Discover
مدونة اليوم

مدونة اليوم
Author: مونت كارلو الدولية / MCD
Subscribed: 31Played: 2,600Subscribe
Share
© Monte Carlo Doualiya
Description
موضوعات اجتماعية - سياسية يناقشها صحفيون وكتاب ومدونون من وجهة نظر اجتماعية حديثة واضعين تحت منظار النقد الخطابات التقليدية وباحثين خصوصاً عن تفعيل الدور النسوي للمرأة في قضايا مجتمعها.
1739 Episodes
Reverse
مرت الآن سنتان منذ آخر خطاب ملكي بخصوص تعديل مدونة الأسرة. منذ سنتين، والنساء المغربيات تنتظرن إصلاحاً وعد به الجميع، ملكاً وحكومة ومؤسسات... لكن النقاش اختفى. مشروع تعديل القانون لا أحد يعرف أين وصل وأين توقف. النص لم يُعرض للنقاش في البرلمان ونحن الآن في آخر دورة تشريعية قبل الانتخابات، والواقع اليوم هو أن حقوق مئات النساء المغربيات تضيع في انتظار التعديل. في كل يوم، هناك نساء تُحرمن من حقهن في الحضانة أو في الإرث أو في الزواج المتكافئ أو في الولاية القانونية على أبنائهن. في كل يوم، هناك نساء تعانين من ثغرات قانونية يعرفها الجميع: تزويج القاصرات، مشاكل النسب وإثبات البنوة، الولاية القانونية على الأطفال، التعصيب، التعدد... ومع ذلك، أصبح الصمت سيد الموقف. هل نحتاج إلى التذكير بأن مدونة الأسرة الحالية وُضعت سنة 2004؟ أي منذ أكثر من عشرين سنة! مجتمعنا تغيّر، النساء تغيّرن، والعلاقات الأسرية تغيّرت. فهل من الطبيعي أن نستمر في التعامل مع حياتنا العائلية بنصوص لم تعد تواكب زمننا؟ المدونة ليست نصاً تقنياً فحسب، إنها مرآة لقيمنا ولموقع المرأة في مجتمعنا. تأجيل الإصلاح ليس حياداً، بل موقف في حد ذاته. لأنه يعني أن العدالة يمكن أن تنتظر، وأن حقوق النساء ليست أولوية. الإصلاح لا يجب أن يقتصر على تعديلات طفيفة. المطلوب هو شجاعة تشريعية تُعيد الاعتبار للنساء كمواطنات كاملات الحقوق. لأن وراء كل مادة قانونية، هناك وجوه وأسماء وأطفال وأمهات يدفعون الثمن يومياً. لقد آن الأوان أن ننتقل من الوعود إلى الفعل، من لجان المراجعة إلى القرارات، من النقاشات المغلقة إلى مشروع قانون واضح يخرج للنور. حقوق النساء لا تُؤجل، وعدالتهن لا تنتظر موسماً سياسياً مناسباً. لقد طال الصمت... وطال الانتظار.
هذه جملة في مطلع أغنية كن صديقي للفنانة ماجدة الرومي من تأليف الشاعرة الكويتية سعاد الصباح. هذه الأغنية كانت ولم تزل على ما أعتقد من الأغاني التي قدمت حالة مختلفة تماما في صوت ثائر وراق يطلب علاقة صداقة صافية مع الرجل بعيدا عن السياق الثقافي العربي المتعارف عليه في علاقة الحب والهجران والنسيان والالم والسعادة المرتبط برؤية الحبيب أو لمس يديه! ثم تتابع ماجدة بصوتها الجميل.. إن كل امرأة تحتاج ... تحتاج ... الى كف صديق... هذا التعميم لم يعجب البعض، ولكن نكمل بعدها ... تناجيه وتناديه مرات قائلة: كن صديقي ... كن صديقي لماذا تريد المرأة الرجل صديقا؟ هل تستطيع وهل يستطيع هو؟ المفارقة المدهشة لم أسمع بأغنية أو قصيدة على لسان رجل يطلب من امرأة أن تكون صديقته في دراسة أجريت في جامعة وسكونسن تم نشرها عام 2012 بمجلة علم النفس التطوري تبين استحالة هذه الفكرة! أجريت الدراسة على ثمانية وثمانين من الرجال والنساء كانوا علا قة يدعون فيها أنهم أصدقاء ولم يصرح أحد الأطراف بمشاعره للآخر! بعد فصل الأزواج وسؤال كل طرف على حدا وتم استجوابهم عدة أسئلة متعلقة بحقيقة مشاعرهم تجاه الطرف الاخر وهل هناك أي نوع من مشاعر الانجذاب ام لا، أتت النتائج لتشير الى اختلافات كبيرة بين الجنسين. كان الرجال أكثر انجذابًا الي صديقاتهم من الإناث، بعكس الإناث الاتي ادلو بان طبيعة العلاقة افلاطونية لا يتخللها أي مشاعر عاطفية اطلاقاً. الامر الثاني والأكثر غرابه هو ان الرجال لديهم اعتقاد راسخ بأن صديقاتهم يبادلوهم نفس مشاعر الاعجاب. وايضًا عند سؤال الإناث عن إذا ما كان شركاؤهم من الشباب يمكن ان يكونوا معجبين بهن ام لا، قد أكدن بإن هذا غير وارد وان العلاقة بالكامل افلاطونية. فريق البحث الذي أجرى الدراسة فسر هذا؛ بانه لم يكن لتقديرات الرجال لمدى جاذبيتهم تجاه صديقاتهم من الإناث علاقة تقريبًا بما شعرت به هؤلاء النساء بالفعل. وأن كل شيء تقريبًا يتعلق بما يشعر به الرجال أنفسهم في الأساس. حيث افترض الذكور أن أي انجذاب رومانسي يشعرون به كان متبادلاً. في الحديث مع بعض الصديقات كان رأيهن مقارباً جداً لرأي الاناث في الدراسة ما رأي الرجال المستمعين والقارئين؟
بوست بسيط على الفيسبوك بيتكلم عن موقف المفروض إنه يثير مشاعر التعاطف ويخلي عينيك ترغرغ بالدموع من كتر ما هو بيزغزغ فيك كل جميل، لكن في الحقيقة فالبوست ده تحديدا خبط عندي في دمل، حابة أتكلم عنه يمكن تكون حاجة تلفت نظر حد بيربي أولاده حاليا على مشكلة ممكن يخلقها عندهم وبينهم وهو كان في الأصل بيقصد خير. البوست كان بيتكلم عن بنتين توأم طالبات في إحدى الكليات الفنية، لكن فيه واحدة فيهم أشطر وأسرع من التانية، فالبنت الشاطرة بتستنى أختها على ما تخلص وتأخر نفسها عن تسليم شغلها وكمان بتساعدها بنصايح وإرشادات عشان يبقى شغلهم قريب لبعض، وكانت صاحبة البوست بتشكر في تربية أمهم ليهم. والحقيقة إن ده فكرني بطفولتي، لإني كنت طفلة متفوقة دراسيا وأخويا ما كانش في نفس المستوى، وعلى الرغم من تفوقه في المجال الرياضي واللي حقق فيه بطولات وإنجازات، لكن أمي ما كانتش بتقيس التفوق غير بالدراسة والمدرسة، وبناءا عليه فكان لخوفها على إحساسه ومراعاة ليه كانت دايما بتوجهني لإني ما احتفلش بأي تفوق أو إنجاز وإني دايما أتكلم بصوت واطي لما أحب أقولها إني نجحت في شيء. وده انسحب على كل أوجه حياتي ، وشيء استمر معايا حتى يومنا هذا، وخلاني أخجل من أي تفوق أو نجاح، وأفسد عليا تماما فرحي بأي إنجاز أحققه. والحقيقة إن دي مش حكايتي أنا بس، كل عيلة كده، دايمًا فيه واحد "اللمّاح"، اللي بيحلّها قبل ما تتقال، واللي المدرسين بيحبوه، والجيران بيستعينوا بيه في ضبط الراوتر لما النت يفصل. وفيه كمان أخوه اللي لأسباب خاصة بقدراته أو رغبته في عدم بذل مجهود، ما بيكونش في بؤرة الأضواء. ولما الأم تحديدا بتاخد بالها من كده، بتشجع الضعيف، لكنها كمان أحيانا بتحسس القوي إن قوته دي شيء لازم يخجل منه أو يخبيه قصاد أخوه.. تبدأ الحكاية بدافع نبيل: "ما ينفعش أخوك يزعل"، "بلاش تحرجه قدام بابا". فمع الوقت بيبقى أول ضحية من ضحايا الذنب العاطفي العائلي، وبيتعلم من صغره يبطل يلمع، وإن هو ده بس اللي هيخليه لأخوه السند.. كأنهم بيقولوا له: "خليك أصغر من نفسك شوية علشان تفضل محبوب“”وطي سقف نجاحاتك عشان نفضل عايشين في تجانس تحت سقف واحد“ والطفل، اللي المفروض يكبر بثقة في نفسه وأفعاله، بيكبر وهو معتقد إن أي تفوق محتاج إذن مسبق من الآخرين. علم النفس بيقولك إن الطفل اللي بيتصرف كده، بيكون غالبًا،أكثر حساسية من إنه يتحمّل إن حدّ يكرهه. فيييجي على نفسه علشان حب أمه ليه (أو أيا كان اللي بينصحه) ما ينقصش، فيتحول النجاح نفسه لحِمل تقيل. أما الأخ التاني، فغالبا بيطلع معتقد إن الدنيا كلها لازم تراعيه، وإن ذكاء أخوه أو نجاحه سلوك عدواني موجه ضده. طب والعلاج؟ يا للأسف مش سهل، عقد وجراح الطفولة مش بتتحل بسهولة، لكن يمكن الطفل الأول في الحالة دي بيحتاج "إعادة تعريف“إن التواضع مش إنك تقلّل من نفسك. والتعاطف مش إنك تمحيها. وإن اللي بتحبه فعلاً، ما بيستفيدش من إنك تصغر نفسك علشانه. بيستفيد أكتر لما يشوفك بتكبر قدامه، فيتعلم يشب لحد ما يطول هو كمان. وساعتها إنت وهو هتبقوا أكبر وعلاقتكم ببعض هتبقى أقوى وتبقوا فعلا في الوقت ده لبعضكم سند..
