مرحلة كل المخاطر على العالم
Description
لم ننتظر يوم الإثنين الماضي، يوم التنصيب الرسمي لدونالد ترامب في منصب الرئاسة، كي نعرف التوجهات العامة للسياسة الأمريكية على الأقل خلال الأربع سنوات المقبلة.
فتصريحات الرئيس الأمريكي الحالي طوال حملته الانتخابية تغنينا عن كل انتظار. وقد أعاد التأكيد عليها هو ومعاونوه طوال الأسبوع المنقضي.
لقائل أن يقول أن هذا شأن أمريكي وقد جاء بخيار ديمقراطي، لكن المشكلة أن بعض التوجهات تمس مباشرة العلاقات الدولية باتجاه جو من التوتر يجعل من العالم يدخل مرحلة محفوفة بكل المخاطر.
أولى هذه المخاطر تتمثل في عودة منطق التوسع المجالي على حساب دول قائمة بما يمثله ذلك من تهديد لمفهوم السيادة الوطنية كما في حالة بنما أو غروينلاد أو كندا. إنه عودة لما قبل الدولة، أي عودة لمنطق التوسع الإمبراطوري الذي كانت الحرب العالمية الأولى قد أتت عليه. الأخطر في ذلك أن تلتقي دولة مثلت لزمن طويل مرجعا للحرية وللديمقراطية مع دول مثل الصين وروسيا ذات الحكم الأحادي.
ثاني هذه المخاطر يتمثل في عودة الرهانات الاقتصادية على خلفية المصلحة الوطنية أولا. أي عودة تقريبا إلى المرحلة المركنتيلية حيث كانت المنافسة شديدة وتندلع الحروب بين الأمم بسبب الصراع على الأسواق. وما خروج الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية إلا مؤشر على ذلك.
ثالث المخاطر مبعثه ضرب مبدأ القانون والحقوق مقابل فرض منطق القوة والأمر الواقع. نفهم ذلك من خلال حديث ترامب مثلا عن إمكانية السيطرة الأمريكية على بنما أو حتى تلميحه إلى السيطرة بالقوة على غروينلاند. نفهم ذلك أيضا من خلال مساندته اللامشروطة لسياسات نتنياهو التوسعية على حساب الحقوق الفلسطينية. ولكن المؤشر الأخطر يبقى التوجه لفرض عقوبات صارمة على محكمة الجنايات الدولية بسبب إصدارها بطاقة جلب دولية في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي.
رابع المخاطر وليس آخرها يتمثل في المسعى لضرب مبادئ شكلت عمق الحداثة مثل الحرية والمساواة والديمقراطية. فلا يهتم ترامب بالديمقراطية ولا بالمؤسسات ولا بالدولة في حد ذاتها أمام هوسه بعظمته الشخصية. ومن جديد فهو يلتقي في ذلك مع أنظمة مثل الصين وروسيا ذات الحكم الاستبدادي.
خلاصة القول من خلال هذه النقاط الأربع، يبدو أن العالم قد أدار بظهره للمستقبل وعاد إلى الوراء، إلى سنوات الثلاثينات من القرن الماضي عندما أجبرت الأزمة العالمية الاقتصادية الدول على تبني سياسات وطنية حمائية وتراجعت الأنظمة الديمقراطية وعادت فكرة التوسع المجالي ليعطينا كل ذلك أقصى تجربة مأساوية في التاريخ البشري وهي الحرب العالمية الثانية.