Discover
العلوم الحقيقية - Real Sciences
العلوم الحقيقية - Real Sciences
Author: العلوم الحقيقية
Subscribed: 172Played: 456Subscribe
Share
© http://real-sciences.com/%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D9%88%D8%B5%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF/
Description
Interviews with scientists and skeptics; and book reviews – لقاءات مع علماء ومشككين وقراءات في كتب علمية
37 Episodes
Reverse
قراءة مختصرة لمقال: فاجعة بركان توبا: هل شارفت البشرية على الانقراض؟
https://real-sciences.com/?p=16765
ترجمة: مرام الصراف، النسخة الصوتية يقرأها حسن الرياحي
هل سمعت من قبل عبارة "شغلها مرة أخرى يا سام"؟ يتذكر الكثيرون أنها أشهر جملة قالتها إنغرد برغمان في فيلم كازبلانكا ومع ذلك، عند المراجعة، اتضح أن بيرغمان قالت "شغلها يا سام، شغل أغنية As Time Goes by" ومع ذلك يتذكر الكثيرون عبارة "شغلها مرة أخرى يا سام" والتي لم يتم نطقها أبدًا. لكن لماذا؟
إنها ليست الحالة الوحيدة، فعلى سبيل المثال، هناك من يتذكر أنه في فيلم حرب النجوم ، أن دار فيدر تحدث بعبارة "لوك، أنا أباك" لكن في الواقع العبارة مختلفة قليلاً "لا، أنا أباك". بينما يتذكر آخرون قول الملكة في بياض الثلج "مرآتي يا مرآتي" العبارة الصحيحة هي "مرآتي السحرية على الحائط"
ما الذي تثبته هذه الحالات؟
في عام 2010، بدأت نظرية يتم تداولها على الإنترنت تشرح الذكريات الخاطئة التي تبدو أنها تؤثر على الكثير من الناس. في ذلك العام، أوضحت الباحثة فيونا بروم أنها تذكرت تمامًا كيف مات نيلسون مانديلا في السجن في الثمانينيات، كما تذكرت المقاطع الإخبارية لجنازته، والحداد في جنوب إفريقيا، والخطاب الصادق لأرملته، وبعض أعمال الشغب في مدن إفريقيا التي بدأت انهيار نظام الفصل العنصري. لكنها اكتشفت بعد ذلك أن مانديلا لا يزال على قيد الحياة، والأهم من ذلك، كما قالت، اكتشفت أن العديد من الأشخاص الآخرين يشاركون الذاكرة ذاتها.
أطلقت بروم على هذه الظاهرة المتمثلة في التذكر الخاطئ <<تأثير مانديلا>> واقترحت أن هذه الذكريات الخاطئة هي في الواقع دليل على أكوان أو حقائق موازية. وقد افترضت أن الأشياء تحدث بطريقة مماثلة – ولكن ليس بنفس الطريقة تمامًا – في هذه الأبعاد الأخرى. وفقًا لتأثير مانديلا، فإن هذه الذكريات التي تبدو خاطئة هي في الواقع مكتسبة عن طريق الخطأ من تلك الأبعاد الموازية. يعتقد آخرون أن تأثير مانديلا يوضح أننا نعيش في واقع محاكي تم إنشاؤه بواسطة ذكاء أعلى، يقال أن أخطاء الذاكرة هذه تعادل الثغرات البرمجية – كما هو الحال في فيلم الماتريكس <>.
مع ذلك، فإن علم النفس له وجهة نظر مختلفة لما يحدث هنا، إن أخطاء الذاكرة هذه هي تمامًا ما نظنها، مجرد أخطاء. العديد من الناس يفهمون فكرة أن أدمغتنا تعمل مثل الكمبيوتر أو ما يعادل مسجلات الفيديو، وتخزين البيانات في أذهاننا ثم استعادتها تمامًا كما تلقيناها أو مرة، لكن ليس ذلك هو الحال. الذاكرة هي عملية خلق وإعادة بناء مستمرة، والذكريات تتغير بمرور الوقت – على الرغم من أننا يمكن أن نكون مقتنعين تمامًا من دقتها.
هناك أيضًا حقيقة أننا غالبًا ما نتذكر مشاهد أو عبارات من الأفلام بطريقة تقريبية، ثم تصبح هذه المصطلحات المشتركة، كما هو الحال مع "شغلها مرة أخرى يا سام" والتي أصبحت عنوانًا لأحد أفلام وودي آلن. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يتم بها إنشاء الذكريات الكاذبة فورية ومنتشرة لدرجة أنه من الممكن اختبارها. يمكننا تجربتها الآن، أحضر ورقة وقلم، ثم إقرأ الكلمات التالية بصوت عالٍ مرة واحدة:
سرير
يرقد
مستيقظ
مُتعب
حلم
يقظ
راحة
بطانية
نعس
سبات
شخير
قيلولة
سلام
تثاؤب
غفوة
الآن أغلق المجلة واكتب الكلمات التي تتذكرها
وفقًا لنموذج دييس- رويديجر-مكدرمونت، يميل الناس إلى تذكر كلمة مرتبطة بالفعل بجميع الكلمات الأخرى ولكنها غائبة عن القائمة، في هذه الحالة الكلمة هي نوم، هل كتبتها؟ يذكر حوالي نصف أولئك الذين يشاركون في مثل هذا النوع من التجارب أنهم متأكدون من رؤية الكلمة الغائبة (نوم)، ولكن هذه الذكرى شيء لم يحدث أبدًا، إنها ذكرى خاطئة.
الذاكرة هي آلية حساسة للغاية، وعرضة للعديد من التشوهات اللاإرادية، بما في ذلك الذكريات الكاذبة والاقتراحات واضطراب في الأداء والضغط الاجتماعي والارتباك. ذلك هو الاندماج بين الذكريات المختلفة أو اتحاد الذكريات الحقيقة والتخيلات، لهذا السبب في المرة القادمة التي تسمع فيها أشخاصًا يقولون "آه، صحيح! أتذكرها جيدًا!" يمكنك أن تكون متأكدًا تمامًا من أنهم يبالغون في تقدير قدرات أدمغتهم.
وماذا عن فكرة الأكوان المتعددة أو الواقع المحاكي؟ يمكن أن يكون هذا أحتمال بالنسبة لفيزيائيي الكم وليس فقط لعشاق الخيال العلمي، ويقضون وقتًا للتكهن بها. مع ذلك، يمكننا الاعتماد على التفسيرات المعقولة التي يقدمها علم النفس حول كيفية إنشاء الذكريات الخاطئة إلى أن يتم العثور على دليل لمثل هذه الحقائق البديلة، ومحاولة جعل الأشياء تعمل بشكل أفضل مما هي عليه في الوقت الحاضر في العالم والكون الوحيد المتأكدين من وجوده: عالمنا.
المصدر:
Massimo Polidoro, The Mandela Effect: How False Memories Are Created skeptical inquirer, From: Volume 46, No. 4, July/August 2022
راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 51 لشهري سبتمبر-اكتوبر 2022
قراءة مختصرة لمقال هل يمكن معرفة ما إذا كان شخص ما يكذب من خلال مراقبة لغة الجسد؟ ترجمة مرام الصراف
رابط المقال:
https://real-sciences.com/?p=16761
خلاصة العدد 51 من مجلة العلوم الحقيقية، لتحميل العدد اضغط على الرابط:
https://real-sciences.com/?p=17123
في هذه الحلقة من بودكاست العلوم الحقيقية يأخذنا الدكتور مارك الطويل في رحلة الى علم الآثار وآخر التقنيات المستخدمة فيه والوسائل العلمية الداخلة في البحث الآثاري اليوم. الدكتور مارك الطويل هو أستاذ علم آثار الشرق الأدنى وعلم البيانات الاركيولوجي، علم البيانات المختص بعلم الآثار في جامعة يو سي ال (كلية لندن الجامعية). في هذا اللقاء يشرح الدكتور مارك الطويل عن أهم الأبحاث التي يعمل عليها ثم يشرح عن استخدام مغناطيسية الأرض في تقدير التواريخ وهو آخر بحث عمل عليه. كما يشرح لنا عن أبحاث استخدام الأرض والتقنيات المستخدمة فيها. نتحدث أيضاً عن العلاقة بين العلم وعلم الآثار اليوم وعن بحوث الحمض النووي واستخدام الذكاء الاصطناعي ونختم بالحديث عن العلوم الزائفة في علم الآثار.
نص اللقاء كما نشرناه في مجلة العلوم الحقيقية العدد 61:
أحب أن اسألكم في البداية عن نبذة عنكم وأهم الاكتشافات التي مررتم بها وما ترونه أكثر تشويقاً واهتماماً بمسيرتكم البحثية.
هناك الكثير من الدراسات التي نهتم بها حالياً. شخصياً، دَرست قبل فترة مغناطيسية العالم (magnetic earth) وهي دراسة نعتبرها مهمة جداً لأنها تعطينا دليل على الفترات الزمنية وكيف تتسلسل الأحداث وفقها. مثلاً، حتى الآن لا نعرف متى كانت تحديداً حقبة أحد الملوك سابقاً. هناك تسلسل زمني يقسم إلى أنواع منه ما يعرف بالـ (low chronology) (أي التسلسل الزمني المنخفض) وهناك ما يُعرف بالتسلسل الزمني المتوسط (middle chronology) وهناك أيضاً التسلسل الزمني المرتفع (high chronology). حالياً لا نعلم أي من هذه التسلسلات هو الأكثر صحة لكن مع دراسة مغناطيسية العالم استطعنا تحديد أيها أكثر صحة والذي كان التسلسل الزمني المنخفض.
دراسات البيئة القديمة هي من الدراسات التي أراها ايضاً شديدة الأهمية. وهناك دراسات لما نسميه (Speleothem) (تعرف بالعربية بالإرساب المتدلي) وهي المتعلقات الحجرية في الكهوف. دراسة النظائر (isotopes) هي مجال آخر مهم.
وأيضاً دراسات الحمض النووي تعد مهمة جداً والتي تفيد في دراسة أصول الشعوب. لا نعرف مثلاً ما هو أصل العرب اليوم أو أصول الشعوب التي تقطن في العراق اليوم. حتى الآن تعد قواعد البيانات المعنية بهذا الأمر ضعيفة جداً بالنسبة للعراق وهو أمر نهدف لدراسته. تعرف الدراسة بدراسة الحمض النووي القديم أو (ancient DNA). حتى الآن يعد هذا الأمر غير معروف بما يكفي لكن بدراساتنا ودراسات آخرين نأمل أن ننجح في زيادة المعلومات في هذا المجال ليكون من الواضح ما هي أصول سكان وادي الرافدين ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
دراسة مغناطيسية الأرض
هل من الممكن أن نعود إلى موضوع مغناطيسية الأرض، شخصياً وربما جمهورنا أيضاً قد يكونون مهتمين بهذا المجال. يبدو هذا وكأنه أحد المجالات الثمينة التي تربط بين التاريخ والعلم، أو مجال علمي لدراسة التاريخ.
صحيح. هناك قطع من الآجر ورد عليها ذكر أسماء الملوك مثل حمورابي أو غيره من الملوك القدماء. وقد يرد أن أحد الملوك قد عاش أو حكم لعشرين سنة، لكن متى كانت تلك العشرين سنة؟ هذا الشيء غير واضح وغير مثبت. ما فعلناه بدراسة مغناطيسية الأرض هو أننا ثبتنا تلك الفترات فعلياً. مثلاً لنقل أن هناك حدث في الألف الثالث قبل الميلاد، سيطر الأكديون في تلك الفترة على العراق لفترة تمتد تقريباً من 2500 أو 2400 ق.م إلى 2300 ق.م لكن ما هي الفترة التي حكموا فيها بالتحديد؟ لم نكن نعرف ذلك حتى حددنا ذلك بدراسة المغناطيسية عبر قطع الآجر من تلك الحقبة. قمنا بتحديد تواريخ قطع الآجر وثبتنا الفترة بالتحديد. الهدف من ذلك كان لتوضيح الفترة الزمنية بدقة، أما قبل ذلك فلم نكن نعرف أي التسلسلات الزمنية هو الأكثر صواباً، ولكن بعد هذه الدراسة أثبتنا أن التسلسل الزمني المنخفض يمتلك الاحتمال الأكبر لأن يكون الأصح والأقرب للتاريخ الذي يقاس بمغناطيسية العالم.
تتغير مغناطيسية العالم كل فترة، ربما كل 50 سنة أو كل 100 سنة. وحيث أن لدينا تلك التغيرات في الطابوق – قطع الآجر المشار لها – نستطيع تأكيد الفترات بدقة.
في دراسة المغناطيسية نحتاج إلى قطع أثرية كالطابوق والآجر والفخار التي تضم قطعاً من الحديد. يحتوي الحديد بدوره على دليل على التغيرات المغناطيسية. وحيث نأخذ عينات من الحديد في تلك القطعة نستطيع أن نعرف بالضبط متى حدث.
هل نفهم أن الدراسة تتم على جزيئات الحديد الموجودة ضمن قطعة من الآجر؟
نعم، هناك قطع شديدة الصغر بكميات صغيرة جداً في الآجر أو الفخار. ونحن ندرس تلك العينات الصغيرة ونجري فحوصاً عليها لنعرف كيف كانت مغناطيسية الأرض في ذلك الحين من خلال اتجاه قطع الحديد. من خلال معرفة الاتجاه يمكن معرفة قوة المغناطيسية في تلك الفترة.
هل دقة سنوات دراسة كهذه تصل إلى عشرات السنين، مئات السنين، أم إلى السنة بالضبط؟
يمكن أن نقول أقل من 10-20 سنة. يعني لو كان هناك ملك قد حكم في سنة 200 ق.م فمن الممكن أن نثبت الدقة بأقل من 20 سنة. وهذه القياسات تبقى أوضح مما نعرفه الآن لأننا لا نعرف في الوقت الحالي متى عاش وحكم هؤلاء على العراق مثلاً. خطأ التاريخ قبل ذلك كان من الممكن أن يزيد عن 100 سنة أما الآن فقد صار أقل من 20 سنة.
هل يمكن أن تطبق هذه الدراسة على فترات ما قبل التاريخ أم تنحصر بالحضارات التي بنت شيئاً؟
من الصعب تطبيق هذه الدراسة على فترة ما قبل التاريخ، لأننا نحتاج في البداية إلى شيء يثبت التاريخ مثل فترات الملوك التي تذكر فترات كأن يقول أحد الملوك أنه حكم لعشرين سنة. أما الفترات من العصر الحجري فلا يوجد شيء مكتوب. اذا لم يكن هناك شيء مكتوب فكيف تثبت المغناطيسية أو تغير المغناطيسية على فترة عاش بها أحدهم. يجب أن تكون حقبة القطعة الأثرية معروفة حتى يثبت تاريخ المغناطيسية مع التاريخ البشري.
للاطلاع على المزيد حول بحث الدكتور مارك الطويل من موقع كلية لندن الجامعة:
Mesopotamian bricks unveil the strength of Earth’s ancient magnetic field, UCL, 19 December 2023
دراسة استخدام الأرض
أحب الرجوع لبقية المواضيع التي ذكرتموها. لكن من الملاحظ أن من أكثر المجالات التي قمتم بدراستها هو مجال استخدام الأرض (land use) وتحول الأرض (land transformation). ذكرنا سابقاً في أحد المقالات كيف يستخدم مجال استخدام الأرض، لكن ربما نود أن نتعلم منكم أكثر عن ماهية هذا المفهوم.
مجال استخدام الأرض يتضمن استخدام تقنيات عديدة مثل الصور الفضائية والحمض النووي وما نقوم به اليوم مثلاً مما يقوم على تحليل الرواسب الطبيعية والتي أقوم بتحليلها باستخدام جهاز لتحليل عينات التربة لدراسة المتحجرات الصغيرة الموجودة فيها وبالتالي نستنتج استخدام الأرض وطبيعته. دراسة استخدام الأرض هي دراسة الزراعة والبناء والمستوطنات وآثار البشر في العصور القديمة مما تُرك في الأرض. مثال على ذلك دراسة قنوات الري القديمة.
ما هي الطرق العلمية التي تستخدمونها لفهم استخدام الأرض؟
يجب في البداية أن نقوم بالحفريات مثل قطع عينات معينة من التربة. أحياناً نستخدم الصور الفضائية، كما ذكرت، وكذلك المتحجرات الدقيقة ومتحجرات النباتات التي تدرس بالمجهر لرؤية الأنواع النباتية وكذلك أنواع التربة. تعطينا أنواع التربة دليلاً على هل أن الرواسب هذه تعود للأنهار أو للصحراء أو من مناطق زراعية أو من البشر أو من أثر البشر على الأرض من خلال السقي والزراعة والبناء. دراسة النظائر أيضاً مهمة حيث يمكن أن تعطينا فكرة عن أنواع الأمطار وكميات الأمطار في المنطقة في العصور القديمة. لكن أهم شيء هو الأدلة الحفرية وأدلة القمر الصناعي والمتحجرات.
آخر دراسة قمنا بتغطيتها في العلوم الحقيقية بهذا المجال كانت حول تقدير تعداد سكان العالم الجديد – الأمريكتين – حيث تم اجراء عدة مراحل من دراسات استخدام الأرض في الأمريكتين وتم عن طريق هذه الدراسة تخمين الانخفاض السكاني الكبير لدى السكان الأصليين الناتج من الأوبئة التي جلبها الأوروبيين والتي تسببت بإبادة معظم سكان الأمريكتين. في نهاية المقال ولكوننا موقع العلوم الحقيقية قمنا بمناقشة هل هذا علم حقيقي أم لا وما مدى دقة دراسة كهذه. ما مدى دقة أن نخمن تعداد سكان أرض معينة من خلال استخدام الأرض؟ هل يمكن أن يصل ذلك إلى فروقات تصل إلى الضعف أو عشرة أضعاف الفارق مع التعداد الأصلي؟ وهل يمكن أن نعول على دراسة كهذه وأن نراها دقيقة جداً؟
تخمين عدد الناس بفترة سابقة هو أمر شديد الصعوبة. عندما نحلل أمراً كالرواسب فإننا نقارن بين فترة وأخرى. يمكن أن نرى كيف ينخفض عدد النباتات أو تغير المناخ من الغابات إلى الصحراء مما يعطينا دليلاً على أن تعداد السكان قد انخفض لأن المنطقة الصحراوية بطبيعة الحال لا تحمل عدداً كبيراً من السكان بالمقارنة مع المنطقة الزراعية. بهذه الطريقة نستطيع بالتحديد أن نقول أن عدد السكان قد انخفض مثلاً. لكن من الصعب جداً أن نقول كم هو العدد حيث سيكون الأمر قائماً على التخمين بصورة رئيسية. لا أثق بتخمين العدد بهذه الطريقة.
الحمض النووي التاريخي والتغير المناخي في الشرق الأوسط
تكلمتم عن الحمض النووي التاريخي. في العلوم الحقيقية نحن مهتمون بتغطية كافة سلالات الحمض النووي من جهة الميتوكوندريا والكروموسوم واي. في المقالات التي كتبتها حتى الآن بالاستناد الى الأبحاث الموجودة لاحظت قضية استيطان مجاميع جديدة من البشر إلى الشرق الأدنى مثل المجموعة ج التي جاءت قبل قرابة 20 ألف سنة قبل الآن (ق.ا) والمجموعة E واستيطانها بشمال إفريقيا. ويتزامن ذلك مع فترة الهولوسين ومع ظهور الحضارة. كيف أثر الهولوسين على قدوم البشر إلى الشرق الأدنى وعلى نشوء الحضارات؟ ربما نصوغ السؤال بطريقة أخرى: هل كنا سنرى العالم بالطريقة التي نراها عليه الآن لولا الهولوسين وانتقال البشر إلى الشرق الأدنى في تلك الفترة؟
تعطينا دراسات الحمض النووي فكرة عن الهجرات وفتراتها لكن لا نعرف الأسباب بواسطتها. نحن نتوقع أن الهجرات من 20 ألف إلى 10 آلاف ق.م كانت فترة جفاف، فترة جليدية. كانت المنطقة شديدة الجفاف في تلك الفترة وكان الجو بارداً وقليل الأمطار. ثم نعرف أيضاً كيف تغير الحمض النووي للجزيرة العربية مثلاً في الحقبة بين 20 ألف إلى 10 آلاف ق.م بسبب هجرة الناس من أفريقيا إلى الشرق الأدنى. وكذلك انتقال الناس من الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين. وأيضاً مناطق أخرى مثل الهجرة من الجزيرة العربية إلى حوض المتوسط.
نتوقع أن تأثير المناخ وارد على الهجرات القديمة وهذا بدوره يؤثر على الحمض النووي في المنطقة في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا ايضاً.
نتخيل من كلامكم أننا ربما لو بقينا في تلك الفترة أو ضمن الفترة الجليدية فربما ما كانت الحياة ستكون كما هي عليه في الشرق الأدنى؟ أو أنها ستكون أرض سيئة وربما لم نكن لنرى الحضارات التي نشأت؟
هناك مجال لعيش البشر في الفترة الجليدية. ليس في كل مكان، مثلاً شبه الجزيرة العربية كانت شديدة الجفاف. لكن المناطق التي فيها واحات أو المناطق الجنوبية مثل اليمن وعمان فقد كانت أفضل حالاً وكان فيها بعض الأمطار، كما أن الأنهار في جنوب العراق تؤثر أيضاً. فضلاً عن فرص العيش في سهل البحر المتوسط. لكن بشكل عام فقد كانت الفترة الجليدية سيئة لكن ليس لكل المنطقة بنفس الشكل، حيث كان هناك مناطق مأهولة. حتى الآن حين نجري مسحاً آثارياً في الجزيرة العربية نكتشف وجود مناطق فيها أحجار مثل حجر الصوان أو أصناف من الأدوات التي استخدمها البشر أو الخشب. مناطق كهذه كان فيها ماء أكثر من غيرها رغم الجفاف الشديد للمنطقة.
مع نهاية الفترة الجليدية أثر ذلك وهاجر المزيد من البشر إلى وادي الرافدين ونتوقع أن ذلك أثر في نشوء مستوطنات نهاية الفترة الحجرية.
العلم والذكاء الاصطناعي وعلم الآثار
أود الانتقال إلى محور آخر: ذكرتم الكثير من المجالات العلمية في دراسة علم الآثار، لكن كم من علم الآثار الأركيولوجي يمكننا اعتباره علماً اليوم؟ ما هي الصلة حالياً بين العلم وعلم الآثار؟ هل هو علم بحت أم ما زالت هناك طرق غير علمية؟
علم الآثار هو دراسة علمية بالتأكيد لكنه أيضاً دراسة فنية.
معنا في هذه الحلقة من البودكاست كيني بيدل المشكك ورئيس قسم التحقيق في مجلة سكيبتكال انكويرر وقد بدأ مسيرته كصائد للأشباح لكنه انتقل الى التشكيك لاحقاً، مرحبا بك معنا كيني هل يمكنك ان تعرفنا برحلتك وكيف وصلت الى ما انت عليه الآن؟
شكرا لاستضافتي، من الجيد أن أكون معكم. كانت رحلتي طويلة جداً، بدأت كصياد أشباح. نشأت في منزل كاثوليكي، لذلك كانت لدي هذه المعتقدات الروحية التي جعلت احتمالية الحياة الآخرة واردة لي. كنت دائمًا مهتمًا بالأشباح والوحوش. نشأت وأنا أشاهد برامج تلفزيونية في الولايات المتحدة مثل "البحث عن" (In Search Of )، وآخر يسمى ألغاز غير محلولة (Unsolved Mysteries). لقد كانت أشياء مثيرة للاهتمام حقًا بالنسبة لي أثناء نشأتي. لم يكن لدي أي قدرة على التحقق من الحقائق في ذلك الوقت. لذا، عندما شاهدت هذه السلسلة، أخذتها على محمل الجد. "هناك وحشًا في البحيرة؟" سأوافق على ذلك فوراً.
