة هذه الفقاعات بشكل معمق من جهة والعمل من جهة أخرى على تجميع عينات من أماكن كثيرة في العالم أصبحت ثلوجها متجمدة منذ 20 ألف سنة أحيانا، ووضعها في باطن القطب الجنوبي لدراستها لاحقا.والملاحظ أن مساحة المنطقة القطبية الجنوبية تعادل 14 مليون متر مربع وأن معدل سماكة صفائحها الجليدية المتجمدة يقارب كيلومترا وست مائة متر.وميزة العينات التي التُقطت من أمكان عديدة في العالم معروفة بثلوجها المتجمدة أنها وُضعت في باطن جليد المنطقة القطبية الجنوبية في أماكن تبلغ درجات الحرارة فيها أربعا وخمسين درجة تحت الصفر. وتسمح إعادة خزنها في هذه الأماكن من جهة بتجنبيها خطر الذوبان.من جهة أخرى، تسمح هذه العينات المخزنة بالعودة إليها ودراسة ذاكرتها البيولوجية والمناخية.من جهة ثالثة، يتيح ذلك التعرفَ بشكل أفضل إلى ذاكرة الكرة الأرضية البيولوجية والمناخية.وفي إطار مشروع يسمى "ذاكرة الجليد المتجمد" تم إطلاقه عام 2015 وتشرف عليه منظمة اليونسكو، تندرج عدة مبادرات منها واحدة يقودها باحثون فرنسيون وإيطاليون وروس. وتهدف إلى نقل عينات من جليد الجبل الأبيض المتجمد إلى مراكز بحث في كل من مدينة غرونوبل الفرنسية وأخرى في منطقة القطب الجنوبي المتجمدة.وأما الموضع الذي تقرر أن تؤخذ منه ثلاث عينات تزن أطنانا من الجليد المتجمد، فيقع على ارتفاع 3500 متر من الجبل الأبيض أعلى قمة في سلسلة جبال الآلب التي تشق عدة بلدان أوروبية منها فرنسا وإيطاليا وسويسرا والنمسا.وستظل إحدى العينات الثلاث التي اقتلعت من باطن جليد " الجبل الأبيض" على عمق 140 مترا في مختبر جامعة غرونوبل الفرنسية ويعنى بالدراسات الجيوفيزيائية والجليد والبيئة. وبإمكان مختلف الباحثين اللجوء إليها لدراستها بشأن هذه المسألة أو تلك.وأما العينتان الأخريان فإنهما وُضعتا في براد طبيعي يقع في أعماق جليد القارة القطبية الجنوبية " أنتاركتيكا " للعودة إليهما وقت الحاجة بعد عشرات السنين أو بعد قرون. ويوجد هذا البراد في قاعدة علمية فرنسية إيطالية تقع في هذه القارة المتجمدة.والحقيقة أن الحرص على القيام بهذا العمل يعزى إلى عدة عوامل وأسباب أهمها اثنان وهما احتداد ظاهرة التغيرات المناخية من جهة، وثراء المعلومات الموجودة داخل أعماق صفائح الجليد المتجمد من جهة أخرى.فذوبان هذا الجليد المتجمد يحصل اليوم بوتيرة متسارعة وغير معهودة بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وفي حال إنقاذه عبر المحافظة على الأقل بشكل طبيعي على عينات منه في أعماق القطب الجنوبي، سيسمح الأمر بمواصلة الدراسات عن مكونات الجو القريب من الأرض إلى زمن يعود إلى آلاف السنين.ويذهب عالم الجليد المتجمد الفرنسي كلود لوريوس إلى القول إن تطور تقنيات علم الجليد المتجمد قادرة على مساعدة الباحثين على العودة إلى ما كانت عليه ذاكرة الأرض البيولوجية والمناخية قبل قرابة مليون سنة خلت.
