العراق وليبيا وتونس.. هجوم القوى المحافظة على المرأة العربية
Description
ليس من العسير توثيق ما يحدث في بعض البلدان العربية من إجراءات أو مشاريع قوانين، أو حتى من نقاشات عامة حول مراجعة مجلات الأحوال الشخصية، أو حول تشديد الرقابة على النساء، على أنه هجوم بكل معنى الكلمة على بعض المكاسب الاجتماعية للمرأة.
ويتم ذلك في بلدان متباعدة ومتفاوتة الأوضاع، وكأنه يوحي بتنسيق ما. غير أن التدقيق في الأمر يخلص إلى أن هجوم القوى المحافظة في هذه البلدان مرتبط بسياق مشترك ناتج عن التغيرات السياسية الأخيرة فيها.
ففي العراق، تشهد الساحة السياسية منذ أيام نقاشا عنيفا حول مشروع قانون لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية، بشكل يحول إقرار التعديلات إلى السلطات الدينية للطوائف بدلا من القضاء.
وفي هذا الإطار، تم اقتراح تخفيض سن الزواج للمرأة من 18 سنة في القانون الحالي، أو 15 سنة بإذن قضائي، إلى سن تسع سنوات، وهو ما يعد كارثة على الأطفال في العراق وعلى المرأة العراقية عمومًا. فإن زواج القاصرات بمثل هذا القانون يعتبر تعديا على حقوق الطفل ويفتح الباب أمام الاغتصاب والحمل المبكر.
هذا إضافة إلى ما قد يفرزه هذا المقترح من تعميق للطائفية بسبب الاختلافات المذهبية في مجال الأحوال الشخصية.
أما في ليبيا، فقد شهدت مؤخرا سجالا كبيرا على إثر تصريحات وزير داخلية الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي حول فرض الحجاب على الليبيات، وحول عودة شرطة الآداب إلى عملها خلال الشهر الحالي، مع إجراءات أخرى تمنع الاختلاط في الأماكن العامة، وتحرم المرأة الليبية من حقها في السفر دون محرم، وحتى منع بعض أنواع قصات الشعر.
الغريب في الأمر أن هذا الاتجاه شمل تونس، وهي الممثل الشاذ في العالم العربي من حيث تقدم حقوق المرأة. غير أن الأمر هنا، وعلى خلاف الحالتين العراقية والليبية، لم يكن له أي بعد رسمي، واقتصر فقط على بعض الحملات في وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "الحق في زوجة ثانية". وانطفأت الحملة بسرعة بسبب موجة من السخرية والتنديد على وسائل الاتصال الاجتماعي.
كيف نفهم هذا الارتداد؟ نعتقد أن ذلك مرتبط بعاملين أساسيين. أولا، أن هذه البلدان شهدت تغيرات سياسية في سياق الثورات العربية، والتي ترافقت مع تنامي المطالبة بالمساواة والتحديث السياسي. ويؤدي ذلك حتما إلى رد فعل من الجهات المحافظة في المجتمع.
ثانيا، أن هذه التحولات نحو التحديث السياسي تشهد انتكاسة وعودة للرغبة المجتمعية في حكم قوي، بما في ذلك العودة إلى الهوية والتقاليد.