المرصد ٢٦٠: مع اقتراب ذكرى هجمات سبتمبر، هل يفرض تنظيم القاعدة على أنصاره تقبل ”الأثر“ الإيراني؟
Description
متلازمة طهران ٢٠٢٤
لا يزال ”تأييد“ حماس يثير جدلاً في أوساط القاعدة حتى بعد مرور ١١ شهراً على حرب ٧ أكتوبر. والحقيقة أنه جدل قديم يتجدد كلما شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة، بمعدل مرة أو مرتين في العام. لكن إطالة أمد هذه الحرب والنزيف البشري الهائل عظّم جوانب الجدل حتى اعتزله بعض المعنيين أو أمعن به بعضهم الآخر.
أس المشكل يتعلق بالقضية الفلسطينية التي جُبلت عليها أجيال من العرب والمسلمين. ولم تكن القاعدة استثناءً. فالتنظيم رفع شعار ”تحرير القدس والأقصى“ منذ نشأته. وبهذا الشعار، شنّ ”غزواته“ وحملاته في العالم توّجها بهجمات سبتمبر ٢٠٠١ في قلب أمريكا باعتبار أن الطريق إلى القدس تمر من واشنطن.
وعليه، كيف يتعامل الجهاديون مع حركة مثل حماس عندما تتصدر ”ظاهرياً“ الحرب مع إسرائيل؛ وهي الحركة التي ترتبط بعلاقة عضوية مع إيران ”الرافضية“ - كما في أدبيات الجهاديين - ولها تاريخ أسود مع السلفيين في القطاع، وانخرطت في نشاط ديمقراطي يعتبره الجهاديون ضرباً من الكفر؟ هنا، ثمة أمران يتعين على الجهاديين حسمُهما. أولاً، هل يعبرون صراحة عن تأييد حماس باعتبار ”القضية“؟ كيف يؤيدون إيران في فلسطين ويعارضونها في العراق والشام؟ وثانياً، إن كانت حماس ”تتصدر“ المشهد هكذا، فماذا يقول هذا عن سلوك القاعدة وشعارات القدس؟
ولهذا، وحتى قبل اقتحام حماس مسجد ابن تيمية في رفح وقتل أبي النور المقدسي في أغسطس ٢٠٠٩، ومنظرو الجهادية يحاولون إيجاد مخرج كلما شنت إسرائيل حرباً على غزة. فما كان منهم إلا التمييز بين حماس الحركة وحماس الحكومة؛ أو حماس الحكومة وحماس كتائب القسام؛ على نحو ما جاء في فتاوى منبر التوحيد والجهاد الذي أداره ثلة من العلماء على رأسهم أبو محمد المقدسي. الشيخ أبو محمد ليس قاعدة ولكنه نظّر لهم وكان في قلب الخصام بين القاعدة وداعش، وبين القاعدة وهيئة تحرير الشام. فتاوى المنبر خلصت إلى تكفير حماس بما لا يدع مجالاً للشك.
قبل هذا، سُئل عطية الله الليبي عن حماس وهو القيادي الرفيع في القاعدة المتوفى في ٢٠١١. في ٢٠٠٦، في موقع شبكة الحسبة، حذّر من تكفير الجماعة، والتمس ”العذر“ لحماس في تلقي الدعم من إيران. لكن في ٢٠٠٧، قال ”إن هناك فرقاً شاسعاً بين أن تتلقى دعماً مالياً او عسكرياً من أمثال هؤلاء (إيران) في حال الشدة … وبين أن يتنازل المرء عن ثوابت عقيدته ويسمح لأهل الشرك والضلال أن ينفذوا من خلاله إلى المسلمين وأجيالهم، فهذا ضلال مبين وتفريط في الدين.“ في المقابل، إعلام القاعدة الرسمي اليوم ما انفك يشيد بكتائب القسام ويعزي بقيادات حماس ويجزل مديحهم إلى حدّ التبجيل.