كان يفترض أن يكون يوم السابع والعشرين من شهر يونيو-حزيران عام 2017 محطة بارزة في سجل التغيرات الجذرية التي شهدها قطاع النقل في المدن الفرنسية التي تشقها أنهار. وهذه مثلا حال باريس التي يشقها نهر السين والتي كان يفترض مبدئيا أن تُطلَق فيها انطلاقا من ذلك اليوم تجربة جديدة في مجال النقل داخل العاصمة الفرنسية يتم الاعتماد فيها على عربة هي في منزلة بين منزلتي المركب والسيارة. ويقول المهندس والبحار الفرنسي آلان تهيبو صائغ هذه العربة إن من يركبها يشعر أنه يركب بساطا تحمله رياح هادئة. هذا المشروع لم ينجز في باريس لعدة أسباب منها أن سرعة العربة التي صنعها آلان تهيبو تصل إلى خمسين كيلومترا في الساعة بينما تنص القوانين الفرنسية على ألا تتجاوز نسبة سرعة الملاحة فوق نهر السين في العاصمة الفرنسية 12 كيلومترا في الساعة. ومن ثم فإن التجربة الأولى التي أجريت على هذه العربية لم تحصل فوق نهر السين بل قبالة سواحل بلدة كاسيس إحدى البلدات القريبة من مرسيليا والمطلة على ساحل المتوسط وذلك في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر –كانون الأول عام 2020.ومن خاصيات العربة المركب التي كانت بلدية باريس ترغب في الاعتماد عليها لتكون جزءا من تكاسي العاصمة الفرنسية أنها تتسع لأربعة أشخاص وأنها قادرة على التحرك بسرعة من خلال جناحين يدوران تحت مياه الأنهار أو البحيرات أو البحار التي تشقها العربة بواسطة طاقة كهربائية مولدة من الشمس على غرار سفينة شراعية مخصصة للسباق اخترعها هذا المهندس الفرنسي الذي ولد في مدينة ديجون الفرنسية والذي يقضي اليوم شطرا هائلا من وقته وهو يجوب البحار والمحيطات.وإذا كان المهندس الفرنسي آلان تهيبو يثني على تحمس آن هيدالغو عمدة بلدة باريس للمشروع، فإنه يأخذ على وزارتي المالية والنقل الفرنسيتين البطء الشديد في الرد على مطالب البلدية المتعلقة بتسهيل تنقل المركبات الجديدة التي ستسير على نهر السين كجزء من وسائل النقل العامة والخاصة في العاصمة الفرنسية. ويقول إنه متأكد من أن السلطات الفرنسية ستراجع مواقفها من اختراعه هذا بعد نجاحه في مدن كثيرة أخرى منها لندن وسان فرنسيسكو ومدن ألمانية وهندية ويابانية. بل إنه أبرم مع مؤسسة " غوغل" شراكة تسمح بتشغيل هذه " السيارة المركب" في بعض المدن اليابانية بدون أن تكون ثمة حاجة إلى سائق يقودها.لقد تعلم Alain Thébault الكثير الكثير من فشله في إطلاق مشروع التاكسي الطائر فوق مياه نهر السن في العاصمة الفرنسية. فقد توصل مثلا إلى صياغة محرك يعمل بالهيدروجين ويعوض تدريجيا المحرك العامل بالتيار الكهربائي. وميزة هذا المحرك أنه يستحدم طاقة نظيفة أي أن تشغيله خال من الانبعاثات ويعتمد على الهيدروجين وهو أكثر عناصر الكرة الأرضية وفرة بالإضافة إلى كونه يتميز بسرعة إعادة تعبئته مقارنة مع وقت شحن الكهرباء. وإذا كان يصعب قيادة التاكسي الطائر فوق مياه الأنهار بسبب قوانين الملاحة الخاص بالأنهار، فإن هذا العائق غير موجود بالنسبة إلى مياه سواحل مرسيليا ولاسيما تلك التي تعد محميات طبيعية ويسهل الاستمتاع بها من البحر دون إحداث ضجيج ولا تلوث.
