Discoverمدونة اليوم
مدونة اليوم
Claim Ownership

مدونة اليوم

Author: مونت كارلو الدولية / MCD

Subscribed: 28Played: 2,445
Share

Description

موضوعات اجتماعية - سياسية يناقشها صحفيون وكتاب ومدونون من وجهة نظر اجتماعية حديثة واضعين تحت منظار النقد الخطابات التقليدية وباحثين خصوصاً عن تفعيل الدور النسوي للمرأة في قضايا مجتمعها.

1378 Episodes
Reverse
هل الكلمات تستطيع تغييرنا؟ كصحفية تحب الكتابة، وتأثرت كثيرًا بالكتّاب الذين قرأت لهم، الاجابة هي نعم، الكلمات تغير الكثير خاصة لو كانت هذه الكلمات مرتبطة بلحن جميل. كان هذا هو الموضوع الذي اخترت أن أتحدث عنه في آخر امتحان لي باللغة السويدية.  وأخيرًا وصلت لمرحلة الثانوية في تعلم اللغة السويدية، ولكن هذا لا يعني أنني أصبحت أتحدث بطلاقة مثل السويديين، ما زال الموضوع يحتاج للكثير من القراءة، وتكثيف الحديث بالسويدية. في آخر امتحان للغة، والذي كان عن تأثير الكلمات سواء الشعر، أو كلمات الأغاني، أو غيرها، اخترت أنا أن أتحدث عن الكلمات المغناة، وتأثيرها على السياسة والمجتمع. قرأت مقالًا علميًّا يقول أن الموسيقى وحدها نعم تؤثر على المشاعر، وكيمياء المخ، ولكن عندما يتم إرفاق كلمات بهذه الموسيقى تبين أن هناك أجزاء في المخ كانت خاملة تتفاعل بعد إضافة الكلمات لهذه الموسيقى. لذلك يصبح النشيد الوطني مهمًّا لتحفيز الناس للدفاع عن وطنهم، وتستخدم الأناشيد الدينية التي تستخدمها الجماعات لتحفيز الناس على الجهاد، أو (الزوامل) كما تسمى في اليمن لتحفيز المقاتلين، فليس هناك أقوى من الكلمات المغناة. لكن هناك أيضا من استخدم الكلمات ليحرك الناس في الشارع للتظاهر ضد الحرب، ومع السلام، كما حدث في أمريكا أثناء حرب فيتنام وكان لأغنية war تأثير كبير في تلك المظاهرات. في اليمن هناك أغنية شهيرة اسمها "خطر غصن القنا"، ولمن لا يعرف أن هذا اللحن كان سابقا يستخدم مع كلمات مسيئة عن امرأة مارست الجنس خارج الزواج، ولكن الشاعر مطهر الإرياني استخدم كلمات جديدة لكي ينسى الناس هذه الحادثة، وأصبحت الأغنية تتحدث عن الحب، وجمال وادي بنا، أي أنه استخدم الكلمات لتغيير فكر مجتمع بأكمله، أليس ذلك جميلا؟ كلماتنا تغير الكثير ومع وجود التكنولوجيا التي جعلت كلماتنا تصل لعدد كبير من الناس، فعلينا أن نتذكر هذه المسؤولية، وقبل أن نكتب أن نسأل أنفسنا: هل كلماتنا هذه تتسبب في إصلاح أو تخريب هذا العالم.
أمشي على الطريق. أرى وجوه الناس متجهّمة، لا قدرة للرجل أو للمرأة منهم على الابتسام. لا ألوم أحداً. أنا، أيضاً، غالباً، لا حَيْل لي على الابتسام. أحاول قدر الإمكان تفادي التفكير، كي لا أفقد عقلي تماماً. أشرب القهوة في أحد المقاهي. تبادرني سيدة عجوز فتسألني بخفر وحرج إذا كنت أستطيع أن أضيّفها "سندويشاً" لأنها جائعة، ولا تملك المال لتأكل. استحي. أعطيها المبلغ. لا أستطيع النظر في عينيها. أشعر أنّي شريكة في الذنب. أجلس مع إحدى صديقاتي. تكرّ دموعها لأن ابنها الوحيد عاطلٌ من العمل منذ أكثر من سنتين. "بتعرفي حدا بيقدر يظبّطو بشي شغلة؟"، تسألني بحسرة. لا. لا أعرف أحداً يا صديقتي. كلّ مَنْ أعرف، إما موظّف خائف على وظيفته، وإما ربّ عمل لا يعرف كيف يدفع رواتب عمّاله آخر الشهر.أستقلّ التاكسي. يخبرني السائق أنه أطعم أولاده، أمس، أرغفة من الخبز "الحاف". "أكتبي عنّي وعنهم"، يقول متوسلاً، عندما يعرف أني كاتبة. ها أنذا أكتب عنك وعن أولادك، يا محمد، فهل يسدّ هذا الكلام جوعهم؟ لا تُجِب، أرجوك. دعني أتوهّم أني استطعتُ شيئاً.أفتح مواقع التواصل الاجتماعي: حروب، اعتداءات، رعب، مجاعات، إبادات جماعية، صورٌ وكلمات تقطّع القلب. وعلى المقلب الآخر: اتهامات متبادلة، تخوين، استخفاف بأرواح الناس وعقولهم، جملٌ وتعابير تثير الغثيان. مختصر مفيد: لا ملاذ. لا منفذ. لا مخرج للطوارئ. نحن محاصَرون تماماً، كفئران في مختبر. وأنى ذهبنا، يأس وخيبة وغضب وإحباط. أفكّر: "كيف نستطيع مواصلة العيش على هذا النحو؟". ثم أتدارك: "هذا ليس عيشاً. إنه زعبرة على الموت".
تلخيص المشهد بدأت الحكاية بقيام مجموعة منظمات طلابية في جامعة كولومبيا بعمل خيمة اعتصام من اجل وقف الحرب على غزة وسحب الجامعة استثماراتها من إسرائيل والشركات المرتبطة بها والتبادل الأكاديمي معها. كان هذا يُمكن أن يكون نشاطاً طلابياً عادياً لولا استدعاء رئيسة الجامعة نعمات شفيق  (المسلمة من أصول عربية مصرية) للشرطة لفض خيمة الاعتصام مما أدى الى اعتقالات وإجراءات تأديبية!وهكذا استيقظ اكثر من 100 طالب من الجامعة وكلية بارنارد -شقيقة جامعة كولومبيا-، على وقع الاعتقال و الإيقاف من إكمال دراستهم ومطالبتهم بإخلاء سكنهم الجامعي !خلال تحميلهم في الحافلات وأيديهم مقيدة، غنى الطلاب طوال الطريق إلى مقر الشرطة أغان ثورية، فأشتعلت الاجواء في الجامعة بشكل لم تشهده منذ الاحتجاجات الطلابية إبان حرب فيتنام، اذ هاجم الطلاب في صُحفهم الجامعية رئيسة الجامعة و قرارتها وتبعيتها لليمين الصهيونى بشكل يهدد القيم الأمريكية ومستقبل زملائهم.صدفة بحتة...القرار التاريخي لنعمات شفيق باستدعاء الشرطة لفض الاعتصام بالقوة كان زعماً بوجود عنف ومعاداة للسامية وأتى بعد يوم واحد من  شهادة رئيسة الجامعة أمام الكونجرس حول معاداة السامية!فاستنكر البيت الأبيض (العنف الوهمي ومعاداة السامية)تداعياتقرر مجموعة من استاذة الحقوق في جامعة كولومبيا إرسال رسالة إلى قيادة الجامعة يدينون فيها تعليق دراسة الطلاب المتظاهرين ومداهمة الشرطة للحرم الجامعي موضحين أن عدم وجود شفافية في كيفية التصرف وإقحام شرطة نيويورك بهذا الامر يهدد مصداقية الجامعة كلها! بعدها قرر الكثير من أعضاء هيئة التدريس والطلاب الخروج من الفصول الدراسية دعماً للطلاب وحرية التعبير ورفضا لتدخل الشرطة في الحرم الجامعي! محاضرين من الخارج انضموا للاحتجاج وقرروا مقاطعة كولومبيا!خبرعاجل " الهيئة الطلابية لجامعة كولومبيا تقرر بأغلبية ساحقة تمرير استفتاء يطلب من الجامعة سحب الاستثمارات من إسرائيل، وإلغاء افتتاح مركز تل أبيب العالمي، وإنهاء برنامج درجة جامعة تل أبيب المزدوجة".كرة الثلج الطلابيةبدأت جامعات أمريكا المشهورة بالتصعيد والانضمام الى الاعتصامات الطلابية من أجل فلسطين حرة ووقف الابادة. (جامعة بيركلي في ولاية كاليفورنيا، جامعة إن واي يو في نيويورك، وجامعة هارفارد)التاريخ يذكر دور الحركة الطلابية (ثورة كولومبيا 1968) في وقف الحرب الاميريكية على فيتنام. التغيير قادم.