وعليه، أفرزت هذه الحرب الطويلة اصطفافات حادة في الموقف من حماس بين أنصار القاعدة وقيادتها وبين الأنصار والعلماء المعهودين وبين الأنصار والأنصار. فريق يرى أن تأييد ”قتال اليهود“ أولى من أي جدل؛ وآخر يرى أنه لا بد من الالتفات إلى سلوك حماس خاصة في هذه الحرب العبثية. أما الفريق الثالث هو الذي أثار جدلاً هذا الأسبوع. هذا الفريق يرى أن قيادة القاعدة أدرى بسياستها ومنهجها وأن على الأنصار إن كانوا ”جنوداً“ حقيقيين أن يتقبلوا هذه السياسة بلا تشكيك؛ وإلا فليخرجوا من المناصرة.
في ٢٨ أغسطس، نشرت مؤسسة كتائب الإيمان تحت مظلة مجلس التعاون الإعلامي الإسلامي- من إعلام القاعدة الرديف- مقالاً بعنوان ”نابتة الفتنة“ بقلم المدعو حمد المجلسي. والحقيقة أن المقال كُتب بعناية فائقة وبلاغة قل نظيرها في الإعلام الرديف. الأهم أن اللهجة جاءت شديدة قاطعة.
في فاتحة المقال، يبتُّ الكاتب في أمرين: طاعة ولي الأمر، والتكفير. فالمنتسب إلى الجماعة عليه واجب ”السمع والطاعة“ لقادتها ”واثقاً“ بأنهم يأتون أفعالاً وأحكاماً ”لا تصدر إلا من أهل العلم الثقات.“ فإن رأى الجندي من أميره ما يكرهه عليه أن يصطبر وأن يثق بخواتيم الأمور.
لكن إن رأى هذا الجندي في نفسه ”مصححاً لمنهج الجماعة“ وهو ليس أهلاً لها ”فالجماعة جاهلة بل غارقة في الجهل والضلال، ولا يجوز حتى مناصرتُها والوقوفُ في صفها.“ أما في التكفير، فيخلص إلى أنه ”لا يُنتَقَل إلى تكفير المعين حتى يظهر كفره صراحةً دون لَبس.“
بعد هذا التقديم، يأتي الكاتب إلى عنوان ”نصرة حماس على اليهود“ مفنداً من ”بدؤوا الطعن في الجهاد الغزِّي مِن أول يوم للمعركة؛ أولًا من ناحية كفر حماس، وثانيًا من ناحية سوء إدارة المعركة.“ أما في الثانية، فيحُط شأن من ليس عنده معرفة عسكرية. وأما في الأولى، فينتهي إلى أن ”الحكم بالكفر على بعض القيادات لا يلزم كفر الطائفة.“ وهذا تقريباً يشبه ما انتهت إليه فتاوى منبر التوحيد والجهاد عندما ميزوا بين حماس الحكومة وحماس القسام.