من أهم الأرقام التي شدت الانتباه خلال عام 2020 تلك التي تتعلق بالأموال التي دفعتها شركات التأمين والتي لديها علاقة بالكوارث الطبيعية. فقد قدرت هذه الأموال في العالم بـ153 مليار دولار. وينتظر أن تظل قيمة هذه الأموال في ارتفاع طوال الأعوام المقبلة بسبب تزايد وتيرة مثل هذه الكوارث. وإذا كانت التجربة المغربية المتعلقة بالتأمين الزراعي المتعلق أساسا بالكوارث الطبيعية لاتزال في بداياتها، فإن هذا البلد أصبح اليوم يستخدم المهارات التي اكتسبها في هذا المجال كجزء من أدوات الدبلوماسية الاقتصادية التي يسعى إلى تعزيزها في القارة الإفريقية بشكل خاص. ويعزى ثراء التجربة المغربية هذه رغم أنها لاتزال فتية إلى عدة عوامل من أهمها قناعة القطاعين العام والخاص بأن التأمين الزراعي المتصل بالكوارث الطبيعية ضرورة تفرض نفسها يوما بعد آخر بسبب التغير المناخي وانعكاساته على القطاع الزراعي ومنظومة الأمن الغذائي.وقد استفادت المملكة المغربية كثيرا من تجربة إسبانيا في مجال التأمين الزراعي ومن بعض التوجهات التي أدرجتها في إطار تطوير القطاع الزراعي على نحو يأخذ في الحسبان مبدأ استخدام الثروات الطبيعية استخداما رشيدا في الإنتاج الزراعي. كما استفادت من التعاون الذي أقامته مع البنك الدولي في ما يخص سبل مواجهة الكوارث الطبيعية بشكل أفضل.أما التجربة الإسبانية التي استلهمت منها المملكة الغربية تجربتها الفتية في ما يخص التأمين الزراعي فإنها تقوم أساسا على بعض القواعد المبتكرة التي غيرت رأسا على عقب الصورة المحمولة عادة في كل مكان عن العلاقة القائمة بين الشركات التي تقيم مع مؤسسات أو أفراد عقود تأمين والتي لا يرتاح فيها كلا الطرفين إلى الطرف الآخر. فكثيرا ما يشكو الطرف المؤمَّن من الشروط المجحفة التي يفرضها عليه الطرف المؤمن لتعويضه عن الأضرار التي تصيبه والتي يقوم بشأنها عقد التأمين. وكثيرا ما ترى شركات التأمين في تصرفات المؤمن شكلا من أشكال الابتزاز. ولكن الطرف المؤمِّن في التجربة الإسبانية الزراعية يتحول إلى مرشد زراعي ومناخي في الوقت ذاته. فهو يذهب مثلا إلى حد تقديم استشارات مجانية إلى الطرف المؤمن تتعلق بتجنب غرس الأشجار المثمرة في الممرات التي يستهدفها البرَد في مزرعته ونعته إلى أفضل أصناف الشعير أو القمح التي يكون محصولها أوفر أو أنواع السلالات الحيوانية القادرة على العطاء أكثر وتحمل الظروف المناخية القاسية.وأما البنك الدولي فإنه يقيم شراكة في هذا الشأن مع المملكة الغربية يتم التركيز فيها على تدريب الثروات البشرية على التهيؤ للكوارث الطبيعية ومواجهتها والتكيف معها بشكل أفضل من خلال إطلاق مركز مختص في هذا الميدان يتخذ من الدار البيضاء مقرا له.وقد سمحت هذه التجربة للمملكة المغربية بإطلاق عدة شراكات بين المغرب وبلدان إفريقية أخرى لتوسيع دائرة المستفيدين من التأمين على المخاطر التي تهدد القطاع الزراعي.