قرأت دراسة أثارت اهتمامي جدا عن عالمة نفس أمريكية اسمها إليزابيث لوفتوس، وهي من أشهر الباحثين في مجال “الذكريات الكاذبة ” (False Memories)، حيث أثبتت أن الذاكرة قابلة للتلاعب وزرع أحداث فيها يصدّقها عقل الإنسان وكأنها حدثت فعلا! إحدى التجارب التي قامت بها إليزابيث في دراستها هي تجربة “الطفل الضائع في المتجر” (Lost in the Mall). أخبرت المشاركين في الدراسة أن أحد أقاربهم قال إنهم ضاعوا في مول عندما كانوا صغارا. مع الوقت، حوالي 25% من المشاركين تذكّروا تفاصيل كاملة عن الحادثة (من ساعدهم، ماذا لبسوا، كيف بكوا…) رغم أنها لم تحدث إطلاقًا! أي أنها زرعت الفكرة في ذاكرتهم، فصدّقوها وتعاملوا معها كواقع وبدأ عقلهم يتخيّل سيناريوهات لم تحدث لإثبات حدوثها. هذا الموضوع جعلني أفكّر كثيراً، يا ترى ما هي الأشياء التي زُرعت في دماغنا من خلال الإعلام، وأصبحنا نتعامل معها كحقيقة، وربما أيضا أدمغتنا اخترعت تفاصيل لم تحدث.. هل هذا ممكن؟ يقول علم الأعصاب إنّ الدماغ لا يفرّق بين التذكّر والعيش. أي عندما نسترجع ذكرى تنشط نفس المناطق العصبية التي كانت فعّالة وقت الحدث الحقيقيّ (خاصّة الحُصين والقشرة الجبهية). أي أن العقل يعيش الحدث من جديد في كل مرّة نتذكّره، بما فيه من مشاعر وتأثير جسديّ (ضربات القلب، توتّر، دموع…). لهذا السبب، فإن تغيير تفاصيل الذاكرة، مثل من كان المذنب أو كيف انتهى الموقف، يمكن أن يغيّر فعليًّا استجابتنا العاطفيّة للحياة اليوم. هذا جعلني أفكّر، هل من الممكن أن نغيّر أحداث واقعنا الحالي بتغيير ماضينا؟ علم النفس يقول أنّ الذاكرة تصنع الهويّة، أي أن الذاكرة هي القصة التي نحكيها عن أنفسنا، ومن نحن، وعندما تتغيّر القصة تتغيّر الذات. هذه الفكرة تُستخدم في العلاج النفسيّ، خصوصًا في العلاج السردي (Narrative Therapy)، حيث يُشجَّع المريض على “إعادة كتابة” ماضيه بطريقة تعطيه معنى وقدرة على الاستمرار، وعندما يغيّر ماضيه يتغيّر حاضره لأنّ قناعاته عن نفسه وتوقُعاته عن الحياة وعن نفسه تغيّرت، أليس ذلك مذهلاً؟! في كثير من الأحيان أشعر بأن عقلنا يشبه الآلة الإلكترونية، عندما نغيّر ونمسح ما في ذاكرة الكمبيوتر أو الهاتف يتغيّر الكثير أليس كذلك؟ فلنذهب لذاكرتنا ونستكشف ماذا يمكننا أن نغيّر ليصبح واقعنا أفضل؟ واقع بنظرة جديدة عن ذاتنا وتوقّعاتنا.
ما يخيفني في الموت ليس موتي. موتي أنا، حين أتصوره، يبدو فكرة نظرية. حقيقة مؤجلة. صدفة لا موعداً. لكن حين أفكر في موت من أحب، يتحول إلى نصل. إلى واقعة دامغة تنغرز في لحمي الحي. الموت ليس وحشاً نخافه من أجل أنفسنا، بل هو ذلك الفراغ الذي يتركه في قلوبنا وحياتنا حين يرحل من نحبهم. نحن لا نرتعب من فكرة فنائنا الشخصي بقدر ما نرتعب من خسارة أولئك الذين يشكّلون نسيج حياتنا. أعرف أني، مثل الجميع، سأموت. وهذه ليست بمشكلة. فكرة أن العالم سيستمر من بعدي لا تعنيني، بقدر ما تهزّني فكرة أنني سأضطر يوماً إلى الاستمرار في عالمٍ لا يضمّ وجوه من أحبّ، أصواتهم، تفاصيلهم الصغيرة التي تصنع معنى نهاري وليلي. الخوف ليس من النهاية، بل من الفراغ الذي تتركه نهايات الآخرين فينا. حين يموت من نحب، يتغيّر الهواء. تتغيّر اللغة. يصبح كل شيء ناقصاً، وكأن الحياة نفسها أصيبت بعطبٍ في جوهرها. سوف نستيقظ كل صباح على غيابهم، وندّعي بأننا نعيش، لكن الحقيقة أننا فقط نجرّ أيامنا خلفنا، كما يجرّ السجين سلاسله. سنحمل موتهم فينا كجرحٍ لا يندمل، كندبةٍ تُذكّرنا بأن الحبّ لا ينجو من الفقدان. أحياناً بل غالباً أفكر أن الموت الحقيقي لا يقع حين يتوقف القلب، بل حين يرحل الذين نحبّ، لأنهم كانوا القلب ذاته. نحيا، نعم، لكن أرواحنا تظل عالقة هناك، معهم، عند آخر لحظة جمعتنا بهم، عند آخر كلمة لم نقلها لهم أو لم نسمعها منهم، عند آخر نظرة لم نفهمها في وقتها. لأجل ذلك فإن الموت ليس عدواً بقدر ما هو لص من لصوص الذاكرة. يسرق منّا الدفء، ويترك لنا الصدى؛ صدى لا نعرف هل يواسي أم يؤلم. كل موتٍ نشهده هو موتٌ جزئيّ لنا. نخسر شيئاً لا يُعوَّض، ونستمر رغم ذلك، لأن الاستمرار نفسه يصبح شكلًا آخر من أشكال الحب، وشكلًا آخر من أشكال الوفاء. ربما لهذا السبب لا نتعافى أبداً من غيابهم، لأننا لا نريد. ولكن يبقى السؤال: كيف نستمرّ في حبّ من رحلوا من خلال الذكريات؟ كيف نعيد صياغة وجودهم في حياتنا، بحيث يصبحون جزءاً لا ينفصل عنّا حتى بعد رحيلهم؟ الموت، في نهاية المطاف، ليس نهاية الحب، بل امتحان لقدرته على البقاء فينا.
