أتت استراتيجية الأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض يوم الجمعة 5 ديسمبر/كانون الأول، لتكرس الطلاق بين ضفتي الأطلسي ولتمثل قطيعة تاريخية بين واشنطن والقارة القديمة. وهذه الوثيقة تُضفي الطابع الرسمي على أولويات الإدارة، وبشكل أوسع رؤيتها للعالم،  واللافت انه لم يسبق أن اتسمت وثيقة رسمية من هذا النوع بمثل هذا التجاهل تجاه خصوم أمريكا ومثل هذه المعاملة السيئة للحلفاء التقليديين، وخاصة الأوروبيين. 

الحيز المخصص لأوروبا في صفحتين ونصف من اصل ثلاثين صفحة، يشكل تقييماً سلبياً تماما اذ ستصبح أوروبا قارة "غير قابلة للتعرف عليها في غضون عشرين عامًا أو أقل" إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وتضيف الوثيقة: "يُطغى على تدهورها الاقتصادي احتمال حقيقي وأكثر حدة لانهيار حضاري". 

ما هي الأعراض المذكورة حسب استراتيجية واشنطن ؟ انخفاض معدل المواليد، وفقدان الهويات الوطنية، وقمع المعارضة السياسية، وتقييد حرية التعبير، و"الاختناق التنظيمي"، وبالطبع، وقبل كل شيء، الهجرة.

وتزعم الوثيقة أنه "على المدى الطويل، من المعقول جداً أن يكون لبعض أعضاء حلف شمال الأطلسي أغلبية غير أوروبية في غضون بضعة عقود على الأكثر".

من الغريب ان تصل الأمور إلى هذا الحد، وهذا ما دفع بالخارجية الألمانية للقول ان أوروبا ليس بحاجة لدروس واشنطن، لكن المستشار الألماني خفف من اللهجة متوقعاً تعديلاً لمهمات الناتو.

والجدير بالذكر ان استراتيجية الأمن القومي هي وثيقة تُعدّها السلطة التنفيذية للولايات المتحدة بشكل دوري. وتهدف هذه الاستراتيجية، التي وُضعت خلال رئاسة رونالد ريغان، إلى إطلاع السلطة التشريعية على أولويات الأمن القومي وتحدياته، وكيفية تخطيط الإدارة لمواجهتها.

على صعيد أشمل ، تمثل الاستراتيجية تحولاً جذرياً نحو "أمريكا أولاً"، برفض الهيمنة العالمية المكلفة، والتركيز على المصالح الداخلية والإقليمية، مع التخلي عن البعد الأيديولوجي (الديمقراطية مقابل الاستبداد).

أما أبرز أولويات الولايات المتحدة حسب الوثيقة فهي: 

- الأمن الداخلي والحدود (مكافحة الهجرة الجماعية، الكارتيلات، الجريمة العابرة).

- نصف الكرة الغربي (استعادة الهيمنة عبر "ملحق ترامب لمبدأ مونرو").

- الأمن الاقتصادي (إعادة التصنيع، تأمين سلاسل الإمداد، الطاقة الأمريكية).

- الصين ومنطقة الإندو-باسيفيك (منافس اقتصادي رئيسي، مع الحفاظ على روابط تجارية).

- أوروبا: دعم الحلفاء للدفاع عن أنفسهم مع استعادة الهوية الغربية.

- الشرق الأوسط: منع هيمنة قوة معادية وتجنب الحروب الطويلة.

- قيادة التكنولوجيا العالمية

بشكل أدق، ترفع الاستراتيجية من شأن أميركا اللاتينية لتصبح على رأس الأجندة الأميركية. وهذا يعد أهم تحول إقليمي في الوثيقة التي تضمن إعادة توجيه الموارد نحو نصف الكرة الغربي، وهو ما يعني فعليا تقليص الاهتمام الأميركي بمناطق كانت تُعد شديدة الأهمية، مثل الشرق الأوسط وكذلك أوروبا التي تبقى منطقة حليفة مع انتقاد غير مسبوق.