بلغنا أنه في دولة كوريا الجنوبية الشقيقة، اللي هي بقت تريند والعيال ماشيين لابسين تشيرتات عليها صور نجومها دي، أيوة اللي بقينا بنتفرج على مسلسلاتها بدل المسلسلات التركي دي، هذه الدولة اللي بقت حلم شباب وشابات الوطن العربي، فيها ما يشبه ثورة اجتماعية على الضيق حبتين. يقال والعهدة على الراوي، إن كوريا الجنوبية، على ما يشاع عنها من تقدم وتحضر وثقافة وفن، تعاني من مشكلة تفشي الذكورية وسيطرة البطريركية في المجتمع الكوري، وهو الشيء المستمر منذ عقود، ولم يفلح التطور التكنولوجي والاقتصادي في التخلص منه وما زالت الأجيال الجديدة تعاني منه في مختلف الطبقات. وهو ما استدعى موجة مضادة من الفيمينيزم ودعوات المطالبات بحقوق النساء في أن تقوم النساء بالدفاع عن حقوقهن وعن وضعهن الملتبس في المجتمع عن طريق حركة تسمى ال (فور بي) ، وكلمة "بي" في اللغة الكورية تعني "لا"، بما يعني أن إسم الحركة يمكن ترجمته لحركة "اللاءات الأربعة". واللاءات الأربعة المقصودة من المشاركات في الحركة دي هي :لا للزواج، لا لإنجاب الأطفال، لا للمواعدة، ولا للعلاقات العاطفية. بالمختصر يعني، الفصل التام بين الجنسين، إلى أن يتغير الحال.أما إذا تتبعنا أسباب الحركة دي ومظاهر تردي مكانة المرأة الكورية في المجتمع  هنلاقيها بسم الله ما شاء الله يعني بتفكرنا بحاجة كده!على سبيل المثال، فالعائلات الكورية تفضل خلفة الذكور على خلفة الإناث، وفي بعض الطبقات ما زالت تحمل البنات مسئولية الحفاظ على شرف العائلة، الأب في المجتمع الكوري مسئولياته محدودة بينما تتحمل الأم مسئولية البيت والأولاد كاملة، ومن حق الأب إنه يخرج يسهر مع صحابه، وطبيعي إنه ما يعرفش حاجة عن مسار الحياة اليومية لأولاده بينما الستات بتشيل الشيلة كاملة وطبعا لا خروج ولا صحوبيات. الشابات الكوريات كمان بيشتكوا من الذكورية في مكان العمل، من سهولة ارتقاء الرجال للمناصب العليا ، فيندر مثلا وجود رئيسات مجلس إدارة شركات من النساء، ده غير عدم الالتفات إلى التحرش في مكان العمل، والميل الدائم لتصديق الرجال عن النساء. أمممم، إحم إحم، فيه شوية حاجات كده حاسة اني سمعت عنهم قبل كده، أو شفتهم قبل كده، أو مريت بيهم قبل كده، بس مش متأكدة فين!المهم إن حركة "اللاءات الأربعة" دي كان الرد عليها من الرجال الكوريين بإنهم قالوا: يا سسسلام، بركة يا جامع، مع السلامة والقلب داعيلكم، وانتم مين اللي قالكم إن احنا هنموت ونتجوزكم والا نخلف منكم يعني؟ بلا وجع دماغ، احنا عادي نقدر بفلوسنا نأجر حد يعمل كل اللي انتم بتعملوه!اللي واقفين بيشدوا شعرهم بسبب حالة القمص الشعبية دي بأه هم مسئولي النظام، اللي أصلا بلدهم فيها مشكلة قلة عدد مواليد، ولم تفلح كل التشجيعات إنها تصلح المشكلة دي، وبقى فيه فجوة حقيقية متوقعة بين خطط التنمية وعدد السكان، مما يبشر بكارثة مستقبلية حقيقية للمجتمع الكوري.طبعا ده هو الفارق الوحيد بينهم وبيننا، وهي دي النقطة الوحيدة اللي هتلفت نظر أي رجل عربي سمع المقال ده أو قراه، وهتلاقيه حالا بيقول في نفسه: قلة عدد مواليد؟، طب دي مصلحة! ، قولتولي بأه كوريا دي بيهاجرولها ازاي؟! 
 والدتي مثقفة، ووعيها عالٍ رغم أنها لم تذهب إلى المدرسة، وإنما تعلمت على يد "سِنّة"، وهو لقب كان يطلق على من يعلم القرآن في ذاك الوقت. سألت والدتي بعد أن انتهينا من نقاش طويل انبهرت فيه كالمعتاد بمدى وعيها، واستغربت كيف أصبحت بهذا الوعي، فقالت لي ربما لأنني عندما كنت أتعلم مع "سِنّة" كنا عندما ننتهي من قراءة القرآن نقرأ الكثير من الكتب، مثل كتب لجورج زيدان، وكليلة ودمنة، وكتب تاريخية، وكنا نتناقش كثيرًا بالساعات بعد الدرس.  قررت أن اسأل والدتي أكثر عن هذه المرأة "سِنّة" التي لا نعرف ما اسمها الحقيقي، وهي من نساء مدينة جبلة. قالت والدتي أن "سِنّة" كانت محبوبة من الجميع، ربما لأنها علمت القراءة للكثير من النساء في ذاك الزمن. "سِنّة" كانت قوية، فعندما لم تستطع أن تستمر مع زوجها طلبت الطلاق، ثم تزوجت للمرة الثانية، ولكن هذا لم يكن مستغربًا في جبلة المدينة التي كانت منفتحة، وكان الزواج من مطلقة أمرًا عاديًّا، فتتزوج المرأة عدة مرات، ولا عيب في ذلك. ربما لذلك اختارت الملكة (أروى الصليحية) أن تكون جبلة مقر حكمها لأنها مدينة مختلفة عن بقية مدن شمال اليمن. "سِنّة" تعلمت القرآن من زوجها، والذي كان فقيهًا، وأيضًا أخوتها كانوا فقهاء، ولكنها كانت تمشي، ووجهها مكشوف، فكانت الناس تستغرب من ذلك. كانت "سِنَّة" لا تهتم لما يقوله الناس، وفرضت احترامها، وكانت عزيزة النفس، وتهتم بنفسها، ولم تتردد في أن تعرض على أمي أن تدرسها قراءة القرآن عندما رأت أمي تبكي لأنها تريد أن تذهب إلى المدرسة بعد أن رفض جدي -والد أمي- أن يرسلها لمدينة تعز لتدرس في المدرسة الوحيدة التي كانت تعلم الفتيات في ذلك الوقت. هناك الكثير من القصص عن "سِنّة" لا يمكنني حصرها في هذه المدونة القصيرة، ولكنني أتمنى أن أكتب قصتها في يوم ما، فهي قصة ملهمة مثل قصة أمي التي استطاعت رغم كل الظروف أن تكون بهذا الوعي.