أهم ما في هذا المقال جاء في الفقرة التي فنّد فيها الكاتب انتقاد بعض أنصار القاعدة ما كتبه سيف العدل، الزعيم الفعلي للتنظيم، عندما دعا في الجزء الرابع من سلسلة ”هذه غزة .. حرب وجود لا حرب حدود“ - المنشور في ١٦ يوليو ٢٠٢٤ - إلى قبول التجنيد الإجباري الذي تفرضه بعض الدول. سيف العدل يرى ذلك فرصة لتعلم العسكرة. منتقدو سيف العدل يستندون إلى تكفير جيوش الدول باعتبارها تتبع حكم ”الطواغيت.“
يصف الكاتب المنتقدين بأنهم ”حمقى؛“ ويعتبرهم تكفيريين غلاة لا يختلفون كثيراً عن داعش. يقول: ”بِتُّ أنتظر كلمةً جديدة بعنوان: «عذرًا أمير القاعدة ×2» من بعض هؤلاء النابتة. ومشكلتهم أنهم لم يفهموا مناط كفر الجيوش بالتالي اختلَّ عندهم النظر في المسألة.“
في ردود الفعل، وصف بعض أنصار القاعدة المقال بأنه ”في غاية السفه.“ آخرون استحضروا المقدسي مستنكراً وصف ”جيوش الطواغيت“ بـ ”قواتنا المسلحة.“
معارض آخر لحماس، في رد على مقال مشابه، قال: ”دعونا من هذه اللغة الشاعرية الفارغة لتكريس واقع مريض باسم العلم والدين. تطبيلك للانحراف ليس من نصرة المظلوم والدين في شيء!“
لكنّ بعض المؤيدين دافع بأن من يقول ”بانحراف“ القاعدة ”وتمييعها“ إنما جاهل لا يعرف القاعدة حقاً؛ معتبراً أن ما قد يظنه بعض الأنصار ”انحرافاً“ إنما هو ”مرونة.“
آخرون دافعوا بأن ”بعض عناصر الجماعات والرايات الإسلامية الجهادية يقدسون الأشخاص ويتعصبون لرأيهم، … إذا الجماعة خالفت شيخه في مسألة أو قول اسقطها وسفه قادتها.“
آخر قال: ”أنا أجزم أن جلّ من شنعوا على المقالة وذمّوا القائد سيف لم يقرأوا منها سوى الفقرة التي انتشرت في المنتديات!“ أي المتعلقة بقبول التجنيد الإجباري.
آخر استنكر أن هناك ”من يسعى لجعل القيادة تتبع المناصرين“ وكيف أن هؤلاء ”قلة قليلة … يحاولون تشكيل جماعة ضاغطة وهمية لحرف التنظيم وإرغامه على تبني وجه نظر لا يتبناها.“
أين القاعدة من الحوثي في اليمن؟
ما يهمنا من هذا الجدل ليس الإضاءة على منهج القاعدة - قاعدة أسامة أو قاعدة الظواهري؛ ولا الإضاءة على ٧ أكتوبر صواباً أو خطأً. يهمنا من هذا الجدل في هذا الملف تحديداً هو كيف يُبرمَج إعلام القاعدة ومناصروه - جنوده - لتقبل قصور القيادة الموالية لإيران بدواعي فقه الضرورة أو السمع والطاعة؛ وإلا خرج من الملّة مناصراً كان أم عالماً.
جدل حمد المجلسي على التلغرام تزامن مع جدل بين حسابي أنباء جاسم وحميد القوسي على منصة إكس - تويتر سابقاً.
أنباء جاسم حساب معروف منذ العام ٢٠٢٠ يكتب من داخل تنظيم القاعدة ولا يتوانى عن النقد بهدف الإصلاح كما يقول.
حميد القوسي حساب حديث. لا نعلم إن كان له نسخ قبل العام ٢٠٢٤. يقول إنه ”باحث في شؤون الجماعات الإرهابية.“ وينفي أن يكون تبعاً لتنظيم القاعدة.
الجدل بين الحسابين تعاظم عندما نشر الاثنان محادثاتهما الخاصة. حميد القوسي هدد بكشف هوية أنباء جاسم؛ وقال إنه ينتمي إلى فصيل في الشام؛ مشككاً بمصادره بل ومتهماً إياه بالعمالة.
أنباء جاسم يقول إن حميد القوسي هو حساب وهمي يديره حساب حُسام القاعدي. وإن الهدف من هذه الحسابات الوهمية هو ”اصطناع حاضنة شعبية على الإنترنت توحي للعامة أن قيادتهم (القاعدة) تتمتع بشعبية زائفة.“
المشكل بين الاثنين يتعلق بسلوك تنظيم القاعدة في اليمن. يسأل أنباء جاسم: لماذا ”تخلت (قيادة القاعدة) عن مسؤولياتها … (بالامتناع) عن الاشتباك مع المحور الإيراني، (وباتوا مقربين) من الحوثي؟“ وعليه، كيف عزز هذا تهم داعش للقاعدة بخصوص موالاة إيران.