أهلا بكم وبكن.. استلهمت فكرة هذه المدونة من منشور للمخرجة والناشطة النسوية المغربية خولة أسباب بنعمر، تساءلت فيه عن معنى وجود النساء في السياسة اليوم وعن غياب الوزيرات من التفاعل الإعلامي مع الاحتجاجات. سؤال مهم جدا، لأن الواقع يدفعنا للتفكير: هل وجود النساء في الفعل السياسي هو حضور حقيقي أم مجرد ديكور للتأثيث؟ هل هذا الغياب هو اختيار شخصي لهن أم موقف حكومي وربما حزبي؟ هل هو إقصاء متعمَّد للنساء أم هو احتياط شخصي لهن أمام زوبعة الاحتجاجات؟ نعم، هناك نساء في البرلمان، في الجماعات المحلية، وفي الحكومة. لكن، كم منهن يحملن صوتا مؤثرا بالفعل؟ كم منهن يتخذن القرار، ويمارسن السلطة السياسية بمعناها الحقيقي، لا كاسم في لائحة، أو وجه في صورة جماعية؟ يبدو أن حضور النساء صار مهما... لكن، فقط كديكور لتلميع صورة المؤسسات. حضور أنيق، لكن بلا صوت. المفارقة أن النساء، وبالأخص الشابات، حاضرات بقوة في الفعل المجتمعي الحقيقي: في الشارع، في الاحتجاجات، في الجمعيات، في الدفاع عن قضايا الناس، في الحركية الحقوقية، في المبادرات الثقافية والفنية. لكن، حين ننتقل إلى فضاءات القرار الرسمي، إلى الحكومة مثلاً، تختفي الوجوه الشابة، وتغيب الحيوية التي نراها في الشارع. الوزيرات موجودات، نعم. لكن حضورهن باهت، مقيّد، أو محكوم بخطوط حمراء سياسية وحزبية أو ربما شخصية. أين صوت الشابات اللواتي يملأن الساحات دفاعاً عن الحرية والمساواة؟ لماذا لا نجد تلك الطاقات داخل المؤسسات؟ ولماذا لم تخرج وزيرات الحكومة الحالية للتفاعل كما خرج زملاؤهن؟ هل المشكل في النظام السياسي نفسه الذي لا يتيح لهن المساحة؟ أم في الأحزاب التي تكتفي بالتزيين بدل التمكين؟ أم في النساء الفاعلات أنفسهن؟ نحتاج اليوم إلى نساء في السياسة لا يضفن فقط لوناً جميلاً للصورة، بل يضفن موقفاً، رؤية، وشجاعة. نحتاج لنساء لا يمثلن ما يسمى عبثا بـ "الجنس اللطيف"، بل كفاعلات سياسيات حقيقيات، بصوت وتأثير وبصمة. وشكرا خولة أسباب بنعمر، لأنك فتحت مجددا هذا النقاش.
يقول الكاتب والشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي في كتابه " رأيت رام الله": ابدأ حكايتك من " ثانياً" تصبح سهام الهنود الحمر هي المجرمة الأصلية، وبنادق البيض هي الضحية الكاملة! يكفي أن تبدأ حكايتك من " ثانياً" حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشي. يكفي أن تبدأ حكايتك من " ثانياً" حتى يصبح غاندي هو المسؤول عن مآسي البريطانيين. يكفي أن تبدأ حكايتك من " ثانياً" حتى يصبح الفيتنامي المحروق هو الذي أساء إلى إنسانية النابالم. وتصبح أغاني "فكتور هارا" هي العار وليس رصاص بينوشيه الذي حصد الآلاف في استاد سنتياجو. يكفي أن تبدأ حكايتك من " ثانياً" حتى تصبح ستي أم عطا هي المجرمة وآرييل شارون هو ضحيتها. وبمناسبة السنة الثانية لما يحصل في غزة وليس مسموحاً أن يسمى إبادة فثانياً إن مئات الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل بإصرار وترصد غصباً عنها كانوا مسلحين بحناجر وكلمات وكاميرات فتاكة تهدد روايتها وتنقل ما يحصل في غزة على لسان أهلها. كما هو ثانيا ...أن كل الكوادر الطبية وعمال الإنقاذ الذين أعدمهم الجيش الإسرائيلي كانوا ينقذون حيوات الأطفال والناس في غزة وهذا بالتأكيد أمر مزعج لمن يعملون جهدهم على قنصهم ويحاولون إنهاء كل حياة فيها! أيضا ثانياً...هند رجب ذات الخمسة أعوام لو أنها نجت لشكلت خطورة كبيرة على حياة الجنود الإسرائيليين الذين كانوا في الدبابة... لذا كان لابد لهم أن يطلقوا 355 رصاصة لتخترق جسمها فيتأكدوا من موتها وكل من كان معها من عائلتها. ثانياً إن قصف المشافي وهدمها وإخراجها عن الخدمة هو أمر حتمي للتخلص من المقاتلين كما هو متعارف عليه في كل القوانين.. كما ثانياً والاهم أن منع دخول الطعام والشراب والأدوية كان مطلب أهل غزة ليتهموا إسرائيل بتجويعهم. بالمناسبة: العبرة بالخواتيم
من الأشياء الجميلة التي أحضرها كل شهر هي جلسات نادي الكتاب العربي في السويد. هذا النادي الذي يجمع عددًا من العرب الراقيين الرائعين من محبّي قراءة الكتب سواء العربية أو المترجمة إلى العربية. وبعد قراءتنا لكتاب "سيكولوجية الجماهير" للكاتب الفرنسي "غوستاف لوبون" بدأنا نسأل بعضنا البعض سيلًا من الاسئلة. وكان أهمها: إلى أي درجة خلال عشر السنوات الماضية تأثّرت عواطفنا بالفكر الجماعي، ويا ترى من الذي استغلّنا لأهدافه الخاصّة؟ بعد قراءتي لكتاب "سيكولوجية الجماهير" الذي سمعت عنه كثيرًا في الماضي ندمت ندمًا شديدًا؛ ندمت أنني لم اقرأه قبل عام 2011 وانتهى بي الحال أن يحركني الجمهور والجماعات التي لها أهداف ليست أهدافي، وأنا أظنّ أنني في الطريق الصحيح منحرفة بمشاعري، وبدون وعي بمصيري. هذا الكتاب كُتب في عام 1895 أي قبل 130 سنة، تخيّل معي أنني اقرأه اليوم وأجد أنه ينطبّق حرفيًّا علينا كجماهير غير واعية. كتب هذا الكتاب "غوستاف لوبون Gustave Le Bon"، وهو عالم اجتماع وطبيب نفس فرنسي عاش في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (1841–1931). اشتُهر بكتبه عن علم نفس الجماهير، وتأثيرها في السياسة والمجتمع، وكان من أوائل من درسوا سلوك الحشود، وكيف يفكّر الناس ويتصرفون عندما يكونون ضمن مجموعة. لماذا هذا الكتاب مهمّ؟ لأنه قبل كتابة هذا الكتاب كانوا يعتقدون أنّ الجموع تتصرّف بعقلانية، ولكنّه كشف لهم كيف يفقد الفرد شخصيته المستقلة حين يكون ضمن مجموعة، ويصبح أكثر تأثّرًا بالعواطف والعدوى النفسية، وأقلّ تفكيرًا بالعقل والمنطق. فمثلاً ما نراه اليوم عندما ينخرط شخص عاقل مع الجمهور مشاركًا في عنف جماعي أو شتائم على الإنترنت لأنه تأثّر بهم، وتتغيّر شخصيته تمامًا من شخص مسالم إلى شخص عنيف وعدوانيّ. حدثت كثيرًا لي ولك ولغيرنا، أليس كذلك؟ لذلك هذا الكتاب مهمّ لأنّه يجعلك تفهم ما يحدث حولك، لأنّه يحرّرك من فكر الجمهور. لأنك لو رأيت الجموع في حالة هيستريا وطغى فيها العنف ستتذكّر ما قرأته وتراجع نفسك قبل أن تصبح مجرّد واحد من القطيع..