ننتظر ماذا، هنا في لبنان والجوار؟ هل ننتظر الفرج، السلام، البحبوحة، أم ننتظر الموت الذي يُريح المرء من كل عناء؟!هنا، حيث الناس العاديون، الرازحون تحت الوطأة الدسمة، نعدّ الوقت البطيء بالثواني الثقيلُ عبورُها والفادحُ عطبها. يقول المرء في ذات نفسه: ماذا بعد؟ ماذا بعد. إذا كان لا بدّ من نهاية، فلتكن الآن، أو بعد قليل. كلّ إرجاء، كلّ إبطاء، هو إهانة للحياة، للنفس، للكرامة الإنسانية في معانيها البديهية البسيطة.  هنا، وفي الجوار، حيث الوحوش البشرية تسرح وتمرح وتدمّر وتقتل وتمارس طغيانها و... "تعيش"، لا قيمة لهذا الذي يُقال أعلاه، لأن "الوحوش" هذه لا تتألم، لا تجوع، لا تصاب بالكوابيس، ولا تفكّر.الفلسفة تقول بألسنة فلاسفتها، هناك خطأ ما مرتكَب منذ البداية، منذ بداية الكون، ويستحيل تصحيحه، أو الرجوع عنه. والحال هذه، تكمل الفلسفة حكمتها، لا بدّ من التعايش مع هذا المصير المحتوم، لا بدّ من الرضوخ.لكن كيف؟ بعضنا يُجنّ. بعضنا يُصاب بالاكتئاب. بعضنا "يتسلى" بالنسيان، بالهرب، بالتجاهل.كثرٌ آخرون يريدون أن "يتعلموا"، فيحاولون بدون جدوى العثور على طريقة، لكنهم لا يعرفون كيف "يتعايشون" مع هذه المعادلة الصمّاء البكماء العمياء، التي لم يتمكن أحد حتى الآن من فتح ثغرة جوهرية حقيقية بسيطة في جدارها المنيع.  ذلك أن المعضلة على بساطتها، بالغة التعقيد؛ فلا "الوحش" يريد، أو يستطيع، الانقلاب على توحشه، ولا "الإنسان" يطمح، أو يريد، أن يصير "وحشاً".في الغرف المغلقة، في الكتب، في رطوبة الحبر، وفي الوقت الذي يمرّ بانتباه شديد، يتساقط وردٌ كثيف شبيه بالروح، ييبس، ينخلع، ينعطب، ويذهب إلى عدم. وعجلة الوجود مستمرة في الدوران، كأن شيئا لم يكن، كأن فاجعة الحياة هذه لا تكون. 
فكرة قلقة عابرةزرقة خلابة.. أخضر سندسي ممتد ووجه حسن هادئعجلات العربة تدور وتدور وموسيقى كلاسيكية في خلفية المشهدأرجو ألا يكون للسيارة آذان أو ذاكرة..    : ما الذي يدعو الناس الى حرق السفن وهم فيها؟: حاجة ما فقدت في تلك العلاقة مثلا؟: للأسف.. بعض الناس عندما يواجهون مشكلة مع مشاعرهم تجاه موقف معين أو تحد يمرون به، يلجأون الى معاقبة أنفسهم ومن حولهم بغض النظر عما يمكن أن تؤول اليه الأمور. : قد تمضي سنوات يبدأ بعدها محاولات لرأب الصدع في السفينة التي كانت تحمل ركاباً آخرين.. فينتبه أن المركب لم يعد موجودا أصلا وأن الركاب اختفوا، بعضهم غرق وآخرون نجوا واستقروا بعيداً بعيداً بعيداً حديث عابراليوم في إحدى المدن الصغيرة في وسط منطقة جويلف بكندا، دخلتُ وصديقتي محلاً لبيع الأدوات المنزلية، سألتنا السيدة المسنة: ماذا تتكلمون؟ قلنا: العربية، قالت: صوت لغتكم جميل لكنه صعب.. قلت: ليس تماما، هل تودين تعلم كلمة عربية؟ قالت نعم (كلمة تحية) قلت: أهلا. أعادت الكلمة مبتسمة: (أهلا)..وقفنا عند الدفع، تابعت: هل أنتم من المنطقة المنكوبة (تقصد غزة)، قلت: نعم هؤلاء أهلنا... بدا عليها التأثر وقالت: أنا آسفة جداً لما يحصل وهو أمر لا يُحتمل.فكرة قلقة دائمة ما الذي يجعل شخصا في علاقة إنسانية قوية مثل صديق طفولة أو رفيق عمر يستغني فجأة عن الطرف الثاني دون أن يقدم سببا لذلك؟لماذا ينأى الناس بأنفسهم عن المواجهة؟ : هل يختفي شعور التعاسة بأن تفقد شخصا عزيزاً على قلبك لأنه قرر ذلك دون الرغبة في الإفصاح عن السبب؟: بعد مدة يصبح مثل ألم جرح رصاصة قديم لم يقتلك.. يوجعك في ليلة باردة.. حديث سكينةنحن نوع من الناس نحب أن نربط تفاصيل حياتنا اليومية بالذكريات.. فتجعل من صنع فنجان القهوة الصباحي اليومي..روتيناً محبباً وولوجاً سعيداً في مشهد صباح عمّاني يحمل عطر الوالدة وابتسامة صديق قديم وهدية من خال لم نره منذ زمن..  وتجعل من كوب الشاي على حافة النافدة قصيدة، تحمل أبياتا تتغزل بأمي وابتسامتها.. وبعض أيام من حياتي قضيتها أجمع زهرات الياسمين عقداً يطوق عنقها المبارك.
أحيانا الواحد بيتكسف من روحه لما يقدم نفسه للناس في منطقتنا (اللي هي أهدى مكان على وجه الأرض) على إنه من الأشخاص محبي السلام! الناس فجأة بتبصلك على إنك كائن جاي من مجرة بعيدة، وماعندوش فكرة عن سلو بلادنا هنا. ويبتدوا يسألوك أسئلة زي: إنت محب للسلام؟، يعني إيه يعني محب للسلام؟ وتحب السلام ليه يا أخي؟ مين عمللك إيه يعني في حياتك عشان تبقى عايز الدنيا تمشي في هدوء من غير مشاكل وما تصحاش مع طلعة كل شمس تقول: هات عاليها واطيها يا رب؟في بدايات الحرب الحالية، إبان أحداث السابع من أكتوبر، أتذكر البعض اللي كان قلقان من رد فعل إسرائيل على العمليات، وكالعادة خرجت الأصوات تلوم القلقانين وتتهمهم بالتخاذل وبإنهم مش قاريين الموقف صح، وإن هيحصل إيه لأهل غزة يعني أكتر من اللي حاصل لهم، ولما دارت دواير الحرب وشاهدنا كلنا إنها تحولت لحرب تطهير عرقي ونتج عنها واحدة من أكبر المآسي البشرية عبر التاريخ، لسه برضه اللي بيتساءل عن أي حل سلمي يوقف ماكينات الحرب ولو شوية عشان الناس حتى تدفن موتاهم أو بييجي على طرف لسانه أي حديث عن عواقب الأفعال، والنتيجة الثقيلة لأعداد الضحايا من المدنيين، وجثث الأطفال اللي ما كانتش هتترص بالكثافة دي لو أي حد في أي حتة فكر في نتايج اللي بيعمله، وإن الانتصارات المعنوية إن وجدت مش هتبرر أنهار الدماء اللي سالت ولسه بتسيل، هتلاقي كم من الأصوات اللي طالعة تخرس المتحدث وتتهمه بالعمالة والخيانة، حتى وإن كان المتحدث يتحدث من داخل بيته المتهدم محاط بجثامين عائلته، واللائمين بيلوموه من بيوتهم جالسين تحت أجهزة التكييف.!وإن كان لحساسية القضية تأثير، ولطول مدة الصراع أثرها في التنظير، فإيه تفسيرنا للي حصل خلال هذا الأسبوع مثلا عندما خرجت المسيرات الإيرانية عشان تناوش في المنطقة المحيطة بإسرائيل وتقول أنا أهه، أقدر أوصل لو عايزة، بس مش وقته! وإذ بجموع الشعوب العربية مستاءة جدا إن إيران ما استخدمتش النووي وقضت علينا كلنا، واعتبروها لأنها لم تشعل فتيل آخر للحرب، كانت بتقوم بتمثيلية أو شيء من هذا القبيل!يا جماعة الخير، واحنا هنستفيد إيه طيب من حرب إضافية في المنطقة؟، هل مش مفهوم إنها هتضر بمصالح أبرياء وهتسقط ضحايا من المدنيين، هل مش متوقع انها هتوقف حال التجارة والصناعة والسياحة وهتنحدر بأساسيات الحياة في المنطقة ككل لأسفل سافلين؟إيه الجميل قوي في الحروب اللي مخليكم حابينها ومتحمسين لها للدرجة دي؟ هل هو حب للأكشان مثلا؟ هل احنا ناقصنا ثريللر في حياتنا؟. أصل احنا مش عايشين في منطقة هادية لا سمح الله ولا مملة لا قدر الله! ده احنا حرفيا كل أسبوعين فيه مصيبة سودة نازلة ترف فوق نافوخنا! على العموم أنا مش عايزة أعضاء (رابطة كارهي السلام) يقلقوا خالص في أي وقت، لأنه من الواضح إن منطقتنا على العهد دايما، لا عمرها كانت هادية ولا هتهدى وهتفضل طول الوقت مولعة ومش لاقية اللي يطفيها، ولا عزاء لأي محب للسلام! 
