في رحلة الحياة يحدث أن يقف الإنسان أمام معضلة الوحدة مرات عديدة، الا أن المرات التي نواجهها فيها لا تتماثل فهي قد تعبر بنا كظلّ ثقيل يزيد من همومنا، وقد تفتح لنا بابًا خفيًّا ومدهشاً نحو أنفسنا. وما بين هذين الوجهين الوحدة والوحدانية يتشكّل ذلك الشعور الإنساني العميق الذي حيّر الفلاسفة، وألهم الشعراء، وجعل الروائيين ينسجون حوله عوالم كاملة من الأفكار والبحث.

وهنا تلح أسئلة..

هل الوحدة اختيار؟ كيف نؤثث هذه الحالة لتصبح وحدانية؟ كم سنبقى فيها؟

كيف نسكن أنفسنا دون خوف، وكيف نصغي إلى الصمت في الطريق نحو الحقيقة التي نعيشها؟

الثابت أنّ الوحدة تُفرض، والوُحدانيّة تُختار؛ غير أنّ الإنسان، في لحظات نضجه، قادر أن يحوّل الأولى إلى الثانية.

 فما يهبط على القلب من وحدة موجعة يمكن، ببطء الحكمة، أن يتحوّل إلى وُحدانيّة واعية، يلتئم فيها الجرح بالمعرفة.

بعض الشعراء تغنوا بالعزلة والوحدة ورأوا أنها ضرورة لاستحضار الالهام في حين رأى الروائيون أن الوحدة هي البطل الخفي الذي يدفع الشخصيات إلى أسئلتها الكبرى، وإلى مصائرها المتردّدة بين الضوء والظلال.

الوحدة قد تكون قدراً إنسانياً بعد حدث جلل أو انطفاء للوجوه التي كانت تملأ الحياة حولنا

أما الوُحدانيّة فهي شبيهة بحديقة سرّية لا يدخلها إلا من اختار أن يبتعد عن الأشياء والناس ليقترب من ذاته. إنها عزلة مشتهاة، لا تنبت من الفقد، بل من الرغبة في السكون، ومعاينة الداخل.

الفلاسفة اعتبروا الوُحدانيّة بابًا للصفاء:

فقد رأى ابن سينا أنّ العقل لا يرى نفسه إلا إذا تحرّر من ضجيج الناس، وكتب جبران عن “العزلة التي تُكاشف المرء بجماله حين يضيع في كثافة العالم”.

إنها عزلة ممتلئة، لا يفرغ فيها القلب، بل يمتلئ بما غفل عنه طويلًا.

قد لا تكون الوحدة شرًّا محضًا، ولا الوُحدانيّة خيرًا مطلقًا.

الوحدة تُعرّي الروح من زحامها، والوُحدانيّة تُلبسها ثوب صفائها.

الوحدة امتحان… والوُحدانيّة نضوج.

وبين الامتحان والنضوج يسير الإنسان طويلًا، يبحث عن رفيق يسكنه، أو عن سكون يرافقه.