عروب صبح: من أنا؟ من أنت؟
Description
أعتقد أن البشر كانوا وما زالوا وسيبقون مهتمين بمعرفة رأي الأخرين بهم. أذكر جزءاً من حديث للمذيعة الشهيرة اوبرا وينفري تقول فيه أن الشيء الوحيد المشترك بين كل ضيوفها الذين قابلتهم بحياتها بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية هي أنهم يسعون أن يراهم الاخرون بشكل جيد، أن يسمعوهم ويروهم على حقيقتهم.. وتذكر على الأخص بيونسيه بكل ما هي عليه من شهرة ومكانة فنية عند ملايين الناس، أنها وبعد انتهاء اللقاء انحنت نحوها وقالت بصوت منخفض " هل كنت جيدة؟"
منذ أن اخترع البشر المرايا أصبحت هي الوسيلة اليومية الأولى التي تخبرهم عن صورتهم وشكلهم في عيون الناس.
المرايا نافذة مزدوجة، تكشف لنا صورنا، وتخفي أسرارنا في آن واحد. من دونها لم نكن لنعرف تفاصيل وجوهنا، ولا ملامحها. حين جاءت المرايا، أصبح للإنسان لقاء يومي مع نفسه، لقاء مادي ومعنوي لا يؤجَّل ولا ينتهي. وأصبح البشر يعتقدون أنها الشاهد على قبولهم لأنفسهم وقبول الآخرين لهم.
لقد غيّرت المرايا حياة البشر ماديًا فصنعت ثقافات كاملة حول الزينة، والأزياء، ومعايير الجمال. وهي جزء من الطقوس اليومية؛ ما بين تمشيط الشعر، وضبط الثياب، ومراجعة تفاصيل الوجه. وهي أيضًا سلعة، صنعت الثروة لتجار الزجاج والفضة، وفتحت مجالات للفنون، كاللوحات المرسومة على المرايا، والقصور الأوروبية التي لم تكن تُبنى بلا قاعات المرايا الفخمة.
أما معنويًا، فقد كانت المرآة أداة للتأمل الذاتي. يواجه الإنسان أمامها تغيراته، شبابه ثم ضعفه وشيخوخته. قد يصالح جراحه، أو يهرب منها. نيتشه قال: “من ينظر طويلاً في المرآة، يرى نفسه غريبًا.” وكأن المرآة ليست فقط ما يعكس الصورة، بل ما يضاعف الأسئلة: من أنا؟ هل ما أراه هو حقيقتي أم مجرد قناع؟
قال أوسكار وايلد: “المرايا تعكس بدقة، لكنها لا تقول الحقيقة.”
إن كل صورة مرآة هي وعدٌ بالصدق، وخيانة في الوقت نفسه. فهي تمنحنا صورة، لكنها تتركنا نتساءل: هل ما نراه نحن، هو ما يراه الناس؟ وهل صورتنا في أعين الآخرين أكثر صدقًا من صورتنا في الزجاج؟
كيف ونحن أصلا نعيش أدواراً مختلفة في الحياة؟
هل يمكن لانعكاسنا أن يكون واحداً في عيون كل من يرانا أو يعرفنا؟