هناك حولنا أشخاص يعلقون على مختلف تفاصيل الحياة، ثم، هناك صنف ثانٍ من الأشخاص، يتحدثون في المطلق ويحكمون على كل شيء بتعميم مرعب. لا يفهمون أنك قد تكون مختلفا... أن اختياراتهم قد لا تناسبك، أن ما هو مهم بالنسبة لهم قد لا يروق لك وأن ما هو أساسي بالنسبة لك قد يكون تافها أو غير ذي قيمة بالنسبة لهم. لديهم رأي حاسم في كل شيء وفي كل شخص. لا يفهمون أن العالم واسع جدا وأن الاختيارات المتاحة متعددة. هناك حولنا أشخاص يعلقون على مختلف تفاصيل الحياة كالتالي: -    "كاختيار شخصي يتعلق بحياتي، أرى أن الحياة الزوجية هي كذا"؛ -    أو مثلا: "بالنسبة لي، أحب أن أحتفل برأس السنة بهذه الطريقة"؛ -    أو "اخترت أنا وزوجتي، أو أنا وزوجي، أن ننجب طفلا واحدا، فقط لا غير". إلى غير ذلك من الاختيارات الحياتية الشخصية...ثم، هناك صنف ثانٍ من الأشخاص، يتحدثون في المطلق ويحكمون على كل شيء بتعميم مرعب:  -    "الحياة الزوجية هي كذا، وهي لا تستقيم إلا بكذا"؛ -    أو: "بناء المسار المهني للشخص يجب أن يكون بالشكل التالي، وإلا فإنه لن ينجح في حياته"، -    أو: "لا معنى للحياة بدون أطفال، والأشخاص الذين يرفضون الإنجاب هم أشخاص أنانيون أو غير أسوياء"؛ -    أو "الدراسة في هذا التخصص ليست مفيدة بتاتا"... -    أو: "لا معنى لتبذير النقود في السفر... الادخار أهم من السفر". لهم رأي حاسم في كل شيء، حتى حين يتعلق الأمر باختيارات الآخرين، وحتى حين يتعلق الأمر بتفاصيل تحتمل عدة قراءات وعدة تأويلات.  لا يفهمون أنك قد تكون مختلفا... أن اختياراتهم قد لا تناسبك، أن ما هو مهم بالنسبة لهم قد لا يروق لك وأن ما هو أساسي بالنسبة لك قد يكون تافها أو غير ذي قيمة بالنسبة لهم. لديهم رأي حاسم في كل شيء وفي كل شخص. لا يفهمون أن العالم واسع جدا وأن الاختيارات المتاحة متعددة.هؤلاء طبعا، في معظمهم، هم من يحكمون بشكل سيء جدا على من يختارون تفاصيل مختلفة، في الحياة والدين والزواج والعمل والحب. لكن تساؤلا مشروعا يستحق أن يطرح: هل هم غير قادرين على تصور الاختلاف، وهل هم سيئون بهذا القدر مع من يختلفون معهم، لأنهم محدودو الرؤية غير قادرين على استيعاب الاختلاف، أم لأنهم ربما يحسدون من يملكون جرأة الاختيار والاختلاف، فيتهجمون عليهم غيرة من شجاعة لا يمتلكونها؟ أو ربما يجوز التفسيران، حيث يجتمع قصر النظر وعدم القدرة على استيعاب الاختلاف، مع الغيرة ممن يملكون شجاعة الاختلاف! 
أهلا أهلا بالعيد، مرحب مرحب بالعيد. وعلى الرغم من كل ما يرتع في الدنيا من جنون، وعلى الرغم مما نلاقيه يوميا من غلظة وجلافة وتوحش يكاد يشككنا في جدوى الوجود، وضرورة الصمود، وقيمة الاحتفال وعلى الرغم من إننا كشعوب نميل في أحيان كتيرة للنكد والأفورة. فستظل نار الدنيا في حاجة إلى نسمة هواء تلطف من زمهريرها، وإن جاءت تلك النسمة عن طريق بسمة أو ضحكة أو احتفال فأهلا بيها يعني، حد يزعل أو يمانع؟بس عادي، فيه ناس بتزعل وتمانع. قبل رمضان كان فيه آراء كتير بتقول بلاش تحتفلوا برمضان السنة دي يا جماعة، عيب ما يصحش تعملوا كنافة وقطايف، ولا تتفرجوا على برامج ومسلسلات، تأدبوا، انتم مش شايفين اللي بيجرى لاخواتنا جنبنا. ثم إذ بينا نفاجأ بإن اخوتنا اللي جنبنا أصلا بيعدوا العدة على قدر ما يتاح ليهم من استعدادات لرمضان. بل إني قريت تقرير صحفي عن وجود سوق لبيع وشراء حلقات مسلسلات رمضان المصرية حلقة بحلقة وقت نزولها، والرواج الأكبر كان للمسلسلات الكوميدية.تخيل معايا شاب بيشتري حلقة مسلسل، تتنقل له على موبايل مشحون بالعافية، جالس في بيت مهدم أو مهدد بالهدم محاولا إنه يخطف من عمر الزمن هدنة دقايق يفتكر فيها البشر كانوا بيضحكوا "ازاي! المثال الحي لأبيات الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا. واحنا كمان نحب الحياة ، كمنطقة وشعوب وثقافة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، عدت علينا حروب ومآسي وأوبئة ومجاعات، وكما يقول المثل الشعبي، ياما دقت ع الراس طبول. صعب جدا في أحلك الظروف اللي بتمر بينا أو بآخرين يعزوا علينا نتخلى عن تمسكنا بالاحتفال بأي مناسبة معدية، ده احنا حتى أحيانا بنتلكك عشان نحتفل ونعمل أكلة مخصوصة للاحتفال، وهوب تبقى تقليد بنلتزم بيه بشكل يكاد يكون مقدس مهما كانت الظروف المحيطة حالكة السواد، ومهما كانت الأكلة ذات نفسها ممكن تقلب الدنيا سواد: (أنظر باب الرنجة والفسيخ في شم النسيم والتحذيرات السنوية عن مدى خطورتهم وتجاهلنا التام لكل التحذيرات). بل إننا ساعات بنعمل أكلات احتفالية لأحداث مأساوية برضه من باب التلاكيك: (أنظر باب حلوى أم علي اللي اتعملت احتفالا بإن واحدة سلطت على واحدة تانية الجواري يموتوها ضربا بالقباقيب). ثم إن الاحتفال في حد ذاته وكأنه غصن أخضر بينبت بين الركام. بيقول للي تكالبوا علينا إننا ما انتهيناش، ما يأسناش، وعارفين إن هييجي يوم قريب نرجع فيه نعيش كما يعيش البشر، ونسعى ونحلم ونتعب ونضحك بملء أفواهنا. حاجو بتقول: إحنا هنا، ما فقدناش الأمل في بكرة وما انتهيناش. وده شيء بيحرق دم أعداءنا بالمناسبة، حاجة كده زي التكبيب اللي بتكببه الستات في المناطق الشعبية وقت الخناقات. قضينا رمضان ولسه قادرين نحس ببهجته، واحتفلنا بأيام العيد وصلينا، وتبادلنا التهاني، ودفعنا العيديات وأكلنا الكحك والبسكويت، عشان احنا هنا و هنفضل هنا، وهنفضل محتفظين بحب الحياة، إذا ما استطعنا إليها سبيلا. 
