الموجة الحمراء في الولايات المتحدة: هل هي تغيير أم مصدر قلق؟
Description
فعلها دونالد ترامب مرةً ثانية وانجزَ عودةً تاريخية إلى البيت الأبيض خلافاً للتوقعاتِ واستطلاعات الرأي. وهكذا ثبُتَ ان التاريخَ يكونُ احياناً ما لا نتوقعُه . وسجلَ هذا الفوزُ الكبيرُ ردَ اعتبارٍ لشخصٍ متهم، وهو الذي وقفت بوجهِه منظومةٌ متكاملةٌ اعتبرتهُ من الطارئين. والذي يزيدُ الإثارة في عودةِ ترامب كونُه اختصرَ حزبَه وفريقَه الانتخابي ودارتِ المعركةُ حولَ شخصِه واطروحاتِه.
ولم تقتصرِ المكاسبُ على الفوزِ بالرئاسة، اذ تمكنَ الحزبُ الجمهوري من احراز الأغلبيةِ المطلوبة في مجلسِ الشيوخ، واحتمالِ الحصول على أغلبيةٍ مماثلةٍ في مجلس النواب.
ويُطلَق على هذا الفوز الكاسح لقب "الموجة الحمراء" إشارةً إلى سيطرةٍ كبيرة للحزبِ الجمهوري في الانتخابات ( الموجه الزرقاء تخص الحزبَ الديمقراطي).
عدةُ عواملَ أدت إلى هذه الموجة الحمراء : الإقبالُ العالي من الناخبين المحافظين، عدم ُرضا الناخبين عن سياسات الحزب الديمقراطي الحاكم، الرغبةُ في تغيير مسارِ البلاد نحو سياسات ٍأكثرَ تحفظاً.
يدفع كلُ ذلك إلى التساؤل ما إذا كان ترامب قد غيرَ أميركا، أو هل أن الولايات المتحدة هي التي تغيرت ؟ لا يمكنُ الاكتفاء ُبأحد الاحتمالين للإحاطة بالوضع الاميركي اذ كيف يمكنُ تصورُ الانتقال من اولِ رئيسٍ ملون هو باراك اوباما في 2008 إلى رئيسٍ مؤمن بتفوق العنصر الابيض هو دونالد ترامب في 2016 . ويعكس ذلك الانقسامُ العميق في المجتمع الاميركي ووجودُ رؤيتين للعالم ومقاربةُ قضاياه . وقد انتجَ هذا التغييرُ والقلقُ في آن معاً صعودَ ثورة ٍمحافظة تقليدية في وجهِ صدمةِ الإفراط في الحداثة وسقوطِ منظومة القيمِ الاجتماعية .
ورغم أن صعودَ ترامب إلى السلطة (2017-2021) كان ينظر ُإليه على أنه مرحلةٌ "شاذة" في مسارِ التاريخ السياسي الأمريكي، فإن انتصارَه للمرة ثانية في نوفمبر 2024 ، عزز مواقعُه ضد المؤسسةِ السياسية والنخبةِ الأمريكية التقليدية، مما يمثل تحولًا تاريخيًّا. خاصة عند الناخبين الأمريكيين الذين يشعرون بالتهميش من قبلِ الأحزاب السياسيةِ والنخب الأمريكية، ولا سيما مع خطابه الشعبوي.
ومن الاسباب الرئيسية التي أسهمتْ في هذه الموجة الحمراء عدمُ رضا الناس عن السياساتِ الاقتصادية للرئيس جو بايدن ونائبتِه كامالا هاريس سواء الداخلية منها أو الخارجية. وأبرزُها ارتفاعُ الاسعار والتضخم، في موازاة إرسالِ المساعدات بزخم للخارج وخاصة أوكرانيا. ولهذا يعتقد المراقبون ان الناخبين أرادوا القولَ من خلال نتائج التصويت إعادةَ ترامب حتى يتحسنَ الاقتصاد في الداخل وحتى لا يزدادَ انخراطُ البلاد في صراعات خارجية كما يحصلُ في أوكرانيا والشرق الأوسط.