تُعدُّ ثمار المحار من أهم ثمار البحر التي يقبل عليها المحتفلون بعيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة في البلدان المطلة على البحار والمحيطات. بل إن تربية المحار تطورت كثيرا في العقود الأخيرة في هذه البلدان على نحو جعل مزارعَها تصدر منتجاتها إلى بلدان لا تحيط بها بحار ومحيطات. وإذا كان رواج صناعة اللؤلؤ يُعزى أساسا إلى تطور قطاع تربية المحار لهذا الغرض، فإن شركات ناشئة في عدة بلدان غربية منها فرنسا أصبحت تتخذ من منتجات أخرى مستمدة من أصداف المحار نشاطا اقتصاديا ما انفك يتعزز. ومن الشركات الفرنسية الناشئة المهتمة بهذا النشاط واحدة أطلقت في عام 2017 في مدينة تولوز الواقعة في جنوب البلاد الغربي. وولدت فكرة إطلاق هذه الشركة الناشئة لدى شاب زار أقرباءه في الريف الفرنسي القريب من المحيط الأطلسي فرأى حرص أحدهم على جمع أصداف المحار التي يُلقى بها في حاويات النفايات. وعندما سأل عن سبب جمع أصداف المحار، قال قريبه إنه يفعل ذلك حتى يفتتها ويقدمها كعلف إضافي مهم بالنسبة إلى الدواجن التي يربيها.وسعى الشاب إلى البحث في المعارف المتصلة بالمحار فتأكد أن الدواجن التي تتغذى جزئيا وبشكل منتظم على مسحوق أصداف المحار تجد فيه ما يسمى "الأملاح المعدنية النادرة" أي تلك يحتاج إليها الجسم بكميات قليلة ولكنها ضرورية بالنسبة إلى الصحة. عندئذ قرر هذا الشاب الفرنسي الدخول في شراكة بعض زملائه لإنتاج أعلاف تكميلية للدواجن انطلاقا من أصداف المحار.ومن التجارب الجديدة في هذا السياق والتي أطلقت مؤخرا في فرنسا، واحدة أطرافها ثلاثة هي مؤسسة ناشئة ومنظمة من منظمات المجتمع المدني ومختبر إحدى الجامعات الفرنسية. وتهدف هذه الشراكة إلى استخدام أصداف المحار لتصنيع أسمدة مخصبة يقتنيها أساسا أصحاب الحدائق والبساتين الصغيرة التي تقام في المدن وضواحيها والمتخصصة في ما يسمى "الزراعة الحضرية" أو "شبه الحضرية". ومن أهداف هذه الشراكة الأخرى صناعة خلطة جديدة من خلطات الملاط. ونُذَكر بأن عمليات الملاط التقليدية في مجال ورش البناء تتمثل في خلط الإسمنت بالماء والرمل لطلي الجدران أو وضع الخلطة بين حجرين أو آجرتين. وهذه الطريقة تسببت كثيرا في تعرية سواحل أو وديان أو أنهار من الرمال المتراكمة فيها على مر القرون. وأصبحت العملية تشكل خطرا على البيئة. أما الخلطة الجديدة التي يقترحها أطراف الشراكة الجديدة بين جمعية أهلية وشركة من الشركات الناشئة ومختبر تابع لإحدى الجامعات الفرنسية، فيُستبدل فيها الرمل بحبيبات صنعت من أصداف المحار وأثبتت فعلا جدواها في مجال ورش البناء.
إذا كان أهم حدث طبع عام 2020 هو تفشي وباء كورونا في مختلف مناطق العالم، فإن خبراء التنمية والبيئية يؤكدون أن الطريقة التي واصل من خلالها الإنسان الإساءة إلى الطبيعية خلال العام ذاته من خلال سلوكيات الإنتاج والاستهلاك لاسيما خلال فترات رفع الحجر الصحي المفروض هنا وهناك بسبب جائحة كورونا تثبت مرة أخرى أن الأنشطة البشرية مسؤولة بدرجة كبيرة عن تفاقم ظاهرة الاحترار المناخي مما ساهم في تفاقم أوضاع التنوع الحيوي النباتي والحيواني. وتجلى ذلك أيضا عبر ذوبان ثلوج المناطق الجبلية المتجمدة ولكن بوتيرة غير مسبوقة. وفي عام 2020 بلغ ارتفاع درجات الحرارة في كثير من المناطق مستويات غير مسبوقة وهو مثلا حال المنطقة المتوسطية حيث تضررت مزارع الزيتون.وإذا كانت الصين الشعبية قد أصبحت أول منتج للبروتينات المستخرجة من تربية الحشرات لإنتاج أعلاف حيوانية، فإن عام 2020 شهد بداية انخراط مناطق أخرى منها المنطقة المتوسطية ولو بشكل محتشم في هذه الطريق التي من شأنها المساعدة على التكيف مع التغير المناخي وعلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية لفائدة الأمن الغذائي.
