غادة عبد العال: حرب الشوكولاتة
Description
يقول لنا التاريخ إن مافيش مخترع محدد للشوكولاتة، وإنما هي عملية تطور حصلت عبر آلاف السنين، فتاريخ استخدام الكاكاو يعود إلى حضارات أمريكا الوسطى اللي استخدمت حبوب الكاكاو في المشروبات وكتوابل، بينما يعود تاريخ صناعة الشوكولاتة في شكلها الصلب إلى جوزيف فراي في إنجلترا عام 1847، وبعدها تطورت الشوكولاتة بالحليب بفضل دانييل بيتر في سويسرا عام 1875.
وبينما تبدو أي حتة شوكولاتة بريئة جميلة، تساعد على إدخال البهجة ورفع الدوبامين. إلا إنها أصبحت مؤخرا رمز للتوتر المتزايد بين دول المنطقة العربية. وبينما أكثر المراقبين تشاؤما ما كانش يتخيّل إن في يوم من الأيام يبقى فيه “خلاف جماهيري” بين بلدين بسبب حتة شوكولاتة، لكن اللي يعيش بالضرورة ياما يشوف.
الحكاية بدأت بهدوء، فيديو هنا، بوست هناك، حد بيصوّر شكولاتة صنعت في مصر موجودة في سوبرماركت سعودي بيقول إنها "مش قد المستوى"، كلام عابر بيحصل كل يوم وما فيهوش مشكلة. فتقييم المنتجات على الإنترنت حق للجميع، بل إنه أصبح مؤخرا مهنة ليها إسم براق (فوود بلوجر). بس طبعًا السوشيال ميديا خبيرة في نفخ كل شيء وتحويله من مجرد رأي لتريند وحملة ينضم ليها الآلاف.
فما بدأ كتقييم بريء قعد يكبر يكبر ككرة التلج لحد ما أصبح “قضية رأي عام"، وبدأت المناوشات والتراشق بالألفاظ، وتحول الموضوع لدعوات بالمقاطعة، بل وأن تشمل المقاطعة مش باكوين الشوكولاتة بس، لكن أي محل يملكه مصريين وأي سلعة عليها شعار” صنع في مصر“
وطبعا كأي تريند، كان فيه ناس محايدين، وناس متحمسين، وناس داخلين خصوصا للصيد في الماية العكرة، ومع الهجوم جه الدفاع، ثم جاء الهجوم المقابل، ثم أصبح الأمر وكأنه حرب اقتصادية، والموضوع اللي بدأ بمطالبات لتقليل السكر وظبط الفانيليا وزيادة جوز الهند، تحول لما يشبه حرب اقتصادية تهدف للإضرار بمناخ الاستثمار وبآلاف العمال اللي بيعتمدوا في قوت يومهم على العمل في القطاعات دي.
الانزلاق ده معروف في سيكولوجية الجماهير، التعميم والتشنجات المتبادلة، لكنه خطير لأنه بيعمم انطباعات غير دقيقة وبيخلق حساسيات غير مبررة.
وشعبين بحجم وتأثير الشعبين المصري والسعودي، من الضروري انهم ينتبهوا للمستفيد من قطع أواصر التفاهم بين الشعبين، الأكثر تأثيرا والأقدم في تاريخ علاقاتهم ببعضهم البعض في المنطقة.
في النهاية، يبقى السؤال: هل الأمر كان مستاهل كل هذه الضجة يعن؟
هل كان يحتاج الأمر إلى تجييش جماهيري، وتصعيد إلكتروني، وتوتر بين شعبين، وضرر محتمل لقطاع اقتصادي كامل؟
يعني النقاش ده لو اتحط في إطاره الطبيعي اللي هو: تقييم منتج، تحسين جودة، رقابة مطلوبة كان هيبقى مفهوم، أما تحويل الشوكولاتة إلى ساحة حرب افتراضية، فده للأسف واحد من تجليات عصر السوشيال ميديا، حيث تُخلق الأزمات كما تُصنع التريندات: بسرعة، ودون تفكير كافي، وبلا إدراك للي بتسيبه وراها من شروخ بتزيد مع الوقت ومع توالي الأزمات.
كلوا شوكولاتة يا جماعة، أي شوكولاتة تعجبكم، كلوها، وهدوا أعصابكم، في النهاية الجغرافيا والتاريخ والقدر رابطنا ببعض، بلا فكاك. فخلونا نكمل رحلتنا سوا في هدوء، أصل مالناش غير بعض في النهاية، فماتشمتوش فينا العزال.




