Discoverمُقتَطَفاتواقعية السيرة النبوية - م خالد خطاب
واقعية السيرة النبوية - م خالد خطاب

واقعية السيرة النبوية - م خالد خطاب

Update: 2021-06-01
Share

Description

من خصائص سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، أنها اشتملت على مسار للصراع بينه وبين عدوه، يختلف عن كل من قص علينا الوحي نبأه!
فالأنبياء كانوا ما بين منصور بآية كونية، كالطوفان والريح والصيحة والحجارة وشقٍ البحر، وبين من أوتي مُلْكًا وقوة هائلة تخضع خصمه صاغراً، كسليمان، أو من انتهت جولة صراعه في الدنيا ولم يرَ نصرًا، إما بقتله كيحيى وزكريا، أو رفعه بعد تسلّط الوثنيين عليه، كعيسى بن مريم.
النموذج المحمدي لم يكن شيئا من ذلك كله! بل كان من القابلية للتأسي ما يليق بمنهج لن يعقبه غيره إلى يوم القيامة.
لقد بدأ من الصفر، متزملا متدثرا، ثم مسرّا بالدعوة ثم مجاهرا بها ثم محميًا بعمه ثم مرسِلا قومه إلى الحبشة مرتين، ثم مخاطبا سادات الطائف ثم داخلا في جوار المُطعم، ثم عارضا نفسه على القبائل الموسم تلو الموسم باحثا عن النصير، ثم مبايعا بيعة العقبة الأولى فالثانية، ثم مؤسسا لدولة ثم جيش ثم باعثا للسرايا تهاجم القوافل، ثم بدرٍ الكبرى، يُلقِي في قليبها جيف أعدائه، ثم هزيمة في أُحُد يضمدها بحمراء الاسد، ثم نقلة نوعية بعد الخندق ثم الحديبية صلح الخير، ثم الفتح، والتمكين المطلق على جزيرة العرب!
ها هنا خاصيتان لطريق صراع نبينا الذي انتهى بالنصر:
الأولى: أن النصر لم يكن مفاجئا كما يتصوّر البعض، بل كان تدريجيا تراكميا في منحنى متصاعد. ميزان قوى يتزحزح شيئا فشيئا لصالحه، بحيث كان وضعه في كل عام -تقريبا- أقوى من الذي قبله (لا سيما بعد الهجرة)، وفي كل مرحلة كانت خياراته تزداد وخيارات عدوه تتقلّص، حتى كان الفتح نتيجة طبيعية كأعلى نقطة في المنحنى.
الثانية: أنه لم يكن من السماء في صورة إهلاك شامل يستأصِلُ قومه دون يدٍ للنبي وصحابته فيه، كحالة هودٍ أو لوطٍ أو صالح! بل كان على يد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، فكان عذاب الله الذي أذهب ريح قريش في صورة عشرة آلاف مقاتل يطوّقون مكة، لا في صورة صيحة أو حجارة أو طوفان!
نعم كان التأييد الإلهي حاضرا، لكنه كان مشروطا ببذله هو وصحابته للسبب المادي على الأرض، وبهذا كانوا يستَمطرون التأييد.
(فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين) ---- إذا ما انطلقتم إلى ذات الشوكة ببدر.
(صدقكم الله وعده) --- (إذ تحسونهم)..أنتم.
(قاتلوهم) --- (يعذبهم الله بأيديكم)..أنتم.
(سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) --- لكن (فاضربوا فوق الأعناق) أنتم.
(الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)..نزلنا نحن، وكنا "نحن" عذاب الله على المنذرين.
هذا طريقٌ ارتضاه ربنا لأشرف رسله وأولاهم بالتأييد. والحكمة واضحة بل منصوص عليها: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض)!
نخطئ إذا ما قصرنا البلاء هنا على الصبر على أذى الكفار، بل البلاء يتضمن كذلك تفعيل كل سبب مشروع تطاله أيدينا لرفع الذل ومفاجأة العدو وتهديد مصالحه وتقليص خياراته.
لا ينبغي الخلط بين حكمة الله القدرية في تأخر النصر، وبين الواجب التكليفي حتى لا يتأخر النصر!
يتأخر النصر لمزيد من التمحيص؟ لزيادة بغي الكافر ليزداد عذابه في النار؟ لاصطفاء الشهداء؟ جيد، هذه كلها حكم قدرية..وهذا باب!
لكن الباب المغفول عنه: هو السبب المادي الذي كُلفّت الأمة شرعاً بتفعيله قدر وسعها.
يتأخر النصر ببساطة لغياب مسار نهوض تدريجي متصاعد يغير ميزان القوى، يسلكه أهل الحق آخذين بأسبابه مفعلّين كل وسيلة متاحة على الأرض سائحين بأفكارهم خارج صندوق عدوهم، فيفاجئونه المرة تلو المرة، ويخصمون من قوته الفينة بعد الفينة، حتى يتنزل النصر، فهو فوق الرؤوس ينتظر أمر الله، لكن وفقا لسننه الكونية.
كل إغفال لهذا المكوّن من المعادلة =لا يزيد الأمة إلا استضعافا، ولا يزيد أعداءها إلا تسلطا!
Comments 
00:00
00:00
x

0.5x

0.8x

1.0x

1.25x

1.5x

2.0x

3.0x

Sleep Timer

Off

End of Episode

5 Minutes

10 Minutes

15 Minutes

30 Minutes

45 Minutes

60 Minutes

120 Minutes

واقعية السيرة النبوية - م خالد خطاب

واقعية السيرة النبوية - م خالد خطاب

أحمد الخولي