سناء العاجي الحنفي: إلى متى نلوم ضحايا العنف؟
Description
هناك جرائم تفضح بوجع نظرتنا للمرأة والطفلة وحقّهما في العيش بأمان. من بينها، جريمة الطفلة المصرية التي ذهبت إلى المسبح لتمارس السباحة، فعادت مقتولة إثر اغتصاب أدى إلى وفاتها.
لكن جزءاً كبيراً من الرأي العام لم يرَ في ذلك ما يكفي لإدانة الجاني… فاختار الطريق الأسهل: محاكمة الأم.
تعليقات من قبيل: "لماذا ألبستها مايوه؟"، "لماذا أخذتها لمسبح مختلط؟". وكأن الطفلة أخطأت لأنها أرادت أن تلعب، وكأن الأم ارتكبت جريمة حين سمحت لابنتها بأن تمارس نشاطاً عادياً تماماً… نشاطاً يمارسه الأطفال في كل العالم.
هذا المنطق ليس مجرد تعبير عن جهل، بل جزء من ثقافة تبرّر العنف ضد النساء والفتيات. ثقافة تبحث دائماً عن مبرّر لإدانة الضحية، وتمنح المعتدي تخفيفاً أخلاقياً تحت ذريعة "الإغراء" أو "الاختلاط" أو "اللباس". كأن الذكور محرومون من القدرة على اتخاذ قرار، وكأن مسؤوليتهم الأخلاقية تسقط بمجرد رؤية جسد أنثوي… حتى لو كان جسد طفلة.
الطفلة ليست مسؤولة. الأم ليست مسؤولة. المسؤول هو المعتدي، والمسؤول قبل ذلك هو مجتمع يصرّ على تحميل النساء والفتيات وزر العنف الممارس ضدهن.
هذه ليست مجرد تعليقات عابرة. إنها تكشف جوهر العنف المُمَارَس ضد النساء والفتيات: تُحول الجسد الأنثوي إلى مصدر الخطر، والضحيةَ إلى متهمة، والمعتدي إلى كائن فاقد للإرادة.
مهما حاول البعض تحميل الأم أو الطفلة المسؤولية، تظل الحقيقة واضحة: لا يوجد لباس يبرّر جريمة. لا يوجد مكان يبرّر جريمة. ولا يوجد عمر يبرّر جريمة.
مشكلتنا هي هذه الثقافة التي تبرّر الاعتداء بلباس فتاة، أو مكان وجودها، أو ساعة خروجها. وأخطر ما في هذه العقلية أنها تنزع عن المجرم مسؤوليته الأخلاقية والقانونية، وتحوّل الجريمة إلى “رد فعل” على جسد أنثوي… حتى لو كان جسد طفلة.
الحقيقة أن العنف ضد النساء والفتيات لا يبدأ فقط عندما تقع الجريمة. يبدأ قبل ذلك بكثير: يبدأ حين نُبرّره.
فإلى متى سنستمر في محاكمة النساء والفتيات… بينما يظل المعتدون خارج دائرة الاتهام؟