ويضيف مخاطباً القاعدة وأنصارها: ”كيف ستوحد صفوف أهل السنة في الجزيرة وأنت لا تمتلك ثقة أهل بلدك؟“ لافتاً إلى الاختلاف بين قول القاعدة وفعلها في اليمن. يقول إن التنظيم إنما يكتفي ”بإصدارات إنشائية عن المشروع الرافضي، ولكن عمليات على الأرض أبعد ما تكون عن أي ‘روافض‘." وهكذا فإن ”الحقيقة المؤلمة أن قيادة التنظيم لا تمتلك قرارها والوضع الراهن مع الحوثي ناتجاً عن سياسة من وضعها أكبر منهم.“
يدافع حميد القوسي بأن كلامه عن القاعدة يأتي من باب ”الإنصاف للعدو“ فيرى أن التنظيم هو ”أكثر من تصدى لمشروع #الحوثي في #اليمن في ٦ محافظات، بل وقتل كبيرهم الذي علمهم السحر بدر الدين الحوثي.“ لكن القوسي لا يقدم تفسيراً لتوقف هجمات القاعدة ضد الحوثيين المدعومين إيرانياً منذ عامين تقريباً توقفاً تاماً وتحول الجهد بعتاد يصل الضعفين إلى مقارعة القوات اليمنية الجنوبية المدعومة عربياً.
شعلة ”أولمبياد إدلب“
في إدلب هذا الأسبوع، انتشرت على معرفات المعارضة، دعوة هيئة تحرير الشام للتحاكم إلى الشرع. طبعاً الهيئة لم تدر بالاً لهذه الدعوة لا بالقبول ولا الرفض وهي تحاول لملمة ارتدادات شعلة ”أولمبياد إدلب.“
يوم الاثنين ٢٦ أغسطس تضمنت نشاطات رياضية لذوي الإعاقة نظمته منظمة بنفسج، محاكاة لإنارة الشعلة الأولمبية. معارضو الهيئة اعتبروا ذلك مخالفة شرعية وتعزيزاً لطقوس وثنية.
بعضهم ذهب أعمق من ذلك وقالوا : ”القضية ليست في الحكم الشرعي للشعلة بحد ذاتها فقط بقدر ماهي تحول مرعب لجماعة ادعت قيامها على أسس شرعية متشددة استحلت من خلالها الدماء والأموال وسلاح الفصائل. ومن جماعة تفتي بحرمة الدجاج التركي واعتبار الائتلاف مؤسسة مرتدة وتوصي بقتل الثوار بطلقة في الرأس …. الى مسخ يقيم الاحتفالات والمهرجانات والأولمبيات بصورة مقززة.“
حساب أبو هادي علّق: ”لا تبالي هيئة تحرير الشام في تقديم أي تنازل، أو ممارسة أي فعل، ولو كان ناقضاً للإسلام في أدبياتها في سبيل إرضاء الغرب.“
رموز الهيئة أقروا بالخطأ ولكن … عبدالرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي في الهيئة قال: ”إن حدوث الأخطاء والتجاوزات والمنكرات (في مجتمع يعدُّ بالملايين) أمرٌ محتَمَلٌ وواردٌ عمليّاً، …. فلا يجوز تصوير ما يقع من منكرات وتجاوزات على أنها الصبغة العامة للمجتمع.“ الإعلامي أحمد زيدان اعتبر أن رد الفعل الحاصل كان أشبه بتشدد داعشي.
في ناحية أخرى موازية، روّجت معرفات موالية للهيئة خطأ أن الشيخ عبدالرزاق المهدي أفتى بقتل عناصر الأمن التابعين للهيئة. المهدي كان سُئل عن جواز استخدام السلاح ضد الأمن إذا حاولوا اقتحام بيت ”وكشف ستر“ أهله. المهدي أجاب بضرورة ”التصدي“ مشدداً ”من دون أن يؤدي ذلك إلى قتل.“
لكن هذا لم يمنع بعض المعارضين من إعادة نشر منشور للمعارض السعو