في الذكرى 15 للثورة التونسية: لماذا تعثر الانتقال الديمقراطي؟
Description
في جو مشحون بالتوتر بين السلطة والمعارضة، وفي مناخ تراجع كبير للحريات وهي أهم مكسب للتونسيات والتونسيين منذ 2011، وفي سياق أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، استعادت تونس الذكرى الخامسة عشر لثورة يبدو أن واقع الإخفاق المتواصل حول صورتها من حلم التقدم إلى كابوس الخوف من المستقبل. فثورة الحرية والكرامة تحولت إلى منحى تسلطي منذ انفرد الرئيس قيس سعيد بالسلطة في أواخر 2021 كما تحولت إلى أزمة معيشية خانقة تراجع معها مستوى عيش المواطنات والمواطنين. إنها ردة تستوقفنا كي نسائل خلفياتها التي أوصلت إلى هذا الوضع.
على المستوى السياسي كان من المفترض أن يتم الانتقال من الحكم الأحادي الاستبدادي نحو حكم ديمقراطي يضمن التشاركية في تسيير الشأن العام. أي أن جوهر التحول يتمثل نظريا في تحقيق الانتقال الديمقراطي قانونيا ومؤسساتيا ثم الاهتمام بالشأن العام لتحقيق الانتظارات الاجتماعية. غير أن واقع الممارسة السياسية للأحزاب الكبرى التي حكمت حولت الرهان من بناء ديمقراطي وتحقيق التنمية إلى صراع حول الحكم. وقد افتتحت حركة النهضة الإسلامية هذا توجه بعد أن كسبت أول انتخابات حرة سنة 2012. وهو تمشي يتطابق مع نظرة الإسلام السياسي للديمقراطية باعتبارها مدخلا للحكم بالأساس.
أدى تمحور العملية السياسية حول سؤال "من يحكم؟" بدل سؤال "لم يحكم؟" إلى تهميش البناء الديمقراطي ولكن خاصة إلى تهميش الاهتمام بالشأن العام المواطني الاقتصادي والاجتماعي. هذا علاوة على انتشار التطرف وزيادة مخاطر الإرهاب. غير أن هذا التوجه لم يقتصر فقط على حركة النهضة الإسلامية، بل إن حزب نداء تونس الحداثي أعاد إحياء نفس إشكالية الحكم بعد انتخابات سنة 2014، من خلال شعار التوافق مع حركة النهضة وبناء تحالف حكم. فزاد بذلك تهميش الشأن العام كما تأخر اكتمال البناء الديمقراطي وليس غياب المحكمة الدستورية وقتها إلا مثالا.
لقد أدت مختلف هذه العوامل وخاصة الخيبات المتتالية للتونسيات والتونسيين إلى نفورهم من السياسة والرغبة في معاقبة الفاعلين السياسيين التقليديين. في هذا السياق تمكن قيس سعيد من الوصول إلى رئاسة الجمهورية سنة 2019 واستغل الاضطراب البرلماني بعد ذلك للانفراد بالسلطة في يوليو 2021 ومحاولة ضرب الحريات والتضييق على الصحفيين وعلى الأحزاب وعلى المجتمع المدني. والواقع أن ما يقوم به يندرج ضمن نفس إشكالية المرحلة السابقة وهي معركة الحكم. حيث حصل التحول من رهان على الحكم باسم الديمقراطية إلى احتكار له بمسميات مختلفة. الشيء الجديد ربما هو أن مرحلة الرئيس قيس سعيد جمعت بين العبث وتغييب الحريات.