مؤخرا أصبحت متداولة بين فتيات الجيل الجديد سواء من العربيات أو الغربيات فكرة الزواج من رجل ثري يتحمل كل المصاريف، وتعيش هي كأميرة خالية من أي مسؤولية، وتقضي حياتها في تصوير كوب القهوة، والطائرة الخاصة، ثم تنشر الصور على الإنستجرام. الفكرة شبيهة بقصة سندريلا عندما يأتي الأمير الثري، وينقذها من المطبخ، ومسح الأرض، ويأخذها للقصر الذي لا نعرف ماذا يحدث فيه بعد ذلك. الغريب أن ظاهرة الزوج الثري هذه أتت بعد الفكرة التي كانت شائعة بين بنات جيلي، وهي فكرة المرأة القوية التي تعتمد على نفسها لكيلا يأتي رجل يتسبب في إذلالها لأنها تحتاج إليه. هذه الفكرة كانت نتاج سنوات من القهر رأيناها لنساء في الزمن الماضي كن غير متعلمات، ولا يستطعن العمل، فيضطررن لتحمل حياة بائسة بدلًا عن الفقر، والحاجة للآخرين. لكن يبدو أن فتيات الجيل الجديد نسين هذه الحقيقة ويعتقدن أن الزواج من ثري وحده كافٍ، ولا داعي لأن تطور نفسها، فمهمتها يجب أن تتركز في الحصول على (شوجر دادي) بالحلال في أسرع وقت ممكن.يأتي هذا الفكر مع انتشار برامج تسهل الربح السريع عبر عرض النساء لأجسادهن مثل برنامج "only fans" الذي تعتبره بعض الفتيات مباحًا لأن لا تلاقي فيه، وإنما يدفع الرجل أموالًا في مقابل المشاهدة فقط عبر الأثير. فكرة التوقف عن العمل، والاعتماد على الزوج ربما جيدة إن كان الزوج ثريًّا، أما إن كان (على قد حاله) فلن يكون الزواج بدون عمل له نفس الرومانسية، فهو وحده لن يستطيع تحمل مصاريف البيت. أنا لست ضد أن ترتاح المرأة إن اختارت أن تتزوج من ثري بشرط أن تختاره لأسباب أخرى أيضًا، وليس فقط من أجل أمواله، وأن تضمن مستقبلها لكيلا تتعرض للإذلال. وأيضا أؤيد أن يتعاون الزوجان ماديًّا في حالة كان الزوج غير قادر بشرط أن تكون المشاركة أيضا في المطبخ، ومسح الأرض، ولا تكون سندريلا وحدها من تقوم بكل الواجبات. 
تخيفني، أحياناً، بعض الاكتشافات المسمّاة "علمية". تخيفني لأن الجديد منها قد يطيح بما سبقه وحتى ينقضه. وقد شهدنا ذلك مرارا خلال العقود الماضية. اذ تظهر فجأة دراسة تشيد بفوائد مادة معينة، ثم تظهر بعد مدة دراسة أخرى تفيد بأن المادة إياها مضرة، وهكذا دواليك. مناسبة هذا الحديث اليوم، بحثٌ جديد اطّلعت عليه حول الغرائز الجندرية المزعومة. اذ طويلاً تحدّث علم النسل عن غريزة "بناء العش" لدى الأنثى، وغريزة "الصيد" لدى الذكر. أي أن العلم كان يدّعي أن الأنثى، بغريزتها، تبحث عن البيت والأمان، والرجل، بغريزته، يبحث عن المغامرات والطرائد. هذا ما سمعناه مراراً وتكراراً في دروس العلوم الحيّة وقرأناه في الصحف والمجلات العلمية. ولكن، هاكم المفاجأة: أثبتت الدراسات الحديثة أن هذه الفرضية خاطئة، ليس فيها أي شيء من الصحّة. لنفكّر معاً للحظة كم سمّمت هذه النظرية، وذكوريتها الجلية، من الأجيال والعقول والروابط على مرّ الزمن، قبل أن يَثْبُت بطلانها الآن؟ ثم حدّثوا ولا حرج عن الاكتشافات المرتبطة بالطب وصحة الإنسان. هنا بحث يزعم أن الأفوكادو مفيد، وهناك دراسة تؤكد أنه يزيد نسبة الدهون في الدم. هنا لقاح يحمي من مرض خطير، ثم يتبدّى أنه يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض أكثر خطورة. هنا طبيب يؤكد أن جسم الإنسان غير مؤهل لهضم اللحوم، وهناك طبيب آخر يثبت أن النظام الغذائي النباتي يلحق أضراراً هائلة بالبنية. قالوا إن السكر سم قاتل فاستبدلوه بالمحليات الصناعية، ثم اكتشفنا أن المحليات الصناعية تتسبب بالسرطان. وهلم جرّاً. لكأننا في غابة لا قانون فيها ولا دستور، وحياتنا رهن لعبة نرد، إما تصيب وإما تخطئ. أما شرط البقاء فالمصادفات، وقدرتنا على التعايش مع كل هذه التناقضات التي تعصف بأقدارنا وأجسادنا. تناقضات تغذيها، حصراً تقريباً، الديناميات الاقتصادية والمالية لشركات كبرى تتحكّم بما نأكل ونشرب ونستهلك وسواها.كيف الخلاص من هذا العبث؟ هو يكمن في رأيي في قدرتنا على مقاربة كل ما يقال لنا بقدر عال من التشكيك، خصوصاً عندما يصير موضة منتشرة، وربما أيضاً في العودة الى نمط عيش أسلافنا، أي الحياة "على البركة" وبلا كثير ضبط. هذه بدورها لعبة نرد، لكن النرد في الأقل هو هنا في أيدي الطبيعة، لا أصحاب المصالح.