نحن نهرب. دائماً نهرب. لا بل نحن خبراء في الهروب. نهرب من الآخرين، من وجوههم التي تُرهقنا، من أصواتهم التي تُذكّرنا بما لا نريد. نهرب من الأماكن التي تختزن في جدرانها رائحة خيباتنا، من الشوارع التي تعرف تفاصيل عجزنا أكثر مما نعرفه نحن. نهرب من المواقف، من اللحظات الحرجة التي تعرّينا، فنختار الصمت بدل المواجهة، والاختفاء بدل الكلام. نعم، نهرب. ونُقنع أنفسنا بأن ذلك شجاعة. لكن، ماذا عن الهروب المستحيل؟ ماذا عن الهروب من أنفسنا؟ من يخلّصنا من هذا الكائن الذي يسكن صدورنا ويلاحقنا في كل مكان؟ من يوقف سيل الأفكار الذي لا يرحم، يتدفق كجنازة في منتصف الليل، يحمل في نعشه ذكريات قديمة، وجروحًا لم تندمل؟ من يضع سدادة في آذاننا كي لا نسمع ضجيج الهواجس، تلك الهمسات السوداء التي تقول لنا كل ما لا نريد أن نصغي إليه؟ نحن السجناء، والسجّانون نحن. الزنزانة داخل الرأس، والمفتاح في يدنا. لكننا نضيّعه عمدًا، ونبقى ندور، ندور، كأرانب مذعورة في قفص معدني. الهروب من الآخر ممكن: نغيّر رقم الهاتف، نغلق الأبواب، نختفي. الهروب من المكان ممكن: حقيبة، جواز سفر، وتذكرة ذهاب بلا عودة. الهروب من الموقف ممكن: ابتسامة باردة، أو انسحاب أنيق. لكن الهروب من الذات؟ من المرآة الداخلية التي تتبعنا؟ من ليلنا الذي يعرّي كل شيء؟ من أحلامنا التي تُكمل ما لم يجرؤ النهار على قوله؟ هنا المعركة الحقيقية. كم مرة تمنّيتُ أن أخلع رأسي كما يُخلع معطف، أن أضعه في زاوية وأنام بلا أفكار، بلا صور، بلا ماض، بلا مخاوف! كم مرة تمنيتُ لو أن ذاكرتي غابة محترقة، لو أن رأسي يفرغ من هذه المحاكمات المتواصلة، من هذا الراديو الذي لا ينطفئ! لكنني أعرف أن الراديو لا يتوقف. الأفكار لا تسكت. الأصوات لا تموت. ما يحدث فقط أننا نتعلم كيف نغيّر الموجة. أن نجعل الضوضاء موسيقى، أن نُحوّل الرعب إلى قصيدة، أن نستبدل الخوف بالكتابة، أو بالصراخ، أو بالرقص، أو حتى بالجنون. الهروب ليس حلا. الحل هو المواجهة. الحل أن ندخل إلى قلب الزنزانة ونكسر المرآة. أن نضع أيدينا على جراحنا بدل أن نخفيها. أن نصغي إلى الضجيج. أن نعترف: نعم، نحن خائفون. نعم، نحن مجروحون. نعم، نحن هشّون. لكننا، رغم ذلك، سنواصل التنفس. سنواصل العيش. النجاة لا تكون إلا هكذا. لا خلاص إلا من خلال مواجهة الوحش وترويضه، حتى يتحوّل إلى كائن أليف. لا سلام، لا طمأنينة إلا بعد المرور في قلب العاصفة.
في كل مرة بيقرر فيها مشهور أو مشهورة أو مؤثر أو مؤثرة مشاركة الجماهير العريضة مناسبة خاصة بيه، على أساس المشاركة دي تساهم في شهرة أكتر أو مشاهدات أكتر أو حتى عقود رعاية من شركات أكتر وأكبر، غالبا بينقلب السحر على الساحر، وبتتحول المناسبة اللي المفروض تكون مليانة بسعادة وإيجابية إلى ساحة نقاش وجدال وانتقاد وأحيانا كمان إهانات. ووقتها بيكون جوايا شعورين مختلفين: شعور بيقول يا جماعة وليه نقول رأينا أصال في مناسبة المفروض ما تخصش غير أصحابها؟ لكن يرجع شعور تاني جوايا يعلي صوته ويقول: ما هم الأشخاص أصحاب المناسبة هم اللي تسببوا بكده لنفسهم، لما خرجوا بالخاص للعام، وحطوا مناسباتهم السعيدة وحياتهم اللي المفروض تكون شخصية في ساحة محكمة الجمهور، فقصاد الشير والاليك وعقود الرعاية ياخدوا بأه شوية جدل وخناقات وامتعاضات، طالما كله بيزود الريتش، والشيء لزوم الشيء. والحقيقة إن عمر ما شعور جوايا قدر ينتصر بالضربة القاضية على الشعور التاني. كل رأي له وجاهته ومافيش أمور بتتحسم بسهولة. ويمكن ده يكون جزء من العالم الملخبط اللي احنا عايشين فيه. الحاجات اللي أحكامنا عليها كانت بديهية من قبل زي : مافيش حد يتريق على عروسة يا جماعة ليلة فرحها. ما تحشروش مناخيركم يا جماعة في شئون واحد وواحدة لسه هيبتدوا حياتهم مع بعض وتقولوا شكله مش مبسوط، أل شكلها متضايقة، أل أراهنك انهم مش هيكملوا مع بعض. لكن الحال إيه لما تكون العروسة نفسها هي اللي بتسعى إلنها تبقى مثيرة للجدل؟ وهي وعريسها بذات نفسهم اللي بيدعوا الناس عشان ينحشروا في شئونهم بدعوى انهم شخصيات عامة وبالتالي فمرحبا بمناخير الجميع. شوفنا ده بوضوح في حفل زفاف األسبوع الماضي احتلت الفيديوهات القصيرة اللي متاخده منه صفحات السوشيال ميديا كلها. لكن مش عن طريق التلصص، وال مشاركة المعزومين، بل إن فيه شركة سوشيال ميديا مختصة بتسويق الفرح، ونشر الفيديوهات والستوريز والرييلز. وغالبا الشركة دي كانت سبونسر للفرح. كذلك مصممة تورتة الفرح اللي اتعملت بشكل استفزازي من دبابيس وصدور الفراخ، عشان تكون تريند على صفحات الجميع. ومصممة الفستان والميكاب أرتيست. وكل من ساهم بأي شيء في الفرح كانوا كلهم أعضاء في صفقة تجارية واضحة، هدفها نشر الفيديوهات، واستفزاز المشاهدات، فجني األرباح في النهاية للجميع. طيب في هذه الحالة، هل الواحد يتمسك بقراره؟ إن دي مناسبة خاصة تخص أصحابها وبالتالي اللالنتقادات والجدل والمناقشات؟ واال هذا الزفاف المذاع على الهواء بقى كإنه فيلم سينما معروض على الشاشات وبالتالي فالنقد متاح للجميع؟ أسئلة من أسئلة األلفية التالتة اللي بتخلينا محتارين في اإلجابة، وتخلينا نحن ألفراح كان آخرها تتصور فيديو والشريط يلف على الأقارب، واللي وقتها كان شيء ينتقد برضه ويعتبر لفة شريط الفيديو دي انفتاح أكتر من الالزم من الناس على حياة العروسين. لكن هنعمل إيه؟ آدي العالم اللي احنا عايشين فيه.
