جمانة حداد: العناد الذي أنقذني
Description
منذ صغري يصفونني بالعناد. "هالبنت راسا يابس"، كانت أمّي تقول مراراً وتكراراً، وهي تحاول إقناعي بأن ألين قليلاً.
كنتُ أرى في الليونة نوعاً من الانكسار، وفي الانكسار شيئاً يشبه الخيانة لنفسي. لم أكن أريد أن أكون طيّعة. كنت أريد أن أكون صادقة.
لكني لم انظر يوما إلى نفسي كإنسانة عنيدة. ليس من باب الإنكار أو الدفاع عن النفس، بل من باب الدقة. أنا إنسانة مصرّة. وبين الإصرار والعناد فرق. مصرّة على مبادئي حتى حين يهاجمها الآخرون. مصرّة على حقوقي حتى حين يقال لي إنها "ترف". مصرّة على آرائي، ومصرّة بالقدر ذاته على حقي في تغييرها إذا ما أقنعتني تجارب الحياة بذلك. هل هذا يسمّى عنادا؟ فليكن.
إصراري هذا جعلني اربح الكثير من المعارك الصعبة، بل الضارية. جعلني انهض بعد كل سقطة. جعلني أتابع رغم الجدران والفخاخ والعراقيل. جعلني احلم احلاما كبيرة، أكبر مني بكثير، رغم ان البعض كان يصفني آنذاك بالجنون. جعلني أتحدى ذاتي، والحدود المرسومة لي.
أنا عنيدة، حسناً.
عنيدة في وجه الظلم، في وجه الخوف، في وجه فكرة أن المرأة يجب أن "تتأقلم" مع العنف، مع القمع، مع الطغيان.
عنيدة في وجه نفسي حين تميل نفسي إلى الاستسلام.
عنيدة في حبي، في كرامتي، في إيماني بأنّ الحياة لا تُعاش "نص نص". لأني حين أؤمن بشيء، أعيشه وأعيش من أجله بكليتي. وحين أتراجع عنه، أفعل ذلك بالقدر ذاته من الشغف.
أكرّر، يسمّونه عناداً، وأسميه إصراراً على الحياة كما أفهمها أنا، لا كما يريدون لي أن أفهمها. على الحياة كما أريد أن أعيشها أنا، لا كما يريدون لي أن أعيشها.
هذا العناد هو الذي جعلني أرفض المساومات الصغيرة التي تسرق من الإنسان روحه على جرعات. هو الذي جعلني أرفض ارتداء الأقنعة. هو الذي جعلني أربح نفسي، وتلك النار الجريئة في داخلي، التي لا تنطفئ حتى في أقسى الرياح.
لا، عنادي ليس سلاحاً ضدّ العالم، بل الحضن الذي ألجأ إليه كي لا أيأس. هو رغبتي القديمة المتجددة في أن أكون حقيقية مع ذاتي والآخرين. وهو حقي في أن أكون كما أنا، تماماً كما أنا، حتى لو أغضبتُ نصف الأرض بذلك.




