خطر التحرش الروسي بأوروبا
Description
تعددت خلال الأيام الأخيرة مظاهر التحرش الأمني والعسكري الروسي بأوروبا خاصة من خلال تزايد استعمال المسيرات ضد بلدان البلطيق وفنلندا. لكن بالرغم من خطورة هذا الاختراق الجوي الذي يضاف إلى مظاهر أخرى من الهرسلة الروسية، يبقى الرد الأوروبي دون المستوى المطلوب بما يعطي صورة التردد وحتى العجز.
ذلك أن التحركات الرسمية للمسؤولين الأوروبيين وتصريحاتهم وحتى استعمال سلاح الجو، تبقى دون المستوى الذي يرفعه حجم التحدي. فكأن الاتحاد الأوروبي لم يخرج بعد من تحت مظلة حماية أمريكية لم يبق منها مع دونالد ترامب سوى الاسم.
التحرش الروسي الذي وصل حد التهديد الأمني المباشر عبر المسيرات ليس بجديد، بل يمكن القول إنه يعود إلى سنة 2014 وضم شبه جزيرة القرم. ذلك أن هذا الحدث دشن بداية توجه طموحات فلاديمير بوتين غربا وشمالا والاقتراب أكثر من الحدود الأوروبية الشرقية.
وقد اتخذ التحرش الروسي عديد الأشكال ليس أقلها الحرب المعلوماتية التي تمتد من تتالي حملات القرصنة الإلكترونية لتصل إلى قطع الكوابل البحرية لشبكة النت.
وصل التحرش الروسي ببعض البلدان الأوروبية حد افتعال أزمات طائفية داخلية مثلما حصل في فرنسا عندما تمت كتابة شعارات معادية لليهود اتضح لاحقا أنها من فعل خارجي مرتبط بدوائر روسية.
غير أن الخطر الأكبر في اعتقادنا يبقى التدخل الروسي في الحياة السياسية الداخلية لعديد البلدان الأوروبية. فقد أشارت عدة تقارير إلى دور موسكو في البركسيت وكذلك دورها في صعود فكتور أوربان إلى السلطة في المجر. وقرب موسكو من أغلب أحزاب أقصى اليمين المتطرف غير خافية وهي تتجاوز المساندة السياسية والمعلوماتية، عبر حملات التضليل الإعلامي مثلا، إلى الدعم المالي المباشر. لذلك فإن بوتين ليس في حاجة إلى الحرب ضد أوروبا لأنه قادر على افتكاكها من الداخل عبر أحزاب اليمين المتطرف القومي.
مقابل هذه المخاطر الروسية المؤكدة والمتزايدة، يبدو أن الرد الأوروبي مازال رخوا وربما غير واعي بشكل كافي لحجم التحدي.
فعلى المستوى العسكري تم تحريك بعض المقاتلات للتصدي للاختراقات الجوية. غير أن الطائرات المقاتلة تبقى عديمة الجدوى في مواجهة المسيرات. ربما يكون الحل فيما تم اقتراحه مؤخرا مثل الجدار المضاد للمسيرات، لكنه يبقى منقوصا طالما لم يصاحبه خطاب رسمي قوي.
من جهة ثانية، على القوى الديمقراطية الأوروبية اليوم الكشف عن تقارب أحزاب اليمين المتطرف مع موسكو باعتبارها أصبحت أداة سياسية وإيديولوجية لخدمة روسيا وضرب الديمقراطية والحريات. إن موضوع روسيا هو أيضا رهان مجتمعي وليس فقط سياسي رسمي.