ترامب والاستيلاء العدائي على السلطة
Description
سارع الرئيس المنتخب دونالد ترامب فور فوزه بولاية ثانية، الى الادعاء ان تقدمه المتواضع في التصويت الشعبي، إضافة إلى فوزه بأكثرية أصوات المجمع الانتخابي، ووفوز حزبه الجمهوري بالأكثرية البسيطة في مجلسي الشيوخ والنواب، يشكل “انتداباً” تاريخيا من الشعب الأميركي له ولحزبه. وفسر هذا الانتداب على انه يعطيه صلاحيات لاتخاذ اجراءات جذرية تشمل القيام بأكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير الموثقين من الولايات المتحدة والقيام بعمليات تطهير واسعة للأجهزة البيروقراطية وخاصة في وزارتي العدل والدفاع والاجهزة الاستخباراتية التي يدعي انها تمثل "الدول العميقة" التي سعت للقضاء عليه وعلى حركته السياسية.
خلال الاسابيع القليلة التي تلت انتخابه رئيسا للجمهورية، عيّن الرئيس المنتخب دونالد ترامب جميع وزرائه، وغيرهم من كبار المسؤولين في ادارته بأسلوبه المعروف والخارج عن المألوف، وان اتسمت عملية الاختيار هذه المرة بالاستهتار الكامل للأعراف والتقاليد وبمنع الاجهزة الحكومية والاستخباراتية من التحقق من خلفية المسؤولين الذين اختارهم الرئيس المنتخب.
وخلال حملته الانتخابية الطويلة كشف ترامب اوراقه بالكامل ووعد انصاره واعدائه في الوقت ذاته بانه فور عودته الى البيت الابيض سوف يبدأ بحملة تطهير واسعة لما يسميه "الدولة العميقة" والتي تتمحور حول وزارة العدل والاجهزة التابعة لها مثل مكتب التحقيقات الفدرالي (الاف بي آي) واجهزة الاستخبارات المختلفة ووزارة الدفاع. ويتهم ترامب ادارة الرئيس بايدن باستخدام هذه الوزارات والاجهزة لمعاقبته وانصاره.
ومع ان ترامب زار البيت الابيض واجتمع بالرئيس بايدن لبدء عملية تسلم وتسليم السلطة، الا انه رفض توقيع الوثائق التي تتحكم بهذه العملية بما في ذلك تنسيق عملية التسلم والتسليم على مختلف المستويات ووفقا لمقاييس تضمن الشفافية والسماح للاف بي آي بالتحقق من خلفية كل مسؤول معيّن تفاديا لا حراج الرئيس المنتخب وفريقه ولضمان عدم بروز فضائح شخصية ان كانت مالية او اخلاقية .
واظهرت تعيينات ترامب ان شرطه الاساسي هو الولاء الشخصي والمطلق للمسؤولين المعينين للرئيس المنتخب وطروحاته حتى ولو كان ذلك على حساب افتقارهم للخبرات والخلفية الضرورية لقيامهم بمهامهم. وفي هذا السياق سعى ترامب الى تسمية شخصيات معروفة بانتقاداتها للوزارات او الاجهزة التي يفترض بالمسؤولين الجدد ان يقوموا بإصلاحها جذريا او حتى إعادة هيكلتها من الاصل بما في ذلك الاشراف على عمليات تطهير واسعة للموظفين.
هذا التوجه السلبي دفع ببعض المعلقين لوصف تعيينات ترامب لوزرائه بانها تشكل عملية “استيلاء عدائي" على الاجهزة الحكومية، وهو ما يحدث في لاقتصاد عندما تقوم شركة قوية بالاستيلاء على شركة اخرى اضعف دون الموافقة المسبقة لمجلس ادارة الشركة الضعيفة. ورأى بعض المراقبين ان بعض هذه التعيينات تعكس احتقار ترامب لمشاعر الأميركيين، واستهتاره بالمؤسسات الديموقراطية ولمبدأ توازن السلطات.
ولذلك لم يكن من المستغرب ان تشمل تعيينات ترامب شخصيات مثيرة للجدل والتقزز مثل وزير العدل مات غيتس ذو الخلفية الحافلة بالفضائح الشخصية والتي ارغمته بعد بضعة ايام على سحب ترشيحه، اضافة الى تعين ترامب للعسكري المتقاعد والاعلامي في شبكة فوكس اليمينية بيتر هيغسيت كوزير للدفاع، وهو الذي حضه في السابق على العفو عن عسكريين اميركيين متهمين بارتكاب جرائم حرب، والذي يدعو علنا لاقالة بعض كبار ضباط وزارة الدفاع، والمعروف برفضه لمشاركة المرأة في العمليات القتالية .وفور تعيين هيغسيت، تم الكشف عن تورطه في علاقة جنسية اتسمت بالعنف، وأدت إلى تسوية قانونية دفع عبرها مبلغاً مالياً للمرأة التي تورط معها.
وصدم ترامب الاوساط السياسية بمجملها حين عيّن النائبة الديموقراطية السابقة عن ولاية هاواي والمرشحة لمنصب الرئاسة عن الحزب الديموقراطي تولسي غابارد كمديرة للاستخبارات العامة ، ليس لافتقارها إلى الخبرة السياسية والإدارية فحسب، حيث يفترض بشاغل هذا المنصب الإشراف على عمل وتنسيق ثمانية عشر جهاز استخباراتي أميركي، بل لإيمانها العميق ونشرها لنظريات المؤامرة، بما فيها المؤامرات ضد الولايات المتحدة. وكانت غابارد قد حمّلت إدارة الرئيس بايدن ودول حلف الناتو مسؤولية الغزو الروسي لأوكرانيا، لأنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار ما أسمته “مصالح روسيا الأمنية الشرعية” في أوكرانيا. كما ادعت غابارد انا الرئيس السوري بشار الاسد لم يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
,اخطر ما في هذا التعامل غير المألوف مع التعيينات الحكومية هو رغبة الرئيس المنتخب ترامب في الغاء الدور التقليدي لمجلس الشيوخ في عملية التصديق على هذه التعيينات بعد التحقق من جدارة أو اهلية المسؤولين المعينين، حيث سيطلب من المجلس تعليق دوره الدستوري، لاعطاء ترامب صلاحيات دستورية أوسع.