موقف نعيشه جميعا، بأشكال مختلفة: حين نلتقي بشخص لا نعرفه، غالبا ما يقدم نفسه ونقدم أنسفنا بمهنتنا: أنا فلان، طبيب، أنا محامية، أنا أستاذ، أنا نادل في مطعم، أنا محاسبة... كأنّ المهنة صارت بطاقة التعريف الوحيدة التي تقدمنا للآخرين. لكن، هل نحن فعلاً مجرد مهن؟ هل تُختزل إنسانيتنا ومسارنا في وظيفة أو منصب؟ المثير للانتباه أنّنا نادراً ما نعرّف أنفسنا بما نحب، بما يمنح لحياتنا معنى. قلّما نسمع أحدنا يقول، عند أول تعارف: "أنا أعشق الموسيقى"، أو "أنا أحب القراءة"، أو "أعشق رياضة الجري". لماذا صار تعريف الذات وتعريف الآخرين يمرّ عبر مِهنهم، حتى في الفضاءات الخاصة؟ أقدم لك صديقتي فلانة، وهي مهندسة. أقدم لك صديقي فلان، وهو مدير مالي في شركة ضخمة. أنا هي أنا. بنفس ملامح الوجه ونفس الروح ونفس القيم ونفس السلوكيات. لكني شبه متأكدة أن ردة فعل من أقابلهم لأول مرة ستتغير إذا ما قدمت نفسي كطبيبة أو عاملة نظافة أو أستاذة جامعية أو نادلة في مقهى. صحيح أنّ المهنة تحتلّ مكانة أساسية في حياتنا. هي مصدر رزق، وأحياناً مصدر فخر واعتزاز وتتويج لمسار من الاجتهاد. لكن، حين تتحول إلى مرآة وحيدة تعكس من نحن، فهذا يُفترَض أن يجعلنا نتساءل عن صورتنا أمام أنفسنا وأيضا كيف ننظر للآخرين. المسألة أعمق من مجرد تعريف بالنفس. إنها تعكس نظرة اجتماعية تجعل قيمتنا مرتبطة بشكل شبه حصري بما ننتج اقتصادياً، لا بما نعيشه إنسانياً. المجتمع لا يسأل عمّا يفرحنا، بل عمّا نشتغل به وبشكل غير مباشر، عن مكانتنا المادية والمالية. ربما حان الوقت أن نعيد النظر. أن نجرّب تقديم أنفسنا بما نحب لا بمهنٍ، تحيل ضمنيا على كمْ نملك في رصيدنا البنكي. أن نجرؤ على القول: أنا إنسان يستمتع بالمشي وقت الغروب، أو أنا عاشقة للرسم، أو أنا شخص يحب الطبخ، أو قارئ نهم يجد في الكتب متعته. بهذا، نصالح أنفسنا مع حقيقتنا الأعمق: نحن لسنا فقط مهناً. نحن تجارب، شغف، وأحلام. المهنة جزء منّا، نعم، لكنها ليست كل ما نحن.
في كلّ يوم تسأل يُمنى والدتها: "متى يرجع بابا؟" فتردّ والدتها بحزنٍ: "قريبًا"، ويتكرّر السؤال وتتكرّر الإجابة يوميًّا إلى أن مرّ عام كامل، وما زالت يُمنى تنتظر والدها الطبيب اليمني المعروف، علي المضواحي. كتب حقوقيّ يمنيّ عن الدكتور علي قائلًا: "الدكتور علي المضواحي، عرفته في العام 2008 من خلال عملي في الوكالة اليابانية للتعاون الدولي. أقسم بالله أنه من أنبل الناس الذين تقاطعت حياتي بهم. من الكوادر الطبية النادرة، ومن الكفاءات التي يجب أن يكون مكانه المستشفى وخدمة المجتمع وليس المعتقلات. وهو فوق هذا كلّه، شخص بخلق عظيم". فمن هو هذا الطبيب، ولماذا هو في السجن؟ الدكتور علي، هو من الأطباء القلائل في اليمن الذين لديهم خبرة تفوق الـ25 سنة في مجال الرعاية الصحية، وتقوية النظم، والاستجابة الإنسانية، والتواصل الصحّيّ. شغل منصب مدير عام صحّة الأسرة في وزارة الصحّة باليمن، حيث أشرف على برامج التحصين والتغذية، وصحّة المدارس، والتثقيف الصحّيّ. لم يكن الدكتور فقط ناجحًا في عمله، ولكنه كان محبوبًا ويحترمه كلّ من عرفه. في بيته كان محبًّا لعائلته الصبورة التي انتظرت عامًا كاملًا غير مصدقين. اعتقدوا أنه سيخرج سريعًا، وأن هناك خطأ ما، ولكنهم تفاجؤوا أنّ عامًا كاملًا مرّ وما زال الدكتور مخفيًّا. الدكتور علي، لا توجد تهمة واضحة ضدّه، ولا أحد يعرف مكان احتجازه. كلّ ما نعرفه بأنه كان يعمل مع منظمات دولية كبرى، منها منظمة الصحّة العالمية، والبنك الدولي، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي، والتحالف العالمي للقاحات، مساهمًا في تعزيز التحصين، وصحّة الأمّ والطفل، والاستعداد للأوبئة، والإغاثة الإنسانية. هذه الأعمال التي قد تبدو للجميع بأنها تصبّ في مصلحة الوطن، ومفيدة لليمن. لكنّها تُعتبر من الجرائم بالنسبة للحوثيين. فقد قبضوا على عشرات من العاملين مع الأمم المتحدة، ولا أحد يفهم السبب. وللأسف كان دور الأمم المتحدة متخاذلًا، فهي لم تبذل جهودًا كافية لإطلاق سراح موظفيها الذين سجنوا بسبب عملهم معها، عدا بعض المطالبات الخافتة، والمطالبة بخروجهم بين الحين والآخر. الدكتور علي المضواحي هو ثروة لليمن، طبيب في وقت اليمن في أشدّ الحاجة فيه لمن هو بمثل درجته من التعليم والخبرة، ولكن ويا للأسف بدلًا من تقديره، وتقدير اختياره خدمة اليمن بدلًا عن الهجرة، زجّوا به في السجون، وكأنهم يقولون: "إن كنت شخصًا متعلّمًا، فارحل من اليمن". تكتب زوجة الدكتور علي مناشدات يوميّة على أمل أن يسمعها أصحاب القرار، ويرحموا هذا الطبيب الإنسان، ويطلقوا سراحه. ربّما يصل صوت طفلته الصغيرة التي لم تتوقّف عن السؤال: "متى يرجع بابا؟".