أتأمل النقاشات حول تعديل مدونة الأسرة في المغرب، وأنا منقسمة بين ألم وابتسامة... ألم وأنا أرى تشبث البعض بأفكار وقيم وممارسات لا يمكن القبول بها في مغرب اليوم: تزويج الصغيرات، حيث يعتبر الكثير من مناهضي التعديل أن سن 14 سنة مناسب للزواج، ويقول بعضهم إن الأساس ليس البلوغ وإنما القدرة على الجماع!  هوس ذكوري بالجنس مع الطفلات، إذ أي قدرة على الجماع وأي رغبة جنسية لدى طفلة؟ لكن، من تحدث عن الرغبة؟ حَمَلة هذا الخطاب لا يعترفون بحق النساء في المتعة والرغبة الجنسية! الاغتصاب الزوجي عندهم بدعة غربية تهدد الأسر المغربية.يعتبرون المساواة في الإرث تهديدا للدين. فهل سيصبح الشخص أقل إسلاما حين يتساوى في الإرث مع أخته؟ بل أنهم يكذبون على الدين حين يقولون إن هناك حالات كثيرة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحين تسألهم عنها، يقدمون حالة ترث فيها الابنة والزوجة أكثر من قريب آخر للميت، في مغالطة وكذب بيّن، مادام مستوى القرابة ليس نفسَه. ويكذبون على الله حين ينسخون آيات الوصية جميعَها بحديث نبوي مشكوك أساسا في صحته وسنده. بل حتى لو كان صحيحا، متى كان الحديث ينسخ القرآن؟ ويتشبثون بالتعصيب، ومعظمنا عايش الكوارث الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية لتطبيقه في واقعنا الحالي.أتأمل كل هذا بألم وابتسامة وأتساءل: حين تم إلغاء العبودية من القوانين والمجتمعات التي سبقتنا، هل وقعت نفس أشكال المقاومة؟ وهل خرج عشرات الأشخاص يعترضون على تغيير دين الله وضد الاعتراض على آيات صريحة؟ لكننا اليوم، باستثناء بعض الأفكار المتطرفة، ننخرط في مجتمعات لا يمكنها أن تقبل فكرة شراء وبيع البشر وامتهانهم إنسانيا واجتماعيا وحقوقيا وجنسيا. وحين تم إقرار تعليم البنات، ألم تخرج نفس أشكال المقاومة والرفض والتهديد وشعارات الخوف على قيم المجتمع وتهديد الأخلاق وقيم الأسرة؟الحقيقة أن سيرورة المجتمع في تغير مستمر، بممارساته وقيمه وقوانينه. الحيف ضد النساء هو واقع أكيد لا تنكره إلا عقلية ذكورية أو راغب في الوصاية أو مطبِّع مع العنف والظلم. لا نعرف بعد ما قد تقدمه الصيغة الجديدة لمدونة الأسرة من تعديلات. لكن، يوما ما، ستقرأ عنا الأجيال المقبلة وستضحك مستغربة من واقعنا اليوم ومن نقاشات تصر على الحفاظ عليه كما هو!
تابعت خلال الأيام الماضية ردود الأفعال الغاضبة على برنامج تبثه قناة (سي بي سي). هذا البرنامج الرائع -من وجهة نظري- يقدم فيه شباب وشابات صغار في السنّ تساؤلات عن أمور دينية، ويجيبهم الدكتور (علي جمعة)، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الديار المصرية سابقاً. لا أعرف هل ردود الأفعال هذه تعكس فعلاً آراء الناس أم أن المتطرفين يسيطرون على وسائل التواصل. أتمنى فعلا أنهم لا يمثلون آراء أغلب الناس، فقد رأيتهم يكتبون مستنكرين ما قاله دكتور (علي جمعة) بخصوص الاحتفال مع المسيحيين في حفلات الخطوبة، والأفراح داخل الكنيسة. كنت أظن أن من الطبيعي أن تذهب الناس، وتحتفل مع أصحاب الفرح، وأن الذهاب للكنيسة أمر عادي في بلد مثل مصر يوجد فيه تجانس مجتمعي. وقد رأيت الكثير من المسيحيين يذهبون لمساجد في عدة دول، لكنني تفاجأت بأن الناس يكتبون مستنكرين هذا الأمر، ويصفون د. (علي جمعة) بأنه لا يصلح أن يفتي، وأنه من المذهب الصوفي "المنحرف" إلى آخره من الكلمات المسيئة. هذا كان عن ردود فعل غاضبة ترفض مشاركة المسيحيين الاحتفال في الكنائس، ولكن ليس هذا فقط ما يغضب هؤلاء، فهم يغضبون أيضا لماذا تكتب الفنانة (إليسا): "المسيح قام" لتعبر عن يوم الفصح. قامت الدنيا، وبدأوا بشتمها، ووصفها بأسوأ الكلمات، ويبدو أنهم نسوا أو تناسوا أننا في رمضان وأن عليهم الالتزام بعدم أذية الناس بلسانهم. وأعود، وأتساءل هل هؤلاء الأشخاص حقيقيون، أم أنها حسابات وهمية تريد أن تظهر هذه الصورة السيئة؟ خاصة ونحن نرى حسابات كثيرة وهمية تتبع حركات دينية متطرفة. فمثلا الحوثيون لديهم الكثير من الحسابات على منصة x أو تويتر سابقاً التي ليست لأشخاص حقيقيّين، وبمجرد أن تمدح الحوثيين تجد ألفي إعجاب على تغريدتك. هذا التفاعل يجعل من يريد أن يشعر بأنه مهم أن يقوم بكتابة المواضيع التي ستجعل هذه الحسابات تتفاعل معه بكثرة، ومؤخرا أصبح هذا التفاعل ليس فقط ينفخ "الإيجو" الخاص بك، ولكنه قد ينفخ محفظتك، ويجلب لك الأموال بعدما أصبح بالإمكان الحصول على أرباح في الفيسبوك وx. سواء كانت هذه الحسابات حقيقية أم لا، فإننا فعلا نحتاج للكثير من هذه البرامج التي تنادي بالتسامح، ومحبة الآخر المختلف عنّا دينيًا، وتشرح أهمية تفهّم أن العالم هذا فيه الكثير من الأديان، وأن علينا تقبّل ذلك، وعدم لوم الشخص، وإهانته فقط لأنه يقول شيئًا لا نؤمن به نحن، طالما وأنه لم ينشر كراهية، ولم يتسبب بأذية.
قرأتُ مؤخراً قصة عن شاب كان راسباً وفاشلاً في المدرسة، ويفكّر جدياً في ترك الدراسة. قدّم هذا الشاب امتحان البكالوريا كلعبة أو مجازفة، من دون كثير أمل في النجاح، لكنه حاز، يا للعجب، علامة عالية جداً.   دفعه ذلك الى تغيير رأيه في مسألة متابعة تعليمه، فانتسب الى إحدى الجامعات، ثم تخرّج وأصبح أحد رجال الأعمال الأكثر شهرة وثراء في العالم. في أحد الأيام، وبعد سنوات عديدة، تلقّى ذلك الرجل رسالة من هيئة التعليم الثانوية، تبلغه عن أخطاء وقعت في نظام احتساب النقاط خلال السنة التي قدم فيها امتحان البكالوريا، وأن علامته في الواقع كانت تحت المعدّل المطلوب بكثير. طبعاً، لم يكن للمعلومة أي تأثير على حياته في تلك المرحلة المتقدمة، لكن الرجل روى قصته هذه، لكي يبين المفعول الهائل لثقة الإنسان في نفسه، ولنظرته الى نفسه، على مجرى حياته.مَن يقال له مراراً وتكراراً خلال نشأته إنه فاشل، أو ضعيف، أو بلا نفع، أو لا يكفي، سيصدّق، وسيكبر غالباً ليصير فاشلاً أو ضعيفاً أو بلا نفع أو غير كاف، اللهم إلا إذ أتاحت له ظروف الحياة واختباراتها أن يطوّر شخصيته ويقوّيها رغماً عن نشأته المدمّرة تلك، فيتمكن من تغيير الرؤية المطبوعة فيه عن ذاته منذ الصغر. لكن هذا، كما نعلم، ترف لا يعطى لكثيرين. أتحدث عن هذا الموضوع لأني ما زلتُ أرى التأثير السلبي الهائل لهذا الأسلوب التربوي على الأولاد في مجتمعاتنا. إذ لا يزال آباء وأمهات كثيرون يعتبرون أن الانتقاد المستمر حرصٌ، والتركيز على النواقص حبّ، وأنهما يؤديان الى شدّ العود وتمتين الشخصية، بينما هما قد يؤديان في الواقع الى تحطيم الثقة في النفس بطريقة من الصعب شفاؤها في المستقبل.فلنكن دائماً واعين كأهل إلى تأثير طريقة النظر الى الذات والآخر في عيش أولادنا لحياتهم كراشدين، وتفاعلاتهم مع من حولهم، ونجاحهم أو فشلهم في شتى المجالات. ليس المطلوب المبالغة في تدليلهم طبعاً، فلهذا بدوره تأثيرات سلبية من نوع آخر، ولكن لنحتضن نقاط الهشاشة فيهم بدلاً من التركيز عليها واختصارهم بها. ولنحتضن، أيضاً وخصوصاً، نقاط الهشاشة فينا.