مصطلح التربة الصقيعية في اللغة العربية يعرف بكلمة Pergélisol باللغة الفرنسية و Permafrost باللغة الإنجليزية. ويعني هذا المصطلح أتربة الأراضي المتجمدة في المنطقة القطبية الشمالية والتي تمتد في عمق الأرض انطلاقا من سطحها من بضعة مترات إلى كيلومترات. تغطي التربة الصقيعية تقريبا خمس أراضي الكرة الأرضية. وهي تشكل 90 في المائة من القشرة الأرضية التحتية في غرينلاند أكبر الجزر في العالم و80 في المائة في ما يتعلق بألاسكا ونصف القشرة الأرضية التحتية في كل من كندا وروسيا.وقد كشفت الدراسات العلمية أن تحت التربة الصقيعية في منطقة القطب الشمالي خطرين اثنين يتهددان كوكب الأرض والإنسان والحيوان أكثر فأكثر بسبب التغير المناخي وهما الفيروسات والبكتيريا والانبعاثات الحرارية المحبوسة.وقدّرت كميات هذه الانبعاثات المتأتية أساسا من الميثان بألف وست مائة مليار طن، أي ما يزيد عن كميات الانبعاثات التي أُفرزت انطلاقا من سطح كوكب الأرض خلال القرن العشرين.ويسعى عالم روسي يسمى سيرغي زينوف وابنه نيكيتا زينوف منذ عقود إلى إجراء أبحاث وتجارب لمحاولة الحد من ذوبان الجليد المتجمد في شمال سيبيريا الشرقي عبر تربية حيوانات في محمية طبيعية. وهما يأملان في أن يؤدي دوس أظلاف هذه الحيوانات بشكل منتظم على الثلوج المتساقطة إلى تشكل قشرة عازلة تحمي التربة الصقيعية من الحرارة وتسمح لها بمنع الانبعاثات الحرارية والفيروسات والبكتيريا من الخروج من باطن الأرض.وقد أصبحت روسيا تهتم بالفيروسات والبكتيريا التي هي في سبات عميق منذ فترة طويلة تحت التربة الصقيعية بعد أن لاحظت عودة أمراض إلى سيبيريا كان يُعتقد أنها ولت إلى غير رجعة.وهو مثلا حال مرض الجمرة الخبيثة أو أنثراكس والذي تتسبب فيه بكتيريا الجمرة الخبيثة. وقد أتى هذا المرض في صائفة 2019 على ألفين من حيوان الأيل في شبه جزيرة يامال الواقعة في غرب سيبيريا. كما أقرت السلطات الروسية بأن الفيروس أتى على طفل. ولكن المنظمات الأهلية الروسية التي تعنى بهذا الموضوع ترى أن البكتيريا قد أتت على أشخاص آخرين ترفض السلطات الروسية الاعتراف بما حصل لهم حتى تتجنب الانتقادات واللوم.ويقول الناشطون في هذه المنظمات إن روسيا تنفق سنويا مليارا وثلاث مائة ألف يورو لإصلاح الأضرار التي يتسبب فيها ذوبان الجليد المتجمد في سيبيريا في ما يخص البنى التحتية ولكنها لا تخصص أموالا كافية بهدف احتواء مخاطر الفيروسات والبكتيريا النائمة تحت كثبان الجليد المتجمد والتي بدأت تظهر بسبب ذوبان هذه الكثبان جراء التغير المناخي.ويُذكِّرون بأن هذه الفيروسات والبكتيريا موجودة داخل جثث حيوانات حبستها كتلة التربة الصقيعية منذ قرون ويؤدي ذوبان الجليد المتجمد إلى الكشف عن هذه الجثث وإطلاق الفيروسات والبكتيريا التي قد تكون فيها. وهذا ما حصل فعلا في السنوات الأخيرة في سيبيريا وأعاد إلى بكتيريا الجمرة الخبيثة، التي قُضي عليها منذ قرابة قرن، نشاطها وحيويتها.مجمل القول إن جزءا كبيرا من أراضي المنطقة القطبية الشمالية هو خزان لكميات كبيرة من الفيروسات والبكتيريا والانبعاثات الحرارية التي كان الإنسان يعتقد أنها ستظل مدفونة تحتها آلاف السنين أو اكثر. ولكن ظاهرة الاحترار المناخي التي ساهمت الأنشطة البشرية في تفاقهما من شأنها تسريع خروجها والتسبب في مشاكل صحية وبيئية من الصعب جدا احتواؤها.