بقدر ما أعشق التفاعل مع الناس، بقدر ما أعشق وحدتي. قد يبدو هذا التناقض غير قابل للتصديق، لكنه حقيقتي. حقيقتي التي تربكني أنا بقدر ما تربك الآخرين. حقيقتي التي تجعلني أتساءل: ترى هل أنا منفتحة على العالم، أم منغلقة على ذاتي؟ البشر يُصنَّفون عادةً نوعين: الاجتماعيون الذين يتغذّون من وجود الآخرين كما يتغذّى النبات من الشمس، والانطوائيون الذين يعتاشون من ظلالهم مثلما تعتاش الجذور من العتمة. أما أنا، فأراني أنتمي إلى المجموعتين، وأراني لا أنتمي الى أي منهما في آن واحد. في داخلي غرفة مشرّعة النوافذ على كل الجهات، وفي داخلي أيضاً قبو مقفل لا يملك مفتاحَه أحد سواي. في بعض الأوقات، أكون ذئبة تركض وحيدة على سطح القمر، تعشق عزلتها وصمتها، وترفض أن يقترب منها أحد. لكني في أوقات أخرى أتوق الى النزول الى الأرض، الى يد تلمس يدي، الى أذن صاغية تخفف عني ثِقل وجودي، الى ضجيج ينسيني الأصوات التي في رأسي. الوحدة بالنسبة إلي ليست عقاباً، بل ضرورة. هي المرآة الوحيدة التي لا تكذب عليّ. فيها أرى وجهي الصادق، بلا أقنعة، بلا تجميل، بلا نكران يغيّر الواقع ويسوغه على هوى رغباتي وتوقعاتي. في المقابل، التفاعل مع الناس ليس عبئاً بل ولادة ثانية. هم يوقظون فيّ أجزاء لم أكن أعلم أنها موجودة. يذكّرونني أني لست جزيرة، بل جسراً هشّاً بين عزلة الداخل وضجيج الخارج. أحياناً أضحك من نفسي: كيف يمكن لإنسانة أن تعيش هذا الانقسام بلا أن تنهار؟ لكني أدرك أن هذا "الانقسام"، إذا صح التعبير، هو هويتي. أنا ابنة المسافات المطاطة. ربما لهذا أكتب، لأني أحتاج الى مساحة تحتملني بكل تناقضاتي، والكلمة هي الفضاء الذي أكون فيه اجتماعية ومنعزلة في آن. أكتبُ وحيدة، وأُقرأُ جماعات. إذاً، هل أنا منفتحة أم منغلقة؟ الاثنان معاً. هل هذا فصام أم انسجام؟ الاثنان معاً. أو لعلي، بكل بساطة، امرأة تعلمت أن الحرية ليست في الهرب من الآخر ولا في الارتماء عليه، بل في القدرة على أن تقول: "أحتاجك" حين تريد، و"دعني وحدي" حين يلزم. وها أنا، ما بين هاتين الجملتين، أعيش حياتي: نصفها على سطح القمر، ونصفها الثاني بين البشر.
" من قلة الخيول شدوا على الكلاب سروج" .. هذا مثل عربي متداول في منطقتنا، قرأته منذ أيام في معرض التعليقات على منشور في الفيس بوك يتكلم عن بؤس مشهد التأثير والمؤثرين العرب! المشكلة ليس في فكرة المفاضلة بين الخيول والكلاب كحيوانات محترمة ومفيدة للبشرية. المشكلة في تشبيه الشخصيات غير المفيدة أصلاً، بل والمسيئة والمدمرة للعقل والذكاء وما تبقى من أخلاق لكائنات أعطت على مر الزمان للبشر خدمات جليلة في التنقل والحراسة والصيد. لتأكيد المؤكد.. إن عصرنا هذا الذي نعيشه هو عصر أدوات مواقع التواصل الاجتماعي التي لا نملك منها شيئا ونحن (بإرادتنا) متأثرين بكل ما هب ودب. في خضم ما نعيشه وتعيشه بلادنا من تحديات اقتصادية وسياسية، بل و(وجودية)، يظهر موضوع المؤثرين بشكل قد يبدوا تافها وسطحياً لكنه ليس كذلك أبداً والدليل الأكثر فجاجة مؤخراً كان التفاصيل في حديث نتنياهو أثناء اجتماعه مع بعض المؤثرين الأمريكيين بعيد ما تمت صفقة بيع التيك توك للولايات المتحدة.. كما تعلمون تتراوح تخصصات المؤثرين من الدين والدعاة الى الأزياء ومدربي التنمية الذاتية وتوابعهم الى الرحالة والطباخين.. أما الفئة الأوسع انتشاراً في بلادنا فهي المهرجين ومثيري الجدل من الشخصيات الغارقة في الاسفاف والسطحية الفرق أن الوضع قبل ظهور مواقع التواصل كان في أن سطوع الشخصيات العامة يجري من خلال قنوات اجتماعية وسياسية وإعلامية وليست على الغارب وبشكل أقل إثارة للجدل بالتأكيد. الأنظمة السياسية وأصحاب رؤوس الأموال كانوا وما زالوا طبعا يدعمون ويستفيدون من هؤلاء بالاستمالة والترغيب والترهيب بحسب قيمة الشخص ووضعه الاجتماعي أو السياسي سابقاً وعدد المتابعين حالياً! مشهد التأثير في عالمنا العربي يدعو للغثيان.. فاذا استثنينا بعض التخصصات العلمية والرحالة والطباخين سندخل في ثقب أسود من الهلامية الفكرية والعقلية واسترخاص النفس البشرية الى حد الانسحاق لجني أي مكاسب مادية. المؤثرون والمؤثرات العرب (في غالبيتهم) لا يحملون رسالة فكرية، سياسية أو حتى إنسانية. حتى معظم الفنانين العرب ينأون بأنفسهم الا عن مديح أرباب نعمتهم! تذكروا... لعلكم تعقلون.. أدوات التأثير بأيديكم أنتم ... كل متابعة.. كل لايك ... كل تعليق سلبي أو إيجابي وكل شير حتى وإن كان على الخاص يعتبر (تفاعل) بلغة التطبيقات. التطبيقات (التي لا نملك من إعداداتها والتحكم بها شيئاً) التطبيقات (التي تقرر اغداق المشاهدات على مواضيع معينة وأشخاص معينة بالملايين) أنتم تملكون أنفسكم بوعيكم ومن يملك الأدوات يملك الرواية.
أوراس الإرياني اختفى. هكذا انتشر الخبر مثل النار في الهشيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعية، والاختفاء في مدينة صنعاء التي يتحكم بها الحوثي بقبضته الغاشمة تعني شيئًا واحدًا بأن أوراس تمّ القبض عليه وأصبح في الزنزانة مع غيره من المحبوسين من المجتمع المدني والأطباء والمعلمين. أوراس الإرياني شابّ لطيف ومسالم، عرفه الناس بخفّة دمه وسخريته. تفتح صفحاته في السوشل ميديا فلا تجد إلا صور الكثير من القطط وبعض الحيوانات الأخرى. يكتب في الفيسبوك عن مناكفاته مع زوجته التي يحبّها جدًّا، وسخريته من حاله وحال اليمن السيء، وعن قصصه مع قططه. كنا نقرأ كتاباته ونضحك ويمرّ الأمر مرور الكرام. عندما وصلنا خبر اختفاء أوراس عرفنا مباشرة أن هذا يعني أنّ الحوثيين اعتقلوه. فهم مثل العصابات لا توجد اتهامات واضحة ضدّ معتقليهم، ويعتقلون الشخص وهو في أمان الله. كأن يكون في طريقه للشراء من البقالة كما حدث مع أوراس، ويتركون أهله يضربون أخماسًا في أسداس قلقين هل أصابه حادث؟ أين اختفى؟ ولكن عندما يطول الانتظار يعرف الجميع بأنه أصبح في معتقلات الحوثيّ. اقترب ميعاد الاحتفال بثورة 26 سبتمبر. الثورة التي قامت ضد الإمامة. حكم الإمامة الذي يعتبر اليمنيون أنّ الحوثيّ امتداد له. الاعتقاد بالولاية وأن الله أختار الحوثي وأجداده وأحفاده ليحكموا اليمن، ومن يرفض ذلك هو ليس معارضًا سياسيًّا، وإنما معارض لله. يسمّي الحوثي نفسه بـ"القرآن الناطق"، أي أن ما يقوله مقدّس ويُمنع الاعتراض عليه. لذلك لا يجرؤ أحد على انتقاده وهو داخل مناطق سيطرته. ومع ذلك يتمّ حبس أي شخص يحتفي بثورة 26 سبتمبر خاصة لو كان شخصية عامة ومحبوبة، هنا يجب أن يتمّ تأديبه لكي يصبح عظة لغيره. على الجميع الانصياع والسكوت. وأوراسُ.. الشاعر الذي لا يتدخّل في السياسة إلا عبر كلمات قصيرة مضحكة. ليس ناشطًا سياسيًّا يُخشى منه، ومع ذلك لم يتحمّلوا سخريته في هذا الشهر بالذات الذي يجعلهم في حالة جنون وهيستريا، فأصبح مكانه السجن هو وعشرات آخرون بالإضافة لمن تمّ اعتقالهم سابقًا من موظفي منظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني. يصف أوراس نفسه فيقول: "يقولون عنه: كاتب ساخر، بينما هو يقلد مشية الحزن، ويتعثر بضحكاتكم". اليوم يا أوراس جميعنا حزينون على شاعرنا اللطيف محبّ القطط، وبالتأكيد ستعود لزوجتك وقططك، فهذا الظلم لا يمكن أن يستمرّ.
