ماذا لو كان بإمكانك تغيير الماضي
Description
قرأت دراسة أثارت اهتمامي جدا عن عالمة نفس أمريكية اسمها إليزابيث لوفتوس، وهي من أشهر الباحثين في مجال “الذكريات الكاذبة ” (False Memories)، حيث أثبتت أن الذاكرة قابلة للتلاعب وزرع أحداث فيها يصدّقها عقل الإنسان وكأنها حدثت فعلا!
إحدى التجارب التي قامت بها إليزابيث في دراستها هي تجربة “الطفل الضائع في المتجر” (Lost in the Mall). أخبرت المشاركين في الدراسة أن أحد أقاربهم قال إنهم ضاعوا في مول عندما كانوا صغارا. مع الوقت، حوالي 25% من المشاركين تذكّروا تفاصيل كاملة عن الحادثة (من ساعدهم، ماذا لبسوا، كيف بكوا…) رغم أنها لم تحدث إطلاقًا!
أي أنها زرعت الفكرة في ذاكرتهم، فصدّقوها وتعاملوا معها كواقع وبدأ عقلهم يتخيّل سيناريوهات لم تحدث لإثبات حدوثها. هذا الموضوع جعلني أفكّر كثيراً، يا ترى ما هي الأشياء التي زُرعت في دماغنا من خلال الإعلام، وأصبحنا نتعامل معها كحقيقة، وربما أيضا أدمغتنا اخترعت تفاصيل لم تحدث.. هل هذا ممكن؟
يقول علم الأعصاب إنّ الدماغ لا يفرّق بين التذكّر والعيش. أي عندما نسترجع ذكرى تنشط نفس المناطق العصبية التي كانت فعّالة وقت الحدث الحقيقيّ (خاصّة الحُصين والقشرة الجبهية). أي أن العقل يعيش الحدث من جديد في كل مرّة نتذكّره، بما فيه من مشاعر وتأثير جسديّ (ضربات القلب، توتّر، دموع…). لهذا السبب، فإن تغيير تفاصيل الذاكرة، مثل من كان المذنب أو كيف انتهى الموقف، يمكن أن يغيّر فعليًّا استجابتنا العاطفيّة للحياة اليوم.
هذا جعلني أفكّر، هل من الممكن أن نغيّر أحداث واقعنا الحالي بتغيير ماضينا؟ علم النفس يقول أنّ الذاكرة تصنع الهويّة، أي أن الذاكرة هي القصة التي نحكيها عن أنفسنا، ومن نحن، وعندما تتغيّر القصة تتغيّر الذات. هذه الفكرة تُستخدم في العلاج النفسيّ، خصوصًا في العلاج السردي (Narrative Therapy)، حيث يُشجَّع المريض على “إعادة كتابة” ماضيه بطريقة تعطيه معنى وقدرة على الاستمرار، وعندما يغيّر ماضيه يتغيّر حاضره لأنّ قناعاته عن نفسه وتوقُعاته عن الحياة وعن نفسه تغيّرت، أليس ذلك مذهلاً؟!
في كثير من الأحيان أشعر بأن عقلنا يشبه الآلة الإلكترونية، عندما نغيّر ونمسح ما في ذاكرة الكمبيوتر أو الهاتف يتغيّر الكثير أليس كذلك؟ فلنذهب لذاكرتنا ونستكشف ماذا يمكننا أن نغيّر ليصبح واقعنا أفضل؟ واقع بنظرة جديدة عن ذاتنا وتوقّعاتنا.