المرصد ٢٦٤: موقف الجهاديين المؤيد لقتل نصرالله يفصلهم عن ”نخبة“ تقليدية مناصرة
Description
الجهاديون وحسن نصرالله
إذاً، قتلت إسرائيل حسن نصرالله أمين عام حزب الله، ذراع إيران الطولى في الشرق الأوسط. من نافلة القول أن الجهاديين قاطبة ”فرحوا“ بهذا النبأ فرحاً زاد عن موقفهم من واقعة تفجير أجهزة البيجر يومي ١٧ و١٨ سبتمبر. لكن بالنظر إلى ضخامة الحدث وتتابع الهجمات الإسرائيلية على الحزب، ثمة ملاحظات نحب أن نتوقف عندها.
أولاً، يُردّ هذا الإجماع - في جزء كبير منه - إلى سلوك الحزب في سوريا مسانداً نظام بشار الأسد ضد المعارضة منذ انطلاق الحراك الشعبي هناك في ٢٠١١. وهو موقف يلتقي فيه الجهاديون مع المعارضة السورية على اختلاف أطيافها.
ثانياً، هذا الإجماع أوجد شرخاً بين الجهاديين وطبقة من المشايخ والمثقفين المعروفين بقربهم من التيار الجهادي والإسلامي بشكل عام. هذه الطبقة تستند إلى اعتبار دعم حزب الله القضية الفلسطينية وبالتالي فإن قتل كوادره لا يستحق فرحاً أو ”شماتة.“ بل يعتبرون حسن نصرالله امتداداً ”للمقاومة الفلسطينية“ بدءاً من عزالدين القسام وعبدالقادر الحسيني وانتهاءاً باسماعيل هنية مروراً بأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي. تستند هذه الطبقة أيضاً إلى تحييد مسألة المذهب شيعياً أم سنياً باعتبار أن العدو المشترك هو إسرائيل وحسب.
لكن بعض الحسابات المناصرة للقاعدة مثلاً ذهبت إلى حسم الموقف بأن الفرح بقتل نصرالله لا يتعلق بسلوك الحزب سياسياً في سوريا بمقدار ما هو دليل على مسألة عقدية أزلية تتعلق بمفهوم التوحيد. وهو موقف اتخذته أيضاً حسابات جهادية سورية وغير سورية معارضة لهيئة تحرير الشام وموالية لها على حد سواء. فأشاروا في غير هيئة إلى أن تدخل الحزب في سوريا كان مذهبياً. نشروا صوراً وفيديوهات تذهب هذا المذهب.
حسابات جهادية أخرى سألت ما إذا أمكن لموقف هذه ”النخبة“ من المثقفين والمشايخ المؤيدين لحزب الله أن ينسحب على تنظيم داعش وزعيمه المقتول أبي بكر البغدادي من حيث دين هذه الجماعة وهوية القاتل. في الحالين، المقتول مسلم والقاتل كافر. فكيف يستقيم هذا عند هذه النخبة، يسأل بعض الجهاديين.
ثالثاً، إجماع الجهاديين على الفرح بقتل نصرالله إلى حدّ ”الشماتة“ جاء مشفوعاً بمحاولة عزل الحزب عن حماس بالرغم من الأثر الإيراني في الجماعتين. هؤلاء يرون أن الحزب امتداد عضوي لإيران لأنه يتشارك معها المذهب والتمويل والتنظيم والأهداف؛ أما حماس فعلاقتها بإيران تقتصر على التمويل. ولهذا، اتخذت حسابات جهادية من الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله دليلاً على ضعف الحزب مقابل قوة حماس. يقول حساب قاعدي إن إسرائيل أخفقت في الوصول إلى يحيى السنوار زعيم حماس مقابل وصولها إلى زعيم حزب الله وقيادات الصف الأول جميعاً. آخر لفت إلى الفرق بين الجماعتين في الحفاظ على حياة الحاضنة الشعبية. يقول: ”تأملوا الفرق بين اختفاء قادة القسام في الأنفاق وأخذ التدابير بقوة وبين تخفي قادة حزب الرافضة في المباني السكنية وفي مناطقه المعروفة.“
لكن، بالرغم من هذا، لم يخف مناصرون امتعاضهم من سلوك حماس - السياسية والعسكرية - التي أجزلت العزاء بنصرالله. حساب علّق على بيان لكتائب القسام يشيد ”بتضحيات“ نصرالله و“ وأُخُوّة السلاح على طريق تحرير القدس،“ وقال: ”أي تحرير … التحرير الذي يبدأ من القصير والزبداني مرورا بحمص وأطفال الحولة أم بحلب والغوطة ودرعا … أي قدس يتحدث عنها هذا.“
رابعاً، ما انفك الجهاديون - بل وأطياف واسعة من المعارضة السورية - يؤكدون أن الفرح بقتل نصرالله لا يعني الفرح بالقاتل. رداً على كاتب جملة ”شكراً نتنياهو،“ قال حساب أبو يحيى الشامي المعارض في إدلب: ”هذه العبارات لا تمثل أهل الثورة.... ولو أن في الفصائل خير لقبضت عليه (كاتبها) ليحاكم بجرم الخيانة. الفرح بمقتل الرافضي العدو لا يبرر شكر الصهيوني العدو.“