من أهم المآخذ التي تأخذها منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بالبيئة والتنمية المستدامة على قمم المناخ العالمية منذ عقود أن كل صاحب قرار من القرارات السياسية في الأسرة الدولية من الذين يشاركون فيها يركز خلالها عن أمرين اثنين أولهما أن التحدي المناخي تحد كبير وأنه لابد من تضافر الجهود الدولية لمحاولة كسبه. أما الأمر الآخر الذي يصر عليه كل رئيس دولة أو رئيس حكومة يشارك في مثل هذه القمم فهو الإسهاب في الحديث عن انخراط هذه الدولة أو تلك في منظومة الاستدامة التي تقوم على تعزيز علاقة مترابطة بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في المسار التنموي. وبينما يؤكد الأمناء العامون الذين تعاقبوا على منظمة الأمم المتحدة خلال السنوات العشرين الأخيرة على أهمية التحرك الملموس عبر تعزيز سلوكيات الإنتاج والاستهلاك والسياسات الوطنية المتصلة بالتنمية المستدامة، لا يزال قادة العالم يسهبون في تكرار ملاحظة لا يختلف بشأنها خبراء المناخ الجادون ومفادها أن ظاهرة الاحترار المناخي تحتد سنة بعد أخرى وأن عواقبها وخيمية. ولا يزال هؤلاء القادة ينسبون إلى أنفسهم إجراءات ومبادرات تظل في غالبيتها نوايا حسنة ليس إلا. في هذا السياق تحدث عدد من قادة دول الاتحاد الأوروبي في قمة المناخ الافتراضية التي عقدت يوم الثاني عشر من شهر ديسمبر -كانون الثاني عام 2020 بمناسبة مرور خمس سنوات على التوقيع على اتفاق باريس حول المناخ عن القرارات التي اتخذوها لرفع سقف التزامات دولهم في ما يتعلق بالحد من الانبعاثات الحرارية. وكذا فعل الرئيس الصيني ورئيس وزراء الهند وغيرهم. ولكن هذه القرارات تظل في نهاية المطاف مجرد نوايا حسنة لأنها تتعلق بالمدى المتوسط ولأن المسؤولين الكبار في غالبية البلدان الصناعية وذات الاقتصادات الناشئة كالصين والهند والبلدان النامية يعلمون أن عملية رفع سقف الالتزامات على الورق ليست عملية صعبة على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة إلى رفع سقف المبادرات والإنجازات الفعلية التي تحققت في مجال الحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة وتوسيع دائرة الاعتماد على مصادر الطاقات الجديدة والمتجددة. وهناك اليوم شبه إجماع لدى منظمات المجتمع المدني بأن أهم ما طبع قمة المناخ الافتراضية التي عقدت يوم الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2020 هو ما قاله الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أن قرار عودة بلاده الفعلية إلى اتفاق باريس حول المناخ سيتم يوم العشرين من شهر يناير -كانون الثاني عام 2021 أي يوم استلام مهامه في البيت الأبيض خلفا لدونالد ترامب. ولكن بقدر ما ارتاحت منظمات المجتمع لهذا القرار، بقدر ما لدى الناشطين فيها قناعة بأن القمة الاستثنائية العالمية التي قال جو بايدن إنه سيدعو لعقدها خلال أيامه المائة في الحكم ستكون من جديد سوقا للنوايا الحسنة.