 عن عدل البشر قال جبران"والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا          بهِ ويستضحكُ الأموات لو نظروا   فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا               والفخرُ والإثراءُ إن كبروا  فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقر                      وسارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر  وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ                         وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ"   منذ ستة أشهر يشاهد العالم قتلا يوميا يذهب ضحيته بشر وشجر وحجر في غزة.. صغار يقتلون بالقنص والتجويع وكثيرون منهم ومنا قتلت أرواحهم! المجرم واحد لكن الجريمة مغفورة ..."حافظوا على إنسانيتكم" “: خذ بعض القطط، قططاً صغيرة ناعمة، ضعها في صندوق من الكرتون"، قال جمال الذي يعمل جراحاً في مشفى الشفاء، وهو المشفى الرئيس في غزة، بينما وضع أحد الممرضين أمامنا صندوقين من الكرتون ملطخين بالدم. علق جمال: اختمه! وبعدها اقفز عليه بكل ثقلك وقوتك حتى تشعر بأن العظام الصغيرة قد طُحنت، ثم تسمع المواء الأخير المكتوم". حدقت بالصناديق بدهشة وتابع الطبيب: حاول أن تتخيل ما قد يحدث بعد أن يتم توزيع صور هذا الصندوق! غضبٌ لدى الرأي العام ناجم عن دوافع أخلاقية، إضافة إلى احتجاجات جمعيات الرفق بالحيوان..." كنت غير قادر على إشاحة نظري عن الصناديق التي عند أقدامنا. : أوقعت إسرائيل مئات المدنيين في فخ عبر حصارهم في مدرسة وكأنهم في صندوق وكان بينهم أطفال ثم عملت على سحقهم بقنابلها القوية. ماذا كان رد فعل العالم؟ تقريباً لا شيء! كان من الممكن أن نكون أفضل حالاً لو كنا حيوانات أكثر من كوننا فلسطينيين، فقد كان يمكن أن نكون محميين.عند كلامه حول هذه النقطة انحنى الطبيب على أحد الصناديق وفتح غطاءه أمامي. كان في داخله أطراف مبتورة، أذرع وأرجل، بعضها من الركبة إلى الأسفل، أعضاء أخرى مع عظم الفخذ ملحقاً بها الأعضاء المبتورة كانت قد أصيبت في مدرسة الفاخورة التابعة للأمم المتحدة في جباليا..٧ يناير ٢٠٠٩ | من مذكرات فيتوريو أريغوني يكمل جبرانإن عدلَ الناسِ ثلجُ.. إنْ رأتهُ الشمس ذابْأعطني الناي وغنِ.. فالغنا عدلُ القلوبْوأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الذنوبْ.هل حقاً تفنى الذنوب؟
تم البدر بدري والأيام بتجري، وقربنا نودع رمضان بمباهجه وروحنياته، وزي ما احنا متعودين كل سنة، فحان الآن موعدنا الرسمي مع خناقة العيد، أو بمعنى أصح: خناقتين العيد. فيه خناقة عيد معروفة وشائعة في البيوت، بتحصل بين رب وربة الأسرة. أظن بتبتدي بذرتها بالشحنات الاقتصادية الموجود في الهوا اللي بتنشأ من النقاشات حوالين مقدار فلوس الكحك والمرجو من مصاريف لبس العيد، والحكمة في قبول دعوات عزومات العيد،ويا ترى أول يوم هنقضيه عند مين؟ أمه والا أمها؟ ده غير العيديات اللي لازم تتوزع بميزان دهب بين أطفال العيلتين عشان نتأكد إن غلاوة عيال فرع عيلته من غلاوة عيال فرع عيليتها بالظبط.  لكن فيه خناقة تانية بتبقى على مستوى أوسع وأعم. ألا وهي الخناقة السنوية والخلاف المستمر على طريقة إخراج زكاة الفطر. اللي هي كلها على بعضها في مقام ٣٥ جنية مصري. لكن مافيش ٣٥ جنية بتزرع الضغائن بين الأصدقاء وبتثير حفيظة أفراد العيلة الواحدة تجاه بعضهم، وتصل إلى درجة التشكيك في النيات، وصدق التدين، والامتثال لأوامر الله ورسوله، أد ال٣٥ جنية دول.خناقة كل سنة بتاعة: (هل يجوز إخراج زكاة الفطر في صورة مال؟) دي أبهرتني أول ما كبرت وحضرتها لأول مرة. في الأول استغربت السؤال: هل يجوز إخراجها مال؟ أمال هي بتخرج إيه؟ وكانت الإجابة الحاسمة: في صورة حبوب طبعا.بيني وبينكم ولأني ما انتبتهتش للموضوع ده غير بعد دخولي الجامعة، وبما إني كنت بدرس في كلية صيدلة و كنت ساذجة حبتين، أول حاجة خطرت على بالي هو إن الكلام عن شريط حبوب دوا، ومافهمتش قوي، يعني بابا المفروض يطلع عني شريط بروفين مثلا؟ ، وبعدين لما فهمت إنها حبوب بمعنى أرز مثلا أو ذرة أو ما شابه ذلك، ما لقطتش سر الإصرار اللي عند البعض إنه: يا كده يا إما تبقى زكاة فطرك باطلة!. طب ليه يا جدعان؟ مش الهدف من زكاة الفطرهو التكافل؟ مش الهدف هو إننا نساعد الفقير بشكل يحفظ له كرامته؟ ، يعني لو الفقير ده بيجيله زكاة من أكتر من شخص وكلهم ادوله أرز أو ذرة. هل ده كل اللي هو محتاجه في الحياة؟ مش عايز يلبس؟ يدرس؟ يدفع إيجار متأخر؟ يتعالج؟، يبقى إيه المشكلة لما نديله في إيده الفلوس ونترك له تصريف أحوال معيشته زي ما هو محتاج؟ . يصر أصحاب فريق الحبوب على آراءهم ويتربسوا ويعلنوها عالية: حبوب يعني حبوب.. الرسول عمره ما طلع مال. أيوة ما الرسول نفسه كان بيقول (أنتم أدرى بشئون دنياكم). يبقى ليه المغالاة وليه التقفيل؟ وليه التغاضي عن هدف الفروض والواجبات الدينية وكأنها مفروضة وواجبة لأهداف غامضة تفتقر للمرونة ومالهاش علاقة بتصاريف حياتنا وتطور الظروف والزمن؟التعليق الوافي اللي قريته من سيدة بتتجادل مع آخرين شايفين إنه من الأولى إخراج المال لأنه أصلح للفقير، كان لما ردت عليهم و قالت: مصلحة صيامي وسلامة ديني أهم من مصلحة الفقير.وهنا بيحس الواحد مننا إنه بيدن في مالطا، بل إنهم غالبا في مالطا لو شرحتلهم فكرة زكاة الفطر وأطلعتهم على الخناقة السنوية دي، والنبي هتلاقيهم فاهمين ومرنين أكتر من كتير من المتشنجين.  