خامساً، اسقط معارضو هيئة تحرير الشام ظروف قتل نصرالله على ظروف بقاء أبي محمد الجولاني زعيم الهيئة. فاعتبروا أن نصر الله ظل يتعهد لأنصاره بهجوم يسحق إسرائيل ولكن بتأن. وقالوا إنه موقف يشابه ما يدعيه الجولاني عندما يقول إنه ”يحضّر“ للمعركة مع النظام السوري ولكن بصمت. وعليه ما انفك الجولاني يكتفي بالوعود وعمليات انغماسية استعراضية، وافتعال مشاكل مع أهل الثورة، حتى يلقى مصير سلفه.“
داعش وحزب الله
في تعليق داعش الرسمي على تفجيرات أجهزة البيجر في عناصر حزب الله في لبنان، وفي صحيفة النبأ الصادرة يوم الخميس ٢٦ سبتمبر، أي قبل نبأ اغتيال نصرالله، قالت داعش إن ”اشتعال الصراع بين الرافضة واليهود يصب قطعاً في مصلحة المسلمين تماماً كأي صراع جاهلي بين الكافرين.“
وتزيد افتتاحية النبأ التي جاءت بعنوان ”بئس المسار وبئس المصير،“ أن ”زوال وتراجع المحور الرافضي خير ومصلحة كبيرة للمسلمين، لأن المحور الرافضي بات فتنة لكثير من الفئات المنتسبة للسنة، كالإخوان المرتدين مثلاً.“ وهنا تشير النبأ إلى موقف بعض السنة من تمايز سياسة حزب الله في غزة وسوريا وبالتالي انتقاد هؤلاء ”فرح“ الجهاديين والسوريين بما أصاب الحزب في لبنان.
حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي وصف هذه الافتتاحية بعنوان ”شر البلية ما يضحك“ مذكراً بأن التنظيم في ٢٠١٧ أبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع الحزب لتأمين نقل عناصره وأسلحتهم ”في باصات مكيفة ومؤمنة من طرف ‘الحزب‘ من جبال القلمون الى البوكمال.“ الحساب استشهد بما قاله نصرالله عن الواقعة في كلمة نقلها موقع الحزب الرسمي.
الدكتور أبو خالد
نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقيادة العامة لتنظيم القاعدة، الجزء الأول من فيلم وثائقي طويل عن سيرة حياة الدكتور محمد سربلند زبير خان المعروف بالدكتور أبو خالد. وهو جرّاح باكستاني عمل مع الجهاديين العرب في باكستان وأفغانستان.
ما مناسبة هذا الإصدار؟ هذا الجزء الأول هو في الحقيقة امتداد لسلسلة ”شهداء الهند تحت راية النبي“ لزعيم القاعدة الغائب الدكتور أيمن الظواهري. في ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٢، نشرت السحاب الحلقة الأولى من هذا الإصدار المتعلق بثلاث شخصيات من شبه القارة الهندية عملوا مع القاعدة وهم: قاري عبدالله المعروف بـ قاري عمران، وكان عضو مجلس شورى القاعدة في شبه القارة الهندية ومسؤول منطقة خراسان. قُتل في شمال وزيرستان، شمال غرب باكستان، في ١٢ أبريل ٢٠١٥ في غارة بطائرة مسيرة. الثاني هو راجه محمد سلمان المعروف بالأستاذ أحمد فاروق وكان نائب أمير القاعدة في شبه القارة الهندية ومسؤول لجنة الدعوة والمالية في التنظيم. والثالث هو الدكتور أبو خالد. هذا الإصدار يُذكّر أيضاً بسلسة ”احمل سلاح الشهيد“ للظواهري والتي بدأتها السحاب في مايو ٢٠١٦، وعرضت منها ستة أجزاء. كان آخرها في نوفمبر ٢٠١٧. المهم في هذا كله هو أن القيادة العامة تعيد تدوير إنتاجها وإسقاط مقاطع صوتية قديمة للظواهري بمونتاج جديد.
هذا الإصدار إذاً يتناول سيرة الدكتور أبي خالد وكان من قادة الجماعة الإسلامية الباكستانية وناظماً في جمعية إسلام طلبة. من مناقبه مع القاعدة أن شارك وأقارب له في الجيش الباكستاني بتأمين بيوت سرية للمجاهدين من أمثال القيادي الرفيع أبي اليزيد المصري وأبناء أسامة بن لادن. في ٢٠٠٦، ترك عمله مديراً عاماً في مستشفى حكومي ”وهاجر“ إلى وزيرستان“ مع زوجته الطبيبة لحاجة الجهاديين هناك إلى الطبابة. هنا ينتهي الجزء الأول.