نحن اللبنانيون أبناء اللايقين. وُلدنا فيه كما يُولد السمك في الماء، فلا يعرف أنّه يسبح في عنصر غريب. منذ اللحظة الأولى التي فتحنا فيها أعيننا على هذا البلد، وجدنا أنفسنا في مهبّ احتمال دائم، في انتظار خبر جديد، في ترقّب صاعقة، في استباق مصيبة أخرى، حتى صار اللايقين قدرنا الأوحد، وملح حياتنا المرّ. نستيقظ كل صباح على سؤال: كيف سيكون النهار اليوم؟ هل يميل بنا إلى ضفة الأمل أم يرمي بنا إلى قاع اليأس؟ نحن متأرجحون أبداً، كمهرّجين في سيرك بلا جمهور: ضحكنا ليس ضحكاً، والقلق في صلب جيناتنا. تراوح مشاعرنا بين تفاؤلٍ هشّ لا يلبث أن يتبخّر، وتشاؤمٍ عنيد يتشبّث بنا مثل ظلّ لا يفارقنا. بين خوف لا منطقي يتسرّب إلى عروقنا، وجذل مصطنع نخلقه لنكابر على بؤسنا. بين لا مبالاة تُخدّر أعصابنا، وحماسة عابرة توهمنا أن شيئاً ما سيتغيّر الى الأفضل. حتّام؟ حنّام نظلّ عالقين في هذه الدوامة المسمومة التي تبتلع أنفاسنا وتستهلك أحلامنا؟ متى نصحو على وطن لا يربط مستقبله بعبارة: "إذا ما صار شي"؟ تلك الـ "إذا" التي صارت وصيّة سرّية تورَّث جيلاً بعد جيل، تذبح قدرتنا على الحلم والتخطيط، وتحوّل الغد إلى جدار ضبابي لا يُمسك. نحن اللبنانيون أبناء الاحتمال، معم، رهائن الانتظار. لكن ما أصعب أن تكون حياتك مؤجّلة، ومشاريعك معلّقة، وأحلامك مشروطة بحدثٍ مجهول أو بقرارٍ من جهة تتحكم بك من خارج. كأننا نعيش على أرض زلقة، لا صلابة فيها ولا أمان. مع كل خطوة نخطوها، ينبغي لنا أن نحسب حساب الانهيار الممكن تحت أقدامنا. هذا هو الواقع منذ ولادتي. لم أعرف يوماً طمأنينة التفكير بالغد كما يعرفها آخرون في بلاد أخرى. لم أعرف هبة الاستقرار البسيط: نعمة أن أقول "غداً" من دون أن أرتجف. وكأنّ الغد في لبنان ليس وعداً بل تهديداً، ليس أفقاً بل فخاً. ومع ذلك، ما زلنا نحلم. نحلم رغماً عنهم. نحلم رغماً عن خرابهم وموتهم. نحلم لأنّ الحلم، ولو كان جريحاً، ولو كان احتمالاً، هو فعل البقاء الوحيد المتاح لنا في وجه هذا القدر الذي يصرّ أن يظلّ ملعوناً.
أعتقد أن البشر كانوا وما زالوا وسيبقون مهتمين بمعرفه رأي الاخرين بهم. اذكر جزءا من حديث للمذيعة الشهيرة اوبرا وينفري تقول فيه ان الشيء الوحيد المشترك بين كل ضيوفها الذين قابلتهم بحياتها بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية هي انهم يسعون أن يراهم الآخرين بشكل جيد أن يسمعوهم ويروهم على حقيقتهم وتذكر على الأخص بيونسيه بكل ما هي عليه من شهرة ومكانة فنية عند ملايين الناس، أنها وبعد انتهاء اللقاء، انحنت نحوها وقالت بصوت منخفض هل كنت جيدة. منذ أن اخترع البشر المرايا أصبحت هي الوسيلة اليومية الأولى التي تخبرهم عن صورتهم وشكلهم في عيون الناس. المرايا نافذة مزدوجة تكشف لنا صورنا وتخفي أسرارنا في آن واحد، من دونها لم نكن لنعرف تفاصيل وجوهنا ولا ملامحها. حين جاءت المرايا أصبح الانسان في لقاء يومي مع نفسه، لقاء مادي ومعنوي لا يؤجل ولا ينتهي، وأصبح البشر يعتقدون أنها الشاهد على قبولهم لأنفسهم وقبول الاخرين لهم. لقد غيرت المرايا حياه البشر ماديا فصنعت ثقافات كامله حول الزينة والأزياء ومعايير الجمال، وهي جزء من الطقوس اليومية ما بين تمشيط الشعر وضبط الثياب ومراجعه تفاصيل الوجه، وهي أيضا سلعة صنعت ثروة لتجار الزجاج والفضة وفتحت مجالات للفنون كاللوحات المرسومة على المرايا في القصور الأوروبية، التي لم تكن تبنى بلا قاعات المرايا الفخمة. اما معنويا فقد كانت المرآة أداة للتأمل الذاتي يواجه الإنسان أمامها تغيراته، شبابه ثم ضعفه وشيخوخته. قد يصالح جراحه أو يهرب منها. نيتشي قال من ينظر طويلا في المرآة يرى نفسه غريبا، وكأن المرآة ليست فقط ما يعكس الصورة بل ما يضاعف الأسئلة، من أنا؟ هل ما أراه هو حقيقتي أم مجرد قناع؟ قال أوسكار وايلد ايضا إن المرايا تعكس بدقة لكنها لا تقول الحقيقة. ان كل صوره مراه هي وعد بالصدق وخيانه في نفس الوقت، فهي تمنحنا صوره لكنها تتركنا نتساءل هل ما نراه نحن هو ما يراه الناس، وهل صورتنا في اعين الاخرين اكثر صدقا من صورتنا في الزجاج، كيف ونحن اصلا نعيش ادوارا مختلفه في الحياة، هل يمكن لانعكاسنا ان يكون واحدا في عيون كل من يرانا او يعرفنا؟
الأبوة والأمومة ليست مجرد محطة عابرة في حياة الإنسان. هي قرار مصيري، فيه مسؤولية جسيمة تجاه كائن جديد سيأتي إلى العالم. ومع ذلك، في مجتمعاتنا، لا يزال الزواج والإنجاب يُقدَّمان وكأنهما خطوات طبيعية محتومة: تصل إلى سن معينة، تتزوج، ثم تنجب... وكأن الحياة وصفة جاهزة لا مجال لإعادة التفكير فيها. لكن، ماذا لو قرر بعض الناس، بوعي ومسؤولية، ألا ينجبوا؟ لماذا نحاكمهم ونُطلق عليهم الأحكام الجاهزة؟ لماذا نعتبرهم أشخاصا غير طبيعيين؟ بل ويحاول البعض إقناعهم بتغيير رأيهم... هم لا يطالبون الآخرين بالاقتداء بهم ولا ينظمون حملات ضد الإنجاب. هم فقط يمارسون حقهم في التفكير واتخاذ قرار شخصي عميق يخص حياتهم ومصيرهم، ولا يؤثر على اختيار أشخاص آخرين للإنجاب. المفارقة أن كثيرين ممن يختارون الإنجاب لا يسألون أنفسهم إن كانوا فعلا مستعدين لهذه المسؤولية الصعبة. ينجبون فقط لأن المجتمع يتوقع منهم ذلك، أو لأن "الوقت قد حان" كما يقال. بينما الأبوة والأمومة هي من أصعب القرارات وأكثرها خطورة، لأنها لا تخص الفرد وحده بل تمتد لتحدد مستقبل وحياة إنسان آخر، بالكامل. وكذلك لأنه يكاد يكون القرار الوحيد الذي نتخذه في حياتنا والذي لا يمكن التراجع عنه لاحقا. ألا يستحق إذن من اختار عدم الإنجاب، بعد تفكير جدي ومسؤول، الاحترام بدل الإدانة؟ أليس المنطقي أكثر أن ننتقد اللامبالاة في اتخاذ قرار الإنجاب، بدل نقد من قرر بوعي ألا يدخل هذا المسار أصلا؟ علما أنه أو أنها يتحملان المسؤولية بمفردهما، بمعنى أنهما لا يؤثران في قرار الآخرين بالإنجاب أو عدمه. هو قرار شخصي محض يهم الفرد وشريكه المحتمل ولا يفترض أن نتدخل فيه. لكن المشكل الأصل هو أننا، ربما، لا نقبل الاختلاف ولا نقبل حق الآخرين في التفكير الفردي وفي الخروج عن المتعارف عليه. بينما الحقيقة أن احترام حرية الآخرين في اختياراتهم ليس ترفا. هو اعتراف بأن كل إنسان يعيش حياته بطريقته، وأن الحياة لا تُختزل في وصفة اجتماعية واحدة وفي اختيارات موحدة للجميع.
