الولايات المتحدة بين عنف الماضي وصدمات الحاضر
Description
حققت الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا بالعنف، وتوسعت غربا بالعنف، وحافظت على مؤسسة العبودية بالعنف، وتخلصت من هذه المؤسسة بعد أعنف حرب أهلية في القرن التاسع عشر. العنف في الولايات المتحدة إذن هو بنيوي ونجده تقريبا وراء كل مرحلة مفصلية مرت بها الجمهورية الأميركية.
أحدث اغتيال الناشط والمؤثر اليميني تشارلي كيرك المقرب من الرئيس ترامب موجة صدمة هزت تداعياتها جميع قطاعات المجتمع الأميركي، وعمقت الخلافات السياسية في الوقت الذي تمر فيه البلاد في مرحلة انشقاق اجتماعي وسياسي عميق، يعتبر الأخطر منذ عقد الستينات في القرن الماضي.
الرئيس ترامب والملايين من الأميركيين الذين يتبعون كيرك على وسائل الاتصال الاجتماعي رفعوه إلى مرتبة الشهيد الذي يستحق التكريم الرسمي والشعبي وكأنه قائد وطني منتخب.
وسارع الرئيس ترامب وغيره من كبار المسؤولين إلى توجيه أصابع اللوم إلى "اليسار" الأميركي حتى قبل القبض على المتهم بالقتل، ما أدى إلى طرد او تسريح أو عزل أي اميركي قام بتذكير الرِأي العام بالمواقف السياسية والاجتماعية المتشددة التي كان يبشر بها تشارلي كيرك.
وكان تشارلي كيرك يؤمن بنظرية المؤامرة التي تدعي بان هناك محاولات لاستبدال الأكثرية البيضاء في البلاد بمهاجرين من أفريقيا وآسيا وكان يقول إن الدين الاسلامي يمثل خطرا على الولايات المتحدة، وله مواقف متشددة من قائد حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ، الذي يتهمه بإثارة المشاعر العنصرية، واتهم المتبرعين اليهود بتمويل قوى اليسار، كما رفض الاعتراف بحقوق المثليين.
وخلال الأيام التي عقبت الاغتيال، انتشرت في البلاد مشاعر الخوف والقلق جراء حملات الترهيب السياسي والعنف اللغوي التي شنها الرئيس ترامب ونائبه جي دي فانس ضد كبريات الصحف وأبرز شبكات التلفزيون الأميركية التي يعتبرها الرئيس ترامب معادية له.
واستغلت إدارة الرئيس ترامب جريمة اغتيال تشارلي كيرك لشن حملة ضد حريات التعبير والتحريض ضد وسائل الإعلام الليبرالية أو المعروفة بانتقاداتها لمواقف وسياسات ترامب.
وطلب نائب الرئيس جي دي فانس من الأميركيين الكشف عن أي شخص يحتفل باغتيال تشارلي كيرك والتشهير به. كما هددت وزيرة العدل بام بوندي بمعاقبة أي شخص يستخدم خطاب الحقد بغرض التحريض، متجاهلة قرارات المحكمة العليا التي تحمي كل حريات التعبير التي يضمنها الدستور.
وقبل أيام قامت شبكة التلفزيون أي بي سي بوقف برنامج مسائي للفكاهي المعروف جيمي كيمل لأنه قال إن مؤيدي الرئيس ترامب يستغلون اغتياله لأغراض سياسية. وأحدث توقيف برنامج جيمي كيمل موجة احتجاجات في الأوساط الإعلامية والفنية، وخاصة بعد أن هدد مدير هيئة الاتصالات الفدرالية بريندان كار بأن وقف برنامج كيميل لن يكون عملا معزولا، وبعد أن هدد الرئيس ترامب علنا بسحب رخص العمل من شبكات التلفزيون التي تنتقده.
قبل أيام قال حاكم ولاية يوتاه سبنسر كوكس إن اغتيال تشارلي كيرك يمثل "نقطة تحوّل في التاريخ الأميركي" يمكن أن تكون علامة " لنهاية فصل مظلم في تاريخنا, أو بداية فصل أكثر ظلاما ". وحده الزمن سوف يجاوب على هذا السؤال.