في شهر واحد، توفيت الصحافية المغربية المتميزة فاطمة الوكيلي. قبلها بقليل، رحل عن عالمنا إنسان نبيل هو رضى دليل، الكاتب ومدير نشر مجلة تيل كيل. قبلهما بأيام قليلة، توفي الفنان المغربي عبده الشريف إثر أزمة قلبية فاجأته ليلة واحدة قبل حفله أقرأ على مواقع التواصل تدوينات لأشخاص يكتبون عنهم أشياء طيبة، يستحقونها بالتأكيد.لكن، هل كانوا يعرفون كم يحبهم كل هؤلاء؟ أم أن معظمنا ننتظر أن يرحل من نحب لكي نكتب عنهم كلاما طيبا؟ هل علينا أن ننتظر دورنا في طابور الموت حتى يكتب عنا الأهل والأصدقاء كم كنا جميلين ورائعين؟هذه أزمتنا للأسف: أننا ننتظر رحيل من نحبهم لكي نتألم ونبكي ونكتب كلاما جميلا، معظمه صادق، لكنه يأتي بعد أوانه. بينما الحقيقة أن كل لحظة قد تكون لحظتنا الأخيرة؛ وكل وقت نقضيه مع من يهموننا قد يكون الأخير.قرأت مؤخرا تدوينة لشخص جلس يقرأ رسائله الأخيرة مع زوجته بعد رحيلها، وشعر بوخزات ألم لأنه كان مشغولا وكتب بعض الرسائل بعجالة. لم يكن يدرك أنها رسائلهما الأخيرة. تفصيلة صغيرة قد نعيشها جميعا. مكالمة هاتفية. تحية الصباح ونحن نتوجه لعملنا. رسالة مستعجلة... كل هذه قد تكون آخر ما نقتسمه مع شخص يهمنا ونحبه. بالتأكيد، هناك تفاصيل الحياة التي تأخذنا، ودوامة الالتزامات، وضغوطات العمل والأسرة والتفاصيل المادية... لكن، كم سيكون جميلا لو حاولنا بين الفينة والأخرى أن نتوقف قليلا لكي نسأل: ماذا لو كانت هذه اللحظة الأخيرة؟ ماذا لو كانت هذه آخر مكالمة؟ ماذا لو كانت هذه آخر رسالة؟ ساعتها، قد نقوم بمجهود صغير لكي نبتسم، ولكي نستمتع بالمكالمة أو المراسلة أو الوقت الذي نقضيه مع هذا الشخص.الحقيقة أننا جميعنا معنيون بهذا التمرين، أنا وأنتم وأنتن.... حتى لا نعيش الندم بعد كل رحيل. لنأخذ بعض الوقت. لنقل ما نشعر به لمن حولنا. لنمدح على من نشتغل معهم حين يعجبنا عملهم. بعد رحيلهم، لن يعرفوا شيئا مما نكتبه عنهم. وبعد رحيلنا، لن نستطيع أن نسعد بما قد يكتب عنا أو يقال في جنازاتنا.لنحب ولنعبر عن الحب ما دمنا على قيد العيش!
حياتنا اليوم فيها الكثير الكثير من الخيارات. تفكر أن تشتري شيئًا، فتجد العديد من المواقع التي تبيع ما تريده. تفكر في الارتباط، فتجد العديد من الخيارات التي تجعلك ترتبك، وتتردد، وتصبح غير قادر على معرفة ما تريده، وما تحبه، وتصبح حياتك عبارة عن بحث دائم إلى ما لانهاية.  وجود خيارات عديدة أفقد الأشياء معانيها، لا أريد أن أبدو كأنني من عصور قديمة كارهة لهذا الزمن، ولكن عندما كان هناك مسلسل واحد، أو اثنان في رمضان، وبرنامج فوازير واحد، وقناة واحدة، أو اثنتين كانت هناك متعة، وتركيز، وجودة، وأيضًا إخلاص للشيء الذي تحبه. لا أنكر أنني كنت أشعر بالكآبة في طفولتي أن عليَّ أن أنتظر كارتون الأطفال في وقت محدد، وأُرغم على مشاهدة البرامج الكئيبة التي تأتي قبل كارتوني المفضل، ولكن رغم وجود الفيديو كان للكارتون في التلفاز طعم آخر. اليوم الطفل يجد مليون كارتون، ولعبة على الآيباد، وينتقل من واحدة لأخرى، ولا يستطيع أن يركز، ويرتبط بلعبة واحدة، وبرنامج أطفال واحد، أو اثنين. لا أدري هل هذا جيد للأطفال أم سيء بأن يفقدوا القدرة على التعلق، ولكنه بالتأكيد سيء بالنسبة للكبار، وعلاقاتهم العاطفية. تحكي لي صديقة كيف أنها لا تستطيع أن تختار شريكًا للحياة. الكثير من مواقع المواعدة، الكثير من الصور، تخرج مع هذا، وتشعر بالكثير من المشاعر الجياشة المؤقتة، ثم بعد فترة قصيرة تشعر بالتردد، أو هو يشعر بالتردد، فتنتهي العلاقة، لتعود مرة ثانية لهذه المواقع، وهي تعلم أنها بالتأكيد ستجد شخصًا آخر، ويستمر البحث عن الحب إلى ما لانهاية. أنا مع عدم التعلق المرضي، ومع حرية الخيارات، ولكن أن تصبح المشاعر سطحية، ومؤقتة، وسريعة هذا يفقد المشاعر جمالها، ويجعلك في حالة قلق، وعدم استقرار. ربما هناك من يفضل شعور الأدرينالين طوال الوقت، ولكن بالتأكيد هناك الكثيرون ممن يبحثون عن الاستقرار، والحب الذي يستمر لآخر العمر.
أنا لا أريد أن أعمّم، ولكن بالنسبة الى عدد كبير من الرجال، لا يزال خيار الشريكة مبنياً للأسف على منطق "الجائزة": أي، "مَن هي التي أستطيع أن أتباهى بها أكثر؟" أنا لا أريد أن أعمّم، ولكن بالنسبة الى عدد كبير من الرجال، لا يزال خيار الشريكة مبنياً للأسف على منطق "الجائزة": أي، "مَن هي التي أستطيع أن أتباهى بها أكثر؟". أما الردّ فغالباً ما يكون مرتبطاً، في ثقافتنا المعاصرة، اللبنانية والعربية تحديداً ولكن ليس حصراً، لا بقيمة تلك المرأة نفسِها، أي بإنجازاتها ومزاياها ونقاط قوّتها، بل بشكلها الخارجي ومغرياته. الرجل، بناء على منطق مماثل، "يحصل على" تلك المرأة: أي أنها شيء، سلعة، بضاعة كلّفته الكثير، تالياً هي بلا شك "مهمّة"، وتستحق أن يتباهى بها. في المقابل، وبالنسبة الى عدد كبير من النساء، لا يزال خيار الشريك مبنياً، للأسف، لا على معايير الحب والانسجام والانجذاب المتبادل والرغبة في بناء حياة مشتركة، بل على منطق "مَن يستطيع أن يقدّم لي أكثر؟". هنا قد تتوهّمون أنني أضع جزءاً من الحق على المرأة نفسها. ولكن، مهلكم: هل من السهل أن تعي كل امرأة أن جزءا كبيراً من سلوكها هذا ما هو إلا نتيجة "برمجة ذكورية"؟ هل تتربّى المرأة يا ترى على الثقة بنفسها والإيمان بكرامتها واحترام كيانها وحبّ ذاتها؟ في الكثير من العائلات والمجتمعات والبلدان، لا بل والقارّات، لا يزال الجواب، للأسف، حتى يومنا هذا، أن لا. هذا الصوت الرابض في رأسها كوحش، يردّد على مسامعها: "لا تستحقين، لا تستحقين"، هو غالباً محض ترداد لأصوات أهلها، وبيئتها، ومدرّسيها، وثقافتها، وتعاليم ديانتها، وهلمّ.ولكن كيف يمكن أن نغيّر هذه القولبة الذكورية، المسمومة، المدمّرة؟ حسبي أن المطلوب مجموعة مختلفة من الشروط والظروف، ولكن يمكن أن نبدأ بالشرط الأهم، ألا وهو طريقة التربية. إذا رددنا على مسامع أولادنا أن البنت تستحق ما يستحقه الصبي، وأن المرأة ليست جائزة، مثلما أن الرجل ليس معمل مال؛ إذا علّمناهم أن طموحات المرأة ليست أدنى في الأهمية من طموحات الرجل، وأن قدراتها لا تقلّ عن قدراته... لو ربّيناهم على هذه المفاهيم والاقتناعات، لحققنا إنجازاً هائلاً على مستوى تحسين نوعية العلاقات العاطفية بين النساء والرجال. فما رأيكم لو نبدأ من هنا؟
loading
Comments 
Download from Google Play
Download from App Store