كانت سنةً صعبة. سنة ثقيلة، مؤذية، قاسية، اختبرتْ تفاؤلي الفطري، وقوّة إرادتي، وإصراري على حبّ الحياة رغم الضربات، وعلى النهوض رغم الوقعات.

سنة كسرتني أكثر من مرّة بأكثر من طريقة، وفتحت في وجهي أبواب جهنّمات لم أطرقها، ودفعتني إلى حافات لم أختر القفز منها. خذلتني صداقاتٌ كنت أظنّها صلبة، واجهتُ خيانات صغيرة وكبيرة، قاومتُ تعبًا متراكمًا في الجسد والروح، ومررتُ بأيامٍ شعرت فيها بأن الأمل قطعة أثاث مكسورة لا فائدة منها. ضاق العالم من حولي وفيّ من فرط المعارك الخارجية والداخلية. حربٌ واستبداد ومجهول، وفوق ذلك كلّه ضغوط من كل نوع ولون: مغامرة عمل جديدة، التزامات تتكاثر كالثقوب في ثوب، خساراتٌ لم أكن جاهزة لها، حزنٌ غير قابل للشرح، كأنه آت من حياة سابقة. كنتُ أتعلم كل يوم كيف ألتقط نفسي عن الأرض، وأحملها مثل طفلة، وأهمس لها: "لا بأس يا صغيرتي، هي غيمة وتمرّ".  

كانت سنة جميلة. سنة شهدتُ فيها أفراحاً لا توصف: ابني يقترن بحبيبة عمره، رواية أكملُ كتابتها بعد ثلاث سنين من المد والجزر منها وإليها، مشروعٌ ضخم لطالما حلمتُ به يتحقق. أنجزتُ أموراً ومهام لم أكن أتصورني قادرة على إنجازها. سافرتُ وتعلّمتُ وعرفتُ أشخاصًا جدداً دخلوا حياتي كالموسيقى: بلا مجهود، بلا ضجيج، لكن بحضورٍ يملأ المكان والقلب، كما تنعمت بوجود أحبّائي من حولي. أحببتُ نفسي أكثر قليلاً، قليلاً فقط، ليس لأني بلا عيوب، بل لأن عيوبي تستحق الحب رغم فداحة بعضها. هي سنة كشفت لي مدى جسارتي، مدى تصميمي، ومدى قُدرَتي على قول الحقيقة بلا تزيين. سنة تعلمتُ فيها أن أرى الى الفرح كفعل مقاومة، لا كهدية عابرة. `اكتشفتُ مسرّات صغيرة: فنجان قهوة أشربه بلا استعجال، كتاب يعيد إليّ يدي، ضحكةٌ لا أعرف سببها، فكرةٌ تومض وتُذكّرني بأن الحياة ليست دائمًا عدوّة. وخرجتُ من كل جرحٍ أكثر وعيًا بما أريده وبما لم أعد مستعدة لاحتماله. والأهم: فهمتُ أنّ النور لا يلغي العتمة، بل يجاورها. وأني لا أحتاج للكثير كي أكون بخير. وأني لا أريد حياةً سهلة؛ أريد حياةً حقيقية، حتى وهي تنهشني.  

ها أنا في يوم ميلادي أدخل عامًا جديدًا من عمري، بعزمٍ شرس وجامح على أن أواصل المسير، وأواصل الحب، وأواصل الأمل، وأواصل الكتابة، حتى في أحلك لحظاتي.

لن أقع على الطريق.