مما جاء في هذا الإنتاج عالي الجودة الغني بالأرشيف عرض صور للقيادي في القاعدة خالد حبيب المصري المقتول في ٢٠٠٨. الصحفي الأفغاني المتخصص عبد السيد لفت إلى أن هذه أول مرة تُعرض فيها صور هذا القيادي. كما لفت إلى مشهد فيه مقاتلون يغادرون شمال وزيرستان لشن هجمات ضد القوات الأمريكية في أفغانستان، يقودهم أبو الليث الليبي من القاعدة والملا سنغين زدران من طالبان أفغانستان. السيد نقل عن مصدر في طالبان أن الصور تعود إلى العام ٢٠٠٣. المشهد ذاته لفت الصحفي الأفغاني بلال صرواري الذي ذكّر بالعلاقة المتشنجة بين أفغانستان وباكستان، وقال في حسابه على إكس إنه ”من سخرية القدر“ أن باكستان كانت تدعم التعاون بين طالبان باكستان وطالبان أفغانستان والقاعدة لشن هجمات في أفغانستان وهاي هي باكستان اليوم تتجرع الكأس ذاته بتلقي هجمات مماثلة عبر الحدود برعاية طالبان.
بقايا القاعدة غرب سوريا
مساء الثلاثاء ٢٤ سبتمبر، شنت القيادة المركزية الأمريكية غارة على بلدة دوير الأكراد في ريف اللاذقية مستهدفة عناصر من تنظيم حراس الدين وجماعة أنصار الإسلام.
بيان السينتكوم قال إن المستهدف كان مروان بسام عبدالرؤوف؛ ووصفه بأنه ”أحد كبار قادة حراس الدين المسؤولين عن الإشراف على العمليات العسكرية من سوريا“ والتي قد تمتد إلى خارج سوريا. وهي نفس اللغة المستخدمة في بيان استهداف القيادي أبي عبدالرحمن المكي في أغسطس الماضي.
معارضو هيئة تحرير الشام بالإضافة إلى أنصار القاعدة نشروا على التلغرام بيانات تعزية بالقتلى من دون أن يتضح من منهم كان مروان بسام عبدالرؤوف.
التعازي وصفت القتلى بالمهاجرين؛ فذُكر منهم البلوشي والأردني والملا. أما عن انتمائهم إلى القاعدة، فلفت أن نشر حساب ”رسالة مجاهد“ وهو حساب ينشر كثيراً لحراس الدين، نشر نعياً بعنوان ”رثاء في ثلة من أبناء التنظيم“ من دون أن يذكر اسم التنظيم صراحة. وبالمطلق، أنصار الإسلام، وهم جماعة كردية القيادة، كانوا شاركوا حراس الدين في تأسيس غرفة عمليات فاثبتوا التي أغضبت هيئة تحرير الشام في صيف ٢٠٢٠.
وهكذا جدد معارضو الهيئة اتهامهم إياها بالتنسيق لتنفيذ هذه الغارات التي بحسبهم تقتل ”مرابطين“ يتصدون للنظام السوري، من ناحية؛ ومن ناحية ثانية، يستغربون كيف تتم هذه الغارات من دون أن تطال الجولاني وهو المطلوب الأول في المنطقة.
داعش القاعدة غرب إفريقيا
نشرت معرفات مناصرة للقاعدة مقالاً يتضمن شهادة عيان على ”مجازر خوارج البغدادي في مالي.“
الشاهد تحدث عن جرائم ”تشيب لها الولدان“ ارتكبتها جماعة داعش في مالية ممثلة بموالي أبي الوليد الصحراوي المقتول في أغسطس ٢٠٢١. يقول الشاهد إن هذه الجماعة كانت تستخدم ”التقية؛“ فكانت تحلّ في قرية تدعي السلام وتضمر تكفير القاعدة حتى تستقطب مقاتلين ثم تنقلب على المضيفين وتقتلهم تقتيلا. ومن هذه المجازر ما وقع في مضارب قبيلة دوسحاق في ٢٠٢٢؛ فقتل داعش ”ما يزيد على الألف وأحرقوا خيامهم وساقوا أغنامهم وأحرقوا مدنهم .“
يضيف الشاهد أن القوات الحكومية ومرتزقة فاغنر لم يتدخلوا لقتال هذه الجماعة؛ بل ”وقفوا ولا زالوا سداً منيعاً أمام زحفهم (المجاهدين من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.“ وهكذا استغلت جماعة داعش انشغال مقاتلي نصرة بقتال القوات الحكومية وفاغنر ”وبنوا تحالفات جديدة“ في المنطقة.