في جريمة تقشعر لها الأبدان، أقدمت امرأة في صعيد مصر، على تقديم الخبز المخلوط بالسم لأبناء زوجها من زوجته الأولى فتسببت في قتل الأطفال الستة وفوقهم زوجها اللي عملت ده كله بعد شعورها بالغيرة عليه . جريمة بشعة خاصة وأن الطب الشرعي فضل مدة مش عارف إيه السبب فيها لحد ما أخيرا لقوا السم واعترفت المتهمة باللي عملته، ده غير سيريالية الصورة، الإيد اللي بتتمد بالخبز سر الحياة، هي هياها اللي بتخلطه بالسم. ولأن القضية أصبحت قضية رأي عام، فتم التعامل معاها بسرعة ومثلت المتهمة أمام المحكمة، بجسمها الصغير وعينيها الزايغين ولبس الحبس الأبيض، والمفاجأة انها جلست في قفص الاتهام بطفل رضيع على دراعها هو أصغر أبناء الزوج المغدور. وبينما كان من المفترض إن مرتكبة جريمة بشعة زي دي ما تلاقيش أي تعاطف من أي حد، إلا إننا عايشين في مجتمعات كل المفروض فيها مرفوض، ولهذا فكان فيه تعليقات على فيديوهات المحاكمة بيلتمس أصحابها للمتهمة الأعذار، من ناحية فهي في نظر البعض امرأة مقهورة لأن جوزها قرر الجمع بين زوجتين، ومن ناحية تانية فهي ضحية عيلتها اللي لو كانت طلبت الطلاق بعد ما زوجها رد زوجته الأولى ما كانوش هيقفوا معاها ولا يستقبلوها، ومن ناحية تالتة فالطفل اللي على دراعها ادى مبرر لأي حد قرا أي كتاب علم نفس إنه يشكك انها ارتكبت جريمتها مدفوعة باكتئاب ما بعد الولادة؟ الحقيقة إن التعليقات المتعاطفة ما فاجأتنيش لأن المتهمة في القضية دي مش أول واحدة تلقى تعاطف بالشكل ده بالرغم من جريمتها البشعة. دا حتى ريا وسكينة، أشهر قاتلات التاريخ العربي، وجدوا بعض الناس اللي بيبررولهم جرايمهم و يدعوا ان ضحاياهم كانوا متعاملين مع الانجليز ولربما كان نشاطهم الإجرامي يعتبر نوع من أنواع مقاومة الاستعمار. والتعاطف مع المجرمين له أسباب كتير. أسباب اجتماعية زي: اعتبار الجاني مضطهد أو مقهور واعتبار ظروفه الاجتماعية مبرر أحيانا لجرايمه. أسباب إنسانية: زي التعاطف مع الطفل الرضيع على ذراع المتهمة أو معاها كشخص ضعيف جسمانيا وشكله غلبان . أسباب نفسية: زي رغبة الإنسان في تفسير تحول الناس لقتلة. ورفضه إنه يعترف إن ده ممكن يحصل لأي حد بدون مبرر قوي. أسباب عاطفية: زي التماهي مع الجاني. الستات بتتعاطف مع الستات والرجالة بتتعاطف مع الرجالة خاصة إذا كان المتابع والجاني بينهم أي أرضية اجتماعية أو ثقافية مشتركة. في النهاية، التعاطف مع المجرم، مش شيء خاص بمجتمع بعينه أو حتى طبقة أو جنس أو دين.، هو تفاعل إنساني مش عايزة أوصفه بالطبيعي، بس مش نادر زي ما احنا متخيلين.. السؤال الحقيقي بأه اللي مش لاقياله إجابة هو: إزاي نقدر نعيش في مجتمع هي دي أفكار نسبة مش قليلة من أعضاءه؟. إزاي نقدر نعيش ونتحرك ونتعامل مع ناس عندهم استعداد إنهم يلاقوا مبرر لحد ممكن يتعرض لنا ويؤذينا ويقتلنا، زي ما تعاطفوا وبرروا و دافعوا عن امرأة لم يهتز لها طرف وهي بتقتل ٦ أطفال؟.
هل هذا الوقت المناسب للحديث عن حرّيّة الرأي والمعتقد في وقت تعاني اليمن فيه من حروب على المستويين المحلّيّ والدوليّ؟ الإجابة نعم. هذا هو الوقت، وهذا هو الوقت بالذات. تقول المادة 18 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان: "إنّ لكلّ شخص الحقّ في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحقّ حرّيّة تغيير دينه أو معتقده، وحرّيّة إظهار دينه أو معتقده بالعبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، سواء بشكل فرديّ أو جماعيّ، أمام الملأ أو على حدة". تذكّرت هذه المادة عندما طلبت مني المحامية اليمنية منية ثابت أن أكون ضيفة في برنامجها الذي يناقش حرّيّة الفكر والمعتقد، وهذا موضوع تحدّثت عنه كثيرًا على مستوى الإعلام العربيّ والعالميّ، ولكن لأول مرة في برنامج تقدّمه امرأة يمنية، لذلك وافقت مباشرة. في وقت فيه صوت من يتحدّثون باسم الله عالٍ، ويقومون بعملية غسل لأدمغة أجيال يمنية قادمة ستبني اليمن يصبح من المهمّ جدًّا أن يعلو صوت اليمنيين الذين ما زالوا محافظين على مبادئ الحريات والوعي والحقوق. هؤلاء من يجب أن يتحدّثوا، ويجب أن يتحدّثوا الآن أكثر من أي وقت مضى. عندما سألتني منية هذا السؤال قلت لها: في الحقيقة هذا هو الأمل الوحيد الذي ما زلت أحمله لليمن، أن هناك شابًّا أو شابّة سيستمعون إليّ، وربّما في يوم ما سيكون لواحد منهم دور في بناء يمن مختلف عن الذي نراه اليوم، أو ربما سيربّي عائلة بوعي أفضل، وأحد أبنائه أو إحدى بناته سيكون بيدهم تغيير مستقبل اليمن. هذا هو الأمل الذي يجعلني أكتب عن مواضيع لا تتعلق بالحرب والسياسة وإنما عن المجتمع والتوعية والأخلاقيات والحرّيّات واحترام الآخر ومعتقده، وما يؤمن به، وما يختاره في حياته. هذا هو ما يعطيني بصيص أمل بأن اليمن ربما تكون أفضل لا أعلم هل بعد عشر سنوات أم أكثر؟ ولكن بالتأكيد دوام الحال من المحال، وفي الوقت الذي يرتفع فيه صوت هذا الزعيم أو ذاك السيّد يجب أن يرتفع فيه أيضًا صوت من يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان. هذا إن كنا نريد جيلًا جديدًا يؤمن بالفكر، وليس بالعنف والكراهية.