جمانة حدّاد: يا لحسن الحظ!
Description
يقول لاو تزو إن "الحياة بسيطة، ونحن من نعقّدها". ترى هل هذا صحيح حقاً؟ حسبي أن لا. الحياة ليست بسيطة البتّة. ونحن لا نعقّدها بقدر ما نحاول، بيأسٍ رشيق، أن نمنح تعقيدها وجهاً يمكن احتماله.
لو كانت الحياة بسيطة، لَما أمضينا أعمارنا في محاولة فهمها، ولَما احتجنا إلى الفلاسفة والشعراء والمعالجين النفسيين والأصدقاء لكي ينقذوننا من قسوتها في اللحظة المناسبة.
لو كانت الحياة بسيطة، لَما خفنا من المستقبل، ولَما راوغنا الماضي، ولما هربنا الى أحلامنا كلّما زلزلنا الحاضر بخيباته.
أين البساطة في أن تستيقظ كل صباح محمّلاً بذكريات كنت تتمنى لو تنساها، وبآمالٍ تخاف أن تعترف بها؟
أين البساطة في أن تختار أحد طريقين، وتظل تتساءل طوال العمر عمّا كان سيحدث لو اخترت الطريق الآخر؟
أين البساطة في أن تفتح قلبك لإنسان تعرف تماماً أنه قادرٌ على إيذائك، بل على قتلك، ومع ذلك تفعل، لأن لا معنى للعمر بلا حب وبلا مخاطرة؟
كيف تكون الحياة بسيطة حين يكون فرحُنا طيفاً عابراً، وحزنُنا صخرة رابضة؟
ثم ماذا عن العلاقات؟ أين البساطة فيها؟ أين البساطة في أن نتعثّر بفوضانا، وأن نكسر ونُكسَر وننهض من جديد بحكمةٍ لم نطلبها؟
حتى أجسادنا معقّدة: نبكي حين نحتاج إلى الضحك، ونضحك حين نقترب من الانهيار، ويخوننا الصوت في اللحظة التي نريد فيها أن نقول الحقيقة. أي مخلوق هو هذا الذي يحتاج إلى الليل ليعيد تركيب نفسه، ليعيد ترتيب نفسه، وإلى الحبّ ليصدّق أنه موجود، وإلى الكلمات ليبرّر لنفسه معنى البقاء؟
الحياة ليست بسيطة يا لاو تزو. لكن تعقيدها ليس مشكلة، بل جمال. هو الوجه الآخر للعمق، للمعنى، للحيرة التي تجعلنا نكبر، للجرح الذي يعلّمنا لغة المرونة.
ربما المطلوب أن ننظر إلى الحياة بعيونٍ أقلّ خوفاً، لا أن ندّعي بساطتها. أن نتقبّل أنها شبكة هائلة من الأقدار الصغيرة، وأن روعتها تكمن في كونها غير قابلة للتبسيط، كمثل قصيدة لا تثبت على معنى واحد مهما أعدنا قراءتها.
الحياة ليست بسيطة، لا.
ويا لحسن الحظ أنها ليست كذلك.




