غادة عبد العال:كل هذا الغم!
Description
زمان كانت الحوادث الترند هي ما يسمى بقضايا الرأي العام. وقضايا الرأي العام دي كان بينزل عنها اخبار في جريدتين في شكل اخبار متفرقة لمدة يومين تلاتة ويوم واحد بيفردولها صفحة كاملة فيها صورتين وشوية تفاصيل.
وماكانش فيه غير قناتين تليفزيون، فكان فيه برنامجين بالعدد هم اللي بيناقشوا القضايا دي في حلقة واحدة لكل منهم بيفضلوا ينوهوا عنها طول الأسبوع.
فكنت بتقرا عن الحادثة مرتين تلاتة وتشوف حلقتين في التليفزيون وتتعاطف وتتألم ال٣-٤-٥ مرات دول وتمام كده وإلى اللقاء في القضية الجاية.
دلوقتي مواقع التواصل الاجتماعي بتعيشك الحادثة بتفاصيلها، ٢٠-٣٠ مرة في اليوم الواحد.
بتعيد وتزيد وتحلل وتفصّل، لحد ما الحادثة اللي مكانتش تخصك، تبقى غصب عنك تخصك.
بتحس بآلام الضحية، مرة واتنين وعشرة وعشرين، بتحط نفسك مكان أهل الضحية ٣٠-٤٠ مرة، تحس بقسوة الجاني ٥٠-٦٠ مرة.
وتسمع لشهود العيان، وجيران المتهم، واصحاب الضحية، وتشوف فيديو الواقعة من زاوية واتنين وتلاتة، وتتفرج على معاينة النيابة وجلسات المحاكمة، وتشوف لقاءات مع المحامين، وصحفيين نص لبة قاعدين في بيت الضحية مع امها فوق سريرها، بيتنافسوا عشان يحصلوا على صرخة مدوية مقهورة من الأم وانهيار واغماء من اختها، ويسمعوا لحكايات طفولتها على لسان أصحابها وولاد خالتها وجيران بيتهم القديم.
وانت تتعاطف وتفكر وتحس وتتألم وتتألم وتتألم وتتألم. وبعدين تظهر حادثة جديدة ، ونبدأ الدايرة من أول وجديد.
واحنا قاعدين في بيوتنا نتجرع كل يوم كل هذا الغم.
حزن مغلي، ونفس مكسورة، وأعصاب مستثارة وكوابيس مستمرة وألم لا ينتهي.
طب وبعدين؟ كل ده كتير جدا على نفوسنا الهشة مهما تظاهر بعضنا بالقوة والثبات!
زمان كان فيه أمان زائف كده ، الإحساس إن آه فيه شر في الدنيا، بس ماكانش داخل علينا أوضة النوم، ماكانش بيقعد معانا على السفرة، وماكانش بينزل معانا الشغل.
النهارده الشر بقى حدوتة بتتكررلدرجة إنك تبقى حاسس إنك كنت موجود في مكان الجريمة، لأ ده انت الضحية بنفسها. وده يخلينا نرجع تاني نعمل المقارنة الحتمية بين جحيم العلم ونعمة الجهل..
العلم نعمة لما يكون في موضعه، لكن لما يتحول لشاكوش بيدق على دماغك طول اليوم، يبقى الجهل ساعتها—أو مساحة من الجهل—رفاهية، وعلاج، وستر.
يمكن هو الحاجة اللي بتمكننا من إننا نحمي نفسنا من جبال المشاعر السلبية المحطوطة فوق صدورنا واللي بتغير وعينا ونفسياتنا عن طريق الجرعات اليومية المكثفة من الرعب، الخوف والقلق وانعدام الأمان.




