إلون موسك وانتصار العقل التقني
Description
تميز الأسبوع المنقضي بحضور مكثف للملياردير الأمريكي إلون موسك سواء على الساحة السياسية الأمريكية أو الدولية وذلك عبر تصريحاته على منصته "إكس" التي لم تترك موضوعا إلا وتناولته، من أوكرانيا إلى غزة إلى ضم كندا وقناة بنما.
وتؤكد مختلف هذه التصريحات بتطرفها مدى التحول الذي تعيشه الولايات المتحدة على مستوى السياسة وموقع الدولة منها. ليس المشكل هنا أن موسك ثري فقط بما يحيل عليه من تضارب للمصالح مع المهمة الحكومية التي سوف يتولاها ضمن حكومة دونالد ترامب، بل يتعدى الأمر إلى ما هو أعمق من خلال هيمنة العقل التقني على حساب المبادئ والقيم.
تعود بنا مسألة العقل التقني إلى فلسفة الأنوار بداية القرن التاسع عشر عندما ميز الفيلسوف إيمانويل كانط بين المعرفة التقنية، أو العقل التقني، من ناحية، والعقل الفلسفي القيمي من ناحية ثانية معتبرا أن الأهم للإنسانية هو أن تتقدم من أجل تحقيق قيم ومبادئ تسعد الإنسان وتساعدها في ذلك المعرفة العلمية التقنية. كان ذلك في سياق الثورة الفرنسية وما فتحته من أبواب لعالم جديد شعاره الحرية. خلال القرن العشرين تعرض بدوره الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر إلى نفس هذا التمييز محذرا من هيمنة العقل التقني عندما ينفلت العلم من عقال المبادئ.
في هذا السياق، ربما يعتبر كتاب الفيلسوف والصحفي الألماني غونتر أندرس خلال الخمسينات من القرن الماضي، من أهم الكتب التي ركزت على وصول الإنسان إلى حالة مأساوية بعد أن صنع الآلة وأصبح عبدا لها، بل أصبحت الآلة بفاعليتها وبقدرتها الخارقة هي قدوته. فإنسان القرن العشرين، حسب أندرس، هو إنسان تابع للآلة وكل همه منحصر في تبعيته للتقنية التي صنعها. هكذا لم يعد التاريخ هو الحرية كما يرى هيجل، بل أصبح التقنية.
إيلون موسك، ربما يمثل الحالة الأكثر تعبيرا عن مدى هيمنة هذا العقل التقني، بل وتحوله رسميا إلى قيادة العالم من خلال أقوى دولة هي الولايات المتحدة الأمريكية. يتجسد العقل التقني لإيلون موسك والمبني على تصحر قيمي ومبدئي، في أبسط مشاريعه التي ينوي تحويلها إلى واقع. ولعل أبرز مثال على ذلك مشروعه للبحث عن مكان آخر في الفضاء يمكن العيش فيه لأن الحياة على الأرض في طريقها إلى الزوال. إننا هنا لأول مرة إزاء تحول أفلام الخيال العلمي إلى واقع. منصة إكس، تويتر سابقا، هي بدورها تجسيد لتحويل الإنسان إلى منتج للتقنية عبر التلاعب بالخوارزميات وعبر نشر الأخبار الزائفة وضرب الديمقراطية وقيم المساواة والعدل. لقد أصبحت الدولة ذاتها رهينة هذا العقل التقني، وهو ما يمثل في النهاية تراجعا عن عمق الحداثة.