بدأت تجارب " المزارع العمودية " مع بداية القرن الحادي والعشرين وأصبح نطاق هذه التجارب يتسع قبل عشر سنوات خلت. وآخر هذه المزارع التي أطلقت خلال الشهر الأخير من عام 2020 تلك التي تقف وراءها مؤسسة دانماركية ناشئة تسمى " نورديك هارفيست". وقد أقيمت هذه المزرعة في أحد المستودعات المهجورة الواقعة قرب العاصمة كوبنهاجن. وتبلع مساحة المزرعة الجديدة سبعة آلاف متر مربع. صحيح أن مساحة هذه المزرعة شبه الحضرية الدانماركية الجديدة أقل من هكتار واحد وبالتالي فإنه ينظر إليها بحسب مفهوم الزراعة التقليدية باعتبارها مزرعة صغيرة.ومع ذلك فإن مطلقيها يدرجونها في دائرة المزارع العمودية الكبيرة في القارة الأوروبية لأن مساحتها الحقيقية تقاس بالمترات المكعبة لا بالمترات المربعة. ويتجلى ذلك في ما يخص هذه المزرعة العمودية الدانماركية من خلال طوابقها الأربعة عشر والتي يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار عن قاع المستودع الذي أقيمت فيه. وهي قابلة للارتفاع أكثر.ومن خاصياتها الأخرى أنها مجهزة بعشرين ألف فانوس من الفوانيس الخضراء أي التي تستهلك كميات قليلة من الطاقة. وإذا كانت الدانمارك تلبي حاجاتها من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة المولدة من الرياح بنسبة 40 في المائة، فإن المزرعة العمودية التي أطلقت في الشهر الأخير من عام 2020 في ضواحي كوبنهاجن تلبي حاجاتها من الطاقة الكهربائية المولدة من الرياح بنسبة مائة في المائة.وهذه المزرعة مجهزة أيضا بروبوتات تساعد العاملين فيها على القيام بعدة عمليات متصلة بالنشاط الزراعي في المزارع العمودية منها التهوية والسقي وغرس المزروعات التي تشمل نباتات عطرية وخضرا وعددا من الفواكه. وقد حرص مطلقو هذه المزرعة على أن تُجمع محاصيلها بمعدل خمس عشرة مرة على امتداد فصول السنة وبكميات تبلغ ألف طن كل عام.وما يرغب مطلقو المزارع العمودية في التأكيد عليه أيضا أن هذا النمط الزراعي الحديث الذي انتشر في السنوات الأخيرة بقوة في الأوساط الحضرية الآسيوية وفي الولايات المتحدة الأمريكية لديه فوائد كبيرة بالنسبة إلى سكان المدن الكبرى وضواحيها.فهو نمط يتم الاعتماد فيه على الموارد الطبيعية بشكل يقوم على الترشيد. ومنتجات هذا النمط الزراعي يحصل عليها المستهلك بسرعة وهي طازجة لأن نقلها من مثل هذه المزارع يتم على مسافات قصيرة جدا بينما تقطع منتجات أنماط زراعية أخرى مسافات طويلة تبلغ أحيانا آلاف الكيلومترات.أضف إلى كل ذلك أن تلبية جزء من حاجات سكان المدن الكبرى الغذائية عبر المزارع الأفقية والعمودية شبه الحضرية تساهم في الحد من تحويل كثير من المساحات المكسوة بالغابات في المناطق الريفية إلى مزارع.



