عروب صبح: الدراما العربية.. هل تمثلنا؟
Description
بين السياسة ورأس المال. في زمن ما شكّلت الدراما العربية مرآةً للمجتمع وأزماته الاجتماعية والسياسية، حيث كانت تعكس التوترات والتحولات السياسية التي يعيشها العالم العربي كمجتمعات مناضلة تواقة للتحرر من الاستعمار.
منذ القضاء على الثورات العربية وخلال العامين الماضيين بالتحديد، مع اشتداد الأزمات في السودان وسوريا وفلسطين، بدا واضحاً أن علاقة الدراما بالسياسة والمجتمع تمرّ بمرحلة مهنية وأخلاقية معقدة، حيث يتداخل فيها البُعد الفني مع حسابات رأس المال، وتتأرجح بين الرغبة في التعبير الحر وبين قيود الإنتاج والبث.
تأثير رأس المال وتعريب الدراما
• الممولون وشبكات البث: رأس المال الخليجي أصبح المتحكم الأساسي في السوق الدرامية انتاجا وعرضاً، ما جعل المواضيع تخضع لمعادلات سياسية وتجارية تناسب توجهاته.
• تعريب المسلسلات التركية: ظاهرة مقلقة أسهمت في تهميش القضايا الحقيقية التي تعيشها المنطقة، حيث يجد المشاهد نفسه أمام دراما سطحية منسوخة لا تعبّر عن واقعه.
الدراما رمضانية (بما يليق بحرمة الشهر الفضيل)
بدل أن تكون موسماً فنياً خاصاً يعزز قيم التسامح، والتكافل، والعطاء، والروحانيات. باتت الغالبية منها تنغمس في قصص القتل والخيانة الزوجية والمكائد العائلية، أو كوميديا سطحية تعتمد على التهريج والإسفاف.
بين الأمس واليوم
في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينات كان الجزء الأكبر من الفن العربي أكثر التحاماً بالحالة السياسية وقيم المجتمعات سواء بتعزيزها او نقدها، وكانت معظم الأعمال مأخوذة عن نصوص أدبية مهمة فطرح بجرأة قضايا مثل التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية لأن تمويله كان وطنياً وجزء من المشروع القومي.
أما اليوم فلقد تراجعت الجرأة السياسية بحسب ما تفصله أو تقبله المقصات الرقابية، وحلّت مكانها أعمال اجتماعية سطحية أو مقتبسة، بينما تُستغل مواسم رمضان في إنتاجات ضخمة لمحتوى استهلاكي بالدرجة الأولى. الاستثناءات تأتي من إنتاجات مستقلة أو خارج الإطار التجاري، وغالباً تجد جمهورها عبر المهرجانات أو المنصات الرقمية الصغيرة، لا عبر الشاشات الكبرى.
الدراما العربية اليوم محاصرة بين واقع سياسي مأزوم وبين منطق سوقي يفرض على الفن حدوداً تضع الإعلان والاستهلاك هدفاُ أول.
في ظل ما نمر به من ارتهان مهين لكرامتنا ووجودنا، كيف للدراما العربية أن تستعيد دورها التاريخي كصوت ناقد وحر يواجه القهر والاحتلال والاستبداد، ويعيد الاعتبار للقيم الإنسانية والوطنية؟
إذا كان الماضي قد قدّم فنّاً مشتبكاً مع السياسة والوعي الجمعي، فإن الحاضر يكشف عن فجوة بين الشارع والدراما، فجوة لا تملأها إلا محاولات فردية مستقلة تُعيد لبعض الفن معناه كجزء من حياة الناس وصراعهم.