جنوب السودان : المخدرات في المدارس تهدد الأجيال القادمة
Description
في خضمّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، و مع التراجع المستمر في الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر بين المواطنين، تتزايد ظاهرة انتشار المخدرات بين طلاب المدارس والمراهقين في العاصمة جوبا بدولة جنوب السودان، ما يهدد مستقبلهم و يضع المعلمين و الأسر أمام تحديات متفاقمة داخل بيئة يُفترض أن تكون آمنة.
تتسلل المخدرات خفية إلى ساحات المدارس، مهددةً الطلاب والمراهقين في عمر الأمل، وسط غياب الرقابة من الجهات المختصة، و غياب العقوبات الرادعة لتجار "الحقائب السوداء" الذين يُلقى القبض على بعضهم في المعابر و غيرها ، تدخل المواد المخدرة بطرق متعددة عبر التهريب في مختلف القنوات و المعابر.
تعاني أسر كثيرة من القلق على مستقبل أبنائها، بعدما أصبح بعضهم فريسة سهلة لتجار السموم المحمولة في حقائب صغيرة. و وفق شهادات بعض طلاب المدارس، أصبح بيع المخدرات في الشوارع و بعض الصيدليات، وحتى في بعض المتاجر العادية، أمراً في متناول أيدي الشباب المراهقين في العاصمة و المدن الأخرى.
و يؤكد المعلم في المرحلة الثانوية بجوبا، عوض سبت: "إن الظاهرة أصبحت موجودة بشكل دائم وسط الشباب المراهقين وطلاب المدارس، وإن المخدرات باتت خطراً كبيراً جداً، مرجعاً ذلك إلى غياب الرقابة من المجتمع و الأسر".
وتضيف المُدرسة حواء عبد الرحمن مدوت قائلةً: "الظاهرة انتشرت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة بشكل مروّع، حتى وصلت إلى المدارس ،وكما تعلمون، فإن دولة جنوب السودان ظلت تعاني منذ فترة طويلة من الحروب و المشاكل الاقتصادية حتى اليوم، لكن مع ذلك يجب على المرء أن يكون قوياً ليستفيد من حياته، و ألا يلجأ إلى تدمير نفسه مهما واجه من مشاكل".
و ما يزيد الأمور سوءاً أن المرافق التعليمية لا تملك برامج توعوية كافية، و لا كوادر متخصصة في الدعم و الإرشاد النفسي، مما يجعل الطالب ضحية جاهزة، و غالباً ما ينتهي به الأمر في المستشفى بعد أن تتمكن المادة المخدرة من جسده.
من جانبها، تؤكد ليندا إزاردا، المرشدة النفسية بمستشفى جوبا التعليمي، لمونت كارلو الدولية خطورة الوضع: "نستقبل المرضى بانتظام، لكن عندما يتعلق الأمر بالشباب والطلاب، و خصوصاً الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 22 عاماً، نلاحظ تزايداً كبيراً في تعاطيهم للمواد المخدرة. كثيرٌ منهم يستخدمون مادة تُعرف باسم ICE، المعروفة أيضاً بـ'تينغ تينغ' أو 'شاولين'. من خلال الحالات التي ترد إلينا، لاحظنا أن كلا الجنسين يتعاطى المخدرات، و لذلك نراها مشكلة حقيقية. هذا يُمثل تهديداً فعلياً في الوقت الراهن، و استجابةً لذلك، قمنا بوضع خطة استراتيجية لمعالجة المشكلة، وسيتم تنفيذها خلال السنوات الأربع إلى الخمس القادمة من أجل تدارك الوضع".
و يرى الصحفي فيصل كوري، نائب رئيس تحرير صحيفة "الوطن"، أن أسباب انتشار الظاهرة تعود إلى عدة عوامل، منها الأزمة الاقتصادية التي أفرزت واقعاً اجتماعياً أليماً، إضافة إلى موجات النزوح و اللجوء التي هددت سلامة المجتمع، و كذلك الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي التي تروّج لمثل هذه الظواهر المتعارضة تماماً مع عادات وتقاليد شعب جنوب السودان. ويضيف: "نجد الكثير من الشباب اليوم قد فقدوا فرص التعليم، و ابتعدوا عن مقاعد الدراسة و فرص العمل، فأصبحوا يبحثون عن رزق يومهم وسبل عيشهم في عالم افتراضي، بدلاً من مواجهة الواقع، ما جعلهم يقلدون سلوكيات دخيلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. و نتمنى من الجهات المختصة أن تسعى بجدية لإيقاف هذه الظاهرة المدمرة لمجتمعات جنوب السودان".
في ظل غياب تدخل فعّال، كما هو الحال الآن، و مع عدم وجود جهود واضحة تُبذل للتصدي لهذا الدمار الصامت من قبل السلطات المختصة، فإن العواقب قد تكون وخيمة. لذا، تبقى المسؤولية الكبرى في الحماية على عاتق الأسرة و المدرسة، و على المجتمع بأسره.




