تحتدم في لبنان قضية المشروع العقاري الذي يبنى فوق مغارة عمشيت، المغارة التي تشكّل في شرق المتوسط موئلا نادرا من بين موائل عيش فقمة الراهب التي يخشى من انقراضها إذ لم يتبق في العالم سوى 350 إلى 450 فردًا بالغًا من فقمة الراهب Monachus monachus.

راهنا، أصبحت فقمة البحر الأبيض المتوسط تتّخذ من الكهوف البحرية النائية الوعرة ملجأ بعدما كانت حتّى القرن العشرين تتجمّع وتلد على الشواطئ المفتوحة. لا تهاجر فقمة الراهب المتوسطية لمسافات طويلة وهي مستقرة نسبيًا في بيئة عيشها التي تتوزّع ما بين اليونان وتركيا وقبرص ولبنان ومصر وغزة إلّا أنّ الفقمتين المتبقيّتين في لبنان على الأقل معرّضتان لمضايقات بشرية بسبب أعمال بناء تقام فوق مغارة عمشيت في عقار ذات ملكية خاصّة.

رغم صدور كتاب رسمي عن وزارة البيئة يقضي بوقف الأشغال فورًا وإلزام مالك المشروع بإعداد دراسة تقييم الأثر البيئي (EIA) قبل أي متابعة في البناء، فإنّ الأعمال الإنشائية ما زالت مستمرة فوق مغارة عمشيت في العقار الخاصّ رقم 345. هذا ما أجّج حملة بيئية مناهضة وممانعة لاستمرار الأشغال العمرانية في موقع من الأجدى أن يتحوّل إلى محمية بيئية للفقمة.

لماذا يشكلّ الحفر العمراني فوق مغارة عمشيت كارثة بيئية لأحد موائل الفقمة النادرة في شرق المتوسط ؟ أجاب عن هذا السؤال ضيفنا الاختصاصي في علوم البحار وزراعة الأسماك ومدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، منال نادر. 

تعيش فقمة الراهب لعشرين-ثلاثين سنة وخلال حياتها تنجب مولودا كل سنتين مع أنّ بعض البيانات تشير إلى أنّ الإناث تضع مولودا كل سنة. لكن نظرا إلى أن إناث فقمة الراهب لا تعرف النضوج الجنسي إلّا في سنّ الخامسة من عمرها فهي تعطي طيلة حياتها ما بين 10 إلى 25 صغيرا على أبعد تقدير. فبسبب الإنجاب الضئيل لدى الفقمة وبسبب التلوث البحري وبسبب صيدها لاستخلاص الزيوت، تضاءلت أعداد فقمة الراهب لحدّ ينذر باختفائها ما سيكون له ضرر على السلسلة الغذائية بحسب ما جاء في التسجيل الصوتي على لسان، عالم البحار، منال نادر.

تجدر الإشارة إلى أنّ نوع فقمة الراهب المتوسّطية Monachus monachus يتواجد بأعداد ضئيلة خارج البحر المتوسط في المحيط الأطلسي وتحديدا على شواطئ جزيرة Madera والصحراء الغربية وفي شواطئ موريتانيا كما هو عليه الحال في محمية الرأس الأبيض في مدينة نواديبو الموريتانية.