عندما كبرت وتزوجت – تزوجت في عام 1997، وكهدية زفاف لنا، اشترينا أول كمبيوتر منزلي. كان الإنترنت جديدًا تمامًا، لذا، فإن أول شيء فعلته هو: البحث عن الأشباح. أردت أن أرى ما كان يقوله الناس، ما الذي يحدث. وجدت مجموعة اجتمعت معًا في منطقتي وكانوا يذهبون إلى منازل مسكونة ويتحققون مما يجري وكنت مندهشاً جداً من إمكانية فعل ذلك، هل يمكننا حقا أن نفعل هذا؟ هل يمكنني الانضمام إلى المجموعة بالفعل؟
هذا ما فعلته، انضممت إلى المجموعة. خرجت معهم إلى أماكن كالمقابر أو المنازل المسكونة أو المواقع التاريخية. لكن، كلما تعلمت أكثر، كلما كنت أقول "حسنًا، كما تعلمون، بعض هذه الأشياء رائعة حقًا، وبعضها اعتيادي" واعتقدت أن الصور الشاذة مثل كرات الضوء أو الأشكال الضبابية أو الظلال كلها أشباح.
في أحد الأيام كنا في جيتيسبيرغ، بنسلفانيا، والتي كانت جزءًا من الحرب الأهلية. كان هناك 51 ألف ضحية، لذا فهي نقطة ساخنة لأي من صائدي الأشباح. مجاميع صيد الأشباح في المنطقة كانت تحب الذهاب إلى هناك. بالنسبة لي فأنا أذهب للتاريخ، لكن غالبية الناس يذهبون لقصص الأشباح. لذلك، ذهبت مع مجموعتي لحضور أحد مؤتمرات الأشباح، وكان هذا أوائل القرن الحادي والعشرين.
خرجنا إلى ساحة المعركة وسمعنا من المحليين أن هذا مكان لن يذهب إليه أي من المسؤولين عن المكان لأنهم كانوا خائفين منه. رأوا الأشباح والظلال واشياء كهذه فيه. لذا، فقد علمنا عن ذلك، وكان هذا هو المكان الذي عزمنا الذهاب إليه. كنت برفقة مجموعة صغيرة من الناس في الغابة. كنا ننتظر بصبر. انه مظلم، وهادئ. وبينما كنا ننتظر حدوث شيء ما، نظرت إلى ما وراء خط الأشجار في حقل مفتوح بجانبه طريق ورأيت ثلاث سيارات تسير على الطريق. قلت إن هذه مشكلة كبيرة، خرج من كان بالسيارات، وبدأوا بالمشي في الحقل المفتوح ولم يكن بعيدًا عنا. رأيت مشاعل كهربائية، ومسدسات لقياس درجة الحرارة، ومؤشرات ليزر - كانوا يلعبون بمؤشرات الليزر، وهذا ما نفعله بمؤشرات الليزر - وكانوا يُحدثون الكثير من الضوضاء، وبدأت أشعر بالغضب من هذا لأنهم كانوا مزعجين ويشوشون على ما كنا نفعله وكنا جادين فيما نفعل.
بدأوا يقتربون، يسيرون باتجاهي، اعتقدت "أنهم سيجدوننا، وسوف يسألوننا عما نفعله، وينضمون إلينا"، لكنني لم أرد ذلك. هذه أرضنا ولا أريد أن أشاركها. كلما اقتربوا، أصبحت أكثر توتراً، ثم فقدت أعصابي، خرجت من الغابة وبدأت بالصراخ عليهم: "اخرس، استدر وابتعد، هذا مكاننا، اتركنا وشأننا". لدهشتي، توقفوا جميعًا واستداروا وعادوا إلى سياراتهم وانطلقوا بعيدًا.
في صباح اليوم التالي، نهضنا وتوجهنا إلى المؤتمر. كنا في الردهة وكنا نتحدث إلى مجموعة من الناس. ثم بدأنا بالتحدث إلى مجموعة من الأشخاص الذين رأوا شبحًا الليلة الماضية. بدأنا الحديث، وطرح الأسئلة، وعرفنا أنهم كانوا في مكان يسمى حقل القمح، وقلت "هذا رائع، هذا هو المكان الذي كنا فيه". كنا بجوار الحقل الذي كانوا فيه! ثم سألت "في أي وقت؟"، قالوا إنها الساعة الثامنة أو نحو ذلك. قلت: "هذا رائع، كنا هناك في ذلك الوقت". انتظر لحظة، كنا هناك أيضاً، فلماذا لم نر هذا؟ وبعد ذلك، ذكر المصباح الكهربائي فوق رأسي فقلت: "أعتقد أنك رأيتني!"
قالوا "لا، لقد كان شبحاً حقيقيًا". ثم سألت إذا كان "خرج وبدأ بالصراخ عليك". قالوا "نعم، لكننا لم نستطع فهم ما كان يقوله ولم يكن أنت". لقد كنت أنا! وقد وصفت مصابيحهم اليدوية، وأشعة الليزر الخاصة بهم، وعدد الأشخاص، وعدد السيارات. لقد وصفت لهم كل هذه المعلومات. كانوا مع ذلك مصرين على أنه ليس أنا. ثم أصيبوا بالجنون، وأخبرني أحدهم "توقف عن سرقة الأضواء منا"، لأن الجميع بدأ يستمع إليهم حيث أنهم الوحيدون الذين جاؤوا من الليلة الماضية بقصة شبح. لقد كانوا غاضبين لأنني كنت أسرق الأضواء منهم وأحد من شعبيتهم.
ثم قلت: "نحن جميعًا صيادون أشباح هنا، نحن في الجانب ذاته، وأنا أخبرك بما حدث بالضبط. كنت هناك وأخبرك بكل هذه المعلومات ولكنك تتجاهلها وتذهب لما تعتقد به!"
في الأسبوعين التاليين، أعدت تقييم ما كنت أفعله. أدركت أنني تجاهلت أشياء كثيرة لأنني أردت التمسك بإيماني. كلما أدركت ذلك، زادت رغبتي في التعرف على العلوم والمنهج العلمي لذلك.
لذا بدأت في قراءة الأدبيات المتشككة، ووجدت مجلة سكيبتكال انكويرر (Skeptical Inquirer)، وهي دائرة كبيرة، ثم وجدت أعمال بنيامين رادفورد وجو نيكيل. لقد كانوا يقومون بعمل ممتاز، لم يكن ما يقومون به مجرد تحقيق. بالنسبة لي التحقيق هو مجرد الخروج والجلوس في الظلام، بانتظار حدوث شيء ما. كانوا في الواقع يحققون في الادعاءات، ثم يتوصلون إلى استنتاج بناءً على جميع المعلومات التي لديهم. اعتقدت أن ذلك كان رائعًا لذا تعلمت المزيد عنهم. في النهاية، انتقلت إلى الجانب المتشكك، ولأنني كنت أيضًا مولعاً بالتصوير، فقد اكتشفت كيفية حدوث كل الحالات الشاذة التي نحصل عليها بالصور والتي يعتبرها بعض الناس أشباحًا. لقد اكتشفت كيف تم إنشاؤها وكيف يمكنك الحصول عليها عن طريق الخطأ أو عن قصد.
جو نيكل محقق ومشكك
ثم بدأت في التواصل مع أشخاص متنوعين، وتواصلت مع بن رادفورد واقترح أن أكتب في النشرة الإخبارية الخاصة بسكيبتيكال إنكوايرر، والتي كانت تسمى "ملخصات متشككة" (Skeptical briefs). كتبت لهم مقالتين أو ثلاثة. ثم بدأت الكتابة للنسخة الإلكترونية، ثم قال لي باري كار الذي هو مديري الآن: "هل تريد كتابة عمود؟" وبدأت بالقيام بذلك. ثم أرادوا أيضًا معرفة ما إذا كان بإمكاني إنشاء مقاطع فيديو، لذلك بدأت في إنتاج مقاطع فيديو لهم. ثم استقال جو نيكل، الذي كان يحقق في الادعاءات ما دمت على قيد الحياة، من هنا، وكان هناك موقف هنا يريدون الاحتفاظ به. لذا، تقدمت بطلب، وقالوا: "نعم، نحن نحب عملك، ونحب ما تفعله" وها أنا ذا، أنا في مقر سكيبتكال انكويرر.
هذه قصة رائعة، وأعتقد أنه سيكون أكثر إثارة للاهتمام إذا كان بإمكانك مشاركة بعض صورك
[علّق كيني بأنه لا ينشر أعماله، وصورته لإعادة إنشاء صور الأشباح كلها في موقع Skeptical Inquirer]
ما هي استراتيجيتك عند التحدث مع شخص يدعّي أنه قد شاهد شيئًا خارقًا؟
أول شيء أن نصغي إليهم، لا أن ننفي ما يقولون فوراً، لأنهم مروا بشيء ما، رغم أننا لا نعرف حتى الآن ما هو. يفسرونه على أنه شبح أو ظل أو وحش، لكن هل نعرف ذلك حقًا؟ أريد أن أستمع إلى قصصهم وأن أسأل وأستوضح التفاصيل.
سؤالي للمتابعة بالنسبة لشخص يدعّي أنه رأى شبحًا في ثوب هو السؤال عن طبيعة الثوب مثلاً. أحاول ألا أعطيهم أي نوع من التوصيفات. لا أريد أن أضع مصطلحاتي في أفواههم.
أحاول إجراء مناقشة بدلاً من إخبارهم، وربما أعطي تلميحات حول ما أعتقد أنه قد يكون، وجعلهم حقًا يصلون إلى نتيجة. أحد التمارين التي أقوم بها هو أن أقول: حسنًا، لقد تحدثنا عن تجربتك، تعتقد أنه شبح، ماذا لو وضعنا ذلك جانبًا وفكرنا في احتمالات أخرى لشرحها دون استدعاء الخوارق. بمجرد أن نصل إلى هذا الجانب، يأتون بالعديد من التفسيرات بأنفسهم. عندما يفعلون ذلك بأنفسهم، فإن ذلك يكون له تأثير أكبر على تفكيرهم، وهذا هدفي: تحسين جودة تفكيرهم.
يعود الأمر حقًا إلى الاستماع، لأنني رأيت مرات عديدة شخصًا لديه تجربة غريبة، أو تجربة غريبة لا يمكنهم فهمها ولا يعرفون إلى أين يتجهون. بعد ذلك، يتواصلون مع شخص ما في المجتمع المتشكك. بدلاً من إجراء محادثة حوله، في بعض الأحيان يخبرونهم فقط أنهم يهلوسون أو أنهم أغبياء. لا أستطيع تحمل ذلك الأسلوب، لأنه لا يبني علاقة صحيحة. إنه يجعلهم يكرهوننا أكثر، والعكس صحيح.
أفضل نصيحة هي: كن لطيفًا، وتحدث عن الأمر، وأعرف ما إذا كان بإمكانك الوصول إلى نتيجة مشتركة بناءً على التفكير حقًا في الأمر. إذا لم تتمكن من التوصل إلى استنتاج، فإن أفضل إجابة هي "لا أعرف"، فالأمر بهذه البساطة، بدلاً مما يفعله بعض الأشخاص من كلا الجانبين، لتكوين بعض التفسيرات لتبرير تفسيرهم أو تبرر إيمانهم بالأشباح. توقف عن اختلاق الأشياء، عندما لا تعرف، فقط قل "لا أعرف".
هناك نسخة عربية قبل الإسلام من الأشباح، حيث كان العرب يخافون من الذهاب إلى منطقة ما في الصحراء حيث توجد منازل قديمة فارغة لأنهم اعتقدوا أنها مسكونة من الجن. أصبح هذا الاعتقاد فيما بعد النسخة الإسلامية من الأشباح. لكن لا يمكنني الادعاء بأن هذه هي الخرافة الأكثر شيوعًا في المنطقة. أتذكر أنني أجريت محادثة حول البدر مع امرأة أمريكية تحدثت عن هذا الاعتقاد في الثقافة الأمريكية، لكنني أخبرتها حينها أنه ليس هو نفسه هنا، ولن يحدث شيء سيء لأن لا أحد يؤمن بذلك. لذلك يمكنني القول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الخرافات الطبية والعلوم الزائفة هي أكثر أشكال المعتقدات غير العلمية شيوعًا. هناك صناعة كاملة للطب البديل: من المعالجين إلى الأدوية. قد يكون هذا سببًا لوجود اختلاف في توزيع هذه المعتقدات. يمكنني أيضًا أن أذكر - لقد ذكرت نسختنا من الأشباح - مجموعة واسعة من المعتقدات حول الحسد أيضًا. لذا، إذا كنت أرغب في إعداد قائمة بهذه المعتقدات، فسأقول إن هناك أشياء تتعلق بالطب، وأشياء مرتبطة بالدين مثل الادعاء بأن الدين يتفق مع العلم، والأشياء المتعلقة بالعين والحسد. هل يمكنك عمل قائمة مماثلة لأكثر المعتقدات الخرافية شيوعًا في الغرب أو على الأقل في الولايات المتحدة؟ [17:00 - 18:30 لم أكن دقيقًا جدًا هنا، حيث ذكرت مزيجًا من العلوم الزائفة والخرافات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا].
هناك العديد من الثقافات في الولايات المتحدة، وهناك معتقدات مختلفة وخرافات مختلفة في أجزاء مختلفة من البلاد. بعض الأشياء الشائعة التي لدينا، لقد ذكرت البدر، حيث يعتقد الناس أن المزيد من الإصابات ستحدث عند اكتمال القمر، أو يصبح الناس مجانين أو أكثر جنونًا عند اكتمال القمر. هناك اعتقاد شائع بأن الأشياء تحدث في مجموعات ثلاثية، لذلك إذا حدث شيء سيء، يتوقع الناس شيئين آخرين على الأقل سيحدث ذلك، لكنهم لا يحسبون حقًا إذا حصلت على أربعة، ثم يبدأون واحدًا آخر، لذلك هناك دائمًا مبرر.
لقد ذكرت الطب، لدينا مشكلة كبيرة مع المعالجة المثلية هنا، وهي ليست دواء ولكن الناس يحبون استخدامها، والترويج لها كشيء يعالج أي شيء من نزلات البرد إلى السرطان، وهي في الأساس متشابهة، إنه ماء يسقط على حبة سكر ويبيعونها مقابل الكثير من المال. عادة ما تكلف أكثر من التكلفة الفعلية للأدوية. لكن هناك ادعاءات بأنه يشفي الناس وكل هذا "طبيعي"، لذلك يؤمن الناس بذلك.
لدينا أشياء مثل الطابق 13، وهناك الكثير من المباني التي لا تحتوي على طابق 13. لديهم ذلك، ولكن عندما تدخل المصعد، فإنه ينتقل من 12 إلى 14. لذلك تخرج في الطابق الرابع عشر، ولكن من الناحية الفنية تكون في الطابق الثالث عشر.
مصعد دون الرقم 13
لدينا أيضًا خرافة حول أن سوء الحظ الذي يأتي من السير تحت سلم. هذه خرافة كبيرة، لا تمشي تحت سلم، لا يمكن أن تعترض قطة سوداء طريقك لأن هذا حظ سيئ. يواجه الناس سوء الحظ بالطرق على الخشب.
ضيفنا لهذه الحلقة هو الدكتور أحمد عليوة، درس التكنلوجيا الحيوية في جامعة القاهرة بين الأعوام 1997 و 2001 ليغادر نحو الولايات المتحدة بعدها لدراسة الماجستير حيث درس بمختبر كريغ ميلو (Craig Mello's lab, University of Massachusetts Medical School) ورسالة الماجستير خاصته كانت بعنوان دور ترميز الحمض النووي بتمييز الأديم في دودة الربداء الرشيقة (C. Elegans) وقد أنهى دراسة الماجستير هناك في العام 2007 ثم شرع بدراسة الدكتوراه في ذات المختبر وكانت أيضاً دراسة الدكتوراه له حول أحد البروتينات لدى أجنة دودة الربداء الرشيقة. أنهى دراسة الدكتوراه في العام 2014، ليتجه الى السويد حيث يعمل زميلاً لأبحاث بعد الدكتوراه في مؤسسة كارولينسكا.
الرابط على موقع العلوم الحقيقية: https://real-sciences.com/?p=28035
على جوجل بودكاست
على آبل بودكاست
نشرنا نص اللقاء في العدد 54 من مجلة العلوم الحقيقية وأدناه نص الحوار:
ضيفنا لهذه الحلقة هو الدكتور أحمد عليوة، درس التكنولوجيا الحيوية في جامعة القاهرة بين الأعوام 1997 و 2001 ليغادر نحو الولايات المتحدة بعدها لدراسة الماجستير حيث درس بمختبر كريغ ميلو (Craig Mello's lab, University of Massachusetts Medical School) وكانت رسالة الماجستير خاصته بعنوان "دور ترميز الحمض النووي بتمييز الأديم في دودة الربداء الرشيقة (C. Elegans)" وقد أنهى دراسة الماجستير هناك في العام 2007 ثم شرع بدراسة الدكتوراه في ذات المختبر وكانت أيضاً دراسة الدكتوراه له حول أحد البروتينات لدى أجنة دودة الربداء الرشيقة. أنهى دراسة الدكتوراه في العام 2014، ليتجه إلى السويد حيث يعمل زميلاً لأبحاث بعد الدكتوراه في مؤسسة كارولينسكا. أهلاً وسهلاً بكم د. أحمد.
شكراً لكم، أهلاً وسهلاً بك وبالمستمعين، أضيف فقط للسيرة هو أنني أعمل حالياً كباحث مستقبل في جامعة برشلونة باسبانيا وأقسم وقتي بين ستوكهولم وبرشلونة خلال السنة. ولي خط بحثي في برشلونة يختلف عن الخط البحثي في ستوكهولم إلى جانب بعض التدريس.
كما لاحظنا في سيرتكم الذاتية، ولكل من يقرأ أبحاثكم، سنجد الكثير من الاهتمام بدودة الربداء الرشيقة التي نجد أنها مشهورة جداً حيث ترد في الكثير من الأبحاث وهناك الكثير من الاهتمام حولها في البحث العلمي، فلماذا تعد مهمة؟
تكمن أهمية النماذج الحيوانية بشكل عام في أن معظم التجارب والأسئلة البيولوجية يستحيل دراستها في الإنسان مباشرة، لذا يجب دراستها في كائن يشبه الإنسان إلى حد ما، لكن دون الدخول في تعقيدات أخلاقية أو قانونية بخصوص التجارب على الإنسان. وكذلك فإن الإنسان من أعقد الكائنات التي يمكن دراستها مختبرياً، لذا نلجأ لكائنات ابسط من الإنسان نستطيع من خلالها أن نفهم عمليات حيوية مختلفة، كما يمكن أن نقيس من خلال التشابه مع الانسان ما يمكن أن يحدث مع الانسان.
كانت دودة الربداء الرشيقة كما تسمى باللغة العربية من ضمن الكائنات التي ظهرت على الساحة في أواخر الخمسينات والتي تعد فترة مهمة لأن تركيب الحمض النووي قد اكتشف وتم فهم كيفية حدوث الوراثة وأصبح الهدف هو فهم كيف أن الوراثة والحمض النووي يمكن أن يعملا في الخلية لخلق جنين. ليس هذا فحسب، بل يفعل في الكائن بعد نضوجه للتحكم بسلوكه وتصرفاته بشكل عام. لذا فإن مسألة السلوك والتطور للجهاز العصبي إلى جانب نمو الجنين عقبة كان يجب اقتحامها بعد اكتشاف الحمض النووي، وكان للربداء الرشيقة مزايا غير موجودة في نماذج حيوانية أخرى مثل الفئران أو ذبابة الفاكهة، ومن هذه المزايا بساطة جسم دودة الربداء الرشيقة.
للربداء الرشيقة ألف خلية فقط، وهي شفافة بحيث يمكن تحت المجهر تمييز كل خلية عن الخلية التي بجانبها. ليس هذا فحسب، بل يمكن تتبع ولادة كل خلية من الخلية الأولى، من أين جاءت وكيف تمايزت وما إلى ذلك. لذا كان من الممكن انشاء خريطة دقيقة ومفصلة لكل خلايا الكائن.
كانت الخلايا تنقسم وتتكشف بشكل نمطي جداً لا يختلف من دودة إلى أخرى وبالتالي فقد كان التطور أو النمو يحدث بشكل حتمي (deterministic) أي أن ما يجري على دودة ما، يجري على الديدان الأخرى ايضاً. أضف إلى ذلك أن رغم بساطة الدودة غير أن لديها سلوكيات معقدة مثل البحث عن الطعام أو تمييز الاكل المفيد من الضار أو البحث عن دودة من الجنس الآخر للتزاوج أو الهروب من المخاطر. لذا فنحن نتكلم عن دودة من 1000 خلية هناك 300 منها تشكل الجهاز العصبي، لكن فيها كل التعقيد الذي نتكلم عنه. لذا قرر سيدني برينر (Sydney Brenner) في بريطانيا أن الربداء الرشيقة هي كائن مثالي لدراسة تفعيل المادة الوراثية خلال نمو الجنين وسلوك الكائن بعد اكتمال نموه. وكون برينر مجموعة عمل كان أهم من فيها روبيرت هوروتز (Robert Horvitz) وجون سولستن (John E. Sulston) وقد حصل الثلاثة على جائزة نوبل لاسهاماتهم في مجال الطب والفسلجة من خلال تدشين الربداء الرشيقة كنموذج لدراسة علم الأحياء. وخرج مئات الأبحاث من تلك المجموعة ومئات المختبرات في العالم لدراسة تلك الدودة ولفهم شتى الأسئلة والمسائل البيولوجية إلى يومنا هذا.
قد يسأل سائل، في الوقت الذي يمكن لدودة ان تقدم كل هذا، لماذا هناك من يدرس الفئران، أو من يقوم بإجراء بعض التجارب على الشمبانزي، ما الفرق بين نموذج حيواني كالدودة ونموذج حيواني كالفأر؟
الدودة لها مزايا ولها عيوب ولها عيوب تتكامل مع مزايا وعيوب الفئران والنماذج الحيوانية الأخرى. مثلاً، الدودة الواحدة بعد أن تكون بيضة ثم تفقس خلال 12 ساعة ثم تبيض 300 بيضة خلال ثلاثة أيام. أي أن دورة حياتها قصيرة جداً، وتتكون من بضعة أيام فقط. الفأر يمكن أن يأخذ عدة شهور بعد الولادة لينضج جنسياً، وحتى حين يلد فلن يلد أكثر من مجموعة فئران. في حين أننا في الديدان نتكلم عن دودة إى بضعة مئات من الديدان في بضعة أيام. وبالتالي فإن القيام بالتجارب يعد أسرع بكثير. كما يمكنك وضع 1000 دودة بطبق في درج، في حين أن ألف فأر سيحتاجون إلى ميزانية واكل وأقفاص وغير ذلك. لذا فإن عدد الحيوانات التي يمكن أن تعمل بها في نفس الوقت يختلف. هذه هي مزايا الربداء الرشيقة.
جرى العرف أن حيوان مثل الربداء الرشيقة يسمح بالقيام بتجارب متعددة بنمط سريع، ثم حين نفهم شيئاً، نتسائل: هل سينطبق الأمر ذاته على الفئران؟ السؤال سيكون أكثر دقة هنا
أما عيوبها، فهي أننا نتكلم عن دودة، في حين أن الفأر هو حيوان ثدي كالإنسان، وما يكتشف في الفأر غالباً ما يكون أقرب للوضع في الانسان. لذا فإن العرف جرى أن حيوان مثل الربداء الرشيقة يسمح بالقيام بتجارب متعددة بنمط سريع، ثم حين نفهم شيئاً، نتسائل: هل سينطبق الأمر ذاته على الفئران؟ السؤال سيكون أكثر دقة هنا. نفهم شيئاً في الربداء الرشيقة ثم نعيد سؤال السؤال على الفئران، ثم قد نتمكن من طرح نفس السؤال عما سيجري في الإنسان كذلك. نموذج من هذا العمل هو العمل على موت الخلايا المبرمج وقد درسه بوب هوروتز والذي وجد أن في الربداء الرشيقة هناك بعض الخلايا تولد خلال نمو الجنين من انقسام الخلية ثم تموت بعد بضع ساعات، ويحدث الأمر ذاته لذات الخلية في كل جنين ويتم ابتلاعها من الخلايا فأسموه موت الخلايا المبرمج.
كما وجدوا أن في حال حدوث طفرات ببعض الجينات تبقى تلك الخلايا ولا تموت. فعرفوا أن موت الخلايا المبرمج في الربداء الرشيقة هي عملية حيوية منظمة بجينات معينة، ثم تسائلوا، هل تلك الجينات موجودة في الفئران؟ فوجدوا جينات شبيهة لما في الدودة لدى الفئران. ووجدوا الأمر ذاته، حيث الخلل في الموت المبرمج للخلايا ووجدوا صلة ذلك بالسرطان (راجع اللقاء المفصل حول موت الخلايا المبرمج مع الدكتور محمد الربيعي المختص بموت الخلايا المبرمج) حيث تعلم أن فيها مشكلة لكنها لا تستطيع إماتة نفسها حيث تتفاقم المشكلة ويبدأ ورم سرطاني بالنمو. كما وجدوا أن الجينات التي لها علاقة بموت الخلايا المبرمج في الفئران هي ذاتها في الإنسان والتي هي من أهم أسباب حدوث السرطان في الإنسان.
وهكذا يمكن أن نرى كيف جرى الخط البحثي من الربداء الرشيقة ثم الفئران فالإنسان. التكامل بين النماذج الحيوانية شائع جداً في البحث العلمي. هناك من يتخصص بدراسة الفئران أو ذبابة الفاكهة، لكن هناك دوماً انتباه للعلاقة بين تلك الكائنات وما يحدث في الإنسان وغالباً ما تكون بعض الثدييات كالفئران والجرذان هي الجسر لفهم ما يحدث في الإنسان.
نفهم هنا أن الربداء الرشيقة يمكن أن توفر خيار رخيص أو سهل، وبعده يمكن الانتقال لمراحل أخرى.
نعم، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن البحث العلمي لا يتصل بالضرورة لإكتشافات طبية تفيد الانسان. أو على الأقل ليس على المدى القريب أو المتوسط. لذا فإن هناك من يدرس سلوكيات الربداء الرشيقة، مثلاً كيف تتحرك؟ كيف تجد الطعام؟ كيف تتصرف خلاياها العصبية؟ وهذا يمكن أن يجعل العلاقة بينها وبين التطبيق الطبي للإنسان بعيد أو غير مرئي حالياً. لكنه مع ذلك يعتبر مفيد، ويعد معرفة مهمة لأنه يفتح أفاق للإنسان لكيفية عمل الجينات وتفعيلها في الكائن.
جرى العرف على ربط البحث العلمي بفائدة تخص الانسان والطب، رغم أن كثير من الباحثين يبحثون دون تحمل عبء إيجاد العلاقة بين اكتشافاتهم والطب، بل يبحثون بدافع الفضول، وبدافع الرغبة في استكشاف المجهول ويتمنون أن اكتشافهم يفيد المجتمع في يوم من الأيام، غير أن الجائزة الكبرى تكمن في نشوة الاكتشاف وفهم أمر جديد لم يفهمه أحد قبلهم، وأنك، ولو لبضع ساعات، تعرف شيئاً لم يعرفه أحد سواك
أحياناً لا يتمركز البحث حول الإنسان، أذكر من حوار مع بيرند هارينريش متخصص بسلوك الحيوانات وقد درس الغربان وطرحت عليه بعض الأسئلة فانزعج من بعض الأسئلة لأنها تتمركز حول الانسان فقال ما معناه أن لا تحاولوا أن تأنسنوا هذه السلوكيات فربما هذا هو مفهومنا فقط لسلوكيات معينة لكنه لا يعني الأمر ذاته بالنسبة للحيوان. ما نفهمه منكم أن النماذج الحيوانية قد تكون نوع من الدراسة الأحياء وهناك فائدة محتملة لها مستقبلاً للإنسان.
صحيح رغم أن العرف قد جرى بمعظم الأحيان أن تبرير التمويل الذي يحتاجه البحث العلمي لابد أن يرتبط بعلاقته بالإنسان وكيف سيفيد المجتمع وكيف سيفيد الطب. يشبه هذا الديباجة في معظم الأحيان بالأطروحات البحثية لتبرير تمويلها من دافعي الضرائب. رغم أن كثير من الباحثين يبحثون دون تحمل عبء إيجاد العلاقة بين اكتشافاتهم والطب، بل يبحثون بدافع الفضول، وبدافع الرغبة في استكشاف المجهول ويتمنون أن اكتشافهم يفيد المجتمع في يوم من الأيام، غير أن الجائزة الكبرى تكمن في نشوة الاكتشاف وفهم أمر جديد لم يفهمه أحد قبلهم، وأنك ولو لبضع ساعات تعرف شيئاً لم يعرفه أحد سواك، مع وجود أمل أن في يوم من الأيام يمكن أن يكون هناك عمل يفيد الإنسان لكن ليس هذا هو الهدف الأساسي رغم أنه قد يظهر بصفته الديباجة الأولى في أي أطروحة بحثية.
كيف يتطور مجال دراسة النماذج الحيوانية؟ وجدنا لكم أبحاثاً حول السلمندر أيضاً فأين تتجهون وأين يتجه هذا المجال؟
هناك نقطة مهمة وهي لماذا التركيز على الربداء الرشيقة في حين أن هناك الآلاف من الديدان التي تمتاز بمميزات الربداء الرشيقة مثل السي بريكسي وهناك فصائل كثيرة تحت جنس الربداء أيضاً. الفكرة، هي أنه قديماً على الأقل، فإن البحث العلمي مكلف وكان من المهم تركيز المعرفة على عدد محدد من الكائنات بحيث لا نحتاج أن نعيد اختراع العجلة لكل كائن يود أحدهم دراسته، لكن هناك حالة من الاستثمار في كائن معين أو عدد معين من الكائنات لأن البحث العلمي مكلف.
لكن حدثت في العشر سنوات الأخيرة عدة طفرات في البحث العلمي جعلت من الممكن تحويل أي كائن إلى كائن نموذجي. ماذا يعني كائن نموذجي؟ أي كائن من المفهوم كيفية تربيته في مختبر، ومن المعروف تسلسل مادته الوراثية (sequencing) وطبيعتها. ومعرفة أشياء أساسية عن فسلجته وسلوكه وما ‘لى ذلك. بالإضافة إلى عدد من الأدوات لتعديل المادة الوراثية. تلك التطورات سهلت عملية سلسلة الجينوم ومعرفة المادة الوراثية وخفضت من كلفة وسهلت عملية تعديل المادة الوراثية.
لقاء موقع العلوم الحقيقية مع الدكتور سليم زاروبي عالم الفيزياء الفلكية الفلسطيني الرائد في دراسة تطور البنية المعقدة في الكون والمراحل المبكرة من الكون، واحد الرواد والمؤسسين لتلسكوب لوفار (LOFAR) في هولندا. بحثه يتعلق بالسؤال حول كيف انتقلنا من هذا الكون المبكر المتجانس الى هذا الكون المعقد الذي نراه حولنا. وهذا المجال كبير، تخصص في البداية بالمبنى الكبير بالكون بشكل عام ثم في السنوات العشرين الأخيرة انتقل للتساؤل حول المجرات الأولى والمبنى الأول في الكون الذي تم بعد نصف مليار عام من تكون الكون. تخصصه يكمن في فحص كيفية تكون المجرات الأولى وكيف اثرت على البيئة التي حولها، في الأساس بالتأثير على ما نسميه المادة بين المجرات (Inter-galactic medium) وماذا يحدث لذرة الهيدروجين الموجودة بكثرة في الكون وكيف تتأين..الخ. وقد كان من المبادرين والرواد في هذه طرح هذه الاسئلة والبحث فيها. في عام 2004 بادر مع زميلين من زملاءه الى مشروع كبير مرتبط بالتلسكوب لوفار LOFAR والذي يهدف لفحص هذه المادة – حالة الهيدروجين في الكون المبكر – أي ما حدث له بعد تكون المجرات الأولى، وهذا التلسكوب وأمثاله هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن رؤية الكون بها في هذه الفترة.
رابط المقال والبودكاست على الموقع: https://real-sciences.com/?p=19372
نرحب بالدكتور سليم زاروبي الحاصل على جائزة هولمبولت في ألمانيا مؤخراً، مرحبًا بكم دكتور سليم يسرنا ويسر جمهورنا أن نلتقي بكم، وسؤالنا الأول حول مسيرتكم وأبحاثكم والمجالات التي تهتمون بها.
شكرًا لكم عمر، أنا فلسطيني من مدينة الناصرة وقد نشأت فيها وتعلمت الفيزياء في جامعات إسرائيلية بطبيعة الحال لأنني من فلسطينيي الداخل، حيث درست في جامعة التخنيون ثم في الجامعة العبرية في القدس حيث أنهيت الدكتوراه هناك وتخصصت في علم الكون بالأساس وتحديدًا حول تطور البنية المعقدة في الكون، كيف نشأت وكيف تطورت. تاريخ كوننا محدود، عمره 14 مليار عام، وفي بدايته كان متجانساً تماماً حيث تكون كل نقطة متجانسة تماماً مع النقطة التي بجانبها من حيث الصفات الفيزيائية لكن مع الوقت تطورت المجرات والنجوم والكواكب السيارة. بحثي يتعلق بالسؤال حول كيفية انتقالنا من هذا الكون المبكر المتجانس إلى هذا الكون المعقد الذي نراه حولنا. وهذا المجال كبير، تخصصت بالبداية بالمبنى الكبير بالكون بشكل عام ثم في السنوات العشرين الأخيرة بدأت اسأل عن المجرات الأولى والمبنى الأول في الكون الذي تم بعد نصف مليار عام من تكون الكون. يكمن تخصصي في فحص كيفية تكون المجرات الأولى وكيف أثرت على البيئة التي حولها، في الأساس بالتأثير على ما نسميه المادة بين المجرات (Inter-galactic medium) وماذا يحدث لذرة الهيدروجين الموجودة بكثرة في الكون وكيف تتأين..الخ. هذا هو مجال تخصصي وهو مجال جديد في العالم وقد كنت من المبادرين له. في عام 2004 بادرت مع زميلين لي إلى مشروع كبير مرتبط بالتلسكوب لوفار LOFAR والذي يهدف لفحص هذه المادة – حالة الهيدروجين في الكون المبكر – أي ما حدث له بعد تكون المجرات الأولى، وهذا التلسكوب وأمثاله هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن رؤية الكون بها في هذه الفترة، فهذا فيما يتعلق بتخصصي.
أما الأماكن التي انتقلت فيها وعشت فيها فقد انتقلت بعد الدكتوراه إلى جامعة بيركلي لدراسة ما بعد الدكتوراه وقضيت 3 سنوات هناك. ثم انتقلت لمعهد ماكس بلانك لأبحاث الفضاء في ميونخ حيث قضيت 5 سنوات، ثم انتقلت إلى هولندا لجامعة جرونيجن (Rijksuniversiteit Groningen) عام 2014 وهي ثاني جامعة هولندية بتاريخ الجامعات في هولندا وفيها تخصص كبير في هذا المجال. وقد عدت قبل 6 سنوات إلى البلاد وأنا أعمل بالإضافة إلى جامعة خرونيجن في الجامعة المفتوحة. هذه هي خلاصة مسيرتي العلمية.
مسيرة رائعة دكتور، وفي الحقيقة لنا ولجمهورنا كغير مختصين ذكرتم المصفوفات منخفضة التردد لا ندري إن كنتم تحبون التقديم بالمراحل التي ذكرتموها حول نشأة الكون ثم شرح هذه المصفوفات لنا أم البدء بالاتجاه الآخر بالشرح من المصفوفات ثم التعمق في تفاصيل نشأة الكون. نترك الخيار لكم.
أفضل الكلام عن التأثير الفيزيائي لأفسر ما نريد أن نراه بالتحديد ثم لماذا نريد استخدام المصفوفات منخفضة التردد.
كما تعلمون فإن الكون يتوسع، هذه هي نظرية الانفجار الكبير، ومنذ ولادته حتى الآن فقد مر بمراحل عديدة، كان كثيفاً جداً وحرارته عالية جداً في البداية. في اللحظات الأولى لتكون الكون كانت حرارته – وسأستخدم الصيغة الرياضية هنا – 10 مرفوعة للأس 35 درجة مئوية أو درجة مطلقة، أي واحد وأمامه 35 صفر، حرارة مذهلة لا تستطيع المادة العادية الصمود بهذه الحرارة.
كان الكون في بدايته مجرد طاقة، أشعة تتحول إلى جسيمات وجسيمات تتحول إلى أشعة. مثل خليط من الجسيمات الأولية التي تكمن في عمق تكون المادة في الطبيعة. لكن مع الوقت فإن الكون بدأ يبرد وينتشر وتقل كثافته ويقل ضغطه، وخلال هذه العمليات تحدث أمور عدة. بعد 3 دقائق من تكون الكون ظهرت أولى العناصر، في البداية لم يكن هناك عناصر، حيث أن درجة الحرارة عالية لدرجة أن العناصر وحتى أنوية العناصر تتفكك، وحتى أن البروتونات والنيوترونات التي تكون أنوية العناصر تتفكك أيضاً إلى مركباتها الأساسية التي نسميها كواركات وما شابه. لكن بعد دقائق برد الكون بما يكفي لكي يكون أنوية العناصر الأولى.
من المذهل أن الكون في بداياته لم يحتو على أي من العناصر التي تكوننا وتكون الحياة وكل شيء، بل احتوى على عنصرين فقط.
لا أدري إن كنت تعلم، فإن الكون كان له في الأساس عنصرين، وهما العنصران الموجودان اليوم بكثرة في الطبيعة: الهيدروجين والهيليوم. إذا ما عدنا إلى الجدول الدوري في المدرسة فإن الهيدروجين والهيليوم هما أخف عنصرين في الكون، وفي الحقيقة، من المادة العادية التي تكون الأرض واجسامنا وما نسميه المادة الباريونية فإن الكون يتكون بنسبة 75% هيدروجين و25% هيليوم أما العناصر الأخرى التي يصنع منها كل شيء بما في ذلك نحن، فهذه لم يصنعها الكون ببدايته بل تحتاج إلى عملية أخرى لاحقة، وهو أمر مذهل في الحقيقة أن ما يكوننا لم يكن موجوداً في بداية الكون، بل ما كونها هي النجوم ودورة حياة النجوم لكن هذا موضوع آخر. هذا هو مثال على التغير الكبير في مراحل نشأة الكون. هذه أيضاً المرحلة التي تتحرر بها الأشعة الميكرونية الكونية التي نرصدها بشكل روتيني اليوم.
بعد 400أالف عام صار الكون شفافاً، أما قبلها فيمكن تشبيهه بالغمامة، يشبه الأمر عندما تمر الطائرة وسط غيمة.
بعد 400 ألف عام من الانفجار الكبير، كون الكون الذرات المتعادلة الأولى والتي لم تكن موجودة قبل ذلك، فذرات الهيدروجين الذي تكلمنا عنه في الدقائق الأولى من الكون كانت متأينة، البروتونات والإلكترونات التي تصنع ذرة الهيدروجين كانت منفصلة عن بعضها. بمرحلة ما، يندمجان بعد 400 ألف عام من الانفجار الكبير ويسبب هذا أن الكون يصبح شفافاً، قبلها كان الكون غير شفاف بل كان يشبه غمامة، يشبه الأمر عندما تكون بطائرة وتمر الطائرة في غيمة وخصوصاً في الليل، هكذا كان الكون حتى وصلنا إلى مرحلة الـ 400 ألف عام وتحول الهيدروجين إلى هيدروجين متعادل.
ما يميز فترة الـ 400 ألف عام هو عدم حدوث الكثير من الأحداث بالمقارنة مع الفترة السابقة: أصبح الكون بارداً نسبياً مقارنة بالفترة السابقة، فقد أصبحت الحرارة 3000 درجة مئوية أي أقل من حرارة سطح الشمس والتي تبلغ 6000 درجة مئوية. إذن برد الكون كفاية، لكن لم يكن به شيء آخر كالمجرات والنجوم وكان مستمراً بالانتشار والتوسع وهكذا يستمر الوضع حتى نصف مليار عام من فترة تكون الكون وتسمى هذه الفترة بالمصطلحات التقنية بالعصور المظلمة للكون لعدم وجود مصادر ضوء في هذه الفترة. يبرد الكون، يتمدد، بهيدروجين وهيليوم متعادلان دون مجرات أو نجوم أو أي شيء آخر.
صورة لمجموعة محطات من محطات مصفوفة لوفار في هولندا من الأعلى
بعد نصف مليار عام تبدأ المجرات الأولى بالتكون، وهذه المجرات والنجوم لها صفة خاصة هو أنها تصدر الأشعة فوق البنفسجية، وهذه الاشعة فوق البنفسجية تؤين الهيدروجين، وتمتد هذه الحقبة من نصف مليار عام إلى مليار عام من عمر الكون. وبعد هذه المرحلة يرجع كل الكون إلى مرحلة التأين، فكوننا اليوم متأين منذ تلك الفترة وحتى الآن.
اسمح لي بالمقاطعة دكتور، كم عمر الكون الآن؟ لا شك أن هذا ذُكر كثيراً وذكرتموه لكن فقط لنوضحه للجمهور
عمر الكون 14 مليار عام تقريباً. 13.8 مليار عام. ابتدأت المرحلة التي نتكلم عنها بعد تقريباً 400 ألف عام من تكون الكون ثم مرحلة أن الهيدروجين يتحول إلى هيدروجين متعادل ثم بعد نصف مليار عام بدأت المجرات الأولى والنجوم الأولى بالتكون، ثم ابتدأت هذه النجوم والمجرات بتأيين الغاز من حولها، ثم بعد مليار عام أصبح كل الكون متأين واستمر ذلك حتى الآن. ما نبحثه هو تلك الفترة من 400 ألف عام بعد الانفجار الكبير حتى مليار عام بعد الانفجار الكبير.
واضح دكتور، لكن أي من الفترين هي التي يشار لها على أنها فترة عودة التأين؟
تكون هذه الفترة من الكون من 400 ألف حتى مليار عام تقسم عادة إلى 3 أقسام، الأول هو العصور المظلمة للكون، الثاني هو فترة نشوء المجرات الأولى والنجوم الأولى وتسمى فجر الكون (Cosmic dawn) والفترة الأخيرة التي صارت فيها الكثير من المجرات الأولى، وابتدأت بتأيين الكون بشكل مكثف تسمى فترة عودة التأين. ونحن ندرس المراحل الثلاث لكن في الأساس أنا أدرس المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التأين الجديد للكون، لكن هذه المراحل في الحقيقة مرتبطة من 400 ألف عام من الانفجار الكبير حتى مليار عام. تحدث حقبة عودة التأين تحديداً بين 600 أو 700 ألف عام إلى مليار عام.
كيف ندرس مثل هذه المراحل؟
كما ذكرنا فإنه لا يوجد شيء لرؤيته من تلك المراحل بالتلسكوبات كما هو الحال عادة. أفضل ما يمكن رصده لفهم وضع الكون في تلك المرحلة هو أشعة تصدر من الهيدروجين المتعادل. حيث تصدر هذه الأشعة عندما يتعادل الهيدروجين وتسمى بأشعة ذرة الهيدروجين وطول موجتها هو تقريبًا 21 سنتمتر، أقصر من مسطرة اعتيادية التي تصل عادة إلى 30 سنتمتر. لكن عندما تصدر هذه الأشعة فإنها تصدر في الكون البدائي، ويتباعد هذا الكون عن بعضه بشكل كبير حتى يصلنا، وخلال عملية ابتعاده، فإن الابعاد والاطوال تتغير، أي أن طول الموجة هذا قد يصلنا بطول مترين أو 3 أمتار وهذا صعب على المستمع العادي فهمه لكن لنحاول تبسيطه.
حين نتحدث عن الانفجار الكبير ونتحدث عن الانتشار. ما ينتشر هو ليس المجرات، صحيح أن المجرات تبتعد عن بعضها باستمرار لكن ليس هذا هو السبب، ما يبتعد عن بعضه فعليًا هو هندسة الكون، نسيج الفراغ والزمان في الكون. لأعطي مثالاً على ذلك، عندما تمسك بالون (نفاخة) وتبدأ بنفخها، تلاحظ أن النقاط على سطح البالون تبتعد عن بعضها، وهذا يشبه الكون إلى حد كبير. لكن هل تتباعد النقاط على البالون؟ كلا، ما يتغير هو نسيج البالون نفسه الذي يتمدد. هذا هو ما يحدث في الكون. المجرات لا تبتعد أو تهرب عن بعضها بل ما يبعدها عن بعضها هو اتساع نسيج الكون. ما يحدث لعملية تمدد الكون هو أن الكون يخلق أبعاد جديدة، يخلق هندسة جديدة طيلة الوقت، وهذه قضية مهمة.
ولأن ما يتمدد هو نسيج الكون، فإن كل ما فيه سيتمدد مع الوقت، بما في ذلك الأشعة ذات الطول 21 سنتمتر فإنها ستتمدد أيضاً، وهذا ما ندرسه تحديداً. أشعة مثل هذه هي أشعة منخفضة التردد والطريقة الوحيدة لملاحظتها هي تلسكوبات الراديو، انتينات قديمة تشبه الرادارات والتي هي صحون كبيرة – إذا ما تذكر هوائيات التلفاز – عمل الهوائيات كهذه هو التقاط موجات كهذه. ودور هذه الهوائيات هو لرصد موجات الهيدروجين هذه. عبر المصفوفات منخفضة التردد نرى هذه المناطق التي لا تشع لأن الهيدروجين فيها قد تأين حيث لا تعطي أشعة ٢١ سنتمتر ونرى أن هذه المناطق المعتمة تستمر بالاتساع حتى تختفي أشعة ال٢١ سنتمتر التي تأتينا من المادة التي بين المجرات عندما يتأين الكون تمامًا.
قرأنا كثيراً الأسطورة حول تجربة النوم الروسية التي تنص على أن خمسة أشخاص من السجناء في الاتحاد السوفييتي مُنعوا من النوم وماتوا بطريقة تراجيدية مرعبة. ويتداول تلك القصة كثيرون دون التحقق من مصداقيتها أو كونها حقيقة أم خيال، فما الحقيقة؟
تنص القصة باختصار على أن خمسة أشخاص من السجناء السياسيين في الاتحاد السوفييتي قد اُدخلوا في تجربة طولها 30 يوماً ووعدوا بالحرية فيما لو صمدوا خلال التجربة. وأن التجربة قد قامت في غرفة تحتوي على غاز منشط يحول دون النوم. بدأت التجربة حسب المزاعم وبقي الأشخاص طبيعيون للأيام الخمسة الأولى ثم بدأوا بالاضطراب وسرعان ما بدأت ملامح الانهيار بعد 9 أيام، ثم بدأوا بارتكاب أعمال لم يتمكن الباحثون من رؤيتها لأن المشاركين في التجربة لطخوا النافذة بالغائط وبكتاب قاموا بتمزيقه، ثم أُوقفت التجربة بعد 15 يوماً فوجد الباحثون أن الأشخاص قتلوا واحداً منهم بعد تشويهه كما أنهم مزقوا أنفسهم وغطوا الأرض بالدماء. وتستمر القصة بإصدارات عديدة حول مقتل البعض أو قتل السجناء لبعض الجنود بينما حاولوا إخراجهم بالإضافة إلى البهارات التي أضيفت للقصة أثناء الترجمة للعربية والصورة المرعبة التي ترفق مع التجربة دون أساس.
باختصار، القصة مختلقة كلياً. اختلق القصة مستخدم مجهول في موقع يعرف بـ "كريبي باستا" (CreepyPasta) ويشير المصطلح إلى نوع من قصص الإنترنت المرعبة التي يتم تأليفها وتداولها ويعني المعكرونة المخيفة فكأن أحدهم يصنع أكلة مخيفة ليتم تناولها من قبل الجمهور. اذا اردت متابعة المزيد من هذه القصص قم بزيارة الموقع لكن لا تشاركها وكأنها قصص حقيقية.
يبقى أمران، هل يعني هذا أن الأجهزة السرية النازية أو السوفيتية أو الامريكية أو أي أجهزة مخابرات ليس لديها برامج تجارب سرية شريرة؟ كلا على الإطلاق، هناك قصص حقيقية كثيرة من مختلف الدول. واحزر ماذا تفعل اذا ما اختلقت قصة وأضفتها للرصيد الحقيقي من القصص؟ ستضعف مصداقية القصص الحقيقية لأن كشف الكذب ليس سهل مثل هذه القصة، وكثير من الناس لن يكون لديهم الوقت للبحث عن نماذج أخرى.
الامر الثاني، هل حقاً يمكن أن نأكل لحوم البشر أو أن نتحول إلى وحوش اذا ما حُرمنا من النوم؟ كلا حتى لو بقيت 264 ساعة دون نوم مثلما فعل راندي غاردنر (Randy Gardner) الشاب الأمريكي محطماً الرقم القياسي لتوم راوندس (Tom Rounds) وبإشراف الباحث في النوم في جامعة ستانفورد الأستاذ ويليام ديمينت (William C. Dement). لم يأكل راندي احداً، ولم يمزق لحمه ولم يغط الأرض بالدم، لكنه كان يشعر بالتعب وكانت تظهر عليه تغيرات في المزاج. لكن باحثين آخرين راقبوه أبلغوا عن مشاكل عقلية جدية مثل الهلوسات والهوس وضعف في الذاكرة قصيرة الأمد والتركيز. بلغ الضعف الإدراكي مرحلة عدم قدرة انجاز بعض الاعمال الحسابية الطويلة لنسيان ما بدأ به من الأساس في نهاية التجربة. في النهاية تكلم راندي بطلاقة أمام مؤتمر صحفي قائلاً: "أردت إثبات أن لا شيء سيء سيحدث لو بقيت دون نوم، لقد كسرت الرقم السابق ولم تكن تجربة سيئة".
أما توم راوندس فلم نجد الكثير من التفاصيل عن تجربته لكن يبدو أنها لم تخضع للتجارب والإشراف الأكاديمي مثل راندي. تجدر الإشارة أن راندي نام في يومه الأول بعد التجربة لـ 14 ساعة ثم في اليوم الثاني لعشرة ساعات فقط.
الخلاصة، عدم النوم لأحد عشر يوماً لن يجعلنا وحوش وأكلة لحوم البشر.
مصادر وروابط أخرى:
Austin Considine, Bored at Work? Try Creepypasta, or Web Scares, New York Times, Nov. 12, 2010
Wikipedia, CreepyPasta
Wikipedia, Randy Gardner sleep deprivation experiment
SHANKAR VEDANTAM, The Haunting Effects Of Going Days Without Sleep, npr.org, December 27, 2017
Wikipedia, Russian Sleep Experiment
قراءة مختصر لمقال: الجفاف سبب لتغيير تاريخي في شبه الجزيرة العربية
https://real-sciences.com/?p=16742
قراءات مختصرة في مقالات العلوم الحقيقية، قراءة لمقال الدكتور اوز الطبيب والمحتال. رابط المقال:
https://real-sciences.com/?p=16755
حلقة من بودكاست العلوم الحقيقية نلتقي فيها مع العالم العراقي المغترب الدكتور محمد الربيعي وهو بروفسور متمرس في الهندسة البايوكيميائية في جامعة كلية دبلن وباحث اقدم في معهد كونوي للعلوم الطبية وسابقاً بروفسور في جامعة برمنغهام وهو رئيس شبكة العلماء العراقيين في الخارج. شغل عدداً من المناصب الأكاديمية وعمل كخبير لعدد كبير من الشركات الطبية والصيدلانية ولمؤسسات البحث العلمي الاوربية والعالمية، وأستاذاً مشاركاً وزائراً لعدد من الجامعات العالمية وخبيراً في شؤون التعليم العالي في منظمة اليونسكو، ومستشاراً فخرياً لرئيس الجمهورية العراقية ولوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. نال العديد من الجوائز العالمية المميزة لاكتشافاته وبحوثه العلمية. اهتماماته العلمية والبحثية واسعة وتشمل بالاضافة إلى الموت الخلوي إنتاج الأدوية والمواد الطبية وهندسة الخلايا الجذعية والانسجة وكذلك له اهتمامات كبيرة في شؤون التربية والتعليم العالي في العراق والعالم العربي.
ايضاً تقرؤون نص الاجابات في العدد 49 من مجلة العلوم الحقيقية: https://real-sciences.com/?p=16251
تجدونه على جوجل، آيتونز، سبوتيفاي وغيرها
نعتذر عن الانقطاع في الصوت في التعريف ببداية البودكاست وتقرؤون التعريف كاملاً بالدكتور محمد الربيعي أعلاه
فيما يلي نص اللقاء كاملاً:
ما هو الموت الخلوي وما هي أنواعه؟
بصورة عامة ومن الناحية الشكلية (المورفولوجية) ، يمكن تصنيف موت الخلايا إلى أربعة أشكال مختلفة:
موت الخلايا المبرمج ، apoptosis
والالتهام الذاتي ، autophagy
والنخر ، necrosis
والانطواء entosis
وهناك أنواع أخرى من الموت الخلوي ليس هنا مجال لذكرها.
موت الخلايا المبرمج ،apoptosis ، هو أسرع شكل من أشكال موت الخلايا ويحدث بشكل أساسي اعتمادًا على سلسلة انزيمات محللة للبروتين caspases. الالتهام الذاتي autophagy، باعتباره موت الخلايا من النوع الثاني، هو عملية تدهور لإزالة البروتينات التالفة والعضيات المختلة وظيفيًا وتبدأ بتكوين جسيم البلعمة الذاتية autophagosome. النخرnecrosis هو نوع من موت الخلايا من النوع الثالث، والذي يحتوي على تنوع كبير في عمليات موت الخلايا، مثل التثقب والتشقق. الانطواء entosis هو نوع من موت الخلايا الرابع، ويعرض سمات خلوية "أي خلية في بطن خلية" ويتطلب تنفيذ عملية ابتلاع الخلايا.
يمثل موت الخلية، كقرار خلوي نهائي عملية حاسمة للحفاظ على التوازن بين الأعضاء من حيث حجمها وعدد الخلايا لكل منها. تموت حوالي 10 مليارات خلية كل يوم لمجرد الحفاظ على التوازن مع أعداد الخلايا الجديدة الناشئة من الخلايا الجذعية في الجسم. هذه المذبحة يحتاج لتنظيمها نظام متوازن ودقيق. وهذا التوازن الطبيعي ليس مجرد عملية سلبية بل يتم تنظيمه من خلال برمجية دقيقة. تعمل نفس الآليات على "إزالة" الخلايا التالفة. مع تقدم العمر، قد تكون الاستجابات لتلف الحمض النووي أقل تحكماً، مما يساهم في الإصابة بالأمراض التنكسية degenerative. بدلاً من ذلك، قد تكون الاستجابات منخفضة وبطيئة، مما يساهم في زيادة احتمال الإصابة بالسرطان.
أدت التصنيفات والتسميات المختلفة إلى حدوث ارتباك كبير في تحديد موت الخلية. لكن مع ذلك لكل نوع سمات مميزة يمكن تركيبها في نظام تصنيف بسيط، حيث يتم تصنيف كيانات موت الخلية بشكل أساسي إلى موت الخلية المبرمج (PCD) أو غير مبرمج بناءً على اعتمادها على الإشارات أو الأوامر الخارجية والداخلية.
لماذا تعد دراسة الموت الخلوي مهمة؟ ما هي أهم المجالات التي يسهم فيها تقدم معرفتنا بالموت الخلوي؟
تكمن اهمية دراسة الموت الخلوي لدوره المهم الذي يلعبه في الفعاليات الحيوية، سواء الفسيولوجية أو المرضية. يعد موت الخلايا الفسيولوجي جزءًا مهمًا من النمو وتكاثر الخلايا والجوانب المختلفة للدفاعات المناعية. أما موت الخلايا الباثولوجي فهو عنصر من أهم الأمراض التي تصيب المجتمع الحديث. للموت الخلوي دور في كثير من العمليات البيولوجية، بما في ذلك التطور الجنيني والشيخوخة والعديد من الأمراض. ومن خلاله تعمل العديد من العلاجات الحالية (مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية والعلاجات المضادة للسرطان) ولأنه تم تحديد الآليات الجزيئية المشاركة في إشارات الموت والتنظيم الجيني وتحديد المؤثرات فقد تم تطوير علاجات جديدة تهدف إلى تعديل موت الخلايا ومن المرجح أن تستخدم هذه الطرق في معالجة الأمراض الشائعة في السنين المقبلة.
تظهر لنا البحوث في هذا المجال أن العديد من الأمراض البشرية تنجم عندما تموت الخلايا التي لا ينبغي أن تعيش أو لموت خلايا صحية. وبالتالي، فإن تعديل عمليات موت الخلايا المبرمج قد يوفر طرقاً قيمة للعلاج. من المعروف الآن أن العديد من الأدوية الموجودة تعمل عن طريق تغيير مستويات موت الخلايا المبرمج. وتحفز جميع الأدوية الكيمياوية السامة للخلايا وبرامج العلاج الإشعاعي تقريباً موت الخلايا المبرمج في الخلايا السرطانية، وترتبط مقاومة موت الخلايا المبرمج بفشل العلاج. تحفز هذه العلاجات أيضاً موت الخلايا المبرمج في الخلايا الطبيعية، وتحد الآثار الجانبية على نخاع العظام والأمعاء والغشاء المخاطي للفم من الجرعة التي يمكن استخدامها. يوجد حالياً العديد من استراتيجيات العلاج الجديدة في التجارب قبل السريرية وتظهر نتائجها واعدة.
كيف تعمل البروتينات التي تنظم الموت الخلوي ولماذا تعد بروتينات مثل عائلة BCL مهمة جداً؟
هناك العديد من العوامل (معظمها بروتينات) التي تم تحديدها لتلعب دورًا حيويًا في موت الخلايا المبرمج. أهمها: الكاسبيسات ، وببتيد أميلويد-ب ، وعائلة البروتينات Bcl-2 ، وجين p53 ، وبروتينات الصدمة الحرارية.
The caspases, the amyloid-B peptide, the Bcl-2 family of proteins, the p53 gene and the heat shock proteins.
عمليات تنظيم هذه البروتينات للاستماتة هي عمليات معقدة ولكل منها دور في تنشيط أو منع الموت الخلوي ضمن ميكانزم محدد تسيطر عليه عوامل داخلية وخارجية تلعب دوراً في التنظيم الخلوي.
عائلة بروتينات Bcl-2 هي أفضل عائلة بروتينية متميزة تشارك في تنظيم موت الخلايا المبرمج، وتتألف من بروتينات أما مضادة للاستماتة او مشجعة للاستماتة. تمنع البروتينات المضادة للاستماتة من هذه العائلة ، مثل Bcl-2 و Bcl-XL ، موت الخلايا المبرمج إما عن طريق تفكيك الأشكال الأولية من بروتياز السيستين cysteine proteases الذي يقود الموت ويسمى الكاسبيز caspases (مركب يسمى apoptosome) أو عن طريق منع إطلاق عوامل موت الخلايا المبرمج للميتوكوندريا مثل السيتوكروم ج (cytochrome c) و AIF (عامل محفز لموت الخلايا المبرمج) في السيتوبلازم. بعد دخول السيتوبلازم ، ينشط السيتوكروم c و AIF مباشرة caspases التي تشق مجموعة من البروتينات الخلوية لإحداث تغييرات موت الخلايا المبرمج. على النقيض من ذلك، فإن البروتينات المشجعة للاستماتة من هذه العائلة، مثل Bax و Bak، تحفز إطلاق caspases من مناهضات الموت عن طريق تحفيز محدد وأيضًا عن طريق تحفيز إطلاق عوامل الموت للميتوكوندريا عن طريق العمل على تغيير نفاذية اغشية الميتوكوندريا، مما يؤدي هذا إلى تنشيط caspases. وهكذا، فإن عائلة البروتينات Bcl-2 تعمل كنقطة قرار حاسمة بين الحياة والموت ضمن المسار المشترك لموت الخلايا المبرمج.
كما ذكرت هناك عدد كبير من البروتينات التي تدخل في عملية الموت الخلوي أحب أن أشرح دور واحد منها وهو الجين المضاد للأورام p53.
الجين الكابت للورم p53 هو جين له دور رئيسي في موت الخلايا المبرمج. تنشط ال p53 مجموعة متنوعة من المحفزات مثل تلف الحمض النووي والإشعاع المؤين والإشعاع فوق البنفسجي ونقص الأكسجة والصدمة الحرارية وتفعيل الجينات الورمية والأدوية السامة للخلايا. يبدأ P53 بعدة استجابات تشمل إيقاف انقسام الخلية وتنشيط الاستماتة ومحاولة إصلاح الحمض النووي. يحفز P53 التعبير عن بعض جينات عائلة Bcl-2 بما في ذلك تلك الخاصة بـ Bax وبروتينات BH3 . كما يمكن أن يرتبط P53 بواحد أو أكثر من بروتينات الميتوكوندريا المضادة للاستماتة، على سبيل المثال Bcl-XL ، وبالتالي يثبط تكوين مسامات في غشاء الميتوكوندريا وما ينتج عن ذلك من إطلاق السيتوكروم الذي يدفع بإكمال عملية الموت.
الكاسبيسات caspases هي عائلة من بروتياز السيستين cysteine proteases التي تعمل كمؤثرات أولية أثناء موت الخلايا المبرمج لتفكيك معظم الهياكل الخلوية، بما في ذلك الهيكل الخلوي وتقاطعات الخلايا والميتوكوندريا والشبكة الإندوبلازمية وجولجي والنواة. cytoskeleton, cell junctions, mitochondria, endoplasmic reticulum, Golgi, and the nucleus
كيف يمكن أن نستفيد من فهمنا للموت الخلوي لمحاربة السرطان؟
في العقد الماضي، أنتجت أبحاث السرطان الأساسية تطورات ملحوظة في فهمنا لبيولوجيا السرطان وعلم وراثة السرطان. من بين أهم هذه التطورات هو إدراك أن موت الخلايا المبرمج والجينات التي تتحكم فيه لها تأثير عميق على نمط المرض الخبيث. على سبيل المثال، أصبح من الواضح الآن أن بعض الطفرات السرطانية تعطل موت الخلايا المبرمج، مما يؤدي إلى بدء الورم أو تقدمه إلى ورم خبيث. على العكس من ذلك، تشير الدلائل إلى أن التغيرات الجينية الأخرى تعزز موت الخلايا المبرمج، وبالتالي تنتج ضغطًا انتقائيًا لتجاوز موت الخلايا المبرمج أثناء التسرطن متعدد المراحل. كذلك، لقد ثبت الآن جيدًا أن معظم العوامل المضادة للسرطان والسامة للخلايا تحفز موت الخلايا المبرمج، مما يزيد من الاحتمال بأن العيوب في برنامج موت الخلايا تساهم في فشل العلاج. نظرًا لأن الطفرات نفسها التي تثبط موت الخلايا المبرمج أثناء تطور الورم تقلل أيضًا من حساسية العلاج. هناك جهد بحثي مكثف يكشف عن الآليات الكامنة وراء موت الخلايا المبرمج ، بحيث يتصور المرء في العقد القادم أن هذه المعلومات ستنتج استراتيجيات جديدة لاستغلال موت الخلايا المبرمج من أجل تحقيق فوائد علاجية.
تحدثت لكم عن p53 ودوره في الاستماتة. p53 جين مثبط للورم مرتبط بالاستماتة. يمكن أن يحفز p53 موت الخلايا المبرمج عند الإفراط في التعبير عنه في الخلايا السرطانية، مما يشير إلى أن p53 قد يساهم في تنظيم عملية بقاء الخلية. أظهرت الدراسات التي أجريت على الفئران أن p53 يشارك في موت الخلايا المبرمج. ومن ثم، ثبت أن دور p53 في موت الخلايا المبرمج كان مرتبطًا بشكل غير مباشر بتلف الحمض النووي ويمكن أن يكون محفزًا للموت الخلوي المبرمج. من المعروف الآن أن المنبهات الأخرى يمكنها تنشيط البروتين p53 لتعزيز موت الخلايا المبرمج، بما في ذلك نقص الأكسوجين والجينات السرطانية المسؤولة عن عملية انقسام الخلايا.
سؤال من علي البهادلي (باحث دكتوراه في الميتوكوندريا) بجامعة جوتنبرغ: لماذا تكون هناك أدوية مقاومة؟ وهل هناك عملية توازن بالموت الخلوي تجعل الخلايا السرطانية تقاوم هذه العلاجات؟
تؤدي معظم العلاجات المضادة للسرطان إلى تحريض موت الخلايا المبرمج وشبكات موت الخلايا ذات الصلة للقضاء على الخلايا الخبيثة. ومع ذلك، في حالة السرطان، فإن إشارات الاستماتة غير المنظمة، وخاصة تنشيط الأنظمة المضادة للاستماتة، تسمح للخلايا السرطانية بالهروب من هذا البرنامج مما يؤدي إلى انتشار غير متحكم فيه مما يؤدي إلى بقاء الورم ومقاومة علاجية وتكرار الإصابة بالسرطان. هذه المقاومة هي ظاهرة معقدة تنبع من تفاعلات الجزيئات المختلفة ومسارات الإشارات. هناك عوامل مختلفة تساهم في مقاومة موت الخلايا المبرمج في السرطانات. وتشمل بروتينات Bcl-2 و Mcl-1 ؛ وإشارات بروتين الصدمة الحرارية ومسار البروتياز وآليات الوراثة اللاجينية.
ويمكن تحقيق مقاومة موت الخلايا المبرمج للخلايا السرطانية عن طريق الإفراط في التعبير عن أحد الجينات الورمية أو فقدان التعبير عن الجين الكابت للورم. ويشكل إنتاج السيتوكينات المثبطة للمناعة استراتيجية بقاء إضافية تستخدمها الخلايا السرطانية لتجنب التعرف على الجهاز المناعي.
رابط المقال في الموقع: https://real-sciences.com/?p=13814
رابط البودكاست
هذه المرة لنا لقاء مع ضيف غير مألوف لكنه معروف لمن دأبوا على القراءة في موقع العلوم الحقيقية. انه الكاتب السابق في موقع العلوم الحقيقية، المحامي المختص بالقانون الجنائي حيان الخياط. نرحب بك معنا
حيان: شكراً لك عمر، وتحية طيبة لكل من يستمع لنا.
توقفت عن كتابة المقالات يا حيان وأخذك القانون من المجالات العلمية ومن البحث في تفنيد العلوم الزائفة. لذا سنحاول هذه المرة أن نستفيد من مجالكم بقضية لطالما أردنا طرحها في الموقع وهي: "القانون ومكافحة العلم الزائف والخرافة"، وربما يمكن أن نبدأ بسؤال كبير جداً لك ان تتفرع منه: كيف نستطيع بالسبل القانونية مواجهة الخرافة والعلم الزائف وكيف هو الحال في العراق والدول العربية
قضية السحر والشعوذة والعلاجات غير المعتمدة طبيا وعلميا هي قضية واسعة جدا وكبيرة قد يكون فيها جزئيات تناولها القانون فيما لم يشر القانون لقضايا أخرى. فضلاً عن شق آخر وهو القضايا التي ظهرت بعد تشريع القانون مثل الكثير من العلاجات الزائفة والتي ظهرت بفترة تلت فترة تشريع القانون. أي، القانون الذي نتكلم عنه والمختص بهذه الشؤون في العراق او في الدول العربية، مثلا قانون العقوبات العراقي صدر عام 1969 وقد حصلت الكثير من التطورات بعد ذلك كما ظهرت أساليب غير طبية وغير معمول بها في المراكز البحثية ولم يكن هناك تطور قانوني لمتابعتها ومراقبتها بشكل جيد.
قضية تعامل القانون مع هذه الأمور تعتمد على القضية. مثلاً هناك من يدعي معالجة الناس لكنه ينتهي بالإضرار بهم، كما أن هناك أشخاص آخرين يقدمون أنفسهم على أنهم معالجين روحانيين محاولين الحصول على أموال أو انهم يقومون بابتزاز الأشخاص. هناك حالات كثيرة مختلفة لا يمكن الجزم بها والجزم بموقف القانون منها. ليس هناك جواب واحد لهذا في القانون، لكن هناك جزئيات واجهها القانون واصدر عقوبات لها.
من الممكن ان نبدأ بملف معين، بما ان نظرة القانون متباينة، فيمكن ان نبدأ بالخرافة. وسنعيد تعريف الخرافة لمن لم يعرف الفرق بينها وبين العلم الزائف. الخرافة هي منهج او طريقة للتعامل مع الكون وقوانينه برؤية لا تمت بصلة لقوانين الطبيعة وتستند إلى قواعد خرافية او اسطورية تم انشاؤها بمعزل عن أي طريقة تجريبية او علمية. من الأمثلة على الخرافات قضية السحر.
نبدأ بالخرافة وبالعلاج.. ثم ننتقل الى العلم الزائف وكشف ما هو علمي وما هو غير علمي من السبل العلاجية، ثم نناقش القضايا التي ليس لها علاقة بالعلاج مثلا القضايا التي تستهدف أموال الناس وجيوبهم او التنبؤ بالغيب أو غير ذلك مما يحقق ضرراً مباشراً أو غير مباشر.
لنبدأ بالعلاج بالخرافة وقد ذكرت السحر والشعوذة والرقية الشرعية. لنفترض أن شخص ما يمارس العلاج بالقرآن أو يقرأ ادعية معينة او يقوم بالسحر ويدعي معالجة أمراض مزمنة وهذا يؤدي إلى أخطار مثلا مرض السكر أو أمراض مستعصية كالسرطان. الآن لو أردنا مواجهة هذا الشخص قانوناً فكيف يمكن القيام بذلك؟
هناك الكثير من الدعاوى للشكوى من اشخاص يستخدمون هذه الوسائل لادعاءهم أنهم يستطيعون معالجة الناس او تقديم خدمات روحانية للناس. لكن قبل أن ندخل بالموضوع فأود ان ألفت النظر لنقطة معينة حول قانون ممارسة الطب في العراق. وبالفقرة التي تتعلق بمن يحق له ممارسة الطب والتي تنص على: "كل شخص يمارس الطب أو أي نوع من فروعه أو يحاول ممارسة ذلك أو ينتحل أي تسميه أو لقب أو علامة كانت تدل على انه مرخص له ممارسة الطب أو أي نوع أخر من فروعه من غير سابق تسجيل أو ترخيص بموجب هذا القانون يعاقب بالحبس والغرامة"[1] يعني هذا النص الذي تحدث عن تجريم ومعاقبة الأشخاص الذين ينتحلون صفة الطبيب بعقوبة 5 سنوات فما دون او الغرامة التي هي مليون أو أقل من ذلك (حوالي 750 دولار بحسب سعر الصرف في صيف 2021).
هل يمكن أن يتهربوا وأن يقولوا أنهم لا ينتحلون صفة الطبيب؟
بالضبط، هنا تكمن الإشكالية، هذه القضية محددة جدا وهي تنحصر بمن ينتحلون صفة الطبيب. وهذا لا يعني أننا نستطيع شمل أشخاص يمارسون أعمال يقولون إنها غير طبية (روحاني مثلا او ديني) ويعترف الشخص بوضوح بانه ليس طبيباً وبالتالي فيمكن ان ينجو من المحاسبة. وكذلك هناك قانون مشابه حول الصيدلة. لكن لو اردنا ان يكون الموضوع واضح والمحاسبة مباشرة فيجب أن تجرى تعديلات على هذه القوانين لتشمل جميع من يقوم بمحاولة معالجة الناس. أي لدينا إشكالية تشريعية من الأساس، فالتشريع لا يلبي التسارع في القضايا الطبية. لكن القضاء العراقي بشكل عام وعندما يرى أن هناك من يتقاضى أموالاً مقابل تلك الخرافات فيتم الرجوع الى المادة 465 قانون العقوبات العراقي والمتعلقة بالنصب والاحتيال. والتي تنص على[2] "يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسليم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك بإحدى الوسائل التالية : أ-باستعمال طرق احتيالية" أي أن الموضوع يذهب الى اطار مادة عامة جداً تتعلق بافعال واسعة النطاق يمكن شمول الشعوذة والسحر ضمن نطاقها وهذا ما يتم العمل به حاليا في المحاكم باعتبار هؤلاء الأشخاص نصابين وتتم محاكمتهم. لكن هذا من الممكن أن يثير قضية أخرى وهي أن الدجالين يمكن ان لا يطلبوا اموالاً ويقولون نحن نقوم بهذا الفعل لوجه الله او دون طلب شيء وبهذه الحالة فلن يكون من الممكن ادانته لأنه لا يحاول الحصول على أموال. أي حتى هذه المادة الواسعة المتعلقة بالنصب والاحتيال لن تنطبق عليه.
الصورة تبدو ناصعة وجميلة من ناحية القوانين لكن هل يتم تطبيق هذه القوانين؟ لماذا نرى في شوارع بغداد مراكز قائمة على الخرافة، أي حتى ليس على الطب البديل؟
نعم الامر واضح هؤلاء يظهرون أنفسهم دون أي محاولة للتخفي او التورية في طبيعة عملهم في المعالجة بالطرق الخرافية والطرق غير العلمية. أحد التقارير من مجلس القضاء الأعلى[3] ذكر أن محاكم التحقيق في بغداد تستقبل عدد كبير من الدعاوى حول هذه القضايا بما يمكن القول إنه أصبح ظاهرة سواء في الاحياء الراقية او الفقيرة. كلها تواجه مشكلة وجود أشخاص يعالجون الناس بطرق شعبية او طرق خرافية ويسمون أنفسهم الروحانيين ولهم مكاتب وقد ذكر كل ذلك في التقرير الصادر عن مجلس القضاء. وهذا يدل على حاجتنا القانونية لتجريم هذا الفعل بشكل واضح في القانون اما حالياً فيتطلب الأمر اللجوء الى المادة 456 والتي ستتطلب اثبات وجود نصب واحتيال حتى تتم محاكمة الشخص.
هل تم هذا الشيء؟ هل تمت معاقبة اشخاص بأغلاق محلاتهم او حبسهم؟
لم يذكر هذا الشيء حول متابعة أشخاص معينين لكن التقرير تطرق لوجود شكاوى ولفتح إجراء معين تم على ضوءه تشكيل فريق عمل لمواجهة هذه القضية.
من وجهة نظركم كمحامي، لو اردت انا ان ارفع دعوى على مركز يمارس العلاج الروحاني وانا لم اذهب لهذا المركز بل فقط قرأت ما ذكره من أساليبه العلاجية، هل يمكن ان أقوم بذلك؟
يعني ستكون مخبراً. القانون يسمح لك بالإخبار عن وقوع جريمة وهذا حق ولا شيء يمنع ذلك. ويمكن اخبار الجهات الصحية ايضاً التي ستقوم بتفتيش هذا المكان. لكن تقدير وجود جريمة من عدمه فهذا يعود للمحكمة. صاحب المحل هذا والذي يدعي العلاج ستحاكمه المحكمة بحسب الأدلة المعروضة أمامها فإن وجدت ان هنالك دليل كافي فإنها ستدينه واما ان لم تجد دليل ضده فستفرج عنه.
هل هناك أمثلة؟
الأمثلة التي حدثت كتطبيقات في القضاء العراقي غالبا ما يكون لها جانب يتضمن اخذ أموال فيتم اعتبارها قضية نصب واحتيال او يتم وقوع جريمة أثناء مزاولة الفعل. احدى القضايا التي يمكن ان نذكرها تتعلق بالرقية الشرعية حيث صدر قرار عام 2013 والذي تكلم عن العلاج بالرقية الشرعية والذي أدى الى الوفاة وهو حول وفاة امرأة نتيجة لخضوعها لهذا العلاج الخرافي لاسيما بعد أن ضربها المعالج بآلة جارحة وقد أفضى ذلك الى وفاتها. بهذه الحالة لم يكن يقصد هذا الشخص قتلها، لكنه كان يريد القيام بمجموعة من الإجراءات التي يدعي بانها ستعالجها ومنها استخدام الة جارحة ، والقانون ينظر لذلك على أنه "ضرب مفضي الى الموت" وقد عوقب على جريمة الضرب المفضي الى الموت.
لكن هل يمكن ان تكون حالات أخرى تتم فيها مقاضاة دجال معين وإيقاف عمله نتيجة لذلك؟ مثلا مقاضاته من قبل نقابة الأطباء؟
شخصيا ليس لي اطلاع عن حالة كهذه وقد تكون موجودة.
ننتقل الى قضية العلم الزائف والذي يشمل الطب البديل مثل أساليب العلاج بالأعشاب او تقويم العظام او العلاج بالكهرباء كما كتبنا سابقا في العلوم الحقيقية او العلاج بالطاقة الذي يمكن اعتباره خرافة اكثر من اعتباره علما زائفاً، ما الحل تجاه هؤلاء؟ هل تتم مقاضاتهم بالطرق السابقة فقط؟
العلاج بالوخز او العلاج بالكهرباء قد يمكن التعامل مع هؤلاء على أنهم ليس لديهم إجازة تنظم مزاولتهم للعمل، وبذلك يمكن ان يتم تغريمهم، لكن ان تتم محاكمته امام القضاء فأرى ذلك موضوع بعيد الاحتمال.
ماذا عن تسلل العلوم الزائفة الى المؤسسة الرسمية؟ بلغني من صديق يعمل في وزارة الصحة ان كثير من المستشفيات ودوائر الصحة تنشر عن دورات لمزاولة العلاج بالوخز، ما الذي يمكننا فعله تجاه ذلك كأعلام علمي او كمواطنين عندما تتبنى المؤسسة الرسمية علاج زائف؟
عندما نواجه الجهات الرسمية نكون أمام شخص له سلطة رسمية وهو الموظف. أي كان من يريد الشكوى فعليه أن يقوم بالشكوى عند الجهات المرجعية الأعلى وسيجري التحقيق حول هذه العلاجات غير المعتمدة رسميا. لدينا إطار محدد بحيث لا يمكن التعامل مع علاجات غير مثبتة علمياً. يمكن ان تتم الشكوى وسيعاقب هؤلاء إداريا وقد يتطور الموضوع الى معاقبتهم من قبل القضاء ايضاً.
هل يمكن أن تكون الشكوى بطريقة اعتيادية ام تتم بإجراءات معقدة شبيهة بإجراءات الذهاب الى المحكمة؟
إجراءات المحكمة هي ذاتها لكن إجراءات الجهات الصحية يمكن عن تتم عن طريق الاتصال بهم وهناك ارقام هواتف مخصصة لاستقبال الشكاوى ويمكن تقديم الشكوى لها.
هل يميز القانون العراقي بين العلم الزائف والخرافة؟ هل يميز بين شخص مثلا يقوم بالعلاج بالرقية مقابل شخص يقوم بالعلاج بالأعشاب؟ هناك ضرر مختلف في الأساليب المختلفة هذه ويمكن أن تكون سبل متابعة بعض الوسائل ممكنة بشكل أكبر
في إطار العلاج والقضايا الطبية القانون لا يتدخل لأنها متغيرة وتتعلق بالباحثين أكثر مما تتعلق بالقانون. هناك إجراءات في كل مستشفى وفي كل مركز صحي بحسب ما تم تدريسه في كلية الطب واي تجاوز لهذه البروتوكولات يعطي الحق بالشكوى ضد من يخرقها. أي نتيجة تتم بناءً على علاج غير مرخص او غير معتمد من قبل المستشفى يمكن أن تعتبر جريمة لو أدت لحدوث ضرر.
ماذا عن الادوية التي لا تعمل او التي تم ابطال عملها من قبل هيئات ورقابية. هل لدينا نظير لوكالة الدواء والغذاء الامريكية مثلا؟
في وزارة الصحة هناك جهات تختص برفض او قبول الادوية لكن ليس بالسرعة التي لدى المؤسسات الكبرى كوكالة الدواء والغذاء الامريكية.
لو تم إيقاف العمل بدواء معين في مكان اخر في العالم لكن المؤسسة العراقية تتأخر في إيقاف العمل به، هل تعرفون حالة كهذه؟ ولو حدثت فهل يمكن مقاضاة وزارة الصحة لعدم ابطالها العمل بهذا الدواء؟
ما يحصل عندنا هو غالبا ما يتعلق بوفاة شخص نتيجة دواء معين او تعرضه لضرر، لكن ان يتم تلقي العلاج بعد أن تم إيقاف التعامل به فإن من ستتم مسائلته سيستشهد بالتعليمات السابقة محاولا اخلاء مسؤوليته. ومن سيشتكي هنا سيقدم الأبحاث الجديدة ويحتج بأن الأطباء والجهات الرسمية عليها أن تطلع على الأدلة والأبحاث الجديدة والمدة التي مضت. إذا ما كان هناك تأخير وصل الى سنوات فإن شكوى كهذه قد تؤدي الى معاقبة الجهة التي لم تأخذ بالأبحاث الجديدة. لكن لو كانت الفترة للاستجابة قصيرة (أيام او أشهر) فقد لا تتم معاقبة الجهة.
ماذا عن العلوم الزائفة والخرافات غير العلاجية مثل العرافة وأدوات جلب الرزق وجلب الحظ؟ افترض أن جميع هذه تندرج تحت النصب والاحتيال وان الشخص يحتاج فقط الى اثبات دفعه المال لتتم ادانة الشخص بالنصب والاحتيال.
وراء الأجهزة التي نستخدمها باحثون في الهندسة الالكترونية والفيزياء، هم أوصلونا لما نحن عليه بعد عقود من الأبحاث وهم قد ينقلوننا لطفرة أخرى فريدة من نوعها قد تقلب وجه تقنيات الحوسبة مرة أخرى. الرقائق العصبونية (Neuromorphic chips) هي المجال الذي يعمل عليه الباحث ياسر جمال نوري في بحث ما بعد الدكتوراه بجامعة ساوثمبتون، حيث نناقشه ونتعلم منه عن هذا المجال الفريد في هذا البودكاست لنرى كيف تخطو البشرية خطواتها الأولى نحو ثورة علمية أخرى.
تستمعون الى الاجوبة حول:
"إن الشبكات العصبية الاصطناعية هي افتراض لنا حول شكل الدماغ لكنه ليس بالضرورة الهيئة الفعلية للدماغ" هل نحاكي الدماغ حقاً؟
لماذا الدماغ؟ اين المشكلة في تقنيات المعالجة الحالية؟ لماذا نسعى لمحاكاة الدماغ؟ ولماذا نسعى من الأساس لثورة أخرى؟
هل ستختفي الترانزستورات؟
هل تمت صناعة الشريحة العصبونية الأولى حتى الآن؟
هل سيتغير كل شيء مثل نظام التشغيل والذاكرة ونقل البيانات؟
أوضحت الدراسات أن الكافييـن يحفز أكسدة الدهون وإنتاج الحرارة عن طريق حرقها، وبالتالي يُمكن استخدامه للتحكم بالوزن، بعد فقدانه، وبالتالي التقليل من خطر الإصابة بالسكر. يحفز الكافييـن استخدام الدهون في العضلات أثناء التمارين الرياضية، ويقوم بزيادة استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى تأثيره المنتج للحرارة والمثبط للشهية. أوضحت الدراسات أن الخليط من الكافييـن والإيفيدرين لهما تأثير بسيط على فقدان الوزن على المدى القصير. لكن ما هي الصورة الكبيرة؟ سنناقش هذا الأمر في البودكاست المرفق.
رابط الاستماع على جوجل بودكاست
الدراسة الأولى[1]:
الهدف: تقييـم العلاقة بين التغير في الوزن واستهلاك القهوة والشاي وخطر الإصابة بالسكر.
الأشخاص: 7006 شخص يتراوح عمرهم بين 32-88 سنة مع عدم وجود تاريخ سابق على الإصابة بمرض السكر.
النتائج: أوضحت النتائج انخفاض في معدل الإصابة بالسكر بزيادة استهلاك القهوة المطحونة. ولكن هذه النتائج تنطبق فقط (كما وضحت الدراسة) على الأشخاص اللي عمرهم أقل من 60 سنة، وقاموا بالفعل بفقدان الوزن. وقد أوضحت الدراسة أيضاً أن هذه الفئة العمرية (أقل من 60 سنة) تنخفض لديهم نسبة الإصابة بالسكر مع استهلاك القهوة الخالية من الكافييـن والشاي. وأخيراً، أوضحت الدراسة أن الانخفاض في الإصابة بالسكر لم يكن مرتبطاً بجرعة (عدد أكواب القهوة، على الأقل 2 يومياً) الكافييـن اليومية. ولكن للأسف، انخفاض الإصابة بالسكر لم يكن مرتبطاً باستهلاك القهوة سريعة التحضير سواء التي تحتوي على كافيين أو خالية منه، بالإضافة إلى الشاي العشبي.
ولقد أوضحت الدراسة أن استهلاك الكافيين يقلل من إمكانية اكتساب الوزن، حيث أن الأشخاص الذين تناولوا كوبان أو أكثر من القهوة المطحونة، كانوا أقل عرضة للزيادة في الوزن من الذين تناولوا أقل من كوبين.
الدراسة الثانية[2]:
الهدف: حاولت الدراسة تقصي تأثير خليط من الشاي الأخضر والكافييـن على التحكم بالوزن بعد فقدانه ومقارنته بالكمية المعتادة من الكافيين، وذلك على أشخاص متوسطي السمنة.
الأشخاص: تم تقسيم 76 شخص (متوسطي السمنة + منهم من زائد عن الوزن) إلى مجموعتين، بعد فقدانهم الوزن من خلال نظام غذائي منخفض الطاقة على مدى 4 أسابيع، خضعوا لـ 3 شهور للتحكم بالوزن (أي منع اكتسابه مجدداً)، تم تقديم لأحد المجموعتين 270 مجم من الكاتيكن (أحد المواد الفعالة في الشاي الأخضر) + 150 مجم كافييـن يومياً، بينما تلقت المجموعة الأخرى بلاسيبو.
النتائج: فقد الأشخاص حوالي 6.7 كجم (في المجموعة التي تناولت الكافييـن أثناء النظام الغذائي منخفض الطاقة) و5كجم (في المجموعة التي تناولت كمية كافييـن منخفضة) على مدار الأربع أسابيع الأولى، وخلال فترة الحفاظ على الوزن (والتي استمرت 3 شهور)، تناسبت معدلات هرمون الليبتن (المسئول عن الشهية) عكسياً مع كمية الكافيين المعتادة (خاصة في النساء). بمعنى أن زيادة استهلاك الكافيين أدت إلى خفض شهية الأفراد (وبخاصة في النساء). فقد الأشخاص الذين اعتادوا على تناول كميات مرتفعة من الكافيين (أكبر من 300 مجم يومياً) وزناً أكبر، ودهوناً أكثر، بالإضافة فقد كان قياس محيط الخصر لديهم أقل من الأشخاص الذين تناولوا كميات أقل. (لم يكن للخليط من الشاي الأخضر والكافييـن أي تأثير) بينما، في حالة الأشخاص الذين تناولوا كميات قليلة من الكافييـن (أقل من 300 مجم)، قام الخليط بخفض الوزن، والدهون، ومحيط الخصر. وحتى الأشخاص الذين تناولوا كميات منخفضة من الكافييـن (بالإضافة إلى الخليط)، فقدوا استمروا في فقدان الوزن مقارنة مع المجموعة التي تناولت البلاسيبو مع كميات منخفضة من الكافييـن.
الخلاصة: تناسبت معدلات الكافييـن المرتفعة مع فقدان الوزن من خلال (مرة أخرى) إنتاج الحرارة عن طريق حرق الدهون، وأكسدتها، بالإضافة إلى تثبيط هرمون الشهية (الليبتن)، خاصة في النساء (خلال فترة فقدان الوزن والحفاظ عليه). بينما، في الأشخاص الذين تناولوا كميات قليلة من الكافيين، قام الخليط من الشاي الأخضر والكافييـن، بخفض الوزن جزئياً خلال فترة الحفاظ على الوزن.
الدراسة الثالثة[3]:
الهدف: تقييـم العلاقة بين تناول الكافييـن والتغير في الوزن على مدار 12 سنة.
الأشخاص: شملت الدراسة حوالي 40 ألف امرأة، و20 ألف رجل، تمت متابعتهم بين الفترة من 1986 إلى 1998.
النتائج: توصلت الدراسة إلى أن الزيادة في تناول الكافييـن (342مجم)، ارتبطت بانخفاض في متوسط اكتساب الوزن بحوالي نصف كجم، مقارنة بالأشخاص الذين قللوا من استهلاكهم للكافييـن (143مجم). بالإضافة، إلى تقليل اكتساب الوزن في حد ذاته.
الخلاصة: زيادة استهلاك الكافييـن على المدى الطويل، قد تساهم في تقليل اكتساب الوزن على المدى الطويل.
خلاصة
تأثير الكافييـن على فقدان الوزن مازال محل جدل، أثبتت الدراسات بالفعل أن له تأثير منتج للحرارة (عن طريق حرق الدهون وزيادة الطاقة)، ويقوم بأكسدة الدهون، بالإضافة إلى تأثيره المثبط للشهية، ولكن في ظل الأدلة الحالية، لا يُمكن استخدامه إلا على سبيل الوقاية من اكتساب الوزن بعد فقدانه، وبجرعات أكبر من 150 مجم يومياً. وللحصول على أفضل نتائج مع تناول الكافييـن، فننصح بتعديل نمط الحياة بإضافة نظام غذائي متزن مع ممارسة الرياضة يومياً (كالجري والمشي).
دراسات أخرى:
Tabrizi, R., Saneei, P., Lankarani, K. B., Akbari, M., Kolahdooz, F., Esmaillzadeh, A., … Asemi, Z. (2018). The effects of caffeine intake on weight loss: a systematic review and dos-response meta-analysis of randomized controlled trials. Critical Reviews in Food Science and Nutrition, 1–9. doi:10.1080/10408398.2018.1507996
Westerterp-Plantenga, M., Diepvens, K., Joosen, A. M. C. P., Bérubé-Parent, S., & Tremblay, A. (2006). Metabolic effects of spices, teas, and caffeine. Physiology & Behavior, 89(1), 85–91. doi:10.1016/j.physbeh.2006.01.027
https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/weight-loss/expert-answers/caffeine/faq-20058459
[1] Greenberg, J., Axen, K., Schnoll, R. et al. Coffee, tea and diabetes: the role of weight loss and caffeine. Int J Obes 29, 1121–1129 (2005). https://doi.org/10.1038/sj.ijo.0802999
[2] Westerterp-Plantenga, Margriet S., et al. “Body Weight Loss and Weight Maintenance in Relation to Habitual Caffeine Intake and Green Tea Supplementation.” Obesity Research, vol. 13, no. 7, 2005, pp. 1195–1204., doi:10.1038/oby.2005.142.
[3] Esther Lopez-Garcia, Rob M van Dam, Swapnil Rajpathak, Walter C Willett, JoAnn E Manson, Frank B Hu, Changes in caffeine intake and long-term weight change in men and women, The American Journal of Clinical Nutrition, Volume 83, Issue 3, March 2006, Pages 674–680, https://doi.org/10.1093/ajcn.83.3.674
يتذكر صديقي مقالاً حول القضية التي نناقشها، لكنه لا يذكر أين وجد المقال، ومَنْ الكاتب، ولا حتى الموقع. هو أيضاً لا يذكر المقال جيداً، بل يذكر جزءاً مهماً ورد فيه فقط. يتجه فوراً لبحث جوجل على هاتفه ويبحث عن المقال، ثم يريه لي. هكذا يحدث معي أيضاً ومعنا كلنا، ننسى اسم الألبوم والاغنية والمطرب لكننا نتذكر قطعة من كلمات الأغنية فنبحث عنها ونجدها مرة ثانية. لدينا قوائم تساعدنا للوصول إلى ما نريد فوراً، روابط مخزونة في المتصفح، وفيديوهات قمنا بالإعجاب بها. وفي أحسن الأحوال، هناك دفتر ملاحظات الكتروني أيضاً يضم بعض الروابط الهامة جداً.
في أول المحاضرات بدراستي لهندسة البرمجيات عرفت أن الذاكرة الحاسوبية تعمل عبر المؤشرات، الكثير من العناوين والمؤشرات لعناوين أخرى ثم لعناوين أخرى حتى يصل الحاسوب بسرعة فائقة للبيانات المطلوبة. لكن تدريجياً أصبحنا نشعر أننا نعمل بنفس الطريقة، وأننا لكي نعلم شيئاً أحياناً فإننا لا نحتاج لإن نعلمه كلياً، بل نحتاج مؤشراً إلى موقعه على الانترنت لكي نشاركه لمن نريد.
شخصياً كنت من جيل انتقل فيه من الاستخدام الاعتيادي للحاسوب دون انترنت، ثم مع اتصال انترنت بطيء جداً ومن ثم نحو ثورة الانترنت السريع والهواتف المحمولة، وأثناء ذلك تغير عملي ودراستي ومررت بأحوال عديدة في الحياة، لكنني كنت أشعر أن ذاكرتي أصبحت اسوء. لقد حان الوقت لطرح السؤال على البحوث العلمية المتوفرة: هل يساهم البحث على الإنترنت خصوصاً وثورة المعلومات عموماً في تغيير نمط ذاكرتنا؟
دراسة الباحثة بيتسي سبارو (Betsy Sparrow) من جامعة كولومبيا تتضمن الإجابة المثالية حول سؤالنا، عنوان الدراسة هو "آثار جوجل على ذاكرتنا: العواقب الادراكية لامتلاك المعلومات على أطراف اصابعنا" وهي تعني بذلك امتلاك المعلومات من خلال البحث السريع على الانترنت.
تتكون الدراسة من أربعة تجارب حول أنماط تذكر المعلومات وتأثير البحث عليها. في التجربة الثانية من الدراسة عرضت على المشاركين مجموعة من المعلومات مع إمكانية أن يبحثوا عنها لاحقاً، والفئة الثانية دون إمكانية البحث عنها لاحقاً. وقد لوحظ أن استعادة المعلومات وتذكرها في الفئة التي تم إخبار المشاركين بأنهم سيستطيعون البحث عنها كانت اسوء. المخيف في الأمر ما ذكرته الباحثة في الدراسة وهو أن المشاركين لن يستطيعوا استعادة المعلومات بنفس الكفاءة بغض النظر عما إذا كانوا يعلمون أو لا يعلمون أنهم سيتم امتحانهم بها لاحقاً! أي أن ذلك قد يؤثر على نمط الدراسة للامتحانات بشكل كبير.
في لقاءها مع قناة بي بي اس (PBS) تقول سبارو: "عندما لا يعلم الأشخاص شيئاً، فإنهم يفكرون بالحاسوب أولاً كمكان لإيجاد المعلومات، وعندما يعتقد الأشخاص بأن لديهم الامكانية للوصول الى المعلومات لاحقاً، فهم لا يتذكرون المعلومات جيداً مثلما لو كانوا يتصورون أنهم لن يصلوا إلى المعلومات. في الحالة الأولى فهم يقومون بتعيين موضع المعلومات خارجياً بدل من تعيينها داخلياً." وتضيف سبارو "يميل الأشخاص الى إعطاء أولوية لمكان إيجاد الشيء بدلاً من الشيء ذاته".
تعرف سبارو في اللقاء ذاته ما تسميه "الذاكرة التبادلية" (Transactive memory) وتقول أننا نميل لخزن المعلومات خارجياً للأشياء التي لا نعتقد بأننا خبراء بها أو أنها ليست أساسية بالنسبة الينا. وتشبه الأمر تاريخياً باعتماد البشر على معلومات أشخاص آخرين محيطين بهم، أشخاص في العمل أو المنزل نسألهم حول الأشياء عندما لا نعرفها، غير أننا لا نكون مهتمين بترميز المعلومات داخلياً في عقولنا.
هل هذا يعني أننا أقل ذكاءاً الآن؟ ليس بالضرورة، كما تجيب سبارو في لقاء آخر تجريه معها جامعتها، إذ تقول أن الأمر لا يرتبط بذكائنا بالضرورة.
نضيف لذلك، إن الاعتماد الأكبر على نتائج البحث قد يشير إلى قدرة أخرى متميزة في الذاكرة العاملة لدينا، الأمر ما يستنتجه الباحث جاكيك جويزدكا (Jacek Gwizdka) من جامعة تيكساس في بحثه المنشور عام 2017، إذ يخلص إلى أن الأشخاص الذين لهم معدل أعلى في الذاكرة العاملة يميلون إلى القيام بعمليات البحث على الانترنت بشكل أكثر كثافة. فلعلنا نستعيض عن التعيين الداخلي للمعلومات بالمزيد من التعيين الخارجي للمعلومات – الذي تشير إليه سبارو - مما يجعلنا نغطي نطاقاً أوسع من المعلومات.
بيتسي سبارو
ترى اليزابيث مارش (Elizabeth J.Marsh) الذاكرة التبادلية كميزة وتسميه التوسيع الرقمي للعقل، مُتطرِقة إلى الكثير من الأمثلة في توسيع الذاكرة بالاعتماد على زملاء العمل والى الكفاءة الناتجة عن ذلك من عمل المتخصصين سوية، وفي هذه الحالة فإن للأنترنت فوائد أكبر بكثير من زملاء العمل. لكنها في الوقت نفسه تلفت النظر إلى بعض ما يثير القلق، مثلاً، كيف ستتغير طريقتنا بالتعامل مع المعلومات بشكل عام، قراءة الصحف مثلاً تختلف عن قراءة المقالات على الانترنت. أيضاً، هل ستصبح قراءتنا للمعلومات أكثر سطحية؟ ومع كل المعلومات المضللة في الانترنت، كيف سيؤثر ذلك علينا؟
في النهاية لا نستطيع الحكم بشكل قطعي حول سلبية ما نفعله من توسيع لذاكرتنا نحو روابط خارجية أو حول سلبية الذاكرة التبادلية بشكل عام. كما لا يمكن أن نصفه بأنه ضعف في الذاكرة، فللأمر إيجابيات، وقد يبدو أننا نتكيف مع ثورة المعلومات بأن نوسع نطاق معلوماتنا بهذا الشكل. لكن ايضاً، فإن الدراسات لم تزل في مهدها لتغطية جميع جوانب الإدراك وتأثرها بثورة المعلومات، إذ لا يقتصر الأمر على الذاكرة.
المصادر:
Sparrow, Betsy, Jenny Liu, and Daniel M. Wegner. "Google effects on memory: Cognitive consequences of having information at our fingertips." science 333.6043 (2011): 776-778.
Google's Effects on Memory, PBS NEWSHOUR, 07/14/2011
Memory Works Differently in the Age of Google, ColumbiaNews, YouTube, 15 Jul 2011
Marsh, Elizabeth J., and Suparna Rajaram. "The digital expansion of the mind: Implications of internet usage for memory and cognition." Journal of Applied Research in Memory and Cognition (2019).
كيف أثر ظهور الدول على صفات البشر وعلى تغير أمر مثل المساواة التكاثرية؟ وكيف أثرت القدرة على تخزين المواد على نشوء الدول؟ ثم كيف ظهرت النزعة الذكورية التسلطية بأشكال متطرفة جداً بعد الزراعة؟ والسؤال الأهم الذي يناقشه الدكتور رياض عبد في بحثه حول المساواة التكاثرية: كيف تؤثر المساواة التكاثرية على ظهور الأمراض النفسية لدى المجاميع البشرية؟
لمشاهدة اللقاء على اليوتيوب:
عمر: في كتاب أقرأه حالياً بعنوان "لعنة جالوت" (Goliath’s Curse) يتحدث عن أن 5% فقط من البشر عاشوا ضمن دول، وحتى في فترات حديثة عاش البشر بدون دول. كما أن الكتاب يذكر أهمية فائض الإنتاج والموارد القابلة للتخزين في تطور المجتمعات، مشيراً إلى أن بعض المنتجات مثل الموز كانت غير قابلة للتخزين حتى في بعض الإمبراطوريات. سؤالي هو: كمحصلة، هل أصبح تعدد الزوجات أقل أم أكثر بعد الزراعة؟
د. رياض: مرت البشرية بفترات مختلفة. كانت هناك حقبة ما بعد الزراعة لكن قبل الدولة، حيث ظهرت إمكانية هيمنة بعض الرجال على موارد كبيرة وأصبح بإمكانهم احتكار عدد كبير من النساء، وهو ما لم يكن ممكناً قبل الزراعة. ثم بعد نشوء الدولة، حصلت مرحلة أخرى من ظهور رجال استطاعوا الهيمنة على موارد ضخمة.
شكراً على إثارة موضوع التخزين، لأنه من خصائص مجتمعات ما قبل الزراعة أنها لم تكن تمتلك أنظمة تخزين. ما كانوا يجمعونه اليوم كانوا يستهلكونه خلال يوم أو يومين. إذا تم اصطياد فريسة كبيرة، كانت تؤكل خلال أيام قليلة. من هنا تظهر القيمة التطورية للكرم، حيث كان أهم طريقة للاستفادة من فائض اللحم هو إطعام الآخرين، لأن "بطون الآخرين" كانت بمثابة بنك للتوفير، حيث سيطعمونك عندما لا يكون لديك موارد من اللحم. إذا لم يفعلوا ذلك، فإن اللحم سيتلف دون فائدة.
بعد ظهور الزراعة ونشوء الدولة، حصلت فترات كان فيها تمادي في الهيمنة على الموارد واحتكار النساء. لكن يبدو أن هذه كانت مراحل مؤقتة، وعاد النظام البشري إلى طبيعته، وهي أن الغالبية العظمى من الرجال والنساء موجودون في علاقات أحادية – وليس بالضرورة أن تكون مدى الحياة – لكنها علاقات أحادية في أي وقت من الأوقات. إذا أجرينا مسحاً لأي مجتمع، نجد أن حوالي 80% من الأفراد في علاقات أحادية. هذا يعني أن التباين التكاثري، رغم اختلافه في بعض الحقب، بقي أقل منه عند الشمبانزي أو الغوريلا، حتى مع وجود تلك الظواهر الاستثنائية.
عمر: نقطة أخرى قد لا تكون غطيتها بشكل كاف، وهي العلاقة بين المساواة التكاثرية والمساواة المجتمعية. إذا كان هناك ناشط لحقوق الرجل أو المرأة عند الشمبانزي، فكيف سيرون واقعهم بالمقارنة مع البشر؟
د. رياض: هناك موضوعان هنا: موضوع الخصائص الجوهرية للنظام التكاثري البشري، وموضوع الوضع المجتمعي بعد الزراعة وبعد الدولة. الخصائص الجوهرية للنظام التكاثري البشري تتسم بمساواة عالية، وتعتمد على وجود رابط بين المرأة والرجل، حيث يستثمر الرجل وقته وإمكانياته في إعالة المرأة المرتبطة به وأطفالها.
هذا يعني أنه يهتم بمعرفة "أبوة" أطفاله، أي في التأكد بأنهم من نسله. هذا المفهوم – الاهتمام بالنسب – غير موجود في الأصناف التي لا يوجد فيها رابط ثابت بين الذكر والأنثى. على سبيل المثال، ذكر الشمبانزي قد يشاهد الأنثى التي تزاوج معها قبل ساعة تتزاوج مع ذكر آخر، وهو لا يمانع ذلك. المسألة ليست أنه يتوقع أن يحتكر التزاوج مع أي أنثى، بل هو فقط يحاول أن يحتكر فترة زمنية من فرص التزاوج، أو أن يكون الأول في التزاوج. لكن ليس له أي رابط أو مسؤولية تجاه الوليد، فهو لا علاقة له به.
هذا ليس الحال عند البشر. عندما يكون هناك رابط بين رجل وامرأة – والزواج هو ظاهرة بشرية عامة في كافة المجتمعات، رغم اختلاف أشكاله – فإن هذا يولد عاطفة "الغيرة الجنسية". الغيرة الجنسية هي عاطفة بشرية هدفها الأساسي التأكد من أن الطفل من نسل الرجل. يمكن أن تكون الغيرة من الطرفين، لكن هدفها مختلف. هدف غيرة الرجل الجنسية هو التأكد من أن الأطفال من نسله. بينما هدف غيرة المرأة هو ضمان أن جهود وإمكانيات الرجل تتركز في مصلحتها ومصلحة أطفالها، وليس لمصلحة امرأة أخرى. في بعض المجتمعات التي يقبل فيها تعدد الزوجات، قد ترضى المرأة بالأمر الواقع أو تنفصل.
بعد نشوء الزراعة والدولة، ومع إمكانية هيمنة بعض الرجال على موارد ضخمة، ظهرت "ذكورية مفرطة" وتسلط ذكوري. هذه الذكورية المتطرفة – مثل فرض قيود على حريات المرأة – هي ظاهرة ما بعد الزراعة وليست سابقة لها. هذه الممارسات تسلطية تدعمها سلطة الدولة والقانون. قبل الزراعة، لم تكن مثل هذه الهيمنة المفرطة ممكنة. عندما أتحدث عن الزراعة، فأنا أقصد أيضاً تربية الحيوانات، فبدو الرعي هم أيضاً من مجتمعات ما بعد الزراعة لأن حياتهم تعتمد على تربية المواشي، أي تسخير كائن آخر لتوفير الغذاء للإنسان.
عمر: يعني بالحديث عن النزعة الذكورية التسلطية، يمكننا القول إن شخصاً مثل صدام حسين أو ستالين يتفوق في تسلطه على أي حيوان، لأنه لم يتسلط فقط على نساء مجموعة، بل على الرجال وعلى رقاب الناس وكان لديه سجون.
د. رياض: هذه من خصائص الدولة. يمكن القول إن الدولة نشأت من هيمنة نخبة على الأغلبية، وهذا ما لم يكن ممكناً قبل الزراعة.
قبل الزراعة، لم تكن هناك إمكانية لبناء دولة، لأن الهيمنة تتطلب أن تتمكن النخبة من السيطرة على الموارد أولاً. الدولة لا تبنى على فراغ. فوجود جيش أو كهنوت يحتاج إلى مكافآت ونظام للثواب والعقاب، وهذا بدوره يحتاج إلى موارد. قبل الزراعة، لم يكن بمقدور شخص واحد أن يهيمن على موارد تمكنه من منح ثواب للآخرين كي يطيعوا أوامره. يمكن أن يكون كريماً، لكن كرمه سيكون محدود المدى لأنه لا يملك موارد غير محدودة. بينما بعد الزراعة، أصبحت الفوارق في الموارد كبيرة نسبياً.
عمر: يعني دكتور، ألخص كلامكم بأن المساواة بين الجنسين هي جزء من صورة المساواة بشكل عام. فإذا كانت هناك سلطة دكتاتورية في بلد ما، كما في حالة فرانكو في إسبانيا، نجد أنه فرض قيوداً على النساء أيضاً. وبالتالي، إذا زادت المساواة بشكل عام، فستنعكس إيجاباً على المساواة بين الرجل والمرأة. هل ممكن قول ذلك؟
د. رياض: هذه تفريعات مما حصل بعد نشوء الدولة. بعد نشوء الدولة حصلت تغيرات كثيرة، لكن هذا لم يؤثر على السياق العام لموضوع التكاثر البشري. السياق العام يبقى أن منظومة التكاثر البشري هي منظومة مساواتية، لأن كلفة وصعوبة تربية طفل بشري واحد من الولادة إلى الاستقلال كبيرة جداً، وهي أكثر مما تستطيع امرأة واحدة تحمله بمفردها.
الشمبانزي الأنثى أو الغوريلا الأنثى تربي طفلها من الولادة بمفردها دون أي مشكلة، لأن الكلفة الغذائية وغيرها منخفضة ومتوفرة وليست صعبة المنال. بالنسبة للغوريلا، طعامها هو أوراق الأشجار المتوفرة في كل مكان. لكن عند البشر، الكلفة عالية جداً من ناحية الجهد المطلوب.
عمر: دكتور، ذكرتم النقد وذكرتم تقسيم العمل بين الجنسين. نأتي إلى فترة ما بعد النقد والزراعة، أي القرن التاسع عشر مع ظهور الآلات ومن ثم التكنولوجيا. بطبيعة الحال، التوزيع الجنسي للعمل تغير بفعل التكنولوجيا والأدوار في المجتمع، ناهيك عن أن تنوع المجتمع من حيث الخصائص أصبح أكبر. هل يمكن أن نقول إن أموراً مثل هذه يمكن أن تزيد من المساواة التكاثرية بين البشر مع ظهور الآلات والتكنولوجيا؟
د. رياض: طبعاً، ما بعد الثورة الصناعية والتحضر وانتشار المدن – حيث يعيش الآن غالبية البشر في المدن، وهو شيء غير مسبوق – هذا الاتجاه يتوافق في رأيي مع الطبيعة البشرية الأساسية. أعني الطبيعة البشرية كما نعرفها من عصور ما قبل الزراعة، حيث كانت الفوارق الحقوقية بين الرجل والمرأة قليلة وليست كثيرة. هذه الفوارق زادت جداً بعد ظهور الزراعة، وزادت أكثر بكثير بعد ظهور الدولة.
دعني أتحدث قليلاً عن تبعات هذه النظرية على الطب النفسي. هذه مجدداً افتراضات من عندي، وإيجاد أدلة عليها سيكون صعباً جداً. لكنني أفترض أنه بسبب المساواة العالية والتباين المنخفض في النجاح التكاثري، ولأن السمات السلوكية تنتقل إلى الأجيال الأخرى عند البشر بشكل أكبر من الأصناف الأخرى، فإن هذا يؤدي إلى تباين أكبر في السمات الشخصية.
أفترض أن هذا يجعل البشر أكثر عرضة من الأصناف الأخرى من الحيوانات للأمراض النفسية. لماذا؟ لأنه عندما يزيد مدى التباين في السمات (مما يمكن تمثيله بمنحنى الجرس الإحصائي). الأفراد الموجودون في هذه الأطراف المتطرفة هم الأكثر عرضة للإصابة بحالات نفسية غير متكيفة مع البيئة المحيطة. بمعنى آخر، الحالات التي تواجه صعوبة في التكيف ستزداد بسبب كون التوزيع الإحصائي للسمات الشخصية أعرض عند الإنسان مقارنة بالحيوانات الأخرى التي لديها نظام تباين مختلف.
هذا الافتراض يشكل جوهر النظرية التي أحاول إثباتها، وهو مهم جداً لفهم سؤال جوهري: هل البشر معرضون للأمراض النفسية أكثر من غيرهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ هذه النظرية تقدم إطاراً للإجابة على هذا السؤال، أو على الأقل تقدم جزءاً من الجواب.
من الواضح أن هناك العديد من الأمراض العقلية والنفسية، مثل الفصام أو التوحد أو اضطرابات الطعام أو اضطرابات الشخصية أو الإدمان، التي لا نجد ما يعادلها بوضوح في الحيوانات الأخرى. حتى القلق والاكتئاب، رغم وجود سلوكيات قد تشبههما عند الحيوانات، فإنه من المشكوك فيه أن تكون متماثلة تماماً مع ما يعانيه البشر. فالسؤال "لماذا؟" يبقى قائماً، وهذه النظرية تقدم مدخلاً لدراسة هذه المعضلة المتعلقة بالطبيعة البشرية الفريدة.
عمر: دكتور، قد يتساءل البعض عن إمكانية دراسة هذه الفرضيات من خلال مقارنة المجتمعات ذات التباين التكاثري المرتفع والمنخفض. على سبيل المثال، مقارنة قبائل صغيرة لا تمارس تعدد الزوجات مع مدن أوروبية كبيرة. فهل توصلتم أو حاولتم البحث في هذا الاتجاه؟
د. رياض: مقارنة مجتمعات بشرية صغيرة بمجتمعات كبيرة الحجم موضوع شاق. المجتمعات الصغيرة لا توفر عينة كافية لرصد حالات الأمراض النفسية النادرة، مثل الفصام الذي تبلغ نسبته حوالي 1% أو أقل. وهكذا الحال مع حالات الانتحار - فمثلاً في بريطانيا تحدث 10 حالات انتحار لكل 100,000 شخص سنوياً، وفي العراق 2-3 حالة انتحار لكل 100,000 نسمة - دراسة مجتمعات صغيرة بعدد 200-500 أو حتى 1000 شخص لا يمكن أن تعطي نتائج ذات دلالة إحصائية في حالات نادرة كهذه.
مع ذلك، من الممكن نظرياً دراسة الفروق في السمات الشخصية في مجتمعات ذات تعدد زوجات عالٍ مقارنة بمجتمعات ذات علاقات أحادية (حيث أكثر من 80% من العلاقات أحادية). نظريتي تتوقع أن المجتمعات ذات نسبة عالية من تعدد الزوجات ونسبة عالية من الرجال الذين لا ينجبون - لأنه إذا احتكر رجل واحد عدداً كبيراً من النساء، فسيكون هناك رجال بدون زواج - سيكون لديها تباين تكاثري مرتفع، وبالتالي تباين أقل في السمات الشخصية والسيكولوجية.
لكن هذا يتطلب أن يكون نظام تعدد الزوجات مستمراً لأجيال عديدة وليس لجيل أو جيلين فقط، حتى يكون له تأثير على "المجمع الجيني" (Gene Pool). من الناحية النظرية ممكن إجراء دراسة كهذه إذا وُجد مجتمع كهذا، لكنه صعب عملياً. ربما في المستقبل، مع تقدمنا في فهم الجينات وربطها بالسمات السلوكية، يمكن اختبار هذه الفرضيات.
الاختلاف الشكلي بين الجنسين
عمر: سؤال آخر: من خلال الدراسة، هل صحيح أن التشابه الشكلي بين الرجل والمرأة عند البشر أكبر منه في الكائنات الأخرى؟ وهل البشر هم الأكثر تشابهاً من هذه الناحية؟ وما هي ميزات هذا التشابه؟
د. رياض: نعم، هذا صحيح. هناك مفهوم تقني يسمى "الاختلاف الشكلي بين الجنسين" (Sexual Dimorphism). عند مقارنة البشر مع القردة العليا الأقرب لنا، نجد أن الاختلاف في الحجم والهيكل بين الذكر والأنثى عند البشر أقل وضوحاً.
يُقاس "الاختلاف الشكلي بين الجنسين" (Sexual Dimorphism) عادة بمقارنة متوسط وزن وقامة الذكور بمتوسط وزن وقامة الإناث.
ذكرتم ان المريخ كان يصلح للحياة قبل مليار سنة او نحو مليار سنة، لكن هل كانت هناك حياة ام لا حسب الادلة التي جمعت من خلال جميع الرحلات التي ذهبت الى المريخ؟
(للقراءة او المشاهدة او الاستماع للجزء الأول يمكن مراجعة الرابط)
حتى الان لم يكن هناك بحوث كافية او ادلة كافية للإجابة عن هذا السؤال. قضية وجود الحياة هي قضية معقدة ايضا. عندما نتحدث عن الحياة على المريخ، فهل هي حياة بدائية جدا على مستوى الخلايا، ام هل وجدت مستحاثات بسيطة تدل عليها؟ هذا ما اقوله: لا توجد مستحاثات. تذكر انه على الارض، حتى تجد مستحاثات معينة، يجب ان تفحص الارض وتعرف اين تذهب، فهي ليست موجودة في كل مكان. بعدما وصلنا الى هذه المرحلة، لكن في الاسبوع الماضي، قبل ايام، كان هناك خبر انهم وجدوا اثار حياة على المريخ او ادلة اولية لآثار حياة. فهل هي اثار حياة ام ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بالحياة؟ هذا يحتاج وقتا لدراسته.
هذا هو سبب تركيز وكالات الفضاء العالمية، الامريكية والاوروبية والصينية والهندية واليابانية. اقصده، لاحظ انني لا اذكر الشرق الأوسط، فنحن خارج هذه اللعبة. تركيزها على المريخ، فيجب دراسة المريخ اكثر وبشكل ادق حتى اذا وجدت عليه حياة، نقدم شيئا اخر للناس الذين يأتون اليه على الاقل.
عندما كان كلينتون رئيسا لأمريكا، تم اكتشاف صخرة او الاعلان عن اكتشاف اثار ما يشبه الدودة، الدودة الصغيرة في قلب صخرة مصدرها المريخ. المريخ بين فترة واخرى تصل صخور منه – نادرا لكنها تصلنا. كيف تصلنا؟ اذا سقط على المريخ نيزك، فتنطلق منه صخور الى الفضاء وجزء صغير منها جدا يصلنا، أي يصل الارض. فهناك عدة صخور لا نعرف مصدرها من المريخ، ففي واحدة من هذه الصخور وجدوا حياة مجهرية تشبه الدود. وفي ذلك الوقت كان الاقتراح ان هذه ظاهرة حياة. بعد الدراسات هناك خلاف على هذا الموضوع، على الاغلب ان هذه ليست كائنات حية وانما ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بالحياة.
فحتى نتأكد من ان ما تفحصه او ما ترصده هو مصدر حياة سابقة، فالقصة طويلة، وليست سهلة، خاصة لأننا لا نتحدث عن كائنات كبيرة تحتوي على هيكل عظمي وما الى ذلك. نحن نتحدث عن بكتيريا، وكائنات وحيدة الخلية وما الى ذلك التي لا تحتوي على بناء مورفولوجي معين من حيث الشكل والمظهر، فلا يمكنك ان تقول ان هذه حياة وانتهى الامر. فالأمر اعقد مما نتصوره. لكن هناك بحوث وجهود حثيثة للبحث في وجود هذه الامور، لأنه مهم اذا عرفنا اصل الحياة على الارض من نشأة وما الى ذلك.
رابط شراء كتاب عوالم لا حصر لها من موقع نيل وفرات
دكتور، كنت ارغب في سؤال ربما غطيتموه تقريبا، وهو الحياة كظاهرة طبيعية. لكن ما معنى ذلك؟ وايضا اود الانتقال لأمر اخر قرأته ويجذب اهتمامي، وهو النظرة الفيزيائية المحضة للحياة. مثلا قضايا مثل التخلص من الانتروبيا عبر التكاثر، والاساس الفيزيائي للحياة. ولا ادري ان كان هذا يتصل مع مفهوم الحياة كظاهرة طبيعية او مع امر اخر ايضا ذكرتموه ربما في سياق مقارب، وهو مشكلة ضبط الثوابت الدقيقة (the fine-tuning problem). فهذه كلها قضايا اراها مثيرة للاهتمام، واكيد انتم اعلم بكيف يمكن تغطيتها وان كانت متصلة ام لا.
دعني أبدأ من النقطة الأولى لأتوسع في فكرة قلتُها: "الحياة ظاهرة طبيعية". أولاً، عندما نذهب إلى الطبيب سواء كنا مرضى أم لا، فإن الطبيب يتعامل مع الجسد في النهاية على أنه مادة كيميائية، أقصد تفاعلاتٍ كيميائية. فحياتنا مبنية على هذا الأساس. عندما نصاب بالصداع نتناول الأسبرين لأنه يحدث تفاعلٌ كيميائي يوقف الصداع. وإذا كان ضغطنا مرتفعاً نتناول مادة كيميائية تخفض ضغط الدم، وهكذا. هذا هو المبدأ الأساسي في الطب، فهو يتعامل مع الجسد كآلة، كشيء طبيعي، لا يتعامل معه على أنه روح فحسب، بل يتعامل معه كجهاز يعمل، وأحياناً يتعطل، وأحياناً يزداد الحمل عليه، وأحياناً تختل مواده. هذا بالطبع على المستوى الأولي.
بالإضافة إلى ذلك، إذا نظرنا إلى تاريخ الحياة، نجد أن الحياة كما ذكرت ظهرت مبكراً جداً. فعمر الأرض يقدر بـ 4.5 مليار سنة، وفي اللحظات الأولى من أول 500 مليون سنة كانت الأرض ساخنة، وشهدت أحداثاً دراماتيكية مذهلة. على سبيل المثال، في بدايتها وخلال أول 10 إلى 20 مليون سنة، اصطدم بها جسمٌ كبير – أقصد أن هذا الاصطدام أدى عملياً إلى تشطير الأرض، فانفصل عنها جزء كبير تحول إلى القمر. فالقمر في تاريخه جزء من الأرض، ونعلم هذا من تركيبه الكيميائي وكذلك من حجمه. فالقمر كبير بشكل ملحوظ، أقصد كبير نسبياً مقارنة بحجم الأرض. فهناك أقمار أخرى تكون أصغر حجماً مقارنة بكواكبها، لكن المشتري كبير جداً – أكبر من الأرض بألف مرة – بينما يعتبر القمر بالنسبة للأرض جسماً كبيراً بشكل غير عادي. والسبب في وجوده هو تلك العملية الاصطدامية التي يبدو أنها حدثت في بداية تكوين الأرض. لذا لم يكن من الممكن وجود حياة في تلك الفترة المبكرة.
من الخصائص الأخرى للأرض المبكرة أنها لم تكن تحتوي على ماء. فالماء لم ينشأ مع الأرض، ونحن نعرف لماذا؟ لأنه أثناء عملية النشوء كانت الحرارة مرتفعة جداً ونحن قريبون من الشمس، فكان الماء يتبخر قبل تكون الأرض. فالماء الموجود – أقصد في المنطقة القريبة من الشمس – كان سيكون في حالة تبخر، بينما في المناطق البعيدة يكون متجمداً. هذه المنطقة تسمى "خط الجليد"، وبالنسبة للشمس فإن هذا الخط يقع بعيداً عنها، أما نحن فكنا في الداخل حيث لا وجود للماء بشكل طبيعي. لذلك عندما تشكلت الأرض لم يكن عليها ماء. كان على الماء أن يأتي من مكان آخر، ونحن نعلم تقريباً – بل نحن شبه متأكدين – من مصدر هذا الماء: لقد جاء من النيازك.
في مرحلة محددة من تاريخ الأرض، حدثت تصادمات هائلة مع نيازك جلبت المياه إليها. استمرت هذه المرحلة بضع مئات من ملايين السنين، وتُعرف بالإنجليزية باسم "Late Heavy Bombardment"، أي القصف المتأخر، حيث تعرضت الأرض لاصطدامات نيزكية مكثفة.
كانت هناك فرضية أخرى تشير إلى أن المياه قد تكون جاءت عبر المذنبات، لكن المعرفة الحالية تؤكد أن مصدرها الأساسي هو النيازك، وذلك due to اختلاف التركيب الكيميائي للماء - لأسباب علمية لا يتسع المجال لشرحها هنا.
عندما بردت الأرض - بعد حوالي أربعمائة إلى خمسمائة مليون سنة من توقف تلك الظروف العنيفة والاصطدامات واستقرار الوضع - نشأت الحياة. فأول دليل على وجود الحياة يعود إلى 3.7 مليار سنة، بينما يعتقد الكثيرون أن أشكال الحياة الأولى ظهرت قبل أربعة مليارات سنة.
في اللحظة التي أتيحت فيها للأرض فرصة لنشوء الحياة، ظهرت الحياة عليها. وهذا أمر مدهش حقاً. ما يعنيه هذا أن تكوّن الحياة ليس أمراً صعباً، بل هو ليس معقداً بشكل جنوني.
سأعطيك سبباً آخر لقولي هذا: عندما ننظر إلى مركبات الحياة الأساسية، نجد بالطبع عناصر مثل الكربون والهيدروجين والنيتروجين وغيرها كما ذكرنا، لكن هناك أيضاً مركبات كيميائية خاصة بالحياة. هناك أربعة أنواع من هذه المركبات المعقدة، جزيئات معقدة هي: البروتينات، والدهون (التي تسمى Lipids)، والنيوكليوتيدات التي تكوّن الأحماض النووية مثل DNA، والسكريات.
عندما ن الفضاء، نجد آثار هذه المركبات. ففي الكون الواسع، عند انفجار النجوم وغيرها، نرى جزيئات عضوية معقدة موجودة في الفضاء. منها الأدينين - وهو أحد المركبات الأساسية في DNA - الموجود في الفضاء ويمكن رصده. كما توجد نيازك من النوع المعروف باسم "الكربونية" التي تتكون principalmente من الكربون، ويمكننا دراستها وتحليل تركيبها الكيميائي.
ففي المغرب، على سبيل المثال، عُثر على نيزك شهير من هذا النوع (وفي تونس أيضاً)، وأظهر التحليل الكيميائي للصخرة النيزكية احتواءها على مواد عضوية تتضمن الأدينين والأحماض الأمينية التي هي مركبات البروتينات وغيرها. فالكون يصنع لبنات الحياة في كل مكان، ونجد هذه اللبنات منتشرة في كل مكان.
وهذا ما اكتشفه شخص آخر - أحب أن أذكره في سياق مختلف - وهو تجربة "ميلر"، التي يمكننا العودة إليها لاحقاً ومناقشتها بتفصيل. عندما نعيد في المختبر محاكاة الظروف التي كانت سائدة على الأرض في بداياتها، بما في ذلك تركيب الغلاف الجوي المبكر، ونضيف شرارات كهربائية البرق وخلط المواد - كما نتوقع أن يكون الحال في الغلاف الجوي الأول للأرض - تنتج أيضاً مواد عضوية، منها الأدينين ومركبات أخرى مشابهة، بالإضافة إلى المواد البروتينية وغيرها. إنها نتيجة مذهلة حقاً.
يبدو واضحاً أن مركبات الحياة منتشرة في جميع أنحاء الكون. هذا لا يعني أن هذه المركبات تتحول تلقائياً إلى حياة، لكن الأرض تمثل مثالاً حياً: فما أن استقرت وبردت حتى بدأت الحياة بالظهور عليها. والحياة التي نشأت على الأرض كانت بالطبع بدائية، تتألف من كائنات وحيدة الخلية. أما الكائنات المعقدة، ما نسميه متعددة الخلايا، فقد نشأت فقط قبل 500 إلى 600 مليون سنة، أي أنها لم تكن موجودة منذ البداية.
معظم أشكال الحياة عبر التاريخ الجيولوجي كانت وحيدة الخلية، وليست معقدة. بل إن معظمها لم يكن حتى من نوع الخلايا المشابهة لخلايانا، بل كانت من نوع آخر يسمى "بدائيات النوى"، بينما تسمى خلايانا "حقيقيات النوى". فالبكتيريا مثلاً خلاياها تفتقر إلى نواة محددة. والحياة على الأرض خلال معظم تاريخها كانت من هذا النوع البسيط.
هنا تكمن إجابة سؤالك: لماذا أعتقد أن الحياة ظاهرة طبيعية؟ لأننا نراها تتسم بتنوع هائل، وتتكيف مع بيئاتها وشروطها المختلفة، ولها تاريخ محدد نعرفه بدقة. والأمر المذهل أيضاً أن جميع أشكال الحياة تعتمد على الهيكل الأساسي نفسه: الخلية والـ DNA والعناصر نفسها. فأنا والبكتيريا لدينا DNA. إنها حقيقة مدهشة: فأنا لست مختلفاً كلياً عن البكتيريا. فالكائنات المعقدة - من حيث سلوكنا وإدراكنا ولغتنا ووعينا وذكائنا - تشترك في الأساس الكيميائي والهيكل الخلوي المتشابه. حتى الآثار البكتيرية في خلايانا، مثل الميتوكوندريا التي تحمل DNA خاصاً بها، تظل شاهداً على تاريخ تطور الخلايا المعقدة في الحياة.
فلذلك أتعامل مع الحياة كظاهرة طبيعية. الحياة، الوعي، المدركة التي تفكر، التي تتعامل، التي تتساءل عن موجودة في الكون، ظهرت مؤخراً، ليست ظاهرة من بداية الكون. فهذا الجواب لهذا السؤال.
لقد استبقتُ الأمور بالسؤال الثاني حول الإنتروبيا. لكن لعل الفارق الجوهري بيني وبين البكتيريا يكمن في مسألة التعقيد. لقد تطرقتم في الكتاب بشكل موسع إلى مفهومي التعقيد والإنتروبيا، وقد جئتُ بالمثال الذي أمامنا: كيف نفسر عملية حيوية مثل التكاثر على أنها آلية للتخلص من الإنتروبيا؟ بكلمات أخرى، كيف يمكننا فهم الظواهر الحية من منظور فيزيائي بهذه الطريقة؟
وما الذي يحدث على مستوى التعقيد؟ ولماذا بقيت البكتيريا على حالها بينما استمر هذا التعقيد بالتطور في اتجاه آخر؟ فتطورت إلى كائنات متعددة الخلايا، ثم ظهر التكاثر الجنسي، وصولاً إلى ظهور الذكاء لاحقاً. وكل هذه العمليات تبدو بشكل أو بآخر مرتبطة بمفهوم التعقيد، هذا صحيح.
دعوني أوضح أولاً نقطة قد لا تكون واضحة للجميع. سأعرّف الإنتروبيا، وعندما أتناول هذا الفرع سأشرح للمستمع ما نقصده عندما نتحدث عن الإنتروبيا. ولكن قبل ذلك، يجب أن أشير إلى أن حتى الخلية البكتيرية - وقد تطرقتُ للفرق بيننا وبينها من حيث التعقيد - هي في الواقع معقدة بشكل هائل. فالبكتيريا، على سبيل المثال، تتكاثر عبر انقسام الخلية إلى قسمين. أي أن الخلية البكتيرية الواحدة تنقسم لتصبح خليتين مستقلتين. هذه آلية تكاثر تختلف عن تلك الموجودة في الكائنات الأكثر تعقيداً.
السؤال المهم هو: كيف تتمكن البكتيريا عند تكاثرها من الحفاظ على المعلومات الموجودة داخلها؟ هذا المستوى من التعقيد والتنظيم ليس أمراً يسيراً. وهنا نصل إلى نقطة مشتركة بين جميع أشكال الحياة - فالتعقيد سمة عامة لكل مظاهر الحياة. حتى البكتيريا تمثل نظاماً معقداً للغاية. وهنا تبرز الملاحظة الأولى - صحيح أننا أكثر تعقيداً منها - لكن إشكالية التعقيد تطرح نفسها حتى مع البكتيريا. فما علاقة هذا بقوانين الفيزياء؟
أريد أن أناقش مسألتين.
يشرح د. رياض عبد نظريته حول المساواة التكاثرية لدى البشر والعلاقة بينها وبين صفاتنا الشخصية وكيف تؤثر نسبة من يستطيعون التزاوج في صنف أحيائي معين كالبشر على نواحي عديدة في السلوك. يشرح د. رياض عبد أيضاً التباين التكاثري وأثر التباين الناتج في الصفات وفي الشخصية على أمور مثل تقسيم العمل لدى البشر. وأخيراً في هذا الجزء يناقش اثر تعدد الزوجات في المساواة التكاثرية لدى البشر. فيما يلي نص الجزء الأول من اللقاء.
أعزائي المستمعين، مرحباً بكم في حلقة جديدة من بودكاست "العلوم الحقيقية". معي في هذه الحلقة الطبيب النفسي والباحث في الطب النفسي التطوري، وضيفنا للمرة الثانية، د. رياض عبد. أهلاً وسهلاً بك دكتور.
أهلاً وسهلاً، وشكراً على الاستضافة أستاذ عمر. لكن دعني أذكرك أن هذه استضافتي الثالثة وليست الثانية.
نعم، لأن البودكاست السابق عرفناه بلقاء واحد، لكننا نشرناه في حلقتين. ونأمل أن تكون هذه الحلقة أيضاً من جزأين لإثراء المحتوى العربي، خاصة في مجال الطب النفسي والطب النفسي التطوري بشكل عام.
ستناقش هذه الحلقة نظرية جديدة طرحها د. رياض عبد بناءً على بعض الأبحاث والقراءات، وهي حول ما يُعرف بـ "المساواة التكاثرية لدى الإنسان" (reproductive egalitarianism) وتأثيراتها على نفسية الإنسان والمجتمعات وتركيبتها، وإمكانية التعرض للأمراض النفسية. لذا، سؤالي الأول لك دكتور قد يدور حول هذا المصطلح نفسه وما يعنيه، فقد يكون غامضاً بالنسبة للمستمع: ما هي المساواة التكاثرية؟
شكراً جزيلاً مرة أخرى. في البداية، أريد أن أنبه المستمعين إلى أن استخدام المصطلحات العربية في هذا الموضوع سيكون فيه بعض الإشكاليات والصعوبات. لذلك أرجو من المستمع أو المشاهد أن يدرك هذا الأمر. ما سأفعله هو أنني سأذكر المصطلح بالإنجليزية قدر الإمكان مع مرادفات عربية، لأنه في كثير من الأحيان لن تكون هناك مصطلحات عربية متداولة في هذا المجال. ولكن أتمنى أنه بمرور الوقت، تتطور الأدبيات العلمية العربية لتطوير المصطلحات في مجالات الأنثروبولوجيا وعلوم النفس وغيرها.
رابط الاستماع على سبوتيفاي
رابط الاستماع على ابل بودكاست
ما هي المساواة التكاثرية؟
النظرية التي نتناولها اليوم تسمى بالإنجليزية "Human Reproductive Egalitarianism" المساواة التكاثرية لدى الإنسان. وهي تشير إلى خصائص المنظومة التكاثرية البشرية التي تتسم بطابع مساواتي بشكل عام، وليس فقط بين الجنسين. بشكل عام، المنظومة التكاثرية البشرية تتميز بمساواة أكثر وضوحاً من أي صنف حيواني آخر. وبطبيعة الحال، وعندما يأخذ المرء موقفاً داروينياً، فإنه يعتبر البشر جزء من المنظومة الأحيائية العامة على الكرة الأرضية وليسوا منفصلين عنها. لذا، عندما ينظر المرء إلى البشر ضمن المنظومة الأحيائية عموماً، يصبح لديه مجالاً للمقارنة بين خصائص التكاثر عند البشر مقارنة بالأصناف الأحيائية الأخرى، وخصوصاً الثدييات، لأننا ننتمي إلى صنف الرئيسيات، وتحديداً إلى القردة العليا.
القردة العليا هي أربعة أصناف فقط: الأورانغوتان الذي يعيش في آسيا، والغوريلا الذي يعيش في أفريقيا، والشمبانزي (وهناك صنفان: الشمبانزي والبانوبو)، والبشر. عند مقارنة البشر ومنظومتهم التكاثرية مع القردة العليا والرئيسيات والثدييات عموماً، نجد أن هناك ظاهرة مساواتية واضحة أكثر من أي صنف أحيائي آخر. وهذا لا ينطبق فقط على العلاقة بين الجنسين، وإنما بشكل عام. دعني أوضح هذه الفكرة.
لغير المختصين، قد يتخيلون أن المنظومة التكاثرية عند الحيوانات أو الأصناف الأحيائية الأخرى هي عبارة عن فوضى، ولكنها ليست بهذا الشكل. كل صنف أحيائي له منظومته التكاثرية الخاصة، وهذه المنظومة تشمل عموم ذلك الصنف الحيواني. على سبيل المثال، إذا أخذنا الشمبانزي، وهو أقرب فصيل من القردة العليا إلى البشر (حيث أن لدينا أصل مشترك مع الشمبانزي قبل حوالي سبعة إلى ثمانية ملايين سنة)، نجد أن منظومته التكاثرية لا تحتوي على علاقة أو رابط بين ذكر وأنثى معينين. التكاثر عند الشمبانزي يقوم على الذكر المهيمن (Alpha Male)، وهو أقوى ذكر في المجموعة، الذي يحاول استغلال موقعه للتكاثر مع أكبر عدد من الإناث اللواتي يكونن في فترة الخصوبة، وهي فترة قصيرة. نتيجة لذلك، الذكر المهيمن هو أب لحوالي 30% إلى 50% من الولادات. هذه نسبة هائلة، وليس هناك رابط بين أنثى معينة وذكر معين.
أما عند الغوريلا، التي كان لدينا أصل مشترك معها قبل حوالي 10 إلى 11 مليون سنة، فهناك نظام تكاثري مختلف، حيث يوجد ذكر واحد مهيمن على مجموعة من الإناث يعشن معه، وهذا الذكر يحتكر التكاثر مع هذه الإناث. أن غالبية ذكور الغوريلا لا تُتاح لهم الفرصة للتكاثر إطلاقاً، فيبقون بدون أبناء لأجيال قادمة، مما يعني أن جينات هؤلاء الذكور "الفاشلين تكاثرياً" تُستبعد من "المجمع الجيني" (Gene Pool)، أي مجموعة الجينات في صنف أحيائي معين.
قارن ذلك مع البشر. النظام التكاثري أو المنظومة التكاثرية عند البشر تعتمد على وجود رابط، وهو ما يُعرف بـ "الرابط الزوجي" (Pair Bond)، بين أنثى معينة وذكر معين. بالطبع هناك اختلافات تعتمد على الثقافة والمجتمع، ولكن هذه الخاصية - أي وجود رابط بين رجل وامرأة - موجودة. للرجل عادة مسؤوليات تجاه الأطفال الناتجين عن هذه العلاقة، مثل توفير الحماية والغذاء أو مساعدة المرأة أو الأم في تأمين الغذاء. هذه المسؤوليات تختلف باختلاف المجتمع والظروف، لكنها موجودة بشكل عام. على سبيل المثال، في مجتمعات الصيد وجمع الثمار، كان دور الرجل يتركز في الصيد وتأمين اللحم، الذي له قيمة غذائية عالية جداً مقارنة بالنباتات.
عمر: دكتور، أردت أن أسأل سؤالاً قد يكون خارج السياق، لكنك ربما متجه إليه أصلاً. السؤال حول العلاقة بين نفسية الإنسان وعقل الشمبانزي. لقد لاحظت أن ذكور الشمبانزي فرصتهم في التكاثر أفضل قليلاً من الغوريلا، بينما الإنسان فرصته أفضل بكثير. وأذكر من كتاب "لماذا الجنس متعة" - الذي ترجمه أحد أعضاء "العلوم الحقيقية" - أنه لو كان هناك كلب يراقب البشر وينظر إلى سلوكهم الجنسي، لرآه فاحشاً أو مبالغاً فيه، بل وهو سلوك للمتعة. فالسؤال هو: هل نحن نتحلى بصفات معينة أدت إلى سلوكنا هذا، أم أن سلوكنا وواقعنا ككائنات ذات عقل معين هو ما جعلنا نتصرف بشكل مساواتي؟
د. رياض: العلاقة بين تشكيل الصفات السيكولوجية والنظام التكاثري والمجتمعي هي علاقة ديالكتيكية، أي علاقة ديناميكية ومتبادلة. ليس بالإمكان أن نحدد بالضبط السبب والنتيجة، لأن السبب والنتيجة في حالة تفاعل مستمر. علينا أن نتذكر أننا كداروينيين وتطوريين نفكر بمنطق مئات أو آلاف الأجيال. فخلال هذه الفترة الطويلة، تتشكل الصفات السيكولوجية والسلوكية والمجتمعية والتكاثرية من خلال تفاعل هذه العوامل المتعددة.
التباين التكاثري
سوف أعود إلى وصف النظرية. من خلال فهم الفروقات بين البشر والأصناف الحيوانية الأخرى القريبة منا وغير القريبة، نجد أن "التباين التكاثري" (Reproductive Skew) عند البشر هو الأدنى. والتباين التكاثري مفهوم جوهري وأساسي لفهم الداروينية وآلية التطور، لأن التطور يعتمد بالأساس على النجاح التكاثري. فبدون نجاح تكاثري، لا يمكن للصفات أن تنتقل إلى الأجيال القادمة. على سبيل المثال، الأفراد الذين لم يكن لهم أطفال عبر آلاف السنين - لأي سبب كان - اختفت صفاتهم من الجنس البشري، بينما انتشرت صفات أولئك الذين كان لديهم أطفال كثيرون.
الدراسات تشير إلى أن التباين التكاثري عند البشر هو الأقل بين جميع أصناف الثدييات. هذا أمر يجب الوقوف عنده والتساؤل عن تبعاته النفسية والمجتمعية. فما المقصود بالتباين التكاثري بالضبط؟
التباين التكاثري يعني مقارنة عدد الأطفال بين الافراد. هناك فرق بين الرجال والنساء؛ فمعظم النساء تجدن فرصة للتكاثر، بينما هناك دائماً، في كل المجتمعات، رجال يفشلون في التزاوج والتكاثر أكثر من النساء. لذا، التباين التكاثري عند الرجال أكبر منه عند النساء.
ومقارنة بالتباين التكاثري عند أصناف الحيوانات الأخرى، نجد أن التباين التكاثري هو الأدنى عند البشر. أي أن عدد أو نسبة الرجال الذين يفشلون كلياً في التزاوج والتكاثر عند البشر هي الأدنى مقارنة بالأصناف الأخرى. على سبيل المثال، عند الغوريلا، عدد هائل من الذكور يفشلون في التكاثر كلياً، بينما النسبة أقل عند الشمبانزي، وهي الأدنى عند البشر، ليس فقط مقارنة بالقردة العليا، بل مقارنة بالثدييات عموماً.
هناك دراسات كبيرة حول هذا الموضوع، لكن يبدو أن علماء الأنثروبولوجيا الذين أجروا هذه الدراسات لم ينتبهوا إلى التبعات النفسية والاجتماعية لهذه الخاصية الفريدة عند البشر. وهذا هو موضوع نظريتي. افتراضي هو أن هذه المساواة العالية جداً في النظام التكاثري البشري أدت – وهذه افتراضات مبنية على دراسات سابقة – إلى أن نسبة فشل انتقال الصفات أو الجينات منخفضة وهذا بدوره أدى الى أن تنوع الصفات، وخاصة السلوكية، سيكون أكبر عند البشر، لأن هناك نسبة أكبر من الرجال يساهمون في الأجيال القادمة أو في "الحوض الجيني" (Gene Pool).
هذا يعني أن "التباين بين الجنسين" في النجاح التكاثري عند البشر هو الأقل مقارنة بالشمبانزي أو الغوريلا. على سبيل المثال، إناث الغوريلا عموماً تنجب بتباين قليل، لأن أي أنثى ستجد ذكراً مهيمناً تتزاوج معه، فلا مشكلة لديها. عند الشمبانزي أيضاً، لا تواجه الأنثى صعوبة في إيجاد ذكر للتزاوج في وقت الخصوبة. لذا، التباين التكاثري عند الإناث واطئ، والفرق في النجاح التكاثري بين الذكور والإناث عند البشر هو الأقل مقارنة بالأصناف الأخرى.
من هذا أفترض أن التباين في "السمات الشخصية" (Personality Differences) سيكون أكبر عند البشر مقارنة بالأصناف الأخرى من الحيوانات. وذلك لأنه ستكون هناك مجموعة أوسع من الصفات والجينات والسلوكيات التي تنتقل إلى الأجيال القادمة، مقارنةً بالأصناف الأخرى التي فيها نسبة عالية للفشل التكاثري.
هذا التباين في الشخصيات له تبعات أيضاً. فأفترض في نظريتي إلى أنه يمكن أن يشجع على "تقسيم العمل" (Division of Labor) في المجتمعات البشرية. على سبيل المثال، الصفات الشخصية للصياد الجيد تختلف عن المحارب، والتي تختلف عن الحرفي الذي يصنع الأدوات، وفي مراحل لاحقة عن المزارع الجيد، وهكذا. إذن، الاختلاف أو تباين الشخصيات كان له دور في التعقيد المجتمعي وتقسيم العمل وتطور المجتمعات البشرية بالشكل الغني الذي حصل.
عند الثدييات الأخرى، تقسيم العمل بدائي جداً ولا يتجاوز في الغالب وظيفة أو وظيفتين داخل المجموعة. في الواقع، هو غالباً مجرد تقسيم عمل بين الأنثى والذكر، حيث تنجب الأنثى وتُرضع، وقد يكون للذكر دور في الحماية من الذكور الآخرين، كما في حالة الأسد الذكر الذي تكون مهمته المحدودة في الصيد (حيث الإناث هن من يقمن بالصيد أساساً) لكن دوره مهم في حماية الأشبال من الذكور الغرباء. هذا هو تقسيم الأدوار عموماً في الأصناف غير البشرية.
أما تقسيم العمل المعقد في الكائنات غير البشرية فهو موجود عند "الحشرات الاجتماعية" (Social Insects)، والتي لديها تركيب مجتمعي معقد. وهذا أمر مدهش لأن الحشرات الاجتماعية بعيدة جداً عن البشر تطورياً، حيث أن الأصل المشترك بيننا يعود لمئات الملايين من السنين.
أثر تعدد الزوجات
عمر: دكتور، كل هذه النقاط تقودني إلى ملاحظة. أولاً، نلاحظ في التركيبة الاجتماعية للبشر، أو حتى في التركيبة النفسية للأفراد، إذا تحدثت عن الوحشية، قد يظهر البشر أحياناً أكثر وحشية من الحيوانات، وفي أطراف أخرى قد يظهرون أنهم في قمة السلم والرحمة. في سياق التكاثر، يحضرني مثالان: الأول هو تعدد الزوجات الذي قد يصل إلى معدلات مفتوحة كلياً في بعض المجتمعات، ويتزامن مع تباين في مستوى المساواة المتاحة للمرأة. والسؤال هنا: هل هناك ترابط إحصائي بين الحقوق والمساواة بشكل عام، وبين المساواة التكاثرية؟ المثال الآخر حديث، وهو بنوك النطف، حيث يمكن لرجل ذي مواصفات معينة أن ينجب مئات الأطفال، متجاوزاً بذلك أي حيوان آخر.
في حلقة أخرى من بودكاست العلوم الحقيقية نحاور البروفيسور سليم زاروبي، وهو فيزيائي فلك فلسطيني متخصص في اللحظات الأولى وفي الحقبة الأولى من نشأة الكون. وفي هذا اللقاء، نتكلم عن كتابه الذي ناقش فيه نشوء الحياة؛ ظاهرة نشوء الحياة في الكون وفي الكواكب الأخرى. مرحباً بكم معنا دكتور سليم، وأترك لكم إضافة المزيد حول هذا الكتاب وحول من يرغب القراءة به قبل أن ندخل بمناقشة الكتاب.
شكراً أخي عمر، شكراً. ويسعدني أن أكون معك كمان مرة؛ هذه المرة الثانية التي نلتقي بها. الكتاب—إذا تذكر—في الكتاب الأول الذي كتبته "البدء فيزياء وفلسفة، وتاريخ علم الكون"، أنهيت الكتاب الأول في الخاتمة وتحدثت عن إمكانيات الحياة في الكون بشكل سريع وبلَمحات. هذا موضوع يشغل الكثير من الناس. وعندما أتحدث عن فيزياء الفلك للجمهور العام، عادة أتحدث عن علم الكون بشكل عام، ولكن أيضاً أتحدث في بعض الأحيان عن إمكانيات الحياة في الكون، وأرى الدهشة والافتتان بهذا الموضوع في وجوه الناس. فكان عندي تخطيط منذ فترة أن أكتب عنه، كما كان واضحاً أنه بدأت أكتب كتاباً، ولكن في سنة 2022 كنت أنا كما تعلم كنت أعمل على الأقل جزئياً في جامعة خرونينغين في هولندا، وكنت أُدرِّس دورة معينة؛ دورة علم الكون. وفي هذه الفترة، كان يخطر ببالي سؤال حين ابتدأت الكتاب عملياً. السؤال كان: إذا كان هناك حضارات متطورة في الكون، حضارات متطورة بمفهومنا – حضارات غريبة تبني علماً، وتملك مجتمعات منظمة، وتستطيع أن تجوب الفضاء وتستكشفه، وإلى آخره؛ حضارات صاحبة تقنيات متطورة وتكنولوجيا متطورة. فتساءلت في حينه: إذا كان في حضارات من هذا النوع، هل هناك تشابه بيننا وبينها؟ ما هي أوجه التشابه؟ وما هي أوجه الخلاف؟ هل نستطيع أن نقول أن هناك تشابهاً معيناً أم لا؟. وابتدأت أقرأ عن الموضوع حتى أجيب نفسي عن هذا التساؤل.
رابط شراء كتاب عوالم لا حصر لها من موقع نيل وفرات
سياق الكتاب والتداخل مع واقع غزة والوحشية والقسوة الواقعة على أهلها
وابتدأت في الكتاب، ولاحظت أنه من الممكن أن أكتب مقالاً كبيراً عن الموضوع، فابتدأت في الكتابة. وهذا في كتابي الحالي، والفصل تقريباً قبل الأخير—الفصل قبل الأخير هو الفصل الذي كُتب. وأدركت في حينها أنه يمكن كتابة كتاب عن الموضوع، بالإضافة إلى المواضيع الأخرى المرتبطة بقضية إمكانيات وجود الحياة من الناحية الفلكية ومن الناحية الفيزيائية وإلى آخره. فقررت كتابة كتاب وأجلته بعد الفصل الأول الذي كتبته في البداية، أجلته لسنة 2023، سبتمبر 2023، وصار شهر أيلول لأن كان لدي سنة "سباتيكال" كما تذكر، حصلت على جائزة هومبولت. فحينها كان يجب أن أقضي جزءاً من وقتي في ألمانيا. ولكن بعد فترة صغيرة من بداية الكتاب الذي قررت أن أكتب عنه ("الحياة، أنواعها، السياق الكوني للحياة"—هذه المحاور سنتحاور بها في الحوار)، بدأت مأساة غزة. مأساة غزة شلتني كما شلت كل فلسطيني نفسياً بحجمها ووحشيتها وقسوتها وإلى آخره، فتعطلت عن الكتابة فترة طويلة.
ولكن بعد أشهر، وحتى أهرب من هذه المناظر البشعة التي ما زالت حتى الآن للأسف نراها بشكل يومي، أقنعت نفسي بشيئين. أول شيء أني بحاجة إلى الهرب، والكتابة مَهرب حتى أحافظ على تفكيري وعلى عقلي. والشيء الآخر الذي أقنعت نفسي به، أني كعالم فلسطيني، مساهمتي هي في نضال مجتمعي، وفي مساهمتي الفكرية؛ لأن معركتنا مع الوحش الصهيوني ليست معركة وجود وأرض فقط، وإنما هي معركة تاريخ وحضارة وفكر ومساهمة. فهذان الشيئان جعلاني أُكمل كتابي.
الكتاب—مع أنه كتاب علمي، وهذا أذكره في التمهيد والمقدمة الصغيرة الأولى—يتناول موضوعاً علمياً بحتاً. أنا أتعامل مع الحياة كظاهرة طبيعية، ولا أتعامل معها بشكل آخر كعالم. ولكن، الكتاب مجبول بغزة. كل كلمة كتبت في الكتاب كانت غزة في وجداني وفي خيالي. فهذه هي ظروف كتابة الكتاب.
في الكتاب، أتناول عدة محاور. المحور الأول هو السياق الكوني للحياة؛ فالحياة لها سياق كوني، وبدون الكون لا يمكن أن نتحدث عن حياة على الأرض. وفي مراحل مختلفة وجوانب مختلفة من هذا الحديث، أتحدث في الكتاب عن فيزياء الحياة (طبعاً المجموعة الشمسية وتحدثت عن الأرض بشكل عيني)، وكيف نتعامل مع علاقة الفيزياء بظاهرة الحياة. أتحدث عن كيمياء الحياة (لماذا كيمياء الحياة هي كيمياء خاصة، وما الذي يميزها وإلى آخره)، وعن بيولوجيا الحياة ونظرية داروين وما أتى منها. وبالآخر، أتساءل عن التساؤل الذي بدأت فيه: إذا كان هناك حياة متقدمة في الكون، هل هي شبيهة بنا أم لا؟.
ينهي الكتاب بفكرة تعبر كل فصوله، وهي أننا على الأرض كائنات جانبية. كوكب الأرض هو مكان جانبي في الكون، مكان غير مُهم. نحن ندور حول نجم غير مُهم في مجرة غير مُهمة. ومثل الكرة الأرضية، هناك مليارات، عشرات المليارات، إن لم يكن آلاف المليارات من الكواكب الصغيرة التي ممكن أن يكون عليها حياة في الكون، وتشبه الأرض من ناحية خواصها.
الذي يدرس في علم الكون يستنتج بشكل مباشر تقريباً جانبيتنا وعدم أهميتنا في هذا الكون الفسيح. ففي الفصل الأخير أتساءل: إذا كانت أهميتنا ليست مركزية في الكون، فمن أين تأتي أهميتنا؟. هذا سؤال أخلاقي، سؤال فلسفي، سؤال فكري. والإجابة عليها—يمكن أن نتحدث عنها—هي أننا نحن نعملها، نحن نصنع أهمية حياتنا. أهمية حياتنا هي بأيدينا. فهذه هي مواضيع الكتاب بشكل عام.
ولكن يهمني أن أذكر للمستمع والمشاهد السياق الذي منه تطورت.
للأسف الشديد يا دكتور، بينما تكتبون كتاباً عن ظاهرة الحياة وعن تجلي هذه الظاهرة في الكون، وأنتم تشهدون الموت العبثي وسفك الدماء وكل هذا الألم العبثي. وأتمنى لو كان حديثنا عن هذا الموضوع يقود إلى أي شيء لصالح كل هذه المعاناة؛ إنه أمر مؤلم جداً.
صحيح. على فكرة عامة، حتى نغطي هذا الموضوع: في عندي أصدقاء في غزة أتواصل معهم دائماً. وأحدهم هو صديق عزيز، الدكتور سالم أبو مصلح، وهو فيزيائي يعمل في وزارة المعارف الفلسطينية. هو فيزيائي فلك (Particle Astrophysics)، ما يسمى فيزيائي الجسيمات المتعلقة بالفلك. وهو يعمل في وزارة المعارف الفلسطينية لتعليم العلوم وإلى آخره. أجتمع معه بشكل مباشر عبر "الزوم" طبعاً، أسبوعياً تقريباً، أو مرة بالأسبوعين. نتحدث فيها عن برامج وعن مواضيع مختلفة، كيف نساهم في أن نغطي الفجوة على الأقل لِمن هو قادر على أن ينجو من هذه المأساة، من ناحية التعليم وإلى آخره.
وفي مرة أذكر أنه أرسل لي صورة من خيام النزوح التي يسكن فيها، وهو يجلس مع فتيات ويعلمهن عن السماء. فحتى هذه الأمور هي محاولة للحفاظ على إنسانيتنا وعلى وجودنا الإنساني، وأن نتذكر—وهذه الجملة التي كتبها لي في حينه—أننا "نحاول أن نذكرهم أنه في شيء آخر في السماء غير الطائرات والصواريخ التي تسقطها". فأتمنى. (سأذكر هذه أيضاً في توثيق المقالات؛ كما تعرفون، نوثق المقالات العربية والإنجليزية، أذكر اللقاءات الخاصة).
من علم الكون الى الحياة: نقطة المنتصف بين أصغر شيء وأكبر شيء في الكون
دكتور، حديثكم عن الدهشة التي أصابتكم كونك فيزيائي واقتربت من مجال ليس مجالك التقليدي. ما أدهشني في الكتاب—وأول حقيقة أدهشتني وأترك لكم الحديث عنها للمشاهدين—هي نقطة المنتصف بين نصف قطر بلانك وبين قطر هابل أو قطر الكون، وأن الحياة تقع في موضع معين بين هذين القطرين. وهذا بحد ذاته بوابة للكثير من الأسئلة، لكن أترك لكم تقديمها للمشاهد والمستمع. وأيضاً أرجو أن لا أكون أتكلم عن أمور تتوقع أن القارئ يقرأها بدلاً من السماع عنها.
حتى إذا سمعها مرتين بالعكس، جيد أنه يسمعها أكثر من مرة. اسمح لي أن أعرف البُعدين، ومنهما أنطلق في الفيزياء. يمكن الحديث عن أكبر بعد في الكون وأصغر بعد في الكون في الطبيعة. أكبر بعد في الطبيعة هو كبر الكون نفسه. كبر الكون نعرفه ويسمى نصف قطر هابل. وهابل هو العالم الكوني الأمريكي الذي اكتشف انتشار الكون في سنة 1927 أو 1929. اكتشف أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض، واستنتجنا منها أن نسيج الكون وهندسة الزمكان في حالة انتشار وابتِعاد. وعلى اسمه يسمى قانون هابل، ومن قياساته نستطيع أن نعرف كبر الكون الذي نراه.
كبر الكون يسمى نصف قطر هابل، وكبره حوالي 10^{25} متر، أي واحد وبجانبه 25 صفراً. هذا هو أكبر شيء في الكون: الكون نفسه. في الفيزياء، هناك أيضاً إمكانية الحديث عن أصغر شيء. أصغر شيء في الفيزياء هو قطر أو نصف قطر يسمى نصف قطر بلانك. وعند هذا نصف القطر، الفيزياء التي نعرفها وقوانين الفيزياء التي نعرفها تنهار. يصبح المفهوم أننا لا نعرف كيف نصف الفيزياء على أبعاد أصغر من هذا البعد.
إذا تذكر، في واحدة من النظريات الأساسية في الفيزياء تسمى نظرية الكم (Quantum Physics)وفيها مبدأ يسمونه "مبدأ اللايقين". فيه نحن محدودون فيما نعرفه على بعد معين وسرعة معينة. فنستخدم الجاذبية حتى نعرف هذه السرعة، ومنها نعرف هذا القطر. هذا القطر يعتمد على ثلاث ثوابت في الفيزياء، وتحته—أي في أبعاد أصغر منه—لا نستطيع الحديث عن أي شيء؛ لا نعرف. وهذا البعد، نصف قطره 10^{-35} متر على ما أذكر.
إذا أخذت المعدل الهندسي بين أكبر شيء في الكون وأصغر شيء في الكون. (المعدل الهندسي يختلف عن المعدل الحسابي؛ المعدل الحسابي تأخذ رقمين تجمعهما وتقسمهما على اثنين. المعدل الهندسي هو تأخذ رقمين تضربهما ببعض وتأخذ الجذر التربيعي لحاصل الضرب). فإذا أخذت المعدل الهندسي بين أكبر شيء وأصغر شيء في الكون، نحصل على رقم حوالي العشرة ميكرومتر، أي 10^{-5} من المتر، أو واحد على مئة ألف من المتر وهذا هو تقريباً كبر الخلية الحية. الخلايا الحية أصغر قليلاً أو أكبر قليلاً، ولكنها في هذا الحيز من الكبر.
وهذه شغلة مذهلة: الحياة تحصل في النصف، في الوسط، بين أكبر شيء وبين أصغر شيء. أنا لا أعرف كيف أفسر هذه الظاهرة التفصيلية، ولكن هذا يدل على أن سياق الحياة أو وجودها مرتبط بشيئين: بأصغر الأمور في الكون (الذرات، صفاتها، الكيمياء، إلى آخره)، ولكنه أيضاً مرتبط في أكبر الأشياء في الكون نفسه. فسياق الحياة هو ليس فقط كيميائي وفيزيائي وبيولوجي، وإنما كوني بمفاهيم عديدة. وهذه الحقيقة تعكس هذين الشيئين المهمين. ما زالت شغلة مذهلة أن الحياة تحصل بالضبط في النصف تقريباً بين أكبر شيء وأصغر شيء. لما أنا أول مرة تعلمت هذه الحقيقة، ذُهلت؛ كانت شغلة مذهلة.
دكتور، تكلمتم بالحديث عن الحقائق الكونية وعلاقة ظاهرة الحياة بالكون، قرأت عن سلوك المادة المظلمة في بداية نشوء الكون. هل هناك صلة مباشرة بين حقائق مثل هذا؟ وهل تطور العلم في هذا المجال هو جزء مما يتكلم عنه الكتاب وعن نشوء الحياة؟ أم تطرقتم لهذا على سبيل البدء بالحقائق من الأعلى، ومن المستوى الأعلى من الكون إلى ما هو أدنى من ذلك؟ ما سبب تطرقكم إلى هذا المستوى من الحقائق؟.
صحيح، دعني أُعرِّج على شغلة ذكرت في السؤال السابق، ثم أأتي إلى قضية السياق الكوني للحياة. ذكرت حضرتك أن هذا ليس جزءاً من خبرتي الأساسية. هذا الموضوع ما حدث في الثلاثين سنة الأخيرة. أذكر عندما أنهيت الدكتوراه، سافرت إلى جامعة بيركلي في كاليفورنيا. وأذكر في أحد الاجتماعات كنا كل يوم ثلاثاء على الغداء—العلماء المختلفون يذكرون أبحاثهم وماذا يفعلون، وفي بعض الأحيان يتحدثون عن أبحاثهم. فأذكر مرة دخل زميل وهو مُنفعل (هذا الحديث سنة 1996)، وهو منفعل جداً لأنه أعلن فريق سويسري أنه لأول مرة نكتشف وجود كوكب سيار خارج المجموعة الشمسية، يدور حول نجم آخر غير الشمس.
اليوم نسميهم كواكب نجمية Exoplanet بالإنجليزية؛ الكواكب السيارة التي تدور حول نجوم أخرى. وكانت هذه أول مرة. هذا الزميل كان عنده المعطيات والبيانات التي كان ممكن هو نفسه أن يكتشف بها هذا الكوكب السيار، ولكن لسوء حظه سبقه السويسريون وخسر جائزة نوبل. (السويسريون أخذوا جائزة نوبل على اكتشافهم). ولكن هذا الزميل كان منفعلًا بشكل إيجابي لأنه أدرك أبعاد هذا الاكتشاف.
اليوم نحن نعرف الكثير. من ذاك الوقت (تقريباً 30 سنة حتى الآن) تطورت معرفتنا